ستيفن والت في حوار مع “فورين بوليسي”: كيف غيّر عام 2022 العالم

ستيفن والت في حوار مع “فورين بوليسي”: كيف غيّر عام 2022 العالم
Spread the love

شؤون آسيوية- أجرت مجلة “فورين بوليسي” الأميركية مقابلة مع الباحث والأستاذ الجامعي الأميركي ستيفن والت تحدث فيه عن كيف غيّر عام 2022 العالم ولماذا حصلت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن على درجة جيدة في السياسة الخارجية.

الجزء الأول من الحوار تناول أحداث العام 2022. بينما في الجزء الثاني، الذي سيصدر الأسبوع المقبل، يتنبأ والت بما قد يبدو عليه عام 2023. وهذ هو نص مكثف للحوار الأول بتصرف:

فورين بوليسي: هل غيّرت الحرب في أوكرانيا النظام العالمي؟
ستيفن والت: لا أعتقد أنه حدث ذلك بعد. ما فعلته هذه الحرب هو أنها عززت عدداً من الشروط التي كانت موجودة أساساً. لقد أعادت الحرب لحلف الناتو سحره. كانت هناك انقسامات داخل التحالف. لقد فرضت سنوات حكم دونالد ترامب الكثير من الضغط على الحلف، وفجأة حصلت الحرب في أوكرانيا وعاد حلف الناتو بشكل كبير. لقد أعاد الناتو اكتشاف مهمته.

أية تأثيرات لحرب أوكرانيا على النظام العالمي سترتبط كثيراً بكيفية ظهورها. إذا انتهى هذا الأمر باعتباره انتصاراً ساحقاً لأوكرانيا، وهو ما يأمله الجميع، فيمكنك أن تتخيل أن له بعض الآثار المهمة للمتابعة. أما إذا انتهى الأمر بتسوية تفاوضية غير سعيدة، فإن ذلك سيترك الأوكرانيين محبطين، وسيصاب الروس بخيبة أمل، وسيعتقد الأميركيون أن هذا لم يكن نجاحاً في السياسة الخارجية بعد كل شيء، حينها ستكون له بعض التداعيات الأخرى. ولكن كما قلت في صفحات “فورين بوليسي” على مدار العام الماضي، إذا تراجعت عن أوكرانيا لثانية واحدة، فقد لا يكون كل هذا مهماً في تشكيل ما يبدو عليه القرن الحادي والعشرين. إذا كنت تتطلع إلى الأمام لمدة 10 أو 20 أو 30 عاماً، فلن تعتقد أن من يسيطر على الدونباس سيكون هو المحدد الحاسم فعلاً. في حين أن من يتحكم في القمم القيادية للتكنولوجيا الرقمية، فسيكون ذلك مهماً جداً. ما إذا كانت الولايات المتحدة ستظل قوة منخرطة بشكل كامل في أوروبا أو آسيا سيكون أمراً مهماً. إذا زادت درجة الاحترار العالمي بمقدار درجة ونصف، أو درجتين، أو درجتين ونصف سيكون الأمر مهماً.

فورين بوليسي: الشيء الوحيد الذي فعلته الحرب الأوكرانية هو أنها سرّعت التحرك نحو عدم الانحياز، مع بعض الدول الأقل ميلاً إلى اتباع ما تعتبره الولايات المتحدة أولوياتها وأهدافها.
والت: أعتقد أن هذا صحيح تماماً. بهذا المعنى، كانت حرب أوكرانيا بمثابة مصباح يدوي أضاء جانباً جديداً من المشهد العالمي. لم نعد في عالم أحادي القطب. لم تعد الولايات المتحدة هي اللاعبة الوحيدة في المدينة والردود على قضية أوكرانيا تتفق مع ذلك. إن هذا يوجهنا نحو شيء آخر حدث في عام 2022. خذ على سبيل المثال أقرب حليفين للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، “إسرائيل” والمملكة العربية السعودية، فلا أحد منهما يساعد الولايات المتحدة في أوكرانيا. لقد تبنى كلاهما نهج عدم التدخل هناك، ورفضت السعودية طلب إدارة بايدن زيادة إنتاج النفط كوسيلة للتعامل مع التضخم وتقويض عائدات روسيا أيضاً. في غضون ذلك، تغازل السعودية الصين كذلك، حيث زار [الرئيس الصيني] شي جين بينغ المملكة مؤخراً ونظم السعوديون سلسلة من القمم معه.

أضاف والت: ستسعى البلدان الأخرى لتحقيق مصالحها الخاصة، وستكون أمامها خيارات. ليس بالضرورة أن يصطفوا مع واشنطن فقط، وهذا شيء سنضطر إلى التعود عليه. بدأ عام 2022 في الكشف عن ذلك. ستكون الهند مثالاً آخر، ومن الواضح أنها شريك مهم بشكل متزايد في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، لكنها غائبة إلى حد كبير عن الاستجابة العالمية للغزو الروسي لأوكرانيا، لأسبابها الخاصة.

“فورين بوليسي”: هل تشعر أن إدارة بايدن ومؤسسة السياسة الخارجية الأميركية قد استوعبتا هذا التحول؟ عندما تتعاملان مع الهند أو السعودية أو “إسرائيل”، هل تتعاملان معها وهما تعلمان أن هذه الدول تتحوط في رهاناتها؟
والت: إنهم في الإدارة الأميركية يدركون أن المشهد قد تغير قليلاً، وهم يدركون أن الدول الأخرى لديها مصالحها الخاصة وسوف تسعى لتحقيقها. وأعتقد أن إحدى السمات المميزة لإدارة بايدن كانت محاولتها إعادة توحيد الولايات المتحدة.. لقد تحدثوا منذ البداية عن الرغبة في تجميع ديمقراطيات العالم. لقد عقدوا قمة الديمقراطية.. كانت الفكرة أننا سنستعيد العلاقات مع جميع حلفائنا التقليديين. وأحد التوقعات أنه بمجرد قيامنا بذلك، بمجرد أن نتعامل معهم بلطف، سوف يصطفون معنا عندما نطلب منهم ذلك. في بعض الحالات، تجد أن هذا يعمل. من المؤكد أن استجابة أوروبا لغزو أوكرانيا كانت مرضية للغاية. ما لم تستوعبه الإدارة الأميركية بالكامل هو أن هذا لن يكون صحيحاً في أي مكان آخر…

“فورين بوليسي”: لقد كان 2022 عاماً صعباً بالنسبة لبكين، حيث أدت سياسة “صفر كوفيد” إلى إعاقة اقتصادها. بدأنا نشهد اندلاع الاحتجاجات خلال الأسابيع القليلة الماضية. نسمع الآن تقارير تفيد بأن حالات كوفيد، خاصة في بكين، آخذة في الارتفاع. إلى أي مدى أدهشك مما حدث؟
والت: كانت المفاجأة الأكبر هي اندلاع الاحتجاجات، بالنظر إلى مدى فعالية الصين في السيطرة على التظاهرات منذ احتجاجات ميدان تيانانمين في عام 1989. هونغ كونغ هي ظرف مختلف قليلاً لجميع الأسباب الواضحة. لم أتفاجأ بشكل خاص بكل المشاكل التي مرت بها الصين، لأنها كانت إلى حدٍ ما مرتبطة ارتباطاً مباشراً بتتويج شي كزعيم للصين بلا منازع في مؤتمر الحزب العشرين. المشكلة في وجود كل تلك القوة السياسية مركزة في شخص واحد هي أنه إذا توجه هذا الشخص في الاتجاه الخاطئ، فلا توجد آليات تصحيحية يمكن أن توقفه. نحن نرى ذلك في بعدين. أحدها كان سياسة “صفر كوفيد”، التي أصبحت منهجه الخاص الموسوم باسمه، والذي رفض التراجع عنه، والذي تسبب في مشاكل اقتصادية ولكن من المحتمل الآن أن يتسبب في مشاكل صحية عامة كبيرة أثناء محاولتهم الخروج منها. كان هذا أمراً يتحمل الرئيس شي المسؤولية عنه الآن. الجزء الثاني كان سياسته الخارجية الطموحة بشكل علني. توصف هذه أحياناً بدبلوماسية “المحارب الذئب”، وهي الطريقة المباشرة للتعامل مع البلدان الأخرى. لقد رأينا هذا في بالي عندما واجه فجأة رئيس وزراء كندا جاستن ترودو، وحاول بشكل أساسي أن يوبخه لأنه تصرف بشكل غير لائق. هذا ليس شيئاً يفعله قادة العالم عادة في الأماكن العامة، ومن المؤكد أن ذلك لن يقدم ولا يؤخر في تعزيز المواقف الكندية تجاه الصين، والتي كانت تتدهور لبعض الوقت أيضاً.

أضاف والت: إن الجمع بين هذه السياسات في الداخل والنهج الأكثر حدة للدبلوماسية في الخارج، قد وضع الصين في موقف أكثر صعوبة مما كان يمكن أن تكون عليه، وجعل من السهل على الولايات المتحدة حشد الدعم من الدول الأخرى لمحاولة إبقاء الصين إلى حد ما تحت السيطرة.

“فورين بوليسي”: هل فاجأتك العقوبات الأميركية على الصين في حظر أشباه الموصلات باعتبارها خارج نطاق ما كنت تتوقعه من إدارة بايدن بشأن سياسة الصين؟
والت: لقد فوجئت بالفعل بذلك، وأعتقد أنه لا ينبغي لأحد أن يقلل من أهمية هذه الخطوة بالضبط. إنها أكثر أهمية بكثير من أي شيء فعلته إدارة ترامب (ضد الصين). كان هذا تصعيداً كبيراً. لقد أعلنا الحرب الاقتصادية على الصين وأعلنّا أنه كهدف وطني، سنحتفظ بالتفوق الاقتصادي. كانت الولايات المتحدة ستفعل كل ما في وسعها للتأكد من استمرارها في السيطرة على التصدر القيادي لأكثر التقنيات تطوراً وأهمية، وستتخذ تدابير فعالة لمحاولة إعاقة قدرة الصين على تطوير هذه الأشياء. يعود هذا إلى الحرب في أوكرانيا بطريقة مهمة لأن الولايات المتحدة تحاول الآن هزيمة قوتين عظميين في وقت واحد. نحاول مساعدة أوكرانيا على إلحاق هزيمة عسكرية بروسيا، ونحاول إلحاق هزيمة اقتصادية بالصين في الوقت نفسه. وفي كل حالة، نحاول السير في خط رفيع إلى حد ما: في حالة أوكرانيا، نريد أن نلحق الهزيمة بروسيا من دون إثارة التصعيد، وخاصة التصعيد النووي؛ وفي الحالة الصينية، من دون تحطيم الاقتصاد العالمي أو استفزاز الصينيين كذلك لفعل شيء ما، على سبيل المثال، تجاه تايوان. هذه مجموعة طموحة جداً من الأهداف التي اتخذتها إدارة بايدن، ولست متأكداً من أن الجميع يدركون بدقة مقدار ما تحاول هذه الإدارة القيام به ومدى صعوبة ذلك.

“فورين بوليسي”: فيما يتعلق بأوكرانيا، يبدو أن الولايات المتحدة تعتمد على الحلفاء للتعاون. ولكن في حالة حظر أشباه الموصلات على الصين، يكون الأمر أكثر قسرية إلى حد ما حيث يتعين على العديد من البلدان والشركات الامتثال للعقوبات الأميركية، وإلا فإنها تواجه مجموعة كاملة من المشكلات الأخرى.
والت: هناك عدد من الدول الآسيوية التي لم تكن راضية عن حرب الرقائق الالكترونية (أشباه الموصلات)، وكذلك قانون خفض التضخم والإجراءات الأخرى التي تتخذها إدارة بايدن لدعم الصناعات الأميركية. لا يشعر بعض شركائنا الآسيويين بالراحة حيال الصين. إنهم ليسوا سعداء بالعواقب الاقتصادية لما نقوم به هناك، والذي يؤثر عليهم بشكل مباشر، وهذا ينطبق كذلك على بعض شركائنا الأوروبيين. الهولنديون، على وجه الخصوص، منزعجون من جهودنا لجرهم إلى حرب الرقائق مع الصين. إنهم لا يعتبرون الصين تهديداً وشيكاً، وهذه تكلفة اقتصادية واضحة عليهم.

فورين بوليسي: أنت تعمل كأستاذ جامعي كي تعيش وأنت تضع العلامات للطلاب. ما هي العلامة التي تضعها للسياسة الخارجية لإدارة بايدن في عام 2022؟
والت: سأعطيهم علامة بي ناقص B- شاملة وأكتب ملاحظة تقول، “علامة A لبذل الجهد”. وهذا يعود إلى شيء كتبته في وقت سابق من هذا العام مفاده أنهم أكثر مهارة في إدارة السياسة الخارجية للولايات المتحدة من أسلافهم. إنهم يفهمون كيفية تشغيل الآلات. لم يكن لدينا الكثير من الزلات المحرجة أو اللحظات التي بدا أنها كانت ساعة هواة. لقد قاموا بعمل مثير للإعجاب في تجميع التحالف المناهض لروسيا والحصول على الدعم. فقد حصلوا داخل أوروبا على الكثير من النقاط لأنهم تحدثوا بصراحة شديدة قبل الحرب حول ما كانوا يرونه.

“فورين بوليسي”: كان الانسحاب من أفغانستان في عام 2021 فاشلاً إلى حد كبير، وحركة طالبان هي الآن في السلطة. إيران تقترب أكثر من أي وقت مضى من القنبلة النووية. ألا توافق على أن هناك مجالات أخرى في السياسة الخارجية للولايات المتحدة لم تنجح بشكل جيد؟
والت: لا شك في ذلك. لدي وجهة نظر مختلفة بشأن أفغانستان عن أي شخص آخر تقريباً، ومن الجدير بالذكر أنه بعد موجة الانتقادات في أعقاب الانسحاب الأميركي مباشرة، تراجعت هذه القضية للتو. وبهذا المعنى، فإن غريزة الرئيس جو بايدن الإستراتيجية بأنه لم يكن مصلحة حيوية للولايات المتحدة مواصلة ضخ الوقت والمال والجهد والاهتمام في أفغانستان.. لم تكن هناك طريقة للخروج من دون ترك فوضى خلفنا.

أضاف والت: حدث آخر في عام 2022 هو الاعتراف بأن الاتفاق النووي [خطة العمل الشاملة المشتركة] صار في دوامة الموت، ولن يعود، ويمكن للمرء أن يلوم الإدارة الأميركية على عدم إعطاء أولوية كافية لذلك. نعم، لقد بدأوا المحادثات، لكن الطريقة الوحيدة للقيام بذلك هي القيام بذلك بسرعة كبيرة عند توليك المنصب بينما لا تزال لديك حكومة إيرانية أكثر قبولًا إلى حد ما. بمجرد أن تركوا تلك النافذة تفلت من أيديهم، جلبت الانتخابات الإيرانية حكومة أكثر تشدداً إلى السلطة، فلن يتمكنوا أبداً من التوصل إلى اتفاق بسهولة. لذلك لن أعطيهم درجات عالية لذلك…

“فورين بوليسي”: لقد كان 2022 عام الكثير من الانتخابات في أميركا اللاتينية. قال بعض المحللين إننا نشهد الآن عودة السياسة اليسارية في أميركا اللاتينية. ما هو رأيك؟ هل هناك اتجاه إقليمي أوسع يمكنك تمييزه من الانتخابات التي شهدناها في أميركا اللاتينية؟
والت: من المغري دائماً رؤية أنماط كبيرة هنا، ولكن ما نراه فعلاً هو انعكاس لمشكلة مزمنة تتعلق بالحوكمة غير المستقرة في معظم أنحاء تلك القارة. لذلك، عندما تتعرض لأي مجموعة من الاضطرابات، سواء كانت اقتصادية أو مالية أو وباء كورونا، سترى السياسة تتعثر بطرق مختلفة. في أي لحظة، سيظهر أن اليمين صاعد، أو أن اليسار صاعد، لكني لا أرى نوعاً من النمط الساحق والدائم يظهر هناك. أعتقد أنه من اللافت للنظر مدى ضآلة الاهتمام الذي نوليه لأميركا اللاتينية في عالم السياسة الخارجية، بالنظر إلى أن ما يحدث في أميركا اللاتينية والوسطى وفي المكسيك قد يكون له انعكاسات مباشرة على سياساتنا الداخلية أكثر من أي شيء آخر، إلى حد كبير من خلال الهجرة وتدفقات اللاجئين. ومع ذلك فإننا نتعامل مع نصف الكرة الغربي كمسألة يتم التفكير فيها لاحقاً. وهذا لافت للنظر نظراً لأن هذه المنطقة قريبة جداً ومهمة جداً.

نقله إلى العربية بتصرف: هيثم مزاحم
المصدر: الميادين نت