رسائل روسيا من عفرين: “مستعدّون لإجراء ما يلزم”

رسائل روسيا من عفرين: “مستعدّون لإجراء ما يلزم”
Spread the love

بقلم: د. عقيل سعيد محفوض* — هل كان إقدام الروس على إنشاء قاعدة عسكرية لهم في عفرين هو الشعرة التي قطعت حبل الثقة –وكان رفعياً- بين روسيا وتركيا؟ وهل كان بوتين وأردوغان يُضلّلان المتابعين عندما قالا إن علاقاتهما أصبحت طبيعية، وهل اكتشف الروس أن هواجس إيران تجاه تركيا في محلّها، وأنهم تأخّروا كثيراً في إبداء الحزم اللازم تجاه سياسة تركيا وغيرها في سوريا؟

تبدو روسيا وتركيا على أعتاب مواجهة جديدة، ذلك أن رهانات الطرفين جدّ مُتناقضة بل إنهما عملياً في “حال حرب” في سوريا. وعلى الرغم من انخفاض الثقة بأردوغان إلا أن رهان بوتين عليه لا يزال عالياً، على أمل أن يساعد ذلك في التخفيف من احتدام الأزمة السورية، ولكنه على ما يبدو “أمل بلا تفاؤل”، بتعبير مُستعار من الناقد تيري إيغلتون، وقد لا يصمد كثيراً أمام تزايد التوتّر بين الطرفين على خلفية انقلاب أنقرة على تفاهمات أستانة، مع أول إشارة تقارُب من ترامب، وصولاً إلى دعمها عمليات عسكرية واسعة في دمشق وحماه، ما هدّد بتقويض عملية أستانة بكل الآمال الروسية المعقودة عليها.

لم يكن اجتماع الرئيسين بوتين وأردوغان في موسكو (10 آذار/مارس) جيّداً، وظهر أن الموضوع الكردي كان سبباً رئيساً للخلاف، فيما الحقيقة تكمُن في مكان آخر، وهو تغيّر رهانات أردوغان نفسه، الذي غيّر اتجاهه من موسكو إلى واشنطن، وبدا أنه يطلب ثمن عدم إسراعه إلى واشنطن بالاشتراط على الرئيس بوتين الحد من علاقات روسيا مع كُرد سوريا، على ما في ذلك الاشتراط من تناقض، لأن علاقات واشنطن قوية مع القوات الكردية في سوريا، ولكن تعاون أنقرة معها لم يتراجع، فيما علاقات روسيا بكُرد سوريا لا تمثل تهديداً مباشراً لتركيا، طالما أن البلدين على توافق أو تقارب في المشهد السوري.

ثمة أمور تحدث بالتتابع، وقد لا يحيل ذلك إلى ارتباط سببي بينها، بل ربما كان العكس هو الصحيح، بمعنى أن إعلان الكُرد عن توقيع اتفاق مع الجيش الروسي لإقامة قاعدة تدريب في عفرين لتعليم المقاتلين الأكراد “الطرق الحديثة للقيام بعمليات حربية”، لم يكن مقدّمة التوتّر بين موسكو وأنقرة، وإنما هو –في جانب منه- نتيجة مسارات غير منفصلة، الأول هو تعزيز علاقة روسيا بكُرد سوريا، والحرص على عدم ترك الكُرد لواشنطن؛ والثاني هو “احتواء” بل “موازنة” الوجود الأميركي في شمال سوريا؛ والثالث هو “احتواء” أية اندفاعة تركية مُحتمَلة لتوسيع نطاق سيطرة القوات الموالية لها في شمال سوريا؛ والرابع هو تعزيز قدرة موسكو على المساهمة في إدارة العلاقات بين دمشق و”كُردها”.
جاءت ردّة الفعل التركية سريعة، فقد أعلنت تركيا أنها لن تعترف بضمّ منطقة القرم لروسيا، وأنها ستواصل دعم تتار القرم، وأوقفت شراء القمح من روسيا بفرض ضرائب 130 بالمئة على الاستيراد، علماً أن تركيا تأتي في المرتبة الثانية بين مستوردي القمح الروسي بعد مصر، وأوقفت الرحلات البحرية بين اسطنبول القرم. هذا بالتزامن مع عقوبات أميركية جديدة على شركات صناعة السلاح والطيران المدني الروسية.

حاولت تركيا ان تكون مدخلاً حصرياً تقريباً لقراءة المشهد السوري، ولا تزال تجد صعوبة في أن يكون لموسكو وواشنطن وطهران، وحتى دمشق نفسها قراءة مختلفة للحدث، ولا تزال تُعبِّر عن صدمتها من أيّ تصرّف يخالف توقّعاتها. وقد وجد الرئيس بوتين أن أردوغان ينقلب بسهولة وسرعة على تحالفاته، كما ينقلب على نفسه، إذ يتحوّل بسرعة من خصم إلى حليف، والعكس، هذا أمر يفهمه بوتين لكنه –حتى الآن- لم يبنِ على الأمر مُقتضاه. وكان على موسكو أن تقرأ التوتّر بين أنقرة وطهران بتبصّر أكثر، وأن ذلك التوتّر سوف يكون له ما بعده من جهة الموقف بين أنقرة وموسكو نفسها.

كشفت التطوّرات الأخيرة في المشهد السوري عن حدود الرهان على تركيا في البحث عن حل للأزمة السورية، وأن أردوغان لا يتوانى عن فعل أي شيء من أجل تمرير خططه في سوريا، بما في ذلك الانقلاب على تفاهماته، وأنه في الوقت نفسه مستعد للمساومة على كل شيء. هذا يؤهّله لأن يكون شريكاً أو عميلاً جيّداً وسيّئاً بالقدر نفسه، حسب مُتقضيات المصلحة، ولكن مع قدر كبير من الحذر.

وبإقدام روسيا على إقامة قاعدة عسكرية في عفرين، ودعم الوفد السوري في مفاوضات جنيف5، وتأكيدها أن الهجوم على دمشق وحماه لن يحقّق أهدافه، وتحذيرها من أن نجاح عمليات التحالف في الرقّة يتطلّب التعاون مع موسكو ودمشق وحلفائهما، تكون روسيا بَنَت على الأمر مُتقضاه، وقدّمت المزيد من الدعم لدمشق وحلفائها، وأظهرت للجميع أنها مُستعدّة لـ “إجراء ما يلزم” ليس في شمال سوريا فحسب، وإنما في المشهد السوري ككل.

*باحث وأكاديمي سوري.

المصدر: الميادين نت

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع.