مكور ريشون: أراضٍ مقابل المال، اتفاق الغاز مقابل تحسين المواقف قبيل الانتخابات

مكور ريشون: أراضٍ مقابل المال، اتفاق الغاز مقابل تحسين المواقف قبيل الانتخابات
Spread the love

شؤون آسيوية_بقلم: د. مردخاي كيدار – محاضر في جامعة بار إيلان

كتبت هذا الكلام يوم الثلاثاء، عشية يوم الغفران، بالاستناد إلى معلومات- ليست كاملة ولا رسمية – نُشرت عن الاتفاق قبل أن تقوم المستشارة القانونية للحكومة غالي بهاراف – ميارا بنشر الآلية التي بواسطتها ستوافق الحكومة على مسودة اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع لبنان، التي قدّمها الوسيط الأميركي.

مبادىء الاتفاق هي:
تتنازل حكومة تصريف الأعمال للبنان عن أراضٍ في البحر ادّعت طوال أعوام أنها تعود إليها، وتقبل الموقف اللبناني كاملاً، وهو ما يعني أن هذا ليس تقاسماً وتسوية، بل هو خنوع ورضوخ للإملاءات اللبنانية التي تتعلق بالأرض.
تحصل إسرائيل من شركة توتال الفرنسية على مقابل، هو جزء من عائدات الغاز التي ستحصل عليها من حقل الغاز “صيدون – قانا”، الذي يوجد جزء منه في المياه الاقتصادية الإسرائيلية، وبالتالي يحق لإسرائيل الحصول على جزء من هذه العائدات.

لا يشمل الاتفاق اعترافاً بإسرائيل، كما لا يشمل اعترافاً بخط الحدود البحرية (“خط الطوافات”) الذي يمتد من رأس الناقورة على مسافة خمسة كيلومترات غربي الخط الذي رسمته إسرائيل.

يتضمن الاتفاق عدة مشكلات أساسية:
المشكلة الأولى هي مشكلة قانونية: حكومة لبيد – بينت هي حكومة تصريف أعمال، كل مهمتها إدارة المسائل اليومية حتى الانتخابات. وهي حكومة لا تحظى بثقة الكنيست، ولا يستطيع الكنيست حجب الثقة عنها وإسقاطها. لا يحق لحكومة تصريف الأعمال الحالية اتخاذ قرارات تُفرَض على حكومات منتخَبة تتألف من بعدها
. وعلى الرغم من هذا كله، فإن حكومة تصريف الأعمال الحالية تواصل العمل كأنها حكومة عادية تحظى بالثقة وتتخذ قرارات مصيرية تؤثر بصورة كبيرة في حياة الدولة، على الرغم من أنه ليس من صلاحيتها التخلي عن أراضٍ، حتى ولو كانت في البحر.
يمكن الافتراض أن المستشارة القانونية للحكومة تعرف هذه المشكلة القانونية، وهي ستفرض على الحكومة الحصول على موافقة الكنيست على الاتفاق لأنها تتخوف من أن تُبطل المحكمة العليا موافقة المجلس الوزاري المصغر أو الحكومة على هذا الاتفاق المصيري، كما أبطلت الإذن الذي أعطته لحكومة تصريف الأعمال بتعيين القاضي المتقاعد موني مزوز رئيساً للجنة التعيينات بصفة دائمة لمدة ثمانية أعوام.

إن الرجل الذي في إمكانه إنقاذ الحكومة من هذه الورطة القانونية هو نفتالي بينت، الذي يمكنه فرض الفيتو على الاتفاق مع لبنان. وإذا فعل ذلك، فسيوفر على الحكومة الانتقادات من اليمين، وكذلك الإحراج مع المحكمة العليا.
المشكلة الأساسية الثانية التي ينطوي عليها الاتفاق هي حقيقة أنه يشكل تنازلاً إسرائيلياً عن أراضٍ بحرية مقابل المال الذي ستحصل عليه إسرائيل من شركة توتال الفرنسية، التي من المفترض أن تنقّب عن الغاز في حقل “صيدون – قانا” الذي يوجد جزء منه في داخل المياه الاقتصادية الإسرائيلية. الحصول على مال مقابل أراضٍ هو سابقة خطِرة جداً، لأنها يمكن أن تؤدي – في داخل إسرائيل وخارجها – إلى بروز مَن يحاول إقناعنا بالتنازل عن أجزاء من الوطن، ومن أراضينا في البر، مقابل “مزايا اقتصادية”، ويكون المال هو الشاغل الوحيد.

كلّ إسرائيلي يشدد على المزايا الاقتصادية لاتفاق الغاز كسبب لقبوله، يرسّخ التهمة المعادية للسامية التي تدّعي أن كل ما يهمّ اليهود هو المال، وهم مستعدون لبيع وطنهم مقابله. وهذه المقاربة ستزيد في الضغط على إسرائيل كي تتنازل عن أجزاء من أرضها.

المشكلة الأساسية الثالثة للاتفاق هي الانطباع في إسرائيل، كما في لبنان، بأنه أُنجز بسبب خضوع حكومة لبيد “للإرهاب” الذي يمارسه ضدها نصر الله، وخوفاً من الحرب مع حزب الله. طوال الأشهر الأخيرة، سمعنا تصريحات عدائية كثيرة من نصر الله رفعت مستوى الخوف من الحرب في الجيش، وعلى المستوى السياسي، وبدلاً من وضع نصر الله في مكانه الطبيعي، قررت حكومة بينت – لبيد تسريع المفاوضات مع لبنان والخضوع للمطالب اللبنانية التي لم تخضع إسرائيل لها حتى الآن.

ونصل هنا إلى الحدث المهم الذي وقع قبل 3 أشهر، في مطلع تموز/يوليو، عندما أطلق حزب الله 3 مسيّرات في اتجاه منصة كاريش، والتي أسقطتها إسرائيل على بُعد مسافة آمنة، لكنها لم تعاقب حزب الله على عمله الخطر هذا. ليس لديّ معلومات عمّا جرى وراء الكواليس في هذا الحادث، لكن بعد أكثر من 25 عاماً من الخدمة في سلاح الاستخبارات، أتجرأ على التخمين: نصر الله يدرك أن المسّ، مادياً، بمنصة كاريش سيؤدي إلى رد عسكري قاسٍ من جانب الجيش الإسرائيلي، لذلك أرسل المسيّرات كتهديد للحكومة الإسرائيلية، وللشركات الإسرائيلية والأجنبية التي تستخرج الغاز مقابل شواطىء إسرائيل، فقط بعد أن تأكد من أن إسرائيل علمت بشأن إطلاق المسيّرات واتخذت الخطوات المطلوبة لإسقاطها. لدى حزب الله وسائل جيدة لجمع المعلومات الاستخباراتية، تسمح له بالتأكد من هذه المسائل. لو لم تقُم إسرائيل بإسقاط المسيّرات، لكانت حلّقت فوق منصة كاريش، وأظهر نصر الله من خلال ذلك أمام الإسرائيليين وحكومتهم والعالم كله إمكانية تعرُّض المنصة للهجوم. من هنا، فإن إطلاق المسيّرات، سواء أُسقِطت أم لم تُسقَط، كان كافياً لدفع الشعب في إسرائيل إلى الضغط على الحكومة الإسرائيلية للتوصل إلى اتفاق مع نصر الله يناسب الأخير.

المشكلة الرابعة هي التدخل الأميركي. خلال 4 أعوام من تولّي دونالد ترامب الرئاسة الأميركية، أجرى نتنياهو المفاوضات مع التدخل الأميركي بطريقة عززت الموقف الإسرائيلي. واصل لبيد وبينت المفاوضات بتدخُّل أميركي منذ تأليف حكومتهما، لكن هذه المرة مع إدارة بايدن، ومع أجندتها الرامية إلى التصالح مع الإيرانيين والخضوع لرغبتهم – الموضوع هنا يتعلق بحزب الله – بأي ثمن، وخصوصاً إذا كانت إسرائيل هي مَن يدفع الثمن. من الواضح أن الاتفاق هو لمصلحة حزب الله، مالياً، والقيّمين في لبنان، ويمنح الإيرانيين إمكانية الحصول على جزء من هذه الأموال، من هنا، من المهم لإدارة بايدن أن تفرض على إسرائيل اتفاقاً يستفيد منه اللبنانيون والإيرانيون.

ومن أجل إخفاء هذه النية الخبيثة، عيّنت إدارة بايدن عاموس هوكشتاين، وهو يهودي قام بخدمته العسكرية في الجيش الإسرائيلي، وسيطاً بين إسرائيل ولبنان، بينما من الواضح للجميع أنه ليس سوى موفد من يهودي آخر هو أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأميركي الذي هدفه إرضاء الإيرانيين منذ لحظة وصوله إلى وزارة الخارجية منذ عامين تقريباً.

المشكلة الخامسة والأخيرة هي الانتخابات القريبة. عموماً، من الواضح أن الأغلبية الكبيرة في حزب “يوجد مستقبل” ستحب كثيراً الاتفاق بسبب مزاياه الاقتصادية التي تحدث عنها لبيد، وبسبب الهدوء الذي ستحصل عليه إسرائيل لفترة ما. بالنسبة إلى ناخبي “يوجد مستقبل”، أرض إسرائيل أقل أهمية من الوضع المالي، وبالنسبة إليهم، من الممكن بيع أجزاء من البلد، وخصوصاً في البحر، مقابل اتفاق له مزايا مالية.

يقول لنا معلّقون إن علينا الإسراع في توقيع الاتفاق، لأن ولاية الرئيس ميشال عون تنتهي في نهاية تشرين الأول/أكتوبر، وليس معروفاً متى سيُنتخب رئيس جمهورية جديد. وهذا خطأ مطلق، لأن مَن يعرقل، أو يسرّع في انتخاب رئيس جمهورية جديد للبنان هو حسن نصر الله. فإذا قرر في الأول من تشرين الثاني/نوفمبر أن فلاناً سيكون هو الرئيس، فإن هذا سيحدث، لذلك، ليس من الضروري الإسراع في توقيع الاتفاق في هذا الشهر سوى من أجل تحسين وضع لبيد الانتخابي.

من بين هذه الأسباب كلها، من الواضح لي أن اتفاق الغاز الذي حققه لبيد في هذه الأيام يهدف، قبل أي شيء آخر، إلى تحسين وضعه الانتخابي على حساب المصالح الحيوية لدولة إسرائيل.

في الختام أقول: الاتفاق كما نُشر ممتلئ بالمشكلات، مثل قنبلة يدوية.ومن هذا المنبر، أطالب حكومة تصريف الأعمال بعدم الالتزام بأي شيء على المستوى الاستراتيجي، وخصوصاً عدم الالتزام بالاتفاق مع لبنان، قبل نشر الاتفاق كاملاً مع ملاحقه بصورة رسمية، وإجراء نقاش عام بشأنه في وسائل الإعلام، وفي الكنيست. هذا من حقي ومن حق كل مواطن في أراضي إسرائيل البحرية، مثل حقوقي في الغاز الموجود في الحقول الإسرائيلية. وحقوقي الفردية لا تقل أهمية عن الحقوق الفردية للبيد، ولم أخوّله قط التنازل باسمي عن مليمتر واحد من الأراضي الإسرائيلية، كما لم أخوّله التنازل باسمي عن حقوقي في أرباح الغاز. منصبه كرئيس حكومة تصريف أعمال لا يعطيه الحق في التنازل عن مداخيل تعود إليّ كما تعود إلى كل المواطنين الإسرائيليين.