هآرتس: شعبٌ من الأسود، يقوده حمير

هآرتس: شعبٌ من الأسود، يقوده حمير
Spread the love

شؤون آسيوية –

“لدينا شعب من الأسود”، قال رئيس الوزراء السابق نفتالي بينت في مقابلة أُجريت معه يوم الأحد الماضي في مستشفى سوروكا. كان بينت يتحدث عن أشخاص مثل روعي ليفي وأوفير ليبشتاين، اللذين قُتلا في الأعمال القتالية، وعن الطوابير المكونة من مئات الإسرائيليين الساعين للتبرع بالدم. لقد سمعت هذا الخطاب وتأثرت، لا توجد كلمات كافية لتوصيف هول الفظاعة المتمثلة في “ذبح” الشبان في المهرجان الموسيقي، و”قتل” العائلات في منازلها، وخطف النساء والمسنين والأطفال. كل ما ذكرته آنفاً، ليس سوى “جرائم حرب” خطِرة، هذا سلوك لا إنساني، ولا مبرر له بالمطلق. إلّا إن الأمر الوحيد الذي تمكنت من التفكير فيه، هو عبارة بريطانية تعود إلى زمن الحرب العالمية الأولى: “شعب من الأسود، يقوده الحمير”.

لقد تعيّن على المواطنين التحول إلى أسود، لأنهم عندما احتاجوا إلى المساعدة، اكتشفوا أنهم لا يملكون ظهيراً من الدولة. لا شيء بالمطلق. في ظهيرة يوم السبت، تم استدعاء الناس إلى التجمع في محطات القطار والحافلات للتوجه إلى خدمة الاحتياط، لكن ما من أحد اكترث لمسألة نقلهم. لذا، قام المواطنون بنقل المجندين لخدمة الاحتياط إلى جنوب البلد بسياراتهم الخاصة، معرّضين حياتهم للخطر. الآن، يقوم المواطنون بالتبرع بالطعام، والمواد الصحية، وحتى بالسترات الواقية من الرصاص، لأن هذه المواد، لسبب ما، غير متوفرة. عفواً، لقد تبرع كل واحد وواحدة منا بما يكفي: بلغت ميزانية الدفاع 110.2 مليار شيكل في سنة 2022، وكان من المتوقع أن ترتفع هذه الميزانية إلى 125.1 مليار شيكل في سنة 2024. فما الذي اشتريتموه بهذا المال؟ كريم كراميل؟

تقول نظرية المؤامرة التي ينشرها أتباع نتنياهو الآن، أنه من غير الممكن بالمطلق أن تتمكن “حماس” من اختراق الجدار، من دون أن تتلقى “مساعدة من الداخل الإسرائيلي”. لقد انتشرت هذه النظرية بصورة سريعة، عبر القنوات التي تؤيد نتنياهو، ومن الصعب التصديق أن هذه النظرية لم يتم تسليمها إليهم من رأس السمكة النتن مباشرة [نتنياهو]. وقد جرى كل ذلك في الوقت الذي كان مواطنو إسرائيل في كلٍّ من سديروت وأوفاكيم والكيبوتسات في الملاجئ، من دون كهرباء أو ماء، يستصرخون الناس عبر الإنترنت، ليرسلوا لهم المساعدة التي لم تصل إليهم.

عبر قنوات الكراهية في تطبيقيْ واتس آب وتيليغرام، وفي هيئة التحرير الفاسدة في القناة 14، صاروا ينشرون الأكاذيب عن العرب [فلسطينيو الـ48] الذين يحرقون الحقول. هذه كراهية منظمة، ومتناغمة، تهدف أولاً، وقبل كل شيء، إلى التنصل من المسؤولية، والبحث عن مذنب آخر لتعليق الإخفاق عليه. افعلوا كل ما تريدونه، ولكن، إياكم أن تتحدثوا أبداً عن بطل الأمن، وبطل الاقتصاد، الرجل الذي “حوّل إسرائيل إلى إمبراطورية”. يجب القضاء على نظرية المؤامرة هذه منذ الآن: فالإخفاق الذي شهدناه يوم السبت، والإخفاق الذي نراه يومياً منذ ذلك اليوم، لا ينحصر فقط في اختراق الجدار. بل ليت هذا الإخفاق هو مشكلتنا.ما رأيناه خلال هذا الأسبوع: جيش لم يتمكن، على مدار ساعات، من نقل جنوده مسافة تبلغ عدة عشرات من الكيلومترات من أجل إنقاذ مدنيين محاصرين. لقد رأينا جيشاً يملك قنوات على تطبيق تيك توك، ومراكز هسباراه [الدعاية الرسمية] لا يملك عتاداً أساسياً لجنود الاحتياط الذين امتثلوا لأوامر الاستدعاء. جيش يمكنه مطاردة الأطفال في الخليل، وهدم السقوف في غور الأردن، لكنه غير قادر على إدارة وحدات مخازن الطوارئء أو نقل القوات، أو إقامة غرف عمليات لمتابعة مصير المفقودين في الوقت المناسب. تعجّ حسابات فايسبوك وتويتر بصور صغار في السن، مبتسمين، لم يسمع أحد أخباراً عنهم منذ أيام، ولم تتواصل أيّ جهة رسمية مع أُسرهم. الأمر يبعث على الجنون.

يحدثنا الساسة عن احتلال غزة، وتكاد تعتريني الرغبة في البكاء من حجم الإحباط. أيّ جيش هذا الذي سيحتل غزة؟ عمّ تتحدثون؟ هذا انعدام تام للقدرة على تمييز الواقع. دعونا نبدأ أولاً بالحديث عن استعادة الجيش سيطرته على سديروت، ثم دعونا نتحدث عن احتلال غزة. يقترح الآخرون سحق القطاع. يقترح وزير المالية بتسلئيل سموتريتش القتال في غزة، كأنه لا يوجد مخطوفون فيها. أطفال صغار، ومسنون، ورجال، ونساء: كل هؤلاء لا شيء، ولا قيمة لهم في نظره. في الماضي، أبدى سموتريتش تعاطُفاً أكبر مع الذين قاموا بمهاجمة قرية حوارة وحرقها، حين قال عنهم بأنهم أناس “من الممكن أن نحبهم، ويجب علينا ذلك،” وفي المقابل، “يجب أن نضع لهم حدوداً.”

هذه اللحظة الرهيبة، تتطلب منا النظر إلى الواقع نظرة حكيمة. لقد دسوا في أفواهنا ما يكفي من الأوهام والهراء حتى الآن، والثمن بات، بكل بساطة، لا يطاق. حتى وقت كتابة هذه السطور، قُتل 1300 إسرائيلي على الأقل. بيْد أن هذه الأرقام ستواصل الارتفاع حتى وقت نشر المقال. في حرب يوم الغفران بأسرها، قُتل 2689 إسرائيلياً، لكن هذه الحرب استمرت 19 يوماً. كما أن غزة ليست مصر، وهي ليست قوة إقليمية عظمى. على الرغم من هذا، فإن غزة تمكنت من إلحاق هذه الهزيمة المذلة بنا، الهزيمة الأكثر إذلالاً في تاريخنا. لقد أظهر محمد ضيف قدرة تنظيمية، وسِعة حيلة، أكثر بكثير من جيش ميزانيته بالمليارات، ورئيس وزراء دولة هذا الجيش يروّج لنفسه بصفته أحد أذكى 18 شخصاً في العالم. هذه هي الحقيقة التي يجب علينا عدم التهرب منها.

كتب البروفيسور إسرائيل فايسمال – مانور في موقع X (تويتر) يوم الاثنين، أنه تم نقل أكثر من 600 جريح إلى المستشفى بحلول يوم الاثنين. “عدد أعضاء الحكومة الذين أتوا لعيادة الجرحى وتقديم الدعم للعائلات التي أتت للبحث عن أعزائها المفقودين كان صفراً. لم يأتِ رئيس الحكومة، ولا وزير الدفاع، ولا وزير الأمن الداخلي، لا بل لم يأتِ حتى وزير الصحة. في الماضي، كان أولئك يتقافزون على فرص الظهور أمام العدسات [في أثناء تنفيذ العمليات في عهد الحكومة السابقة]، إنهم مجموعة من الجبناء.” ليس هذا مجرد إخفاق. لم يأتِ أولئك الأشخاص لأنهم يخشون من أن يتم التقاط صور سيئة لهم، ومقاطع فيديو قد تسيء إلى سمعتهم. كل ما يقوم به هؤلاء الآن، هو محاولة صيانة مسيرتهم السياسية، لا صيانة الدولة. هذا ما فعلوه دائماً، وهذا ما سيواصلون فعله في المستقبل.

أجرى الصحافي جدعون أوكو مقابلة مع عضو الكنيست تسفيكا فوغل، الممثل لحزب “قوة يهودية” [الحزب الذي يترأسه بن غفير]. قال الصحافي لفوغل “ولكن كل ما وصفته الآن، جرى تحت قيادتك”، فوغل ردّ عليه قائلاً: “أوكي، جرى هذا في أثناء قيادتي، ما الذي تريد أن أفعله الآن؟ أن أنتحر.” فعلاً، أنا لا أتوقع من فوغل أن ينتحر. ولكن، انتبهوا إلى عبارة “حسناً، جرى هذا في أثناء قيادتي، أوكي.” نعم، هذا خطأ بسيط. يخطئ الناس أحياناً، لقد أخطأنا، نستمحيكم عذراً. هؤلاء الناس لا يعيشون معنا على الكوكب نفسه. إنهم لا يدركون، ولن يدركوا ما الذي حدث، ولا طائل من أن نتوقع منهم أن يفعلوا أكثر من ذلك. لقد ظنوا أن في إمكانهم قيادة دولة بواسطة البيانات الإعلامية، ومقاطع الفيديو على التيك توك. لقد خدّروا أنفسهم، وخدّرونا بالحديث عن العظمة والقوة، في الوقت الذي كان النظام تحت عهدتهم يتمزق في أثناء تمدُّده إلى أقصى الحدود.

الخطأ الأساسي لم يكن استخباراتياً، بل كان في المبالغة في تقدير قوتنا. لقد قمنا بإرسال ثلاثة ألوية من أجل حماية صلوات المستوطنين الشهرية في وسط نابلس، وخصّصنا جنوداً لحماية الصلوات في حوارة وجبل عيبال، ولحماية البؤر الاستيطانية في غور الأردن وجنوبي جبل الخليل، كأن الموجود لدينا الآن سيظل إلى الأبد. وكأننا لن نعيش زمن الطوارئ قط. عليّ أن أسأل: ما الذي سيحدث هنا حين تقع هزة أرضيةمثلاً؟ ما الذي سيحدث حين تُفتح جبهة أُخرى؟ ليس الأمر من ضمن المخططات، وليحدث ما يحدث.

يوم الاثنين المقبل، سيُعاد افتتاح الدورة البرلمانية الشتوية في الكنيست. وهو اليوم الذي تنهي فيه رئيسة المحكمة العليا القاضية إستير حيوت ولايتها في منصبها. لقد أهدر مجانين الحكومة عاماً كاملاً على الانقلاب القضائي الفاشل الذي أطلقوه، بهدف إضعاف استقلال القضاء.

كلا، لا أتوقع من هؤلاء الأشخاص الاستقالة. إنهم لا يملكون ما يكفي من الضمير لفعل ذلك. لكن الحد الأدنى لتوقعاتنا الآن يتمثل في إعلان إلغاء مشاريع القوانين الانقلابية الـ 225، وإعلان موقف جدّي تجاه هذه الدولة، وتجاه المواطنين في هذا البلد. وإلّا، فلن تقوم لنا قائمة بعد ذلك.

المصدر: صجيقة هآرتس الإسرائيلية نقلأ عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطيتية