باحث أميركي يدعو لإنهاء الحرب وانسحاب القوات الأميركية ورفع العقوبات عن سوريا

باحث أميركي يدعو لإنهاء الحرب وانسحاب القوات الأميركية ورفع العقوبات عن سوريا
Spread the love

الولايات المتحدة لا تعرف ماذا تريد في سوريا وهذا من المرجح أن لا يتغير
شجون آسيوية- بقلم: دوغ باندو – ترجمة بتصرف: د. هيثم مزاحم

كتب دوغ باندو الباحث الأميركي في معهد كاتو والمساعد الخاص للرئيس الأميركي رونالد ريغان سابقاً، مقالة في مجلة “ريسبونسبل ستيت كرافت” الأميركية تناول فيها الوجود الأميركي في سوريا واحتمال إنهاء الحرب السورية والعقوبات الأميركية على سوريا.

وقال الكاتب إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يتراجع في استطلاعات الرأي، الأمر الذي يجعله يتطلع مجدداً إلى سوريا من أجل “حرب صغيرة باهرة” تمكّنه من كسب الأصوات في الانتخابات المقبلة. فقد يؤدي غزو تركي جديد إلى تعريض العسكريين الأميركيين للخطر وقد أدى التهديد التركي إلى رد فعل غاضب في واشنطن.

وأوضح الكاتب أن تهديدات أنقرة غير مبررة، كما أن الوجود الأميركي في سوريا غير مبرر. إذ تستمر الحرب الأهلية في سوريا بشكل متقطع بعد نحو اثني عشر عاماً، بينما لا تزال الولايات المتحدة تحتل زاوية من البلاد بقوات تصل إلى 900 عسكري. في هذه الأثناء، تفرض واشنطن قبضة الموت على الاقتصاد السوري، مما يجعل السكان السوريين في براثن الفقر من خلال العقوبات (قانون قيصر). كما تنشط العديد من القوات المسلحة التابعة لدول أخرى، بمن في ذلك القوات التركية، في جميع أنحاء سوريا، مما يؤدي إلى خطر نشوب صراع أوسع. كما هو الحال مع الخصوم الآخرين، اعتقدت واشنطن أن الضغط الأقصى سيخلق بطريقة ما حكومة صديقة في دمشق. وبدلاً من ذلك، توقفت الجهود الغربية لإحداث تحول ديمقراطي منذ فترة طويلة. وقد حافظت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ببساطة على الوضع الراهن. وعلق عبد الرحمن المصري من “المجلس الأطلسي” (وهو مركز أبحاث أميركي) قائلاً: “إن الولايات المتحدة لا تعرف ما تريده في سوريا وليس عندها نهاية متماسكة” لتورطها هناك. ويرى المصري أنه من غير المرجح أن يتغير ذلك، “بالنظر إلى التحول الدراماتيكي في أولويات أجندة السياسة الخارجية الأميركية والافتقار الكبير للخيارات الآمنة لإعادة الانخراط في سوريا”.

ومع ذلك، اقترح أردوغان لقاء الرئيس السوري بشار الأسد والرئيس الروسي فلاديمير بوتين. يمكن أن يؤدي التوصل إلى تسوية مؤقتة بين الثلاثة إلى إنهاء آخر بقايا الصراع وإعادة دمج سوريا في المنطقة. ويجب على واشنطن أن تساعد في هذه العملية من خلال التراجع عن العقوبات التي تستهدف الشعب السوري وتشجيع شركائها الخليجيين على إعادة الانخراط مع دمشق، يضيف الكاتب.

وتابع: بدأت الحرب السورية في أوائل عام 2011 باحتجاجات ما يسمّى بـ”الربيع العربي” ضد حكومة الرئيس الأسد. سرعان ما اندلع العنف واجتذب الصراع جماعات ودول أجنبية، بما في ذلك سياسة واشنطن الأميركية التي كانت نصف ذكية، حيث سعت في نفس الوقت إلى الإطاحة بنظام الأسد وهزيمة تنظيم داعش وتشجيع المتمردين المعتدلين، والتحالف الفعال مع المتطرفين الإسلاميين، ودعم الفرع السوري لتنظيم القاعدة بشكل غير مباشر، ومسايرة تركيا لأن الأخيرة ساعدت “داعش” سراً واجتاحت لاحقًا القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة، وكذلك طرد القوات الإيرانية والروسية. ركزت موسكو وطهران ببساطة على دعم حكومة دمشق.

وأشار الكاتب إلى أنه بعد عقد من الزمان، فشلت السياسة الأميركية بشكل كامل تقريباً، باستثناء هزيمة داعش، التي تم إنجازها إلى حد كبير من قبل اللاعبين الآخرين الذين شاركوا في القتال. لكن معارضة واشنطن لانخراط دول الخليج العربية مع دمشق، تركت النظام السوري معزولاً إلى حد كبير، معتمداً على إيران وروسيا. وأضاف الكاتب: أدى استمرار الاحتلال الأميركي غير الشرعي إلى تعريض أفراد الجيش الأميركي لخطر الهجوم.

تشمل مصادر استمرار الصراع جيب إدلب، الذي تحكمه إلى حد كبير فصائل جهادية وإرهابية وتحميها تركيا. تستهدف “إسرائيل” بانتظام القوات الإيرانية داخل سوريا. تستخدم حكومة أردوغان الميليشيات العربية بالوكالة لحكم المناطق الكردية السورية بوحشية. يستمر التدخل العسكري لأنقرة، حيث يهدد أردوغان حالياً بغزو آخر لشمال شرق سوريا، وهي منطقة حكم ذاتي يديرها أكراد سوريون وتستضيف مئات عدة من الأفراد الأميركيين. في تشرين الثاني / نوفمبر الماضي، اقتربت الضربات الجوية والمدفعية التركية من المواقع الأميركية. شكوى مدير وكالة المخابرات المركزية وليام بيرنز لأنقرة كانت بلا أثر.

يشدد الكاتب أن وجود الأميركيين في سوريا سيؤدي حتماً إلى نيران معادية وقد يزداد الأمر سوءاً. قد ترد موسكو على دعم الولايات المتحدة لأوكرانيا. كما قد يسعى تنظيم “داعش” الذي تم إحياؤه للانتقام من الولايات المتحدة. والأكثر جدية، من المرجح أن تحض طهران القوات الحليفة لها على استهداف الأميركيين في سوريا، كما في الماضي. وجد أحد التحليلات 29 هجوماً “مستوحى” من إيران على القوات الأميركية في الفترة من تشرين الأول / أكتوبر 2021 حتى حزيران / يونيو 2022. قد تجد إدارة بايدن نفسها في حرب واحدة أو أكثر من حرب محدودة ولكنها مزعجة مع المعارضين غير النظاميين.

وأشار الكاتب إلى أن الإصلاح السياسي ضروري في سوريا، لكن عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة لا تحقق أي تقدم، على الرغم من المناشدات القلبية من المبعوث الخاص للأمم المتحدة. كان الافتراض القائل بإمكانية إجبار الأسد على الاستقالة بعد صموده لمدة عقد من الحرب الأهلية مذهلاً دائماً. كما أن تدهور علاقات واشنطن مع روسيا وإيران يقلل من أي فرصة للتعاون مع الغرب. فعلى الرغم من أن العقوبات الاقتصادية تُسوّق على أنها أكثر إنسانية من الحرب، إلا أنها في بعض الأحيان مصممة كي تكون أكثر تدميراً. من يستطيع أن ينسى رد مادلين أولبرايت البارد على مسألة العقوبات التي تقتل نصف مليون طفل عراقي: “نعتقد أن الثمن يستحق ذلك”.

وأوضح الكاتب أنه تم فرض عقوبات متعددة على دمشق. الأكثر وحشية هو قانون قيصر لعام 2019، الذي يمنع بشكل أساسي أي كيان أجنبي يتعامل مع المؤسسات الأميركية من ممارسة الأعمال التجارية في سوريا. زعمت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب بشكل روتيني أن العقوبات “لم تكن تهدف إلى إلحاق الأذى بالشعب السوري، بل لتعزيز مساءلة عنف نظام الأسد وتدميره”. ومع ذلك، كان من الواضح أن هذا كان خطأً. كتبت ناتالي أرمبروستر من مركز “أولويات الدفاع”: إن “استراتيجية العقوبات الأميركية في سوريا لا تعاقب الأسد – إنها تعاقب السوريين، سواء كانوا يدعمون النظام أم لا. حالياً، يعيش تسعة من كل 10 سوريين في فقر، وأكثر من ستة من كل 10 يواجهون خطر الجوع “.

وأضاف: كان هذا، في الواقع، النية الضارة لمؤيدي العقوبات، بمن في ذلك الممثل الخاص للرئيس الأميركي جيمس جيفري، الذي ضلل الرئيس ترامب بشأن وجود القوات الأميركية من أجل التلاعب به لإبقاء هذه القوات في سوريا. على الرغم من هذه الإساءة للشعب الأميركي، لعب جيفري دوراً ريادياً في تنفيذ العقوبات. بعد إقرار قانون قيصر، أوضح أن السياسة الأميركية كانت “إجبار حكومة الأسد على وقف هجماتها القاتلة على الشعب السوري ودعم الانتقال إلى حكومة في سوريا تحترم سيادة القانون وحقوق الإنسان والتعايش السلمي مع جيرانها”. كشف جيفري أيضاً عن هدف آخر، حيث كان الشعب السوري مجرد وسيلة أخرى لهدف مختلف: “وظيفتي هي أن أجعل سوريا مستنقعاً للروس”. أي أن واشنطن قد آذت السوريين لمعاقبة الروس. حتى الآن، لم تظهر حكومة بوتين أي ميل للتخلي عن الأسد.

وأشار الكاتب إلى أن جيفري ليس وحده الذي يبتهج بصورة مرضية بالمصاعب التي يعاني منها الشعب السوري. المبعوث الخاص السابق لسوريا، جويل ريبيرن، احتفل بتغريدة هذا الشهر فقط قائلاً: “اقتصاد الأسد ودولته ينهاران: – لا وقود. – لا كهرباء. – لا تجارة. – شوارع فارغة. – الأسد يطبع النقود فقط لدفع الرواتب / الفواتير. النتيجة: التضخم يجعل الاحتياجات الأساسية لا يمكن تحملها. – انخفضت الليرة إلى 5900 لكل دولار، مما جعل الواردات مستحيلة”. وأضاف الاكتب: حتى جيفري بدا أخيراً أن لديه بعض الشكوك حول عمله الذي كان من صنع يديه. وقد اعترف مؤخراً بأن الحكومة الأميركية مدينة “لمواطنيها، الذين يتعرض جنودهم غالباً لإطلاق النار في سوريا”. واعتبر الباحث دوغ باندو أن مبادرة أردوغان الأخيرة تحمل إمكانية إنهاء الحرب في سوريا. كان الزعيم التركي في يوم من الأيام مقرباً من الأسد لكنه عمل بعد ذلك على الإطاحة به. يشير استعداد أردوغان لإعادة التعامل مع سوريا إلى اتفاق تدعمه روسيا تنسحب بموجبه أنقرة ويسمح لدمشق باستعادة السيطرة على حدودها مع تركيا. من شأن ذلك أن يوفر الأمن لأنقرة وينهي الاحتلال التركي للأراضي السورية التي تحت السيطرة الكردية.

وأوضح الكاتب أنه فضلاً عن الانسحاب الأميركي، فإن هذه العملية ستمنح دمشق السيطرة على باقي حدودها مع العراق. بدعم من روسيا وتركيا، يمكن لسوريا أن تقلل من التدخل الإيراني في أراضيها، مما يقلل التوترات مع “إسرائيل”. ستشجع هذه الخطوة كذلك دول الخليج والحكومات العربية الأخرى على إعادة العلاقات مع دمشق. يمكن لواشنطن أن تنهي حربها الاقتصادية على الشعب السوري مع الإبقاء على العقوبات المستهدفة على الجيش وأجهزة الأمن الداخلي السورية. عندها يمكن للدول المجاورة لسوريا أن تعرض مساعدات إعادة الإعمار بشروط سياسية.

وخلص الكاتب إلى أن الكثير من الأمور يمكن أن تسوء مع مثل هذه الاستراتيجية، بدءاً من تركيا. وسيكون هناك الكثير من الاهتمام في واشنطن بـ”مكافأة” و”استرضاء” حكومة الأسد. ومع ذلك، فقد خسرت الولايات المتحدة الحرب والسلام في سوريا. فشلت الإدارات المتعاقبة في الإطاحة بحكومة الأسد.. يجب أن يعترف صانعو السياسة في الولايات المتحدة بفشلهم وأن يجربوا استراتيجية جديدة. وختم باندو بالقول إن السعي لتحقيق السلام بدلاً من تأجيج الصراع سيكون أكثر ملاءمة لمصالح كل من أميركا والشعب السوري.