لماذا تفتقر أوروبا إلى الصوت والقوة في أزمة أوكرانيا؟

لماذا تفتقر أوروبا إلى الصوت والقوة في أزمة أوكرانيا؟
Spread the love

شجون عربية – كتب راف كاسيرت تحليلاً في وكالة أسوشيتد برس الأميركية تناول فيه حال الاتحاد الأوروبي وسط الأزمة الأوكرانية. وقال الكاتب إن العديد من دول الاتحاد الأوروبي كانت حذرة بشأن الإنفاق العسكري بعدما كبّدتها حربان عالميتان عشرات الملايين من الأرواح على أراضيها.

وأضاف: حالياً، مع تصاعد الضغط الروسي على الحدود الأوكرانية، فإن دول الاتحاد الأوروبي تواجه حقيقة مؤلمة وهي أن أوروبا لا تزال تعتمد بشدة على القوة الأميركية لردع صراع كبير آخر محتمل على أراضيها.

وبحسب بيوتر بوراس، الباحث في مركز أبحاث المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، فإنه بسبب الموقف الفاتر تجاه الدفاع والأمن على مدى عقود، “ليس لدى الاتحاد الأوروبي ما يطرحه على الطاولة تقريباً. لذا، يمكن لروسيا ببساطة أن تتجاهله”.

وتابع الكاتب: نظراً لأن الرئيس الأميركي جو بايدن هو الصوت الأكثر موثوقية الذي يتحدى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في القارة الأوروبية، فإن بعض كبار صانعي السياسة في الاتحاد الأوروبي يعرفون ما يواجهونه.

وقال مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل الأسبوع الماضي: “لدينا الاختيار. إما أننا نستثمر بجدية في قدرتنا الجماعية على التصرف، أو نقبل أن نكون موضوعاً وليس فاعلاً في السياسة الخارجية”.

“الحرب، لن تتكرر أبداً”، هكذا تقرأ في كتاب الزوار في مقبرة سان سيمفوريان العسكرية جنوب بروكسل، حيث دفن بعض الضحايا الحرب العالمية الأولى، ودفن جنود ألمان جنباً إلى جنب مع أعداء سابقين. المواقع التذكارية والمعالم التذكارية لقتلى الحروب منتشرة في جميع أنحاء القارة.

وبعد أن تسببت الحرب العالمية الثانية الوحشية في مقتل ما يقدر بنحو 36.5 مليون أوروبي، كان من الواضح أن الأمور يجب أن تتغير بشكل جذري.

كانت ألمانيا، التي أشعلت الحربين العالميتين، وفرنسا المجاورة بحاجة إلى التماسك معاً في تجمع اقتصادي محكم يجعل الحرب مستحيلة عملياً. بدأ التحالف الذي نما ليصبح الاتحاد الأوروبي في النهاية بمجموعة تجارية تركز على الصلب والفحم والزراعة، وليس على الجنود والقنابل. كانت محاولة تشكيل مجتمع دفاعي أوروبي وجيش أوروبي محتمل ميتة سياسياً ولم تتجاوز المصادقة الفرنسية في عام 1954.

وبعد أن كانت الولايات المتحدة حاسمة في الانتصار في كلتي الحربين العالميتين ثم طورت ترسانة نووية لمواجهة الاتحاد السوفياتي، أصبح الاعتماد على واشنطن أمراً سياسياً لا يُفكر فيه في أوروبا.

وتساءل الكاتب لماذا يمثل ذلك مشكلة؟

وأجاب قائلاً إنه في إطار منظمة حلف شمال الأطلسي، التي تأسست في عام 1949، يمكن للأوروبيين أن يحتموا بشكل مريح في ظل القوة العسكرية الأميركية، التي نمت بشكل كبير على مر العقود بينما كان الإنفاق من قبل العديد من حلفائها الغربيين متخلفاً.

لقد تطور الاتحاد الأوروبي إلى قوة اقتصادية عالمية، لكنه لم يطور بتاتاً نفوذاً أمنياً ودفاعياً. وقال بوريل: “غالباً ما يصف الناس الاتحاد الأوروبي بأنه عملاق اقتصادي، ولكنه قزم سياسي ودودة عسكرية. أعلم أن هذا مبتذل. ولكن، مثل العديد من الكليشيهات، كان لها عنصر أساسي من الحقيقة”.

كان ذلك واضحاً بشكل مؤلم خلال حروب البلقان في تسعينيات القرن العشرين. أعلن وزير خارجية لوكسمبورغ جاك بوس أنها “ساعة أوروبا”، ومع ذلك فقد تطلب الأمر تدخلاً من قوات الناتو بقيادة الولايات المتحدة لإحداث الفرق.

ورأى الكاتب أن ما يزيد الأمر تعقيداً هو أن عملية صنع القرار في الاتحاد الأوروبي أصبحت أكثر صعوبة مع نمو التكتل، حيث أصبحت كل دولة على حدة قادرة على التهديد باستخدام حق النقض (الفيتو) في قضايا السياسة الخارجية والدفاع. هذا الأسبوع، امتعض الكثيرون في العواصم الأوروبية عندما ذهب رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان لزيارة بوتين. وسعى إلى توثيق العلاقات من خلال واردات أكبر من الغاز الطبيعي في وقت تريد فيه بقية دول الاتحاد الأوروبي أن تنأى بنفسها عن موسكو.

وفشلت الجهود المبذولة لزيادة الإنفاق الدفاعي الأوروبي أو دمج أنظمة الأسلحة إلى حد كبير.

يخلص حلف الناتو واقع الإنفاق بين أعضائه على موقعه الالكتروني كما يلي: “إن الحلفاء من خارج الولايات المتحدة ينفقون معاً أقل من نصف ما تنفقه الولايات المتحدة على الدفاع”.

وقد أعرب الرؤساء الأميركيون منذ نصف قرن عن انزعاجهم من اعتماد أوروبا على الجيش الأميركي.

وقال الكاتب إن هناك أسباباً سياسية وتاريخية لهذه الفجوة. إذ كانت الولايات المتحدة عازمة على جعل القرن العشرين خاصاً بها، وجاء معها إنفاقها الضخم على الدفاع. في المقابل، بنت ديمقراطيات أوروبا الغربية في فترة ما بعد الحرب دول الرفاهية الخاصة بها. لطالما تفوق الإنفاق على المستشفيات والمدارس على الدبابات، وكان أي تلميح للإنفاق العسكري لتعزيز الموقف العسكري يمكن أن يطلق العنان لتظاهرات الاحتجاج في أوروبا.

وحتى اليوم، بعد 15 عاماً من الالتزام بإنفاق 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع، لا يزال 13 عضوا أوروبياً في حلف الناتو لا يحققون هذا المستوى. في العام الماضي، تراجعت الدول الكبرى – مثل إسبانيا بنسبة 1.02٪ وإيطاليا بنسبة 1.41٪ وألمانيا بنسبة 1.53٪ – بشكل ملموس عن هذا المستوى المطلوب.

يشير مؤيدو الاتحاد الأوروبي إلى فوزه بجائزة نوبل للسلام في عام 2012 لحفاظه على السلام القاري. وبدلاً من القوة الصارمة، يريد الاتحاد أن يكون عملاقاً للقوة الناعمة، بمساعدتها التنموية الرائدة عالمياً، والتعاون الاقتصادي والتواصل الثقافي.

لكن في خضم الأزمة الروسية-الأوكرانية، لا تؤمن القوة الناعمة الردع الضروري. فالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، اللذان يمثلان القوتين النوويتين في أوروبا، لديهما خط مباشر مع بوتين، في حين يبدو أن الاتحاد الأوروبي مقفل إلى حد كبير مجدداً عن الجهود الدبلوماسية.

وكتب ألكسندر ماتيلر من “معهد إيغمونت الملكي للعلاقات الدولية”: “على المدى الطويل، لا يمكن أن يتغير هذا الوضع إلا إذا قام الأوروبيون أنفسهم بتصليب ظهورهم. فقط من موقع القوة النسبية يمكن إحراز تقدم على طاولة المفاوضات مع موسكو”.

نقله إلى العربية بتصرف: هيثم مزاحم عن الميادين نت