عن جذور النزاع الصيني التايواني

عن جذور النزاع الصيني التايواني
Spread the love

خاص مجلة شؤون آسيوية – بقلم: رشا النقري

تعد الجزيرة جزءاً من الصين الحالية وتاريخهما مشترك حتى ما قبل العام 1911، وهو العام الذي انقلب فيه الحزب القومي الصيني على الإمبراطور بوي، أخر الاباطرة الذين حكموا الصين من سلالة تشينك التي حكمت الصين قرابة ألفي عام.

تايوان تسميتها الرسمية “جمهورية الصين” وأحياناً أخرى تايبه الصينية وهي عبارة عن جزيرة يفصلها عن الصين مضيق فورموزا. ولا تزيد المسافة بين الجزيرة والصين عن 140 كيلومتراً، الفاصل بينهما مضيق تايوان،  فهي تطل على المحيط الهادئ وتقابل مضيق تايوان وتقترب عبر مضيق باشي الممرين البحريين الرئيسيين اللذين يربطان شمال شرق آسيا بجنوب شرق آسيا والشرق الأوسط.

ويحيط بها عدد من الجزر التابعة لها البيسكادورس وكيموي ومانسوا، وتبلغ مساحتها 36 كيلومتراً مربعاً. هذه المساحة الصغيرة التي لا يتجاوز عدد سكانها 24 مليون نسمة مقارنةً بالصين التي تقترب من مليار ونصف مليار نسمة.

ويتكلم غالبية سكانها لغة الماندرين وهي أكثر اللغات الصينية تداولاً وديانتهم البوذية والتاوية، ويحكمها نظام جمهوري يعتمد التعددية السياسية وينتخب فيه الرئيس كل أربعة سنوات.

تمتلك الجزيرة عدداً من الثروات الطبيعية أهمها الفحم والحجر الجيري والرخام(30 مليار طن متري) والذهب (423 طناً) والنحاس. ولا تمتلك أي فائض من النفط أو الماس أو الموارد الطبيعية. وكما تصلح حوالي 24% من أراضيها للزراعة.

وعلى الصعيد الاقتصادي، تعتبر تايوان المركز الثاني والعشرين عالمياً من حيث القوة الاقتصادية وفق إحصائيات صندوق النقد الدولي. وتعتبر الصين الشريك التجاري الأكبر لتايوان وفقا ًلبيانات وزارة المالية التايوانية.

وفي سبعينيات القرن العشرين، أنتجت تايوان أكثر من 70% من أجهزة الكمبيوتر في العالم ومعها تحولت شركة فوكسون “Foxconn” الى شركة عملاقة. وفي التسعينيات تعاونت مع كبرى الشركات في وادي السيليكون لتطوير الكومبيوترات المكتبية. وبإدراكها أن شعبها هو أثمن مواردها وجهت رأس الاستثمار البشري ليشارك في النظام التعليمي بتخريجه لعدد لا محدود من المهندسين المتخصصين والعمال المدربين تدريباً عالياً.

ونتيجة الرعاية الصحية والتدريب المهني مع الكفاءة العالية في تايوان، يتم تشغيل الكثير من المعدات الالكترونية المستخدمة يومياً في العالم من الهواتف الى أجهزة الكومبيوتر المحمولة والساعات ووحدات التحكم في الألعاب والأقمار الصناعية ومنصات إطلاق الصواريخ والطائرات والدبابات ومولدات الكهرباء.

وتهيمن شركة تايوان لأشباه الموصلات “تايوان سيميكونداكتور” على أكثر من نصف السوق العالمية في صناعة الرقائق المعدنية.

تاريخ الصراع الصيني- التايواني

شهدت مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية معطيات جديدة على الساحة الصينية. هذه الحرب التي قدمت فيها الصين تضحيات جسيمة حيث خاضت مقاومة صلبة بمفردها في ساحة المعركة في آسيا والمحيط الهادئ، خاضت أطول الحروب بقوة وصمود وإصرار، فكانت العمود الفقري للانتصار في هذه الحرب، انتصار الشعوب المحبة للسلام ضد الفاشية في جميع أنحاء العالم.

تعود جذور الصراع الصيني التايواني الى منتصف القرن الماضي وتمتد حتى التاريخ الحديث. إذ بدأت في الحرب الأهلية التي دارت بين الحزب الشيوعي الصيني بقيادة ماوتسي دونغ والحزب القومي الصيني “الكومنتانغ” بقيادة تشانغ كاي تشيك الذي كان يسيطر على مقاليد الحكم منذ عام 1912 وحتى عام  1949 والتي انتهت بانتصار الشيوعيين، من دون أن يتم التوقيع على أية معاهدة سلام أو هدنة. وبقي هنالك جدل حول ما إذا كانت الحرب الأهلية انتهت من الناحية القانونية.

لكن ماذا عن القوميين؟

ما حصل عقب انتصار الشيوعيين هو هروب جماعي للقوميين باتجاه جزيرة تايوان واتخذوها مقراً لهم لإكمال حربهم ضد الشيوعيين. ورسمياً كان القوميون هم الحكومة التي حظيت باعتراف دولي بتمثيلهم لكامل الصين واعتبر الشيوعيون انقلابيين غير شرعيين خاصة أن الشيوعيين بدوا كأعداء للغرب. وبحكم أن الشيوعيين كانوا ملحدين، كان الفاتكان أولى البلاد التي اعترفت بدولة الصينيين في تايوان أو ما يعرف بجمهورية الصين.

وبدأ التمايز هنا بين جمهورية الصين الشعبية الشيوعية وجمهورية الصين الوطنية – تايبه التي هي تايوان، وذهب مقعد الأمم المتحدة لتايوان. وفي حين حُرمت الصين الشيوعية منه، اختيرت تايوان كعضو دائم في مجلس الأمن بحكم أنها ممثلة للصينيين وذلك لأن الغرب كان يراهن على سقوط الحكم الشيوعي في بكين. لذلك تبنى الغرب تايوان ودعمها بكل ما أوتي من قوة.

في الحرب الباردة لم ترغب واشنطن أن تصبح الصين عملاقة حليفة للاتحاد السوفياتي. وحتى خمسينيات وستينيات القرن الماضي كان الشيوعيون يتخبطون بالحكم في بكين ولم تصنع دولتهم أي تقدم على طريق بناء الدولة حتى أن ثورةً ثقافية أطلقها الزعيم ماو تسيتونغ أتت على حياة عشرات ملايين الصينيين في حين استقرت تايوان وأجرت الحكومة إصلاحات فيها مكّنتها من بناء دولة بدعم غربي غير منقطع وأصدرت عملتها الخاصة وأصبحت حليفة الولايات المتحدة. وقامت بإصدار قانون إصلاح الأراضي وإزالة الطبقة المالكة ونتج عن ذلك عدد كبير من الفلاحين الذين بدورهم قاموا بمساعدة الدولة لزيادة الإنتاج الزراعي بشكل رهيب ليكون لديها عملة مستقلة وإنتاج متزايد لتؤمن بذلك رأس المال اللازم لإعادة تشغيل الاقتصاد. ثم دعمت التعليم والرعاية الصحية وبعدها بدأت بتحويل أرباح القطاع الزراعي الى القطاع الصناعي فدخلت حكومة تايوان مرحلة التكنوقراط والذي اعتمد بشكل أساسي على التكنولوجيا. وفي عام 1976 أرسلت تايوان باحثين وخبراء الى الولايات المتحدة لتعلّم تكنولوجيا الدوائر المتكاملة.

وانتهت الحرب بين تايبه وبكين في عام 1991 حين أعلنت تايوان ذلك لكن العلاقة بين العاصمتين ظلت بعيدة كل البعد عما طرحه الزعيم الصيني الراحل دنغ شياوبينغ أثناء مفاوضاته مع بريطانيا تحت مبدأ دولة واحدة ونظامين والذي يضمن استمرار الإدارة المحلية في كل من هونغ كونغ وماكاو. إذ رفضت تايبه الإقرار بانضمامها تحت السيادة الصينية وادعت حقها في الحفاظ على مزيد من الاستقلال في الحكم على الرغم من عجزها من كسب الاعتراف الدولي الذي ظل مقتصراً على نحو سبعة عشر دولة.

لكن ما جرى تحديداً بعد منتصف ستينيات القرن العشرين، أجبر العالم ومعه الغرب على تصحيح البوصلة حيث فاجأت بكين الجميع حين أجرت تجاربها على سلاح نووي مدمر وأعقبت ذلك بتجربة أخرى على قنبلة هايدروجينية جعلت الأمم المتحدة تسحب العضوية من تايوان وتعيدها لبيكن ومعها المقعد الدائم في مجلس الأمن، برغم معارضة أميركا لهذا القرار، مما يدل على أن دعم أميركا لتايوان اليوم ليس بالجديد طبعاً من دون إغفال جهود السوفيات بذلك بدعم الصين.

أدرك حينها الصينيون أن العالم لا يفهم إلا لغة القوة فقرروا في أعقاب هذا التاريخ التعامل مع هذا العالم باللغة التي يفهمها مُستلهمين العبرة من تجربتهم التي كانت فاشلة طوال العشرين سنة من الأولى من حكمهم. وما إن انقضى عقد التسعينات حتى بدت ملامح مشروع ضخم وعملاق ينطلق من بكين في حين ظلت تايوان هي الأخرى على نهضتها والطفل المدلل لدى الغرب في بحر الصين. فقد أرادتها واشنطن خنجراً في خاصرة التنين لذا قامت بكين بتأجيل النظر بقضية ضم الجزيرة حتى تتم عملية نهضتها. وفعلاً وجت الصين طريق السياسة والاقتصاد أكثر نفعاً مبدئياً من طريق الحرب فمارست ضغوطاً دبلوماسية هائلة لمنع أي اعتراف بجزيرة تايوان.

وحتى عام 2016 وصل للحكم في تايوان رئيسة تدعى تساي تنتمي لحزب سياسي مؤيد للاستقلال عن بكين مما وتر العلاقة المتوترة أصلاً فبذلت الصين جهوداً كبيرة أدت الى سحب سبع دول اعترافها بتايوان لتصبح الآن فقط خمسة عشر دولة غالبيتها جزر صغيرة، تعترف بها.

فلا توجد دولة من دول العالم ترغب في إغضاب الصين إلا الولايات المتحدة حالياً، حيث أشعلت تصريحات قادتها في السنوات الأخيرة غضب الصينين وأعلنت انطلاق مرحلة جديدة من العلاقة بين بكين وتايوان عنوانها الأبرز التهديد والوعيد. فالصين تهدد تايوان بالضم بالقوة اذا لم تخضع سلمياً وأميركا تهدد بالدفاع عسكرياً عن الجزيرة حتى لو كلفها الأمر حرباً طاحنة.

لكن اليوم ما يثير غضب الصينيين كانت تصريحات الرئيس الأميركي جو بايدن الأخيرة التي كانت سبباً لتصاعد التوتر بين الصين وتايوان.

يعد الوضع السياسي الحالي بين جمهورية الصين وجمهورية الصين الشعبية أكثر تعقيداً على مستوى العالم، فجمهورية الصين الشعبية تروّج لوجهة نظر سياسية وهي” الصين الواحدة” والتي تنص على أن كلاً من بر الصين الرئيسي وتايوان كان واحداً يتبع كلاهما للصين الأم. كما تنص على أن حكومة الصين الشعبية هي الحكومة الشرعية الوحيدة والتي لها الحق في إرادة كل الأراضي الصينية، وتنتهج حكومة الصين الشعبية هذه السياسة في محاولة منها لدفع العالم عن الاعتراف بجمهورية الصين “تايوان” كدولة مستقلة ذات سيادة.

وفي خطاب للرئيس الصيني شي جين بينغ حول تايوان بعنوان “لا تراجع عن الوحدة” أوضح فيه أسباباً عدة تجعل من الضروري بقاء تايوان تحت راية حكم الصين الشعبية، حيث قال إن خيار الوحدة مع تايبه أكثر انسجاماً مع المصلحة العامة للامة الصينية، بمن في ذلك مواطنو تايوان، من دون استبعاد خيار استخدام القوة، فالشعب الصيني يمتلك إرادة وقدرة قويتان لأجل الدفاع عن سيادته الوطنية وسلامة أراضيه.

وكان خطاب شي تأكيداً على قانون مناهضة الانفصال الذي أقرته بكين في عام 2004 والذي ينص على حق الصين في استخدام الوسائل غير السلمية ضد تايوان إذا حاولت الانفصال بشكل كلي.

بيلوسي في تايوان

برغم التحذيرات الصينية التي سبقت الإعلان عن زيارة  رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيولسي الى تايوان المتنازع بشأنها مع الصين، زارت بيولسي الجزيرة في رحلة استفزازية للتأكيد على التزام الولايات المتحدة بالدفاع عن الجزيرة، مشيرة الى قانون العلاقات مع تايوان الذي أقره الكونغرس قبل 43 عاماً حيث رفضت واشنطن بموجبه الاعتراف بالسيادة الصينية على تايوان.

وأعربت الصين عن غضبها من هذه الزيارة وقالت “إنها تزعزع بشدة الأساس السياسي للعلاقات الصينية الأميركية، وتضر بسيادة الصين ووحدة أراضيها، وتقوض بشدة السلم والاستقرار في مضيق تايوان وترسل إشارة قوية خاطئة للقوى الانفصالية لاستقلال تايوان”.

وقدمت الصين احتجاجاً واعتراضاً شديدين للجانب الأميركي بهذا الشأن موضحة أنه لا توجد في العالم سوى صين واحدة وتايوان هي جزء لا يتجزأ من أراضيها.

وأكد الكتاب الأبيض الخاص بتايوان أنه “في حالة قيام القوى الانفصالية المؤيدة لاستقلال تايوان، أو قوى التدخل الخارجية باستفزاز أو استحدام القوة أو حتى تجاوز الخط الأحمر، فسيتعين علينا اتخاذ إجراء صارم”.

كما تعهدت بكين بأنه طالما تم الحفاظ على سيادة جمهورية الصين الشعبية وأمنها ومصالحها التنموية، فستكون تايوان قادرة على التمتع بدرجة عالية من الحكم الذاتي كمنطقة إدارية خاصة، وسيتم احترام النظام الاجتماعي وأسلوب الحياه للمواطنين التايوانيين وسيتم احترام الملكية الخاصة والمعتقدات الدينية والحقوق والمصالح المشروعة للشعب وستكون الجزر مضمونة بالكامل.

*رشا النقري باحثة سورية* .