مباط عال: توحيد محور المقاومة الفلسطينية مع محور إيران – حزب الله

مباط عال: توحيد محور المقاومة الفلسطينية مع محور إيران – حزب الله
Spread the love

شؤون آسيوية_بقلم: أودي ديكل – باحث في معهد دراسات الأمن القومي

إن السبب الذي أدى إلى التصعيد في الساحة الفلسطينية خلال عيد الفصح وشهر رمضان 2023 كان الاشتباكات العنيفة التي حدثت في 5 نيسان/ أبريل بين الشرطة الإسرائيلية وشبان فلسطينيين في المسجد الأقصى، والصور القاسية التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي لإخلاء الشبان بالقوة (وأغلبيتهم من الحركة الطلابية في “حماس”، وقد نجحوا في التسلل إلى داخل الحرم من دون تصاريح من أجل ممارسة فريضة “الاعتكاف”، وهو عادة رمضانية في شهر الصوم تقضي بالبقاء في المسجد طوال الليل من أجل الصلاة). ردت المقاومة الفلسطينية بإطلاق 34 صاروخاً في اليوم التالي من جنوب لبنان على إسرائيل في أعنف قصف منذ حرب لبنان الثانية [حرب تموز/يوليو 2006]. في المقابل، جرى إطلاق صواريخ من قطاع غزة، ونُفِّذت هجمات “إرهابية” على محاور الطرق في الضفة الغربية. ولقد أثنت “حماس” على إطلاق الصواريخ من مناطق سيطرة حزب الله في جنوب لبنان، بينما قال حزب الله إن إطلاق الصواريخ جرى من دون علمه، لكنه أعرب عن تأييده له.

حذّر نائب رئيس المكتب السياسي في “حماس” المسؤول عن الضفة الغربية صلاح العاروري في منتصف آذار/مارس الماضي إسرائيل من وقوع حوادث في رمضان، ولمّح إلى أن تصعيداً سيحدث وسيشمل لبنان. وقد جرى إعداد منظومة “حماس” لإطلاق الصواريخ من جنوب لبنان مسبقاً في انتظار الساعة المناسبة. إن صعود اليهود إلى حرم المسجد الأقصى، والحوادث بين الشرطة الإسرائيلية والمصلين في المسجد الأقصى، كانا دائماً سبباً للتحرك ولرص صفوف المسلمين كافة ضد سياسة إسرائيل في هذا المكان الشديد الحساسية دينياً وقومياً.

وعلى عكس الحجة القائلة إن حزب الله لم يكن شريكاً في قرار “حماس” إطلاق الصواريخ من جنوب لبنان، تبرز بعض الوقائع وهي: لا يمكن للحزب ألاّ يكون على علم بوضع منصات إطلاق صواريخ في جنوب لبنان وإخفائهم، وفي هذا السياق، من الصعب افتراض أن “حماس” تحركت بصورة مستقلة في المنطقة من دون موافقة حزب الله ومعرفة إيران. أيضاً، كانت وكالات الأنباء المختصة بإيران قد نشرت أن إيران وحزب الله كانا على علم مسبق بإمكان إطلاق الصواريخ إذا “انتهكت” إسرائيل المسجد الأقصى. بالإضافة إلى ذلك، كشفت إحدى قنوات الأخبار اللبنانية أن قائد فيلق القدس الإيراني إسماعيل قآاني التقى رئيس المكتب السياسي في “حماس” إسماعيل هنية، ونائبه صلاح العاروري، ومسؤولين كباراً في الجهاد الإسلامي، وأطرافاً لبنانية قريبة من حزب الله في السفارة الإيرانية في بيروت في 6 نيسان/أبريل، عشية إطلاق الصواريخ من جنوب لبنان. كما ذكر أن المجتمعين تناولوا الإفطار معاً، وأن “هذا الإفطار تحول إلى غرفة عمليات مشتركة لتنسيق عمليات أخرى.” بعد يومين، التقى الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله وفداً من قيادة “حماس” برئاسة إسماعيل هنية، وذكر موقع الحزب الرسمي أن الطرفين بحثا التطورات الأخيرة المتعلقة بالساحة الفلسطينية وأحداث المسجد الأقصى. ومن الصعب التقدير أن هذا الاجتماع كان سيُعقد لو أن “حماس” خرقت قواعد اللعبة التي جرى تنسيقها بينها وبين حزب الله.

إن المنطق وراء تطورات الحدث المتعدد الساحات الذي شمل “إرهاباً” وعنفاً في القدس، و”إرهاباً” ضد إسرائيليين ومستوطنين على الطرقات في الضفة الغربية، وإطلاق صواريخ كتف مضادة للطائرات من قطاع غزة، وصواريخ من جنوب لبنان ومن هضبة الجولان، هو توحيد المحورين؛ محور المقاومة الفلسطينية الذي تقوده “حماس” والجهاد الإسلامي من جهة، ومحور إيران- حزب الله من جهة أُخرى. ويرتكز هذا التوحيد إلى عدة أمور:
تقدير حزب الله أن في إمكانه توسيع معادلة القوة في مواجهة إسرائيل بواسطة وضع قواعد لعبة جديدة على الحدود الشمالية من دون الوصول إلى تصعيد يؤدي إلى حرب ما دام يشغل وكلاء عنه من الفلسطينيين.

تقدير حزب الله وإيران أنه من الممكن التحرك في هذا الاتجاه انطلاقاً من فكرة أن إسرائيل غير مؤهلة لخوض حرب على كل الساحات في آن معاً بسبب سوء تقدير قوة إسرائيل، وخصوصاً في ضوء ما يحدث في الساحة الداخلية؛ انقسام الشعب، وظاهرة رفض الخدمة (عدم التطوع)، وتآكل صورة رئيس الحكومة كزعيم قوي وثابت وتحوله إلى زعيم ضعيف غير قادر على السيطرة على حكومته.

الرغبة في أن تدفع إسرائيل ثمن استمرار هجماتها ضمن إطار المعركة بين الحروب التي تخوضها ضد أهداف محور إيران – حزب الله في سورية (وخصوصاً بعد مقتل ضابطين في الحرس الثوري الإيراني وعنصرين من حزب الله واغتيال مسؤول كبير في الجهاد الإسلامي الفلسطيني في سورية).
وقف مسار التطبيع بين إسرائيل والعالم العربي، وفي المقابل، تقدم التطبيع بين إيران وسورية وبين العالم العربي.
حذر الإدارة الأميركية من نشوب مواجهة في الشرق الأوسط، وخصوصاً مع استمرار الحرب في أوكرانيا، وتزايد التوترات بينها وبين حكومة اليمين في إسرائيل.

إن إنجازات “حماس” من جولة التصعيد حتى الآن لا بأس بها، فالحركة تستغل الأحداث في الحرم لزيادة حجم الهجمات، وللسيطرة على جدول الأعمال الفلسطيني والإقليمي سيطرة مطلقة، وفي الوقت عينه، لتؤكد أن السلطة الفلسطينية لم تعُد ذات صلة. وذلك على الرغم من الاجتماعات التي جرت مؤخراً في قمة العقبة في الأردن وشرم الشيخ في مصر بهدف تنسيق الخطوات لمنع التصعيد. إن نجاح “حماس” في إطلاق صواريخ من لبنان على إسرائيل يزيد في تأييد مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان لها بالمقارنة مع التآكل المستمر في مكانة التيار المركزي في حركة “فتح” الذي لا يزال وفياً لرئيس السلطة محمود عباس. وبهذه الطريقة، تقوم “حماس”، برعاية حزب الله، بالتمركز في ساحة أُخرى غير قطاع غزة.

صلاح العاروري هو المبادر والقائد لتصعيد النضال المسلح ضد إسرائيل في الأشهر الأخيرة، وهو المرتبط والمتماهي مع محور إيران – حزب الله في لبنان. وترتفع مكانة العاروري مع تعاظم قوة المعسكر في “حماس” المؤيد للتوجه الإيراني في مواجهة معسكر يحيى السنوار زعيم “حماس” في القطاع المؤيد لتوطيد العلاقات مع مصر، وفي مواجهة القيادة الخارجية للحركة ذات التوجهات القطرية. يأخذ تقارب “حماس” والجهاد الإسلامي من محور إيران – حزب الله أهمية كبيرة في ضوء التوجهات الإقليمية؛ مثل التقارب بين إيران والسعودية بوساطة صينية، وهو الأمر الذي سيؤدي إلى نهاية الحرب ضد الحوثيين في اليمن، والتحسن في العلاقات بين السعودية ومصر وبين نظام الأسد الذي من المنتظر أن يؤدي إلى عودة سورية إلى مقاعد الجامعة العربية التي تعقد مؤتمرها المقبل في أيار/مايو في الرياض، بالإضافة إلى التحديات التي تواجهها إسرائيل في علاقاتها مع الأردن ومصر نتيجة سياسة الحكومة الإسرائيلية في الساحة الفلسطينية.
خلاصة وتوصيات

إن التصعيد المتعدد الساحات يؤكد ويوحد محور المقاومة الفلسطينية الذي يعتمد على “حماس” والجهاد الإسلامي مع محور إيران – حزب الله، الذي يحاول السيطرة على الكفاح الفلسطيني ضد إسرائيل بما يتلاءم مع حاجاته، وفي الوقت عينه يزيد ردوده على الهجمات الإسرائيلية ضد أهداف في سورية تابعة لإيران وحزب الله من خلال تشجيع “الإرهاب” الفلسطيني وزيادته (توحيد الساحات وتهريب السلاح والمال) للعمل ضد إسرائيل. وبالنسبة إلى توقيت التصعيد، فإن له علاقة وثيقة بالأزمة الداخلية في إسرائيل، ويكشف جرأة أكبر من جانب أعدائنا لاختبار ضعف حصانتها، وهل الفرصة ملائمة لتغيير قواعد اللعبة في مواجهتها.

إن لِتوحيد الساحات عدة أهداف مشتركة:
الضغط على إسرائيل داخل حدودها من خلال زيادة عدم الاستقرار الأمني و”الإرهاب” في أراضيها، والسماح لمحور إيران – حزب الله بمواصلة تمركزه في الساحة الشمالية، وإزالة العقبات من طريق إيران للحصول على سلاح نووي من دون تخوف حقيقي من محاولة إسرائيل إحباطها.

تعزيز الذراع المتشدد في “حماس” الموجود في لبنان والذي يقيم بنية تحتية “إرهابية” تحت مظلة الردع لحزب الله، والتشجيع على “الإرهاب” في القدس وإسرائيل والضفة الغربية وأيضاً في جنوب لبنان، والتغلب على زعامة “حماس” في الضفة الغربية برئاسة يحيى السنوار التي تركز عملها على إعادة إعمار غزة والخاضعة للتأثير المصري.
تسريع نهاية عهد السلطة الفلسطينية في صيغتها الحالية.
تحريض العرب من سكان إسرائيل بشأن سلوك الحكومة الإسرائيلية في المسجد الأقصى بهدف تأجيج الشارع العربي في إسرائيل.
إلحاق الضرر بمسارات التطبيع بين إسرائيل والدول العربية وتصديع اتفاقات السلام مع الأردن ومصر.

بناء على ذلك، يتعين على حكومة إسرائيل تخفيف الاستقطاب والتوترات في المجتمع الإسرائيلي والتي يرى فيها أعداء إسرائيل زعزعة لقدرتها على مواجهتهم في كل الساحات. وفي الوقت عينه، يجب على إسرائيل تخفيف التوترات في الساحة الفلسطينية والتمسك بالوضع القائم في حرم المسجد الأقصى، كالقرار الذي اتخذ في الأيام العشرة الأخيرة من رمضان [منع اليهود من دخول الحرم] والاستمرار في تعزيز السلطة الفلسطينية والتنسيق الأمني معها.

بهذه الطريقة تستطيع إسرائيل التركيز على ثلاثة مجالات؛ ترميم قواعد اللعبة في مواجهة حزب الله في لبنان، وإعادة فحص معادلة الردع المتبادل التي تمنع إسرائيل من العمل ضد البنية التحتية لـ”حماس” في لبنان، بالإضافة إلى وقف تقدم إيران في طريقها إلى النووي، والتمركز في الساحة الشمالية وكبح مساعيها للسيطرة على الساحة الفلسطينية، كما يجب العمل على تقويض مكانة “حماس” الآخذة في الازدياد في الساحة الفلسطينية.