هآرتس: من شأن الأزمة السياسية أن تدفع بينت إلى خطوات استثنائية ضد الإرهاب

هآرتس: من شأن الأزمة السياسية أن تدفع بينت إلى خطوات استثنائية ضد الإرهاب
Spread the love

شجون عربية / عاموس هرئيل_ المحلل العسكري لصحيفة هآرتس

أدى نجاح المنفّذَيْن في العملية القاتلة في إلعاد إلى محاولتي محاكاة يوم أمس الأحد. في البداية، قام فلسطيني بطعن جندي من حرس الحدود في غرف التفتيش المُقامة إلى جانب باب العامود في البلدة القديمة. الجندي أصيب بجروح متوسطة، أما المنفّذ، فقد تم إطلاق النار عليه وأصيب بجروح بالغة. بعدها بساعة، حدث في مستوطنة تكواع، جنوبي بيت لحم. وبحسب المصادر الإعلامية، فلسطيني تسلق الجدار المحيط بالمستوطنة، ثم حاول الدخول إلى أحد المنازل وبحوزته سكين. ولقد قتل على يد أحد أفراد مجموعة من المتطوعين من سكان المستوطنة. لم يكن هناك إصابات إضافية. وبعد ذلك، تم مسح المنطقة للبحث عن آخر هرب من المكان، بحسب السكان.
وصلت جهود البحث عن منفِّذَيْ عملية إلعاد إلى نهايتها أمس بالنتيجة المتوقعة. صحيح أن البحث استمر أكثر من 60 ساعة، وقت أكثر من المعتاد، لكن في نهاية المطاف تم القبض على المنفّذَيْن اللذين قتلا ثلاثة إسرائيليين بالبلطات والطعن بالسكاكين. وحدث هذا، بحسب توقعات أجهزة الأمن مسبقاً، داخل الخط الأخضر. لم ينجح كلاهما في الوصول إلى مكان سكنهما في جنين، بل حاولا الاختباء في منطقة بالقرب من مكان العملية. مسح واسع أدى إلى القبض عليهما في نهاية المطاف.
في هذه الحالة، لم يكن هناك حاجة إلى استعمال أدوات تكنولوجية استثنائية، إنما في الأساس أعمال تمشيط مشياً على الأقدام: مئات من الجنود وأفراد الشرطة خرجوا لتمشيط الحقول والكروم، وعندما وُجدت بقعة دم تركها أحد المنفّذَيْن، تم إيجادهما خلف الأشجار. وبحسب ضابط في وحدة “مغلان” قاد القوة التي قبضت عليهما، فإنهما لم يقاوما الاعتقال، وتم القبض عليهما وهما “منهكَيْن جداً”.
وهكذا، تم إطلاق صافرة بداية مهرجان العلاقات العامة لدى أجهزة الأمن، ونقاش غبي بعدها على وسائل التواصل الاجتماعي، والذي انجرفت إليه أيضاً، ولو بصورة محدودة، وسائل الإعلام الممأسسة. الضباط الذين تم إرسالهم إلى الإعلام أمس قالوا أموراً من دون جدوى. النائب “ي”، ضابط في وحدة “مغلان”، قال إنه فخور بمقاتليه الذين قاموا بعمليات تمشيط لأكثر من يومين، حتى قبضوا على المنفّذَيْن. أحد القياديين التابع له ذكر أن ساحة العملية التي تم فيها ضرب آباء إلى جانب الأبناء، كانت أكثر الساحات التي شهدها وحشيةً. واعترف بـ -أن دخول المنفّذَيْن من خلال خط التماس من دون تصريح عمل، كان “فشلاً لنا”-وتجاهل بشجاعة حقيقة أن المنفّذَيْن وصلا إلى إلعاد في سيارة كان يقودها مواطن إسرائيلي من منطقة “اللا سياج”، قبل وقت قصير من تحوُّله إلى ضحيتهما الأولى.
إلّا إن الاعتقال، الذي تم تصويره من جميع الزوايا الممكنة، كان أرضاً خصبة للنقاشات استند المبادرون إليها إلى ذاكرة الجمهور القصيرة. أغلبية النقاشات تركزت في سؤال لماذا لم يقُم الجنود بقتل المنفّذَيْن (كلاهما استسلم)، ظروف السجن في إسرائيل (التعليم العالي للمخربين تم إلغاؤه قبل أكثر من 11 عاماً) وكيف-تجرأوا على منح أحد المهاجميَن سيجارة (وكأنها ليست آلية تحقيق قديمة، الهدف منها دفع المشتبه فيه إلى الحديث والاعتراف، كما حدث فعلاً).
هذا الغباء بالإضافة إلى أنه ينمّ عن عدم معرفة مطلق، يستند إلى أسباب سياسية في الأساس. مَن يوجّه الأسئلة، يريد الادعاء أن ضعف الحكومة وانهزاميتها هما السبب، ليس في موجة العمليات فقط، إنما في ردة الفعل الضعيفة لأجهزة الأمن أيضاً. وبغياب أدلة أُخرى، يستندون إلى السيجارة. لماذا يجب الوقوف على هذا أصلاً؟ لأن الحديث السطحي في وسائل التواصل الاجتماعي، الذي يشارك فيه أيضاً صحافيون ومستشارون إعلاميون وضباط سابقون، ينزلق إلى الحياة ذاتها أحياناً. نموذج آخر هو الانشعال بسؤال اغتيال قائد “حماس” في غزة يحيى السنوار. هذه المطالبة بدأت أيضاً من خلال تغريدات على تويتر مساء يوم الخميس، مباشرة بعد العملية. وفي يوم الجمعة صباحاً، كانت قد تحولت إلى قضية رأي عام حارقة.
موضوع السنوار طُرح خلال مناقشات أمنية الأسبوع الماضي، بعد العمليات السابقة، في أثناء موجة العمليات “الإرهابية” الحالية. لا يوصي أيّ من أجهزة الأمن باغتياله في هذه المرحلة. لكن الموضوع هو حقيقة أن السياسيين يستمعون إلى ما يعتبرونه يعبر عن أمنيات الناخبين-فكيف إذا كانوا سياسيين وحكومتهم تعدّ أيامها الأخيرة.
في حياة سابقة، كعضو في المجلس الوزاري المصغر ووزير أمن، كان رئيس الحكومة الحالي نفتالي بينت يميل إلى طروحات جريئة تشكل مخرجاً من فخ أمني. يعيش بينت اليوم ضغوطاً كبيرة جداً، في ظل الانتقادات بسبب استمرار موجة العمليات، ومطالبات اليمين بيد أكثر حزماً ضد الفلسطينيين. عملية إضافية أو عمليتان، ولن تكون بالمفاجأة الكبيرة أن نراه يختلف مع شركائه في الائتلاف بشأن الخطوات المطلوبة للتعامل مع موضوع “الإرهاب”. لهذا سيكون هناك تداعيات على وجود القائمة الموحدة في الحكومة، وعلى تقديم موعد الانتخابات-وحتى على سؤال: مَن سيكون رئيس الحكومة الانتقالية (لأن الاتفاق بين بينت وشريكه يائير لبيد ينص على أن مَن سيتولى المنصب، لن يكون من الطرف الذي أدى إلى تفكيك الحكومة).
في كل الأحوال، الثرثرة بشأن الاغتيال لا تفيد-هذا مؤكد. ويبدو أنها تدفع السنوار إلى المزيد من الحذر وتجنُّب التواجد في مكان مكشوف للاغتيال الإسرائيلي. ويبدو أنه لا مفر من اقتباس حكمة الحياة: إن أردت أن تطلق النار-فأطلقها، لا تتحدث.
الحكومة أطلقت يوم أمس خطوة مهمة جداً، على الرغم من أنه من غير الواضح ما إذا كانت ستنجح في استكمالها. أعلن بينت خلال جلسة الحكومة الأسبوعية أنه سيقيم حرساً قومياً-مدنياً، يستند إلى قوات حرس الحدود وقوات الاحتياط ومتطوعين. هذه الفكرة طُرحت بعد عملية “حامي الأسوار” قبل عام تقريباً، حين حدثت اشتباكات واسعة في المدن المختلطة. الاستعمال الأساسي لهذه القوات سيكون في ساعات الطوارئ-للانتشار في البلدات المركزية والشوارع الرئيسية، بهدف تأمين سير قوات الجيش إلى الجبهات. فالشرطة تواجه صعوبات في تنفيذ هذه المهمات. في حال تم تخصيص الميزانيات اللازمة، ستكون الفائدة من هذا القرار أعلى بكثير من الثرثرة بشأن الاغتيالات.
مساعدة من وحدة “الأشباح”

شارك في عملية البحث عن “القتَلة” في إلعاد أكثر من 800 جندي. بينهم، كما تبين أمس، مَن كانوا مقاتلين من الوحدة المتعددة الأبعاد “الأشباح”. ومن المهم التوقف عند هذه الحقيقة، بسبب أن هذه الوحدة التي تأسست قبل ثلاثة أعوام، هي ثمرة عمل رئيس هيئة الأركان أفيف كوخافي وحجر أساس في خطته الطويلة الأمد للجيش، “تنوفا”.
الوحدة المتعددة الأبعاد، تأسست بهدف زرع التكنولوجيا الأكثر تطوراً لدى الجيش، لتفعيلها بشكل فاعل خلال الحرب المقبلة. وحتى الآن، وجد مقاتلوها أنفسهم يشاركون في البحث عن مهاجمين اثنين استعملا أكثر الأدوات بدائية، وهي سكين وبلطة، واختبآ بين الأشجار. هذه إشارة أُخرى إلى أنه، وفي الوقت الذي ينشغل فيه الرأس العسكري في صراع تكنولوجي، لا تزال أقدامه غارقة في وحل “الارهاب “الفلسطيني.
استمرار موجة العمليات الحالية التي بدأت قبل سبعة أسابيع، بدأت بتدفيع الجيش الثمن، على صعيد تدريبات الوحدات القتالية، وعلى صعيد جاهزية هذه الوحدات للحرب. الحاجة إلى إغلاق خط التماس دفع بإرسال قوات وتحويلها من التدريبات ومسار التجهيز. وخلال هذا الشهر، سيتم استدعاء ست كتائب احتياط في أمر استثنائي، بهدف استبدال الكتائب النظامية. كان من المفترض أن يبدأ الجيش اليوم بـ”شهر الحرب”، الذي ستتم من خلاله محاكاة حرب شاملة. قبل عام، تم إلغاء التدريب ذاته في اللحظة الأخيرة بسبب نصف حرب حقيقية، “حارس الأسوار”. وفي هذا العام، يبدو أن السيناريو سيتكرر مرة أُخرى، بعكس رغبات قائد هيئة الأركان.