معاريف: هل أدى تجديد العلاقات بين إيران والسعودية إلى إلغاء فرص التطبيع مع إسرائيل؟

معاريف: هل أدى تجديد العلاقات بين إيران والسعودية إلى إلغاء فرص التطبيع مع إسرائيل؟
Spread the love

شؤون آسيوية_بقلم: زلمان شوفال – دبلوماسي إسرائيلي

اللعبة الكبيرة”، مصطلح كان يُستعمل سابقاً لوصف التنافس بين بريطانيا وروسيا في أفغانستان؛ الآن، هو يصف التنافس بين أميركا والصين في الشرق الأوسط. المبادرة الصينية إلى تطبيع العلاقات ما بين طهران والرياض جاءت في وقت كان التركيز الجماهيري والسياسي في إسرائيل موجهاً إلى أمور أُخرى – النقاش بشأن الإصلاحات القضائية، وتصعيد الصراع مع الفلسطينيين- وجاءت في وقت ينصبّ تركيز أميركا على الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، وعلى مشكلة عدم الثبات، وعدم وجود استراتيجيا واضحة في السياسة الخارجية، وضمنها الشرق الأوسط، وكذلك انشغالها في الحرب الأوكرانية.
وبغضّ النظر عن نتائج هذا التطبيع بالنسبة إلى السعودية، أو طهران، أو إسرائيل والدول الأُخرى في منطقتنا، فإن الصين، كما يبدو، هي الرابح الأكبر على صعيد المنافسة الدولية بينها وبين الولايات المتحدة، وأيضاً على صعيد مصالحها المباشرة في المنطقة، والتي تتضمن التزود المستمر بالنفط ومنع التشويش الناتج من حرب محلية وأعمال إرهابية، وأيضاً كجزء من أهمية المنطقة في إطار مشروع “الحزام والطريق”، وسيطرتها على طرق التجارة البحرية. هذا بالإضافة إلى أن الصين ترى في تدخُّلها في هذا الجزء من المنطقة ثقلاً مقابلاً لانتقال المحور الاستراتيجي الأميركي إلى شرق آسيا، وهي منطقة ترى بيجين أنها ساحتها الأمامية والخلفية معاً.
بالنسبة إلى إيران، إن تطبيع العلاقات مع السعودية، ويمكن أيضاً مع جهات أُخرى في العالم، هو فرصة لتعزيز مكانتها الجيو – سياسية، من دون أن تتنازل عن أهدافها النووية ونيتها، الهيمنة على الشرق الأوسط، حتى لو كان الحديث لا يدور عن تحسين كامل من ناحية دولية، أو حل أزماتها الداخلية. هدف آخر لدى إيران هو محاولة فرض قيود على تأثير إسرائيل المتصاعد في المنطقة منذ توقيع “اتفاقيات أبراهام”، وهو ما يشكل تحدياً بالنسبة إلى الدبلوماسية الإسرائيلية والأميركية أيضاً.

جاءت هذه التطورات في منطقتنا في وقت كانت الولايات غير جاهزة، وأظهرت إسقاطاتها مرة أُخرى الإشكاليات، وحتى التناقضات أحياناً، في فهمها للواقع في الشرق الأوسط. هذا القصور في الفهم ناجم عن التصورات المختلفة في أميركا إزاء وظيفتها كشرطية العالم وما تعتبره رسالتها في نشر القيم “الديمقراطية” و”الليبرالية”، وهو هدف لا يتلاءم بالضبط مع طبيعة وجوهر الدول العربية والإسلامية.
حقيقة أن تطرُّق الإعلام الأميركي إلى الاتفاق بين إيران والسعودية كان سريعاً نسبياً، وفي الصفحات الداخلية للصحف، وتقريباً كان غير موجود كلياً في نشرات الأخبار – تنبع أيضاً من التناقض وعدم الاستمرارية في النظرة الأميركية حيال الشرق الأوسط. وهو ما انعكس مثلاً من خلال نية الرئيس أوباما الوصول إلى تحقيق الاستقرار في منطقتنا، عبر توزيع الهيمنة بين السعودية وإيران، ومحاولته الدفع قدماً بهذا الهدف، من خلال اتفاق نووي مع طهران – من دون أخذ مصالح اللاعبين الآخرين في المنطقة بعين الاعتبار.
وعلى عكسه، تبنّت إدارة ترامب خطاً أكثر وضوحاً وحدّةً وقاطعاً: ولأنها أيضاً اعتقدت أن على الولايات المتحدة تحويل جهودها الاستراتيجية المباشرة إلى الشرق الأقصى، وقامت بتقوية التحالف بين السعودية وإسرائيل، وألغت الاتفاق النووي مع إيران، وعززت منظومة العقوبات ضدها، كما دعمت حكومة نتنياهو بالدفع بمصالح إسرائيل الجيو-سياسية.
أما إدارة بايدن، فحاولت أن تتبنى مسارين في الوقت نفسه: العودة إلى الاتفاق النووي، وفي الوقت ذاته تقوية الوجود الأمني للولايات المتحدة في المنطقة،على الرغم من نقل الثقل الاستراتيجي الأساسي إلى الشرق الأقصى- وذلك عبر تعزيز ودعم الحلفاء التقليديين ضد التهديد الإيراني. وهذا ما عكسه التدريب المشترك الكبير مع إسرائيل قبل شهرين. وعلى الرغم من ذلك، فإن برودة العلاقات بين واشنطن والرياض ألحقت الضرر بهذا التوجه، وسمحت للصين بسحب البساط من تحت الولايات المتحدة.
إذاً، ما هي تداعيات هذا كله على إسرائيل؟ فالصين ليست عدوّة لها مثل روسيا السوفياتية سابقاً. ولدى الصين أيضاً مصالح اقتصادية ومصالح أُخرى في تطوير العلاقات معها – وهي مصلحة إسرائيلية أيضاً. من الواضح أن كل تحسُّن في الوضع الدبلوماسي أو الاقتصادي الإيراني ليس جيداً “لليهود”، وهو ما يؤكد أيضاً أن الوضع الداخلي الآن في إسرائيل يمكنه إلحاق الضرر بالقدرات الإسرائيلية واستنفاد القدرات الدبلوماسية. وعلى الرغم من ذلك، فإن الوضع الجديد بين السعودية وإيران لا يغلق الباب أمام احتمال تطوير العلاقات بين القدس والرياض.
وما يدل على ذلك هو أنه في الوقت الذي كانت بيجين تقود حوارات بين إيران والسعودية، سرّبت الأخيرة لـ”وول ستريت جورنال” أنها منفتحة، في ظروف معينة، للدفع قدماً بتطبيع العلاقات مع إسرائيل. التخوف الأساسي لدى السعودية من توجّهات إيران لم يختفِ، وكذلك العلاقات الأمنية مع إسرائيل، حتى لو كانت سرية حتى الآن، هي جزء من وعيها بذلك.
السعودية بقيادة ولي العهد محمد بن سلمان معنية بتوسيع دائرة علاقاتها الدبلوماسية، لتشمل الولايات المتحدة ودول الخليج والعالم العربي، والآن الصين – وأيضاً إسرائيل. كما تسعى للتحول حتى سنة 2030 إلى الاقتصاد الحديث غير المرتبط بالنفط، وأيضاً إلى مركز ثقافي وسياحي، وفي هذا السياق، هناك أهمية للقدرات العسكرية والتكنولوجية الإسرائيلية، في نظرها.
كما يعتقد الكثيرون من الخبراء، فإن اتجاه السعودية هو نحو خلق توازنات دولية مختلفة تشكّل العلاقات مع إسرائيل جزءاً منها. وعلى الرغم من برودة العلاقات مع الولايات المتحدة، فإن السعودية غير جاهزة، وغير قادرة على التنازل عن جدار الحماية الأميركي، وفي نظرها، لإسرائيل حليفة أميركا دور في ضمان ذلك. وهذا يتلاءم مع مصلحة واشنطن، وكما كتب السفير الأميركي السابق في إسرائيل مارتن إنديك مؤخراً: الولايات المتحدة ترى في إسرائيل عاملاً مهماً لضمان استقرار المنطقة.
لذلك، وبسبب التهديد الإيراني، الذي تأخذه الولايات المتحدة بجدية، سيُعقد لقاء بين القيادات في الولايات المتحدة وإسرائيل قريباً، لتنسيق المواقف والخطوات، وهي مصلحة مشتركة، ويجب القيام بكل ما هو ممكن كي لا تؤثر النقاشات الداخلية الإسرائيلية سلباً في هذا اللقاء. قرار رئيس الحكومة نتنياهو تعليق الإصلاحات بهدف الوصول إلى اتفاق، للأسف، لم يلقَ آذاناً صاغية ومسؤولة وعادلة حتى الآن. تصحيح هذا هو المطلوب الآن من قيادات، مثل غادي أيزنكوت وبني غانتس.