هل يواصل بايدن سياسة ترامب المتشددة تجاه الصين؟

هل يواصل بايدن سياسة ترامب المتشددة تجاه الصين؟
Spread the love

شجون عربية – بقلم: د. هيثم مزاحم* |
خلال السنوات الأربع من عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، كسر ترامب عقوداً من السياسة التي عززت على نطاق واسع العلاقات بين أكبر اقتصادين، الولايات المتحدة والصين. ونظراً لأن الصين تعتبر منافساً متنامياً، فقد فرضت إدارة ترامب تعريفات جمركية على ثلثي الواردات الصينية، وتحركت للحد من الاستثمارات الصينية في الولايات المتحدة، وضغطت على الحلفاء لتجنب التكنولوجيا الصينية.

لكن كيف ستكون سياسة الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن تجاه الصين، هل سيواصل نهج ترامب المتشدد معها أم سيعود إلى سياسات الرؤساء السابقين بمن فيهم باراك أوباما الذين كان نائبه لولايتين؟

مع إعلانه عن تعييناته لأبرز مناصب حكومته وخاصة ما يتعلق بالسياسة الخارجية والدفاعية، يمكن تلمّس ملامح سياسة بايدن تجاه الصين. فقد عيّن مستشاريَه القريبين منه أنطوني بلينكين وزيراً للخارجية، وجيك سوليفان مستشاراً للأمن القومي. وعيّن ليندا توماس غرينفيلد سفيرة للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، والجنرال المتقاعد لويد أوستن وزيراً للدفاع. كما أن لبايدن خبرة عميقة في السياسة الخارجية وقد اختار عدداً من فريقه ممن عمل في إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما (2008-2016) حين كان نائباً له.

ويتعهد فريق بايدن بترميم السياسة الخارجية وليس بالتحول التام عن سياسات ترامب. لكن إصلاح السياسة الخارجية لا يعني العودة إلى الوضع السابق. لقد تغير العالم بشكل جذري منذ عام 2016، وسيتعين على فريق بايدن مواجهة التحديات الجديدة من الصين وروسيا، وإعادة التأكيد على مركزية الغرب في النظام العالمي، وإحداث تغييرات طويلة الأجل بشأن التجارة والضرائب والتنظيم من أجل خلق اقتصاد عالمي أكثر إنصافاً.

ويرى بعض الخبراء الأميركيين أن ما يجب استعادته ليس مجموعة من السياسات بل الممارسة الفعلية لفن الحكم، وهو فن تطبيق الوسائل المتاحة لتحقيق الغايات المرجوة. وما كان غريباً حقاً بشأن السياسة الخارجية لترامب، لم يكن الغايات، وبعضها مألوف تماماً، بل الوسائل المختارة لتحقيقها، والتي لا يمكن تفسيرها إلا بالإشارة إلى أهواء ترامب الخاصة.

من المؤكد أن لدى بايدن وفريقه رغبة في استعادة قيادة أميركا للعالم. لكن لن تختلف بعض هذه الغايات كثيراً عن أهداف ترامب، لكنهم سيختارون الوسائل التي يرجح أن تحقق بالفعل تلك الغايات. على سبيل المثال، قال كل من بايدن وكبار مستشاريه، بمن فيهم بلينكين، أن طريقة حض الصين على التصرف وفقاً لقواعد الاقتصاد العالمي وسيادة الدولة هي العمل بالتنسيق مع الحلفاء والإصرار على احترام سيادة القانون. هذا مستوى منخفض جداً من المطالب، لكن نادراً ما دعا إليه ترامب.

وكرئيس، سيواجه بايدن معضلات عميقة، والكثير من الأعمال غير المنجزة، الناجمة عن هجوم ترامب لسنوات على الصين، وهي علاقة سامة مع ثاني أكبر اقتصاد في العالم. فقد فرض ترامب تعريفات جمركية على المنتجات الصينية بقيمة مئات المليارات من الدولارات، وفرض عقوبات على الشركات الصينية وفرض قيوداً على الشركات الصينية في شراء التكنولوجيا الأميركية، في هجوم كان يهدف إلى عقاب بكين وإجبارها على تغيير ممارساتها التجارية والسياسية. كما أصدر ترامب أمراً تنفيذياً يمنع الاستثمارات في الشركات الصينية التي لها علاقات عسكرية بالنظام الصيني.

التعريفات الجمركية

ستشمل الخيارات الصعبة لبايدن اتخاذ قرار بشأن الحفاظ على التعريفات الجمركية على ما قيمته نحو 360 مليار دولار من الواردات الصينية، الأمر الذي أدى إلى زيادة التكاليف على الشركات والمستهلكين الأميركيين، أو تخفيف هذه الرسوم في مقابل تنازلات بشأن القضايا الاقتصادية أو الجبهات الأخرى مثل تغير المناخ.

وكان ترامب قد ضغط على الصين للتوصل إلى اتفاق تجاري في كانون الثاني / يناير 2020. وبينما حافظت الصين إلى حد كبير على التزاماتها بفتح أسواقها أمام الشركات الأميركية، لكن بكين تخلفت كثيراً عن الموعد المحدد في وعدها بشراء 200 مليار دولار إضافية من السلع والخدمات بحلول نهاية العام المقبل

سيحتاج بايدن إلى السير في خط دقيق. ويرى هو ومستشاروه أن العديد من الإجراءات التي اتخذها ترامب، والتي كانت تهدف إلى قطع العلاقات بين الاقتصادين الصيني والأميركي، خرقاء ومكلفة وغير استراتيجية. يقولون إنهم يريدون اتباع نهج أكثر ذكاء يجمع بين العمل مع الصينيين في بعض القضايا مثل الاحتباس الحراري والوباء، بينما يتنافسون معهم على القيادة التكنولوجية ومواجهتهم في قضايا أخرى مثل التوسع العسكري وانتهاكات حقوق الإنسان أو التجارة غير العادلة.

في خطاب ألقاه أخيراً، وعد بايدن بإجراء استثمارات كبيرة في الصناعة الأميركية، بما في ذلك 300 مليار دولار في الصناعات التكنولوجية التي قال إنها ستخلق ثلاثة ملايين وظيفة، بالإضافة إلى توجيه المزيد من الدولارات الحكومية لشراء المنتجات الأميركية مثل السيارات والأدوية. وقال بايدن: “سنستثمر في العمال الأميركيين ونجعلهم أكثر قدرة على المنافسة”. وأضاف أنه سيدفع الولايات المتحدة، بدلاً من الصين، لوضع قواعد التجارة العالمية، إلى جانب الديمقراطيات الأخرى.

ضغوط الكونغرس

ويرى بعض الخبراء الأميركيين أنه حتى إذا ابتعد بايدن عن نهج ترامب العقابي، فإن إدارته ستكون حريصة على الحفاظ على ضغوطها على الصين لتحقيق أهداف سياستها الخاصة. وستواجه الإدارة الجديدة ضغوطاً من المشرعين في كلا الحزبين في الكونغرس الذين ينظرون إلى الصين على أنها تهديد للأمن القومي، وقد أدخلوا تشريعات تهدف إلى معاقبة بكين على “انتهاكاتها لحقوق الإنسان وعمليات التأثير العالمية والممارسات الاقتصادية”.

ومن المرجح أن تكون ثمة فترة من عدم اليقين على الجبهة الأميركية الصينية. فليس هناك شك في أن ترامب قد تبنى موقفاً متشدداً تجاه الصين، وربما لا يمنح هذا بايدن الكثير من المرونة السياسية في وقت مبكر، لكننا يتوقع الخبراء تحولاً كبيراً في اللهجة والأسلوب والعملية. لقد أعطى بايدن القليل من التفاصيل حول خططه للعلاقات بين الولايات المتحدة والصين، بخلاف قوله إنه يريد تجنيد حلفاء أميركيين مثل أوروبا واليابان للضغط على الصين لإجراء إصلاحات اقتصادية، مثل حماية الملكية الفكرية. وقد تعهد بتكريس المزيد من الموارد لتعزيز قدرة التصنيع الأميركية والبنية التحتية والتطوير التكنولوجي، لضمان احتفاظ الولايات المتحدة بالتفوق على الصين.

لكن بايدن سيواجه ضغوطاً من الكونغرس لعدم العودة إلى النهج الذي تبناه هو والعديد من أسلافه في محاولة تغيير ممارسات الصين الاقتصادية من خلال إدماجها في الاقتصاد العالمي. فعلى غرار الكثير من الديمقراطيين والجمهوريين في تسعينيات القرن العشرين وأوائل القرن الحادي والعشرين، جادل بايدن بأن دمج الصين في النظام التجاري العالمي سيجبرها على اللعب وفقاً للقواعد الدولية، لصالح العمال الأميركيين. وفي عام 2000، صوت لمنح الصين علاقات تجارية طبيعية دائمة، مما مهد الطريق لانضمامها إلى منظمة التجارة العالمية وتعميق علاقاتها الاقتصادية العالمية.

في عام 2016، فاز ترامب بالرئاسة جزئياً من خلال رفضه بصوت عالٍ لهذا النهج، بحجة أن الولايات المتحدة بحاجة إلى عزل بكين وليس دمجها. واليوم يزعم بايدن أن الصين استغلت النظام الدولي ويدعو أن تكون بلادها صارمة معها.

كما أن الكونغرس موحد نسبياً بشأن اتخاذ موقف متشدد تجاه الصين إذ يتم تداول المئات من الأوراق المتعلقة بالصين، بما في ذلك العديد من جهود الحزبين التي تعكس تأكيد بايدن على التنافس مع الصين من خلال الاستثمار في الصناعات الأميركية مثل الحوسبة الكمومية والذكاء الاصطناعي.

الحملات الأمنية الصينية

فتح ترامب المواجهة مع الصين في مناطق أخرى في تعزيز العلاقات مع تايوان مما أثار غضب بكين. وفرض عقوبات على مسؤولين صينيين بسبب الحملات الأمنية الصينية في هونغ كونغ ومنطقة شينجيانغ، حيث اتهم الحكومة الصينية بتنفيذ اعتقالات جماعية وحراسة قاسية للأقليات العرقية.

سيعتمد اختيار بايدن للتراجع عن الإجراءات العقابية التي اتخذها ترامب، جزئياً على الأقل، على سلوك الصين المستقبلي، بما في ذلك ما إذا كانت تسعى إلى سياسات أكثر عدوانية في بحر الصين الجنوبي وتايوان وهونغ كونغ.

في تصريحاته الأخيرة، دعا بايدن أميركا لاستعادة القيادة في مجال التجارة. وقال “نشكل 25 في المئة من القدرة التجارية العالمية للاقتصاد في العالم. نحن بحاجة إلى التوافق مع الديمقراطيات الأخرى، 25 في المائة أخرى أو أكثر، حتى نتمكن من وضع قواعد الطريق بدلاً من أن تملي الصين والآخرون النتائج لأنها اللعبة الوحيدة في المدينة”.

ويمكن أن تساعد تعيينات بايدن في مناصب التجارة والسياسة الخارجية في تحديد منهجه تجاه الصين، وبخاصة الوظائف المهمة مثل وزيري الخارجية والتجارة والممثل التجاري للولايات المتحدة.

وعلى غرار بايدن نفسه، فإن العديد من أقرب مستشاريه لديهم سجل معتدل في قضيتي التجارة والصين، وهم يعتقدون أنهم يستطيعون العمل مع القادة الصينيين في بعض القضايا حتى أثناء تحديهم لهم في قضايا أخرى. لكن العديد من مستشاريه للأمن القومي أكثر تشككاً في الصين.

وتأمل مجموعات الأعمال والاقتصاديون وغيرهم في استراتيجية متماسكة لا تؤدي إلى سياسة حافة الهاوية الاقتصادية التي يبدو أن ترامب لعب عليها.

وقال مستشارو بايدن إنهم يشاركون إدارة ترامب تقييمها بأن الصين منافس مزعج. يشير هذا إلى أنه حتى مع تغيير الإدارة في كانون الثاني / يناير، فإن الخلاف بين الصين والولايات المتحدة سيظل مرتفعاً. وينذر هذا التوتر المستمر بين أكبر اقتصادين في العالم بتحولات كبيرة للشركات العالمية حيث تعيد التفكير في سلاسل التوريد والأنظمة التكنولوجية في عالم منقسم بشكل متزايد. كما أنه سيدفع الحلفاء للاختيار بين القطبين.

*رئيس مركز الدراسات الآسيوية والصينية. المقالة نشرت في مجلة الأمن اللبنانية في عدد كانون الثاني / يناير الجاري.

هل يواصل بايدن سياسة ترامب المتشددة تجاه الصين؟


المصدر: مركز الدراسات الآسيوية والصينية