مباط عال: الصراع على جنوب سورية – أين إسرائيل؟

مباط عال: الصراع على جنوب سورية – أين إسرائيل؟
Spread the love

شجون عربية_

كرميت فالنسي وأودي ديكل – باحثان في معهد دراسات الأمن القومي/

في صيف 2018 أعاد نظام الأسد سيطرته على جنوب سورية بعد التوصل بوساطة روسية إلى اتفاقات “مصالحة” بينه وبين المتمردين. وتعهدت روسيا أيضاً للولايات المتحدة وإسرائيل والأردن بأنه مقابل عدم التدخل من جانبهم، ستعمل على إبعاد القوات الإيرانية عن المنطقة. وبعكس طرد السكان من مناطق أُخرى إلى شمال سورية بعد اتفاقات الاستسلام، فإن أغلبية سكان الجنوب الذين انضموا في السابق إلى تنظيمات المتمردين لم يطردوا إلى إدلب في الشمال، بل جرى تجنيدهم ضمن قوات أمن محلية تابعة للنظام مقابل تعهد النظام بعدم الانتقام منهم وتحقيق الاستقرار.
منذ ذلك الحين، وعلى الرغم من السيطرة الشكلية للنظام على المنطقة، ثلاث محافظات في جنوب سورية تخضع فعلياً لسيطرة وتأثير قوى مختلفة: 1- محافظة درعا، التي يسكنها نحو مليون شخص أغلبيتهم من السنّة، خاضعة لسيطرة شخصيات محلية كانت تنتمي في الماضي إلى المعارضة لنظام الأسد وهي اليوم تحظى بقدر من الحكم الذاتي في إدارة الحياة اليومية؛ هذه الأطراف مدعومة من قبل قوات الفيلق الخامس، وفي الأساس اللواء الثامن، الذي شكله الروس كإطار خاص ضمن نظام قوات الجيش السوري. في هذه المحافظة هناك وجود محدود لأطراف تابعه لنظام الأسد، تُدعم بحسب الظروف بقوات اضافية مثلاً من خلال نشر وحدات من الفرقة الرابعة. كما تعمل في المنطقة ميليشيات دفاع محلية مدعومة ومدربة من قبل إيران، إلى جانبها وحدات من اللواء 313 الذي أُقيم كإطار خاص في الجيش السوري بتأثير وسيطرة إيرانية ويتنافس مع الفيلق الخامس الذي أُقيم بتأثير روسي؛ 2- محافظة القنيطرة الواقعة في الغرب ويبلغ عدد سكانها 90 ألف نسمة تقريباً في الأساس من السنة، ويبرز فيها وجود النظام وحزب الله؛ 3- محافظة السويداء في الشرق، وعدد سكانها نحو نصف مليون نسمة، أغلبيتهم من الدروز، وهي خاضعة لسيطرة أطراف درزية محلية (بينها قوات الكرامة). ورغم الهيمنة الدرزية يبرز في هذه المحافظة وجود متزايد لأطراف موالية لإيران، في الأساس قوات الدفاع المحلية. يستعين نظام الأسد بميليشيات مدعومة من قبل إيران من أجل خلق انقسام داخل الطائفة الدرزية لقمع تطلعها نحو حكم ذاتي في محافظة السويداء وجبل الدروز.
المنافسة الروسية – الإيرانية

الدينامية السائدة في جنوب سورية في الأشهر الأخيرة وازدياد المواجهات بين أطراف خاضعة لتأثير إيران وبين تلك التي تعتمد على روسيا، هما دليل على اشتداد المنافسة على الهيمنة بين روسيا وإيران كتعبير عن مصالح متناقضة في المنطقة، على الرغم من شراكتهما في الائتلاف المؤيد للأسد.
تسعى إيران إلى ترسيخ سورية كفرع لها، من خلال تغلغل عميق ومتعدد النطاقات إلى المنظومات السورية – الأمن، الاقتصاد، التعليم، المجتمع، والدين – وبهذه الطريقة تسيطر إيران على بنى تحتية حيوية، وتدعم ميليشيات موالية لها، وتتدخل في بناء الجيش السوري وتقود تغييراً إيديولوجياً وديمغرافياً. بالإضافة إلى ذلك ترسّخ إيران وجودها في محافظات جنوب سورية بالقرب من الحدود مع إسرائيل، لبلورة جبهة احتكاك ومواجهة إضافية مع إسرائيل بواسطة وكلائها. يرشي الإيرانيون أطرافاً محلية ويثيرون توترات داخلية، للمس بالنسيج الاجتماعي ولشراء ولاء مجموعات محلية، وفي الوقت عينه ينشرون إيديولوجيا النظام الإيراني.
مع ذلك، تجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من إصرار إيران على مواصلة سيطرتها في سورية، فإن سياسة “الضغط الأقصى” الأميركية التي تمارس عليها، والهجمات الإسرائيلية، وأيضاً المنافسة في مواجهة روسيا، تبطىء من وتيرة التمركز وتجبر طهران على تغيير طريقة انتشارها في جنوب سورية. في الماضي عملت في المنطقة ميليشيات شيعية جاءت من خارج سورية، لكن يعتمد الإيرانيون اليوم على أطراف محلية – قوات الدفاع عن الوطن وميليشيات دفاع محلية تقوم إيران بتجنيدها وتسليحها وتدريبها، وعلى وحدات الجيش السوري الخاضعة لتأثيرها (من بينها الفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد)؛ وفي الأساس على حزب الله. هناك هيئتان مركزيتان تابعتان لحزب الله تعملان اليوم في الجنوب: قيادة الجنوب، التي تضم ضباطاً من حزب الله كمستشارين ومراقبين في صفوف الجيش السوري، ووحدة ملف الجولان بقيادة مباشرة من قيادة الحزب، وهي التي تشكل خلايا إرهابية من سوريين محليين. وبالإضافة إلى ذلك، حزب الله شريك في النشاط الإيراني في الجنوب، الخارج عن البعد العسكري. يشمل ذلك – تشغيل شبكة تهريب مخدرات، وشراء أراض، وتقديم خدمات وسلع أساسية، بهدف توسيع نفوذ الحزب وتجنيد رأي عام محلي مؤيد له.
في المقابل، تسعى روسيا إلى تحقيق الاستقرار في جنوب سورية، ويظهر الجيش الروسي تحركه وتواجده في المنطقة ويجري اتصالات مع أطراف تابعة لمختلف القوى. عموماً تريد روسيا تحقيق الاستقرار في سورية، من خلال المحافظة على النظام المركزي برئاسة الأسد، لترجمة نجاحها العسكري في الحرب الأهلية إلى إنجاز سياسي، ومكاسب اقتصادية ونفوذ مستمر في هذه الدولة وفي الشرق الأوسط عموماً. على الرغم من أن محافظات الجنوب تابعة رسمياً إلى النظام في دمشق، يبدو أن روسيا ما تزال تفحص صيغة فدرالية لسلطة محلية، تنسجم مع النموذج الروسي الذي يظهر في مسودة الدستور الذي اقترحته روسيا على دمشق في مطلع 2016، والذي يستند إلى مبدأ “توزيع القوة”.
في الوقت عينه روسيا معنية بالمحافظة على علاقات سويّة مع إسرائيل وبالمحافظة على التعاون الاستراتيجي الذي جرى بلورته بينهما في الساحة السورية. بناء على ذلك، هي تبدي استعدادها لتحقيق التعهد للولايات المتحدة وإسرائيل، بإبعاد الوجود والنفوذ الإيرانيين إلى مسافة 80 كيلومتراً عن الحدود مع إسرائيل.
تعدد اللاعبين في جنوب سورية والمنافسة على النفوذ بين روسيا وإيران يؤديان إلى توزيع دينامي للتأثير في المنطقة. السكان المحليون يفضلون الانضمام إلى من يبدو كالطرف الأقوى، وفي الأساس لمن يدفع ويقدم مساعدة أمنية ومدنية. وعلى الرغم من الإصرار الإيراني على تعميق سيطرته في المنطقة، فإن إيران مضطرة إلى التخفيف من نشاطها فيها بسبب قيود مالية وأيضاً نتيجة خطوات الكبح التي تقوم بها روسيا. لكن للروس أنفسهم قدرة محدودة فقط على تقليص التمركز الإيراني في المنطقة، ناهيك عن إخراج إيران ووكلائها منها. نظام الأسد تبنى عملياً “الحياد السلبي” في ما يتعلق بالمنافسة بين روسيا وإيران، وهو يسمح بالصراعات المحلية بين مختلف اللاعبين لمنع تمركز عنصر مهيمن واحد في المنطقة، ويتركهم يسحقون بعضهما البعض، وأيضاً في ضوء الحقيقة أنه في الوقت الحالي لا يتصدر جنوب سورية جدول أعماله.
دلالات وتوصيات لإسرائيل

منذ بداية الحرب الأهلية في سورية، اختارت إسرائيل سياسة التفرج عن بعد وعدم التدخل في الصراع على السيطرة على جنوب سورية. ذلك إلى جانب عمليات عسكرية علنية وسرية ضد تهديدات ملموسة في المنطقة. مع عودة نظام الأسد إلى جنوب سورية ألغت إسرائيل مشروع “الجوار الطيب” الذي كان الهدف منه تقديم مساعدة إنسانية في الأساس لسكان البلدات القريبة من الحدود في هضبة الجولان، مقابل الاستقرار ومنع عمليات إرهابية ضد إسرائيل.
سياسة عدم التدخل هذه التي بلورتها إسرائيل في بداية الحرب الأهلية في سورية، باستثناء هجمات لإحباط الإرهاب ونقل السلاح المتقدم من إيران عبر سورية إلى حزب الله، سمحت لإيران في أثناء قتالها إلى جانب نظام الأسد باستغلال الفرصة لبناء بنى تحتية وقدرات عسكرية ضد إسرائيل والتمركز في سورية مع مرور الوقت وتحريك جبهة قتال إضافية ضد إسرائيل إلى جانب الجبهة اللبنانية في أوقات الحرب أو التصعيد. عندما اتضحت صورة الوضع لإسرائيل أصبح مطلوباً منها بلورة رد عسكري ضد التمركز الإيراني، وفي موازاة ذلك علقت آمالها على روسيا لإخراج الوجود العسكري الإيراني من سورية، وصياغة نظام مستقبلي يكون مريحاً لإسرائيل، لكن موسكو لم تقم بالمهمة.
السياسة الإسرائيلية في جنوب سورية هي بمثابة “نسخة مكررة” عن سياسة عدم التدخل عينها، التي عملياً تسمح للمحور الإيراني – الشيعي أن يبني في جنوب سورية مواقع عسكرية وخلايا إرهابية ستوجه ضد إسرائيل.
من أجل منع إيران من خلق حدود إرهاب واحتكاك كبير في هضبة الجولان بواسطة وكلائها، يتعين على إسرائيل استغلال الضعف الحالي للمحور الإيراني – الشيعي الذي يضم نظام الأسد، وآليات التنسيق مع الجيش الروسي كفرصة لانتهاج سياسة أكثر فعالية في جنوب سورية، والمس بالوكلاء الإيرانيين، بينهم قوات حزب الله. في المقابل، يتعين على إسرائيل تقوية قوات محلية سنية أو درزية، وإقامة علاقات مع سكان محليين معارضين للنظام بواسطة تقديم مساعدة إنسانية مثل غذاء ووقود وخدمات صحية – تسمح بنشوء “جزيرة تأثير إسرائيلية” وبهذه الطريقة عرقلة مشروع التمركز الإيراني في منطقة جنوب سورية.

المصدر: مجلة مباط عال الاسرائيلية _ عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية