عن ظاهرة اقتصاديات “أشبال النمر” الآسيوية

عن ظاهرة اقتصاديات “أشبال النمر” الآسيوية
Spread the love

خاص مركز الدراسات الآسيوية والصينية – بقلم: رواد بدوي |

شرعت الأدبيات السياسية على توظيف مسمى (القرن) كمصطلح سياسي في قارتي آسيا وإفريقيا، مع فارق أن التسمية الإفريقية مصطلح جيوسياسي لجزء من القارة، أما في آسيا فالمصطلح زمني ويتنبأ أن القرن الحادي والعشرين سيكون آسيوياً بامتياز وسينهض فيه الاقتصاد الآسيوي نهضة غير مسبوقة.
فمن الواضح أن مقدرات وإمكانيات الاقتصادات الآسيوية تؤهلها لصعود كبير ومنافسة قوية على خارطة التنافس الاقتصادي الدولي، خاصة في منطقتي شرق وجنوب شرق آسيا، وتزايد دور التكتلات الاقتصادية الآسيوية واتساع تأثيرها في مؤشرات الاقتصاد العالمي.
ويتوقع بحلول عام 2030، أن تنال آسيا 60٪ تقريباً من إجمالي النمو الاقتصادي في جميع أنحاء العالم. وقد نجحت دول جنوب شرق آسيا المعروفة بدول “النمور الآسيوية” سابقاً (هونغ كونغ وسنغافورة وكوريا الجنوبية وتايوان) في تحقيق نمو اقتصادي قوي بين عامي 1950 و1990 اعتماداً على قطاعات التصدير والشركات وتعزيز التصنيع.
الشبل على طريق النمو
وتبرز اليوم مجموعة من خمسة اقتصادات سريعة النمو -إندونيسيا وماليزيا والفلبين وتايلاند وفيتنام، وتعرف باسم (اقتصادات أشبال النمر) Asia Tiger Cubs كمقاربة لمسمى دول النمور الآسيوية وسيرها على خطاها في مشروع نهوضها الاقتصادي، وهي جزء من أساسي من مجموعة دول جنوب شرق آسيا (آسيان). وتُصنف اقتصاداتها الأسرع نمواً وتطوراً آسيوياً وعالمياً، معتمدة على التصدير والتصنيع الالكتروني والتكنولوجيا في نمو اقتصادها على غرار النمور الآسيوية.
ورغم أن مسار تطورها جاء بشكل بطيء مقارنة بتجربة النمور الآسيوية الأربعة، إلا أنها حافظت منذ عدة عقود على معدل نمو ثابت ويغلب عليه التصاعد.
وتختلف دول “أشبال النمر” في مستوياتها الاقتصادية، فمثلاً تحتل إندونيسيا المرتبة 16 من بين أفضل 20 دولة في العالم بناءً على الناتج المحلي الإجمالي (GDP) عند 1.19 تريليون دولار، ويبلغ معدل دخل الفرد العامل في ماليزيا بمبلغ 55360 دولاراً، وهو من الدخول المرتفعة عالمياً. كما يحتل الاقتصاد الماليزي المرتبة 25 بين أكثر البلدان تنافسية في العالم.
وأحد أهم التنبؤات حول مستقبل الاقتصادات الآسيوية تضمنه تقرير متخصص أعدته شركة pwc البريطانية المتخصصة في الأبحاث والدراسات الاقتصادية حمل عنوان “العالم في 2050” والصادر عام 2014، وهو أحد أهم المصادر الموثوقة للتنبؤات الاقتصادية للعالم وخاضع لتحديث مستمر.
واستند التقرير على الإحصاء السنوي لصندوق النقد الدولي لعام 2014 للناتج المحلي الإجمالي لكل اقتصاد، إضافة إلى عدد من العوامل الداخلة في تركيب النموذج مثل: التركيبة السكانية، ومعدل نمو القوى العاملة، والزيادة في رأس المال البشري والمادي، وإجمالي نمو الإنتاجية استناداً إلى عنصر التقدم التكنولوجي.
وأهم ما في التقرير عن الاقتصاد العالمي عام 2050 أنه سوف تسيطر على اقتصاديات الدول السبع الكبرى G7، دولتان آسيويتان هما الصين ثم تليها الهند وستكونان متقدمتين على الولايات المتحدة الأميركية التي سيتراجع اقتصادها.
ومن جانب آخر، فإنه ستكون هناك سبع دول من ضمن الدول العشر الأكبر نمواً، قادمة من جنوب آسيا وجنوب شرق آسيا، مثل إندونيسيا وماليزيا وفيتنام. وصنف التقرير تركيا ضمن الاقتصادات السبع الكبرى الصاعدة E7، وأضاف خمسة دول آسيوية هي (بنجغلاديش، باكستان، إيران، الفلبين، وتايلاند) إلى الدول ذات الاقتصادات الكبيرة نسبياً والتي يمكن أن تلتحق بمجموعة دول الاقتصادات العشرين الكبرى G20. وباستقراء التقديرات السابقة تحتل دول (أشبال النمر) الآسيوية مواقع متقدمة وبأكثر من تصنيف من ضمن تصنيفات النظام الاقتصادي العالمي.
وتعد الجغرافيا من ضمن أحد العوامل التي رفعت رصيد دول أشبال النمر كجزء من دول جنوب شرق آسيا، فتقع الدول على جانبي مضيق ملقا، ثاني أكثر قنوات الشحن ازدحاماً في العالم وثاني أكثر خطوط ناقلات النفط شهرة بعد مضيق هرمز.
ويستخدم القناة كل عام أكثر من نصف سعة الأسطول التجاري العالمي، إضافة إلى احتواء المنطقة على مخزونات هائلة من الثروات الغذائية والمعدنية والوقود الأحفوري، وكذلك تحظى بتنوع كبير يساهم في زيادة النمو الاقتصادي بشكل لافت، فيصنف كل من إندونيسيا وماليزيا كدولتين من بين 17 دولة “شديدة التنوع”، وفقاً لمنظمة Conservation International حيث يمتلك البلدان عدداً كبيراً من الأنواع التي لا يوجد الكثير منها في أي مكان آخر.
ويشهد العالم الآن مجابهة اقتصادية محتدمة بين عدة دول وفضاءات كبرى وفي أكثر من جهة في العالم، آسيا وإفريقيا وأميركا الشمالية وأميركا اللاتينية، وما منظمة شنغهاي إلا خطوة متقدمة لتكتل آسيوي يتجاوز المحور الاقتصادي فيها المحورين السياسي والعسكري.
يتوقع البنك الدولي لعام 2024 تربع خمسة دول من آسيا على قمة الاقتصاد العالمي، متجاوزة بذلك الصيغة التقليدية لدول السيادة الاقتصادية العالمية وخاصة الولايات المتحدة الأميركية، ودول أشبال النمر ليست بعيدة عن الاقتراب من تحقيق مراكز عالمية متقدمة اقتصادياً. فقد اتبعت هذه الدول استراتيجيات واعدة ودقيقة في نموها الاقتصادي وتجاربها الصناعية وحتى الإدارية.
لم تركن دول أشبال النمر للخطط طويلة الأجل في معالجة قضايا اقتصاداتها وإنما لجأت إلى الخطط الخمسية من جهة، والخطط الربع سنوية من جهة أخرى، لاستمرار التقييم والتحديث في الخطط ومتغيراتها. ولم يغِب العنصر البشري عن مشاريع النهضة لتلك الدول، فقد عملت على تهيئته ودمجه في مسار التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وكان لتقليص الفجوات الثقافية والاجتماعية وخاصة الفقر أولويات دائمة في سياساتها وخططها الاستراتيجية.
محيط من الأزمات
وطالما تمتلك هذه الدول مؤشرات التقدم الاقتصادي فمن المرجح أن تبحث عن أدوار آسيوية وإقليمية ودولية وتعزز وجوداً سياسياً لها الى جانب التقدم الاقتصادي. وعلى الأقل تواجه بعض تلك الدول مهددات أمن قومي وقد تؤثر على وحدتها الجغراسياسية أو مجال أمنها القومي.
إندونيسيا مثلاً شهدت أزمة انفصالية أدت الى انفصال تيمور الشرقية عام 2002 والتي تعد أكبر جزر الأرخبيل الإندونيسي. أما اليوم فالواقع له معطيات أخرى، إذ أخذت إندونيسيا تطور ترسانتها العسكرية وصناعاتها الحربية وتصدت بكل قوة للانفصاليين في شرق إندونيسيا والمطالبين بانفصال بابوا الغربية. هذا المصير لا يبدو أن قادة دول أشبال النمر سيسمحون بهكذا مصائر في بلادهم وانسلاخ أراضي عن الوطن الأم.
تايلاند تعيش أزمتين إحداهما في الجنوب على الحدود مع ماليزيا حيث تقطن الأقلية المسلمة ويعانون من التمييز الطائفي وخاصة في عهد رئيس الوزراء السبق ثاكسين شيناواترا، وتوجيه اتهامات لماليزيا بإخفاء بعض الانفصاليين.
وأزمتها الأخرى هي الصراع الحدودي مع كمبوديا شرق البلاد حول معبد بيرا فيهار، وإن كان هذا النزاع قديم لكنه تجدد في عام 2008، ورغم صدور قرار من محكمة العدل الدولية عام 2011 ألزم تايلاند بالسماح للمواطنين والموظفين المدنيين الكمبوديين بحرية الوصول إلى المعبد، لكنه يبقى نزاعاً قابلاً للاشتعال في أية لحظة.
وليس بعيداً عن تايلاند، جمهورية فيتنام التي أصبحت مركزاً صاعداً في الصناعات الالكترونية وصناعة السيارات عالية التقنية وهي الدولة التي أنهكتها الحروب، ولها اليوم نزاع حدودي مع الصين على عدد من الجزر في بحر الصين الجنوبي الذي راح ضحيته آلاف القتلى من الجانبين.
ومن الأزمات التي تسعى مجموعة دول أشبال النمر السيطرة عليها في الإقليم، الانقلاب العسكري في بورما. فمنذ أن أطاح الجيش البورمي في الأول من شباط / فبراير 2021 بحكومة بورما المنتخبة، تعمل المجموعة مع غيرها من دول المنطقة على إقناع رئيس المجلس العسكري الجنرال مين أونغ هلاينغ، بإيجاد سبيل لإنهاء العنف، إضافة إلى أزمة مسلمي الروهنغا هناك.
إن حدوث حالة من عدم الاستقرار في هذه المنطقة الجيوسياسية المهمة تلك سيؤثر على دول أشبال النمر تأثيراً مباشراً، وخاصة إذا لم تفعّل قدراتها ودبلوماسيتها على حلها. وهذا ما يستدعي تعاون وتنسيق بين دول مجموعة (أشبال النمر) لتوحيد جهودها ليس الاقتصادية، وإنما كذلك السياسية والعسكرية والثقافية والبحث عن أبعد المستويات التشاركية فيما بينها.

المراجع

1. محمد أحمد عبد المعطي، الصعود الآسيوي وتحولات ميزان القوى الاقتصادية، مركز المستقبل للدراسات، 21 أغسطس، 2015، https://futureuae.com/

2. نيكولا غلاسّ، النزاع في جنوب تايلاند: نحو المصالحة الوطنية بخطى صغيرة، موقع قنطرة، 24/2/
2007
https://ar.qantara.de/node

3. بيزارو غوزالي إدروس، سياسيون: أزمة ميانمار تثبت مرة أخرى عجز “آسيان”، وكالة أبناء الاناضول، 17/03/2021

4. Radmila Mandzhieva, Nur Suriani Mamat, YPs’ Guide To: Southeast
Asia- How Tiger Cubs Are Becoming Rising Tigers, August 20, 2018
https://jpt.spe.org.

5. Chng Boon Huei, The Second Age of Asia’s Tiger Cubs, The global
Source for the electronics manufacturing services industry, Oct 14, 2022