الصندوق القومي اليهودي في الضفة الغربية

الصندوق القومي اليهودي في الضفة الغربية
Spread the love

بقلم د. إلهام جبر شمالي* |

لم يكن الإعلان عن سياسة الصندوق القومي اليهودي الجديدة، بالتوغل في أراضي الضفة الغربية مفاجئاً بالنسبة لي، تلك المؤسسة التي كرست أربعة أعوام على دراستها في مرحلة الدكتوراه باعتبارها أهم المؤسسات الإسرائيلية، التي أرست دعائم هذه الدولة على أرض فلسطين، ووفرت الأرض، للمستوطن القادم عبر موجات الهجرية قبل وبعد قيام دولتهم، فوفق ما نصت عليه مرتكزات تأسيسه عام 1901م، الذي أسند لها مهمة شراء أو استئجار أي أراض، واستملاك العقارات، واكتساب حقوق الحيازة للمرافق أو الأملاك الأخرى غير المنقولة في المنطقة التي حدد لها في فلسطين ككل وسوريا، وشبه جزيرة سيناء، لتوطين اليهود فيها؛ تحت ستار الافتداء الديني للأرض حسب المادة الأولى من قانون هذه المؤسسة، اعتماداً على أموال التبرعات اليهودية الخارجية التي لازال يصل أغلبها من الولايات المتحدة الأمريكية، واعتمد الصندوق على مبدئي الملكية العامة للأرض، واحتلال العمل، فمنعت بيع الأراضي للعرب أو استئجارهم لها، أو حتى العمل فيها.
فتوسيع نشاط الصندوق الاستيطاني، وسلب الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية، لم يكن تغير جذري في استراتيجية هذه المؤسسة، التي وضعت في إحدى بنود تأسيسها، ترسيخ الاستيطان الزراعي والصناعي في أي بقعة يتم السيطرة عليها؛ وإنما هي وسيلة جديدة لتغلغل في مفاصل الضفة الغربية، عبر ادخال تغيير على نظامه الداخلي، وتوسيع امتداده الجغرافي من أراضي المحتلة عام 1948م، إلى الأراضي التي احتلت عام 1967م، ضمن أطلق عليه صهيونيا الاستيلاء أجزاء من الضفة الغربية لصالح الاستيطان، التي عدها أراضي دولة، وتضم أراضي ذات خاصة، ستضم للمستوطنات وتسجيلها في سجل الطابو كأراض يهودية، ستدعي بناءً عليه اسرائيل شرعية امتلاكها تلك لأراضي، ومن ثم فرض السيادة عليها.
قسمت هذه المؤسسة سابقا،ً أراضي فلسطين إلى خمسة مكاتب، اختص كل مكتب بمنطقة معينة كانت كالتالي: الجليل، حيفا، هشارون، الجنوب، القدس، وأنيط بكل مكتب مراقبة المنطقة المنوطه بها، وبناء عليه مرت استراتيجية بعد مراحل منذ تشكيلها حتى الآن، أهمها مرحلة دونم وراء دونم، أي السيطرة على أي قطعة متاحة لها، تلتها مرحلة احتلال السهول الفلسطينية الخمسة التي تشكل نحو17% من مساحة فلسطين، ومن ثم كانت مرحلة الهجوم الاستيطاني على أغلب المدن والقرى الفلسطينية، التي لم ترد في قرار تقسيم فلسطين لعام1947م، إلا أنها مع حرب عام 1948م، لم تتمكن من سلب سوى 3% من مساحة فلسطين التاريخية.
واقتصر عمل الصندوق بعد اقامة اسرائيل على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948م، التي قدرت بنحو 78% من مساحة فلسطين، إلا أن التطور الذي اتخذته الصندوق هذه المرة وفق ما نشر في تقرير المؤسسة؛ يهدف لشراء الأراضي ذات الملكية الخاصة، وتوسيع المستوطنات الاستيطانية القائمة في المنطقة (ج)، التي تقدر مساحتها نحو 60% من مساحة الضفة الغربية، والمساهمة في تطويرها، التي عرفت في الفكر الاستيطاني الصهيوني يهودا والسامرة، وتلك المنطقة كما هو متعارف عليه تقع تحت سيطرة السلطة الفلسطينية.
أوكل الصندوق متابعة نشاطه إلى عدة شركات أهمها مهيمان وهيمنوتا، ووضعت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة مساحات واسعة من الأراضي في محيط القرى والبلدات الفلسطينية في الجليل والمثلث، والنقب تحت تصرف الصندوق؛ كي لا يتم توسيع القرى والبلدات العربية وفق النظام الداخلي للصندوق الذي يمنع العرب من الاستفادة من خدماته، ووضع رئيس الصندوق أفراهام دوفديفاتي رؤيته لعمل الصندوق لسنوات المقبلة تمكنه من مواصلة التغول الاستيطاني، ولكن تم تحديد مجال عمله في الضفة الغربية، التي جرى بها محاولات عديدة لسلب المزيد من الأراضي.
ودعم دوفديفاني استراتيجية الاستيطان الاقتصادي، الذي يعود بالفائدة على الصندوق القومي اليهودي الاستثمارية؛ إن ما قصده دوفديفاني هنا الشروع بالتوجه نحو دعم المستوطنات الصناعية، التي باتت الاستراتيجية الاسرائيلية الجديدة في الضفة الغربية، التي قدر عددها نحو عشرون مستوطنة صناعية، إلى جانب التوسع الاستيطاني، وفتح مناطق استيطانية جديدة للصندوق للاستثمار بها عبر تبرعات يهود الولايات المتحدة ودول أخرى.
تلك الاستراتيجية الاستيطانية للصندوق ليست بالحدث الكبير، خاصة مع سيطرة اليمين الإسرائيلي المتشدد على المؤسسات الاستيطانية سواء من حزب الليكود والأحزاب الدينية المتشدد الرافضة لصفقة القرن التي تؤيد ضم كامل الضفة الغربية، لا نحو 30% فقط من مساحة الضفة الغربية كما ورد في الصفقة، وترفض وجود حكم ذاتي فلسطيني في الضفة الغربية.
فقد أكد مؤتمر حزب الليكود الذي عقد في أكتوبر عام2020م، أن الهدف الاستراتيجي للحزب هو السيطرة على مقاليد المناصب القيادية للمؤسسات الصهيونية، فدوفديفاتي، مثل اليمين الايديولوجي من متشددي الصهيونية الدينية، وكما وضع الحزب خطته للسيطرة على رئاسة الصندوق بترشيح عضو الكنيست حاييم كاتس، فحزب الليكود يسيطر على قسم الاستيطان في المنظمة الصهيونية العالمية – الوكالة اليهودية، ودائرة تطوير الاراضي في الصندوق، فخطة حزب الليكود تهدف لتوطين نحو مليون مستوطن في الضفة الغربية، وذلك لمنع إخلاء أي مستوطنة أو بؤرة استيطانية.
عمليا قام الصندوق بشراء مساحات واسعة من أراضي الضفة الغربية عبر شركاته الاستيطانية هيمنوتا التي أسسها عام 1938م، للتحايل على قانونه الأساسي ببيع وتبديل الأراضي التي لم تتمكن من استيطانها، وعملت على جذب المستثمرين للاستثمار في الشركات التابعة للصندوق، ومنعت المؤسسات الإسرائيلية الخاصة من الاستحواذ على ممتلكات المستوطنين، واشترت أراضي في سوريا والأردن.
أما في الضفة الغربية فقد استطاعت الشركة شراء مساحات عام 2018م، دون مصادقة مجلس إدارة الصندوق؛ خشية من معارضة أحزاب يسار الوسط والممثلين المتبرعين من يهود الولايات المتحدة بشكل خاص، وسيتم استبدال اسم شركة هيمنوتا بكديما يهودا والسامرة، وسحب صلاحياتها كافة بعد82 عاماً من العمل الاستيطاني.
خطة الصندوق في الضفة الغربية تتطلب التنسيق مع المجالس الاستيطانية، والإدارة المدنية الذراع التنفيذي للحكومة الاسرائيلية، التي سبق وأن تبنت في عام 2019م قانوناً، اقترحه القاضي يوسف ألون، نص على أن الصندوق يمكنه شراء أرض في الضفة الغربية؛ لدعم مخططات الصندوق لشراء أرض في الضفة وتخصيصها للاستيطان؛ لتقديم المساهمات في تعزيز المشاريع والمبادرات عبر تقديم الخدمات التعليمية والمجتمعية والتوعوية، ودعم الاستيطان الزراعي بتشجير الأراضي التي سلبها والادعاء بالمحافظة على البيئة والمساحات المسيطرة، ولكن الأولوية لشراء الأراضي داخل المستوطنات القائمة، ومن ثم الأراضي المجاورة لتوسيع المستوطنات، والاستعانة بأموال التبرعات المحولة من الدول، التي لا تجرم الاستيطان في الضفة الغربية، وبالطبع من الولايات المتحدة الأمريكية بالدرجة الأولى.
وسيعطي التعديل أفضلية لشراء أراض فلسطين تحت ستار افتداء الأرض وتخليصها من الأغراب، ولذلك رفع شعاره ” الأرض ملكي الخاص”، والأرض لي ولن تباع إلى الأبد؛ استنادًا إِلى ما جاء في سفرِ اللاويين أن: “الْأَرْض لا تباع بتة، لأنَّ لي الْأَرْض وأنتم غرباء ونزلاء عندي، بل في كلِّ أرض ملككم تجعلون فكاكًا للأرضِ”
أما عن مرتكزات الخطة الجديدة؛ تشمل:
1-دعم البؤر الاستيطانية العشوائية في الضفة الغربية، التي قارب عددها من 120 بؤرة استيطانية أقامتها حركة شباب التلال بجوار المستوطنات لتمددها، ومن ثم ضمها إليها.
2-شراء الأراضي في القدس وغور الأردن ومستوطنات غوش عتصيون، ومدينة الخليل، وكذلك بالقرب من مستطنات كرمل، ومعون، وغيرها من المستوطنات الواقعة جنوب محافظة الخليل، حيث بادية السواحرة.
3-تعزيز الاستيطان في وسط الضفة الغربية وبشكل خاص في منطقة مستوطنات بنيامين، في شمال القدس؛ مما يعني تقسيم مدن الضفة الغربية وقراها وعزلها عن بعضها البعض، والقضاء على التواصل الفلسطيني، ومما لاشك فيه أن لذلك أبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعي على حياة على فلسطينيين.
4-شراء الأراضي قرب المناطق المحاذية لشارع رقم(5) المعروف بعابر السامرة، والقريب من خط الهدنة، أي المناطق المتاخة لحدود عام 1967م، والوصول لمستوطنات أريئيل، كريات نيتافيم ويروخين، وذلك يعني محاولة محو خط الهدنة، أو ما يعرف بالخط الأخضر، ومع ذلك يستثني اقتراح التمدد في الضفة الغربية شراء الأراضي الخاصة في مدينتي نابلس، وجنين.
ومما لا شك فيه أن خطوة الصندوق، بتغيير سياستها والتغلغل في مفاصل الضفة الغربية ، يعبر عن سياسة الحكومة الإسرائيلية اليمينية، وقبولها لإملاءات المستوطنين برفض إخلاء أي بؤرة استيطانية مهما كان حجمها، واللافت للنظر من هذا القرار انتقاد وزارة الخارجية الأمريكية للنوايا الاسرائيلية لتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية، واعتبارها خطوات احادية الجانب ستفضي لتوتر، جراء ضم الأراضي والنشاط الاستيطاني، وتمنع التقدم نحو حل الدولتين.
إن ما يقوم به الصندوق القومي اليهودي يعبر عن استكمال لدوره الذي انيط به قبل 120 عاماً، الذي لم تختلف مهمته طيلة تلك السنوات؛ كونه يمثل الذراعَ الاستيطاني في امتلاكِ الْأَرَاضي ونقلِ ملكيتها(للشعب) الْيَهوديّ ملكيةً أبديةً، وإعدادِها وتنميتِها، فالْأَرْض ملكٌ للهِ، وهي ملكيةٌ سرمدية، وتشترى من التَّبَرُّعاتِ الطوعية الْيَهوديّة الخارجية.

*باحثة مصرية.