موقف “حماس” الأيديولوجي وممارستها تجاه المسيحيين

موقف “حماس” الأيديولوجي وممارستها تجاه المسيحيين
Spread the love

خاص “شجون عربية” — بقلم: د.عقل صلاح* — لقد حددت حركة “حماس” الفلسطينية موقفها من أصحاب الديانات الأخرى الذي بيّنته الحركة في المادتين السادسة والحادية والثلاثون من ميثاقها(1)، فتؤكد الحركة أنه في ظل الإسلام يمكن لأصحاب الديانات أن يتعايشوا في أمن وأمان على أنفسهم وأموالهم وحقوقهم، فكونها حركة إسلامية فهي تلتزم بسماحة الإسلام بالنظر إلى أصحاب الديانات الأخرى فلا تعادي منهم إلا من ناصبها العداء، إذ بيّنت الحركة أنهم في ظل الاسلام يعيشون بأمان، وهددتهم الحركة بأن يكفوا عن منازعة الإسلام في السيادة على المنطقة، ولم تذكر المقدسات المسيحية ضمن بنود الميثاق.
لكن أعضاء من حركة حماس كانوا يخطون في الإنتفاضة الأولى شعارات مسيئة للمسيحيين على جدران بيوتهم مثل “بعد السبت يأتي الأحد”(2) في إشارة منهم إلى أنهم سيتحولون من مقاومة اليهود بعد تحرير فلسطين إلى مقاومة المسيحيين. إلا أن هناك مواقف حديثة تدل على علاقات مميزة تربط الحركة بالمسيحيين مثل إصدار الحركة بيانات تهنئة بعيد ميلاد المسيح، وإرتداء شباب من الحركة ملابس بابا نويل لتوزيع هدايا عيد الميلاد على أيتام المسيحيين، وترشيح الحركة للمسيحيين على قوائمها في المناطق ذات التجمعات المسيحية(3).
يوضح عضو المكتب السياسي للحركة الشهيد جمال منصور في هذا الصدد أن “التفاهم والتفهم والتعاون بين الإسلاميين والأقليات في مستوى جيد، فكانت أي ملاحظة من المسيحيين تأخذ بعين الاعتبار وتفضي في كثير من الأحيان إلى إلغاء إضرابات مركزية بسبب اصطدامها مع مناسبات مسيحية”(4).
وفي كلمة ألقاها رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل في عام 2012 أوضح خلالها رؤية الحركة للقضية الفلسطينية بأن “الحركة تتمسك بالقدس وبمقدساتها المسيحية والإسلامية ولا نتنازل عنها ولا نفرط بأي جزء منها”. ويضيف “بأن الحركة تتمسك بوحدة الشعب الفلسطيني بمسلميه ومسيحييه وبكل مكوناته الفكرية والسياسية والأيديولوجية”(5).
لقد جاء ميثاق “حماس” على ذكر أهل الديانات الأخرى، أما الموقف من المواطنة لأهل الديانات الأخرى فلم يوضح بشكل جلي في بنود الميثاق، فهل ستتعامل معهم الحركة كأهل ذمة أم كأقلية. وفي ذلك يبيّن مشعل بأن “أبناء الوطن الواحد سواء أكانوا مسلمين أو مسيحيين أو يهوداً لهم حق المواطنة”(6).
وفيما يتعلق بحقوق أصحاب الديانات الأخرى، ومشاركتهم في القرار في حال حكمت “حماس” فلسطين، يوضح مشعل بأن الدولة العربية والإسلامية ومنذ أربعة عشر قرنًا حفظت حقوق المسيحيين واليهود وغيرهم في عباداتهم. وأضاف بأن الديمقراطية هي حكم الأغلبية وفي البرلمانات العربية والإسلامية نجد ممثلين للمسلمين والمسيحيين على حد سواء، وكذلك تنتخب الأقليات غير العربية ممثلين لها في البرلمان….لكن هذا ينطبق على اليهودي الذي هو جزء من المنطقة العربية وليس على اليهودي الصهيوني المحتل والمعتدي”(7).
ومن المهم في هذا السياق أن نشير إلى أن حركة حماس لم تفلح في الانتخابات التشريعية الثانية عام 2006 في وضع مسيحيين على قوائمها، ولكنها قامت بدعم أربعة مرشحين مستقلين بيهم مسيحي وهو النائب الراحل حسام كمال الطويل من غزة.
ثم تأتي بعد ذلك قضية موقف حركة حماس الجديد من المسيحيين من خلال التسريبات حول الوثيقة السياسية الجديدة التي تنوي الحركة إصدارها في الأيام المقبلة، والتي تعترف بها “حماس” بأن المسيحيين في فلسطين هم مكون وطني، مع العلم أن التصريحات والممارسات سابقة الذكر تقول أن لا جديداً في هذه النقطة، غير أنها أصبحت موجودة في وثيقة رسمية. ولكن السؤال هو: هل توصلت “حماس” إلى اعتبار المسيحيين الفلسطينيين مواطنين كاملي الحقوق بعد ثلاثة عقود من انطلاقتها؟.
وفي المقابل تجاوزت “حماس” نصوص الميثاق من خلال مشاركتها في النظام السياسي الفلسطيني القائم على أساس اتفاقية أوسلو، ومن خلال تصريحات وممارسات قادتها. فقد دعا عدد من قيادات الحركة إلى تغيير الميثاق في بداية التسعينيات من القرن العشرين أي قبل مشاركة الحركة في انتخابات المجلس التشريعي الثانية.

*كاتب وباحث فلسطيني.
[email protected]

الهوامش:
1- ميثاق حركة المقاومة الإسلامية (حماس) – فلسطين، 18 آب/أغسطس 1988، المادة السادسة: التميز والاستقلالية، والمادة الحادية والثلاثون: أهل الديانات الأخرى، حركة المقاومة الإسلامية حركة إنسانية.
2- نعيم الأشهب،” حماس من الرفض إلى السلطة”، 9 تشرين الثاني/نوفمبر 2006، وذلك على موقع دنيا الوطن الإلكتروني: http://pulpit.alwatanvoice.com/content/print/62417.html
3- محمد بن عبد العزيز الشريف، صانعوا الإنهزام: لفتة لمؤيدي حركة حماس، ص 18، وذلك على الموقع الإلكتروني: http://www.e-prism.org/images/Sane3u_al-inhzam_-_AQ_against_Hamas_-_July06.pdf
4- جمال منصور، التحول الديمقراطي الفلسطيني: وجهة نظر إسلامية، أوراق في الفكر والسياسة الإسلامية الفلسطينية المعاصرة(4)،نابلس:مركز البحوث والدراسات الفلسطيني,1999, ص 61.
5- كلمة رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس أ. خالد مشعل، مؤتمر الإسلاميون في العالم العربي والقضية الفلسطينية في ضوء التغيرات والثورات العربية، بيروت، مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 28-29 تشرين الثاني/نوفمبر 2012، صص 2-3.
6- غسان شربل (حوارات)، خالد مشعل يتذكر: حركة حماس وتحرير فلسطين، بيروت: دار النهضة للنشر، طبعة أولى، تشرين أول/أكتوبر 2006،ص100
7- المرجع السابق ص100.

المقالة تعبّر عن رأي الكاتب ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع.