هآرتس: مصير غزة سيحسم بين طهران وبيروت

هآرتس: مصير غزة سيحسم بين طهران وبيروت
Spread the love

بقلم
عاموس هرئيل- محلل إسرائيلي-

كلما ازداد احتمال دخول الجيش الإسرائيلي البرّي إلى قطاع غزة، كلما تصاعدت حساسية الوضع على الحدود مع لبنان. لقد انتقل حزب الله إلى مخطط سلسلة هجمات، يومياً، على طول الحدود، والجيش الإسرائيلي استعد لمواجهته في الماضي كـ”أيام من القتال”، وهو يزيد في عدد الصواريخ يومياً. في ظروف عادية، كانت إسرائيل ستبادر إلى شنّ حرب شاملة على لبنان، رداً على هجمات حزب الله التي تشمل صواريخ مضادة للدبابات وقنابل مدفعية وصواريخ. حتى الآن، تردّ إسرائيل بقصف مدفعي وهجمات جوية على طول الحدود، وتطارد الخلايا التي تحاول التسلل. وفي الأمس، قُتل مواطن في هجوم صاروخي مضاد للدبابات في منزله في موشاف شتولا، ولاحقاً، سمحت الرقابة العسكرية بنشر خبر مقتل ضابط في الجيش جرّاء إطلاق صاروخ من حزب الله بالقرب من موقع نوريت على الحدود اللبنانية.
يمكن الافتراض أن السبب الذي يدفع بإسرائيل إلى ضبط النفس هو رغبتها في التركيز على الحرب في قطاع غزة. يحاول حزب الله ردع إسرائيل عن القيام بتوغل برّي واسع النطاق في شمالي غزة، والتشكيك في إمكانية إدخال قوات إلى هناك، الأمر الذي سيُلحق ضرراً كبيراً بشريكته “حماس”. في المقابل، حتى الآن، الحزب لم يعلن الحرب، على الرغم من أن هذا الكلام يُسمع في القنوات الإعلامية المقربة منه.
من الواضح أن حزب الله “يتلاعب بالمعادلة”، أي أنه يختار ردوداً مركزة على عمليات إسرائيلية؛ وهكذا، قُتل في الأمس مواطنان لبنانيان في قصف مدفعي، رداً على قذائف مدفعية طالت مزارع شبعا. لكن هذا الوضع حساس للغايةـ وهناك احتمال كبير لحدوث خطأ في الحسابات يؤدي إلى اندلاع حرب متعددة الجبهات بين إسرائيل وأعدائها، أي حرب إقليمية. ويبدو أن القرار النهائي سيُتخذ بين القيادة في طهران وبين حسن نصر الله في بيروت. سيتعين على إيران أن تقرر ما إذا كانت مستعدة للمخاطرة بمشروعها الكبير من أجل إنقاذ “حماس” من ضربة قاسية. كما عليها أن تأخذ في الحسبان إمكانية التدهور إلى مواجهة عسكرية غير مباشرة.
في غضون ذلك، الجيش الإسرائيلي في حالة انتظار على الحدود مع قطاع غزة. هناك هجمات جوية مكثفة، هدفها ضرب أهداف يمكن أن تعيق مناورة القوات البرية في القطاع. وهذه المرحلة تطول، وتحاول إسرائيل أن تتجنب الظهور بمظهر المراوحة، المعروف في العمليات السابقة في غزة، والذي ينتهي في معظم الأحيان بعملية محدودة، من دون مناورة برية. الظروف هذه المرة مختلفة، لأنها حرب حقيقية، بدأت بمقتل نحو 1300 إسرائيلي، وأسفرت عن مئات المخطوفين والمفقودين…
تحاول إسرائيل إجلاء أكبر عدد من المدنيين عن المنطقة الواقعة شمالي ناحل عوز. مئات الآلاف من الفلسطينيين غادروا، على الرغم من العقبات التي تضعها “حماس”. في الأمس، وبضغط أميركي، وافقت إسرائيل على استئناف تزويد الجزء الجنوبي من القطاع، والذي تدفع الناس في اتجاهه، بالماء والكهرباء.
في غضون ذلك، يُمارَس ضغط دولي على مصر من أجل فتح الحدود أمام دخول اللاجئين إلى سيناء. نظام الجنرالات في مصر يكره “حماس” التي تشكل جزءاً من حركة الإخوان المسلمين، لكن في ضوء الوضع المأساوي الناشىء، لا يمكن استبعاد موافقة عبد الفتاح السيسي على فتح المعبر، في مقابل محو ديون مستحقة للمجتمع الدولي، وفي ضوء الوضع المزري للاقتصاد المصري.
هناك مسألة أُخرى حساسة تتعلق بالمخطوفين. وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن قال بعد ظهر أمس إن الولايات المتحدة تُجري اتصالات مع دولة ثالثة (على ما يبدو قطر) من أجل التوصل إلى صفقة أسرى سريعة. والنية هي صفقة، يُطلَق في إطارها، نساء وأولاد إسرائيليون مخطوفون، في مقابل نساء وأولاد فلسطينيين معتقلين في السجون الإسرائيلية بجنح أمنية. وعلى ما يبدو، ليس المقصود إطلاق سراح متهمين بـ”جرائم”.
هناك مصلحة معينة لـ”حماس” في إنهاء مثل هذه الصفقة… وعلى الرغم من ذلك، فإنها تتصرف، منذ الهجوم في 7 تشرين الأول/أكتوبر، كأنها في حرب شاملة، ولا تُظهر علناً أيّ استعداد للتوصل إلى تسوية، ناهيك بإعلان إسرائيل أنها تنوي تدمير الحركة حيثما كانت.
أهداف العملية البرية، كما جرى عرضها بصورة عامة على الجمهور، تتحدث عن تدمير نظام “حماس”، وبصيغة أُخرى، القضاء على قدرات الحركة العسكرية والتنظيمية. وهنا تُطرح أسئلة أُخرى: في مثل هذه الحالة، ماذا نفعل بجنوبي غزة، بعد دفع الفلسطينيين إلى هناك، وبالتأكيد اختباء مسلحي “حماس” بينهم؟ وهل الدخول إلى غزة لن يُشعل حرباً في الشمال؟ الجيش الإسرائيلي لا يشارك خططه العملانية مع الجمهور، وهو على حق.

المصدر: صحيفة هأرتس الإسرائيلية عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية