هآرتس: التصريحات الإسرائيلية المتشددة حيال إيران تعكس في الأساس إحباطاً

هآرتس: التصريحات الإسرائيلية المتشددة حيال إيران تعكس في الأساس إحباطاً
Spread the love

شجون عربية / عاموس هرئيل – محلل عسكري

من الأفضل وقف قرع طبول الحرب. على الرغم من التصريحات الهجومية في منتصف الأسبوع والعناوين الأولى الصاخبة في وسائل الإعلام والتقارير عن التدريب الإسرائيلي غير المسبوق على خطة هجومية على إيران، فإن إسرائيل وإيران ليستا قريبتين من الحرب مثلما كانتا في أي مرحلة خلال الأعوام الماضية. التصريحات ناجمة عن ظروف قاهرة تتعرض لها الحكومة في الساحتين الداخلية والدولية، وهدفها نقل رسائل إلى الولايات المتحدة، لكنها كما هو معروف، لا تعبّر عن تطورات استثنائية خفية لا تراها عيون الجمهور.
التقدم الإيراني نحو القنبلة مثير للقلق بالتأكيد، لكنه لا يحمل الكثير من الجديد. تتقدم طهران نحو أهدافها بحذر نسبي كي لا تخلط بين الهدف القريب (مراكمة يورانيوم مخصّب على درجة عالية، وبكميات تكفي لقنبلة نووية واحدة)، وبين هدفها النهائي الأبعد (تركيب القنبلة على رأس نووي متفجر على صاروخ باليستي). لا توجد دلائل اليوم على أن القيادة الإيرانية مستعدة للمخاطرة الآن بتطوير رأس متفجر ومواجهة ردة الفعل العالمية على ذلك.
تدفُّق التصريحات يوم الثلاثاء لاقى آذاناً صاغية لدى رؤساء تحرير الصحف، في غياب موقت لتطورات في الائتلاف، أو هجمات في الساحة الفلسطينية. فقد ذكّر وزير الدفاع بني غانتس في خطاب ألقاه في جامعة ريخمان بمعلومات استخباراتية مقلقة جرى الحصول عليها مؤخراً -إيران تبني موقعاً جديداً تحت الأرض لتخصيب اليورانيوم، وتقوم بتركيب أجهزة طرد متطورة. وكرر غانتس تأكيده أن إيران على مسافة أسابيع معدودة من مراكمة كميات من اليورانيوم المخصّب تكفي لإنتاج قنبلة واحدة، ودعا المجتمع الدولي إلى العمل الآن لوقفها. مدير مكتبه، رئيس سلاح الجو السابق أمير أشل قال: “إن القدرة على العمل في إيران موجودة، وخلال ولاية الحكومة الحالية خُصّصت موارد لبناء قوة أكبر من أجل هذا الغرض”. وذكر بيان توجيهي للجيش أن تدريب “مركبات النار”، حيث يتدرب الجيش الآن على حرب متعددة الجبهات لمدة شهر، يتضمن أيضاً محاكاة لهجوم جوي واسع النطاق على إيران.
لكن قبل إعداد الملاجئ، من المفيد أن نذكر السياق. غانتس موجود في حكومة حتى لو لم يحدّد بعد تاريخ وفاتها، فإن نهايتها واضحة. رؤساء الائتلاف يتشاجرون مع بعضهم البعض، ويتحضرون كلهم لجولة الانتخابات المقبلة. يوم السبت هاجم وزير العدل جدعون ساعر قرار غانتس معاودة السماح بدخول عمال فلسطينيين من قطاع غزة. أول أمس هاجم غانتس رئيس الحكومة نفتالي بينت، بحجة أنه لا يعترف بفضله في وسائل الإعلام. وطوال الوقت يواصل زعيم المعارضة بنيامين نتنياهو توجيه الركلات إلى الحكومة، بحجة أنها تهمل معالجة التهديد الإيراني. وزير الدفاع، مثل سائر وزراء الحكومة، يسعى لظهور إعلامي في ظروف ليست سهلة.
ألقى غانتس خطابه قبل زيارته إلى الولايات المتحدة، حيث سيلتقي كبار مسؤولي إدارة بايدن. وفي الواقع، تشعر إسرائيل بالإحباط جرّاء الوضع: فقد حافظت إدارتيْ أوباما وترامب، كلٌّ على طريقته، ظاهرياً، على تهديد عسكري لإيران. الإدارة الحالية لم تكلف نفسها عناء ذلك. بل على العكس، هي تريد التوصل بسرعة إلى اتفاق نووي جديد مع طهران كما قدّر كثيرون منذ البداية. الاتصالات بين الدول الكبرى وبين إيران متوقفة – الرفض الأميركي لإخراج الحرس الثوري الإيراني من قائمة الكيانات التي فُرضت عليها عقوبات اقتصادية شديدة، يبدو أنه العقبة المركزية أمام توقيع اتفاق جديد.
تصريحات غانتس والجيش تشكل ربع حملة. وهي تصريحات تدل على ظروف داخلية وخارجية قاهرة، الغرض منها إبداء الاهتمام بالشأن الإيراني، انطلاقاٌ من أمل ضعيف بإقناع الأميركيين بانتهاج خط أكثر تشدداً. ما لم يرِد في هذه التصريحات هو تهديد حقيقي ومباشر لإيران. عملياً، كما ظهر من كلام أشل، استعدادات الجيش الإسرائيلي لشن هجوم على مواقع نووية في إيران، أُهملت أعواماً طويلة. في سنة 2018، انسحب دونالد ترامب من الاتفاق النووي بعد جهود إقناع هائلة بذلها نتنياهو. بعد مرور عام، بدأ الإيرانيون بانتهاك الاتفاق، وعادوا من جديد إلى تخصيب اليورانيوم الذي ارتفع إلى درجة كبيرة في سنة 2021. لكن نتنياهو لم يستنتج من ذلك توجيه تعليماته إلى الجيش للإعداد لهجوم مستقل على إيران. بينت عاد إلى الاهتمام بالاستعدادات، لكن فجوة أعوام كثيرة لا يمكن ردمها خلال أشهر، ولا خلال عامين.
في الأسابيع المقبلة، سينشر الجيش صوراً طبق الأصل عن المخطط المطلوب لمهاجمة المواقع النووية في إيران. سيكون هناك إسرائيليون ستملأ هذه الصور قلوبهم بالفخر؛ وسيكون هناك آخرون سيشعرون بخوف كبير. عملياً، هذا السيناريو لن يتحقق على الرغم من تصريحات السياسيين والجنرالات. وبسبب الوضع غير المستقر للحكومة، هناك مخاطر أُخرى لخطوات غير حكيمة في غزة والضفة الغربية.