مباط عال: الولايات المتحدة وإيران تصعّدان مواقفهما قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية

مباط عال: الولايات المتحدة وإيران تصعّدان مواقفهما قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية
Spread the love

إلداد شافيط، وسيما شاين – باحثان في معهد دراسات الأمن القومي الاسرائيلي/

أعلنت الولايات المتحدة أن كل العقوبات التي فرضها مجلس الأمن على إيران في الماضي، والتي أُلغيت بعد الاتفاق النووي، في مجالات بيع السلاح وتخصيب اليوارنيوم وتطوير الصواريخ، من ناحيتها ستبقى نافذة المفعول بدءاً من 19 أيلول/سبتمبر. وتطلب الإدارة الأميركية من المجتمع الدولي الامتثال للعقوبات على الرغم من رفض الدول الـ13 الأعضاء في مجلس الأمن للخطوة التي تعتبرها خارج صلاحيات واشنطن. من أجل تحقيق الطلب، قبل انتهاء الحظر على بيع السلاح لإيران في 18 تشرين الأول/أكتوبر، وقّع الرئيس ترامب مجموعة أوامر مغزاها فرض عقوبات مباشرة ومزدوجة على كل الأطراف التي “لها دور في أي نشاط يساهم مادياً في تزويد بالسلاح أو أي عتاد، لبيعه أو نقله، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة من إيران وإليها، ومن أجل استخدامها أو باسمها.”
في الأسابيع القادمة ستدور مواجهة بين الإدارة الأميركية وبين الأطراف الدولية ذات الصلة، وعلى رأسها الدول الأوروبية الشريكة في الاتفاق النووي- بريطانيا، وألمانيا، وفرنسا، التي سبق أن أعلنت رفضها تجديد العقوبات، وتمسُّكها بالاتفاق النووي. إيران من جهتها لا تنوي إيقاف تخصيب اليورانيوم وسائر النشاطات المتعلقة بالمشروع النووي من خلال خرق الاتفاق، وهي تجري محادثات مع روسيا لشراء سلاح. الإدارة الأميركية ستحاول من جهتها منع ذلك، لكن شبكة العلاقات المضطربة بين واشنطن وموسكو وبيجين ستشجعهم على محاولة إحراج الرئيس ترامب قبل الانتخابات الرئاسية.

باستثناء احتمال “مفاجأة أكتوبر”، التي قد تغير الواقع في المواجهة بين الولايات المتحدة وبين إيران، جميع الأطراف تنتظر حالياً نتائج الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة. النظام الإيراني يبدي حذراً ويمتنع من القيام بخطوات من شأنها أن تمس بالإنجاز الذي حققه لنفسه بعد عزلة الولايات المتحدة في مواجهة المجتمع الدولي، كي لا يمنح الرئيس ترامب ذريعة للمس بإيران (صحيفة النيويورك تايمز تحدثت، بالاستناد إلى معلومات استخباراتية، عن أن المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، لجم مبادرات للقيام بعمليات مباشرة ضد الولايات المتحدة، باستثناء الهجمات السيبرانية). لكن في المقابل، تواصل إيران الدفع قدماً بمشروعها النووي، وهي تملك مواد مخصبة تكفي على الأقل لمنشأتين نوويتين، والمدة اللازمة للاختراق إلى سلاح نووي، إذا قررت إيران ذلك، ستصير أقصر إلى حد كبير؛ وهناك تسريع لأبحاث وتطوير معامل الطرد المركزي – على الرغم من تعرقل العمل فيها إلى حد ما بعد الانفجار الذي وقع في تموز/يوليو 2020 في منشأة لمعامل الطرد المركزي. في الوقت عينه، تواصل إيران تطوير مشروع الصواريخ الباليستية، وترسيخ قبضتها في شتى أنحاء الشرق الأوسط.

بعد الانتخابات في الولايات المتحدة، سيُطلب من أي إدارة أميركية، جديدة أو قديمة، بلورة سياسة في مواجهة التحدي الذي تطرحه إيران في المجال النووي والصواريخ، وأيضاً إزاء سياستها في المنطقة. المرشحان الرئاسيان أعلنا في إطار حملتيهما الانتخابيتين أنهما لن يسمحا لإيران بالحصول على سلاح نووي، وأن هدفهما هو إجراء مفاوضات بشأن اتفاق محسّن: الرئيس الأميركي كرر أكثر من مرة أنه إذا انتُخب مجدداً “سيتوصل إلى اتفاق مع إيران خلال أربعة أسابيع.” هو يفترض على ما يبدو أن إيران لا تستطيع أن تسمح لنفسها بتحمّل 4 سنوات إضافية من العقوبات في ظل الوضع الاقتصادي الصعب. نائب الرئيس السابق جو بايدن، قال في مقال نشره موقع الـ سي أن أن، إنه “سيعرض على إيران طريقة لائقة للعودة إلى الدبلوماسية.” وبحسب كلامه، إذا عادت إيران إلى الاتفاق، فإن الولايات المتحدة ستفعل ذلك أيضاً، وستكون نقطة الانطلاق لمواصلة مفاوضات سيكون هدفها المشترك، حتى بالنسبة إلى الشركاء الأوروبيين، تمديد الفترة الزمنية للقيود التي سيتضمنها الاتفاق، كما سيجري أيضاً التطرق إلى التوترات الإقليمية في الشرق الأوسط. يبقى المرشحان غامضيْن بشأن موقفيهما من المطالبة الإيرانية التي تطرح كشرط مسبق للدخول في المفاوضات – رفع العقوبات والتعويض عن تداعيات العقوبات الأميركية منذ فرضها مجدداً.

أي إدارة أميركية ستجد في مواجهتها إيران التي يزداد وضعها الاقتصادي الصعب تفاقماً، مقترناً بأضرار الكورونا وتراكم أضرار العقوبات. لكن إيران تعلمت كيف تواجه الوضع، لقد تعرضت كرامتها للإهانة وتشعر بأنها خُدعت، وكما قال خامنئي – لا يمكن الوثوق بالولايات المتحدة. إنها إيران قبل بضعة أشهر من الانتخابات الرئاسية [الإيرانية] التي من المفروض أن تجري في حزيران/يونيو 2021، في الوقت الذي يتطلع المحافظون، الذين سيطروا على البرلمان، إلى تقديم مرشح لهم، وسيستغلون الأزمة مع الولايات المتحدة من أجل مضايقة المعتدلين أكثر. بالإضافة إلى ذلك ستكون تلك إيران التي حتى لو أرادت إجراء مفاوضات بهدف التوصل إلى إزالة العقوبات، فإنها ستطالب بضمانات متينة تضمن لها أن أي إدارة أميركية مستقبلية لا يمكنها التنكر للتفاهمات التي تحققت، مثلاً موافقة الكونغرس. بخلاف المشكلة النووية، إيران لا تنوي التنازل عن أرصدتها في الشرق الأوسط وهي مصرة على السعي لتحقيق خروج القوات الأميركية من العراق.

على الرغم من الفجوات في مواقف المرشحين للرئاسة في الولايات المتحدة، فإن الانطباع هو أن إدارة ترامب وأيضاً جو بايدن ومستشاريه (أغلبيتهم من الذين ينتمون إلى “خريجي” إدارة أوباما، ومن الذين أجروا مفاوضات مع إيران في الماضي) يدركون أن حدوث اختراق ممكن فقط من خلال مفاوضات، وثمة معقولية عالية لافتراض أن إيران لن تخضع ولن تأتي إلى طاولة النقاشات من دون مقابل. من الواضح لإيران أنها بعد الانتخابات ستضطر إلى الاختيار بين المفاوضات، وبين المخاطرة بتفاقم حدة المواجهة مع الولايات المتحدة، والتي ستكون أثمانها باهظة. يسود طهران، على ما يبدو، أمل بأنه سيكون من الأسهل التوصل إلى تفاهم مع إدارة بايدن من خلال آلية معقولة بالنسبة إليها لاستئناف المفاوضات.

في جميع الأحوال، من المهم أن يكونوا في الولايات المتحدة و في إسرائيل مستعدين لسيناريوهين محتملين: مفاوضات أو احتمالات استمرار التفاقم الخطِر في المواجهة مع إيران، وفي الأساس إمكان أن تتشدد إيران في الخطوات التي تتخذها للدفع قدماً بمشروعها النووي. يجب الاستعداد أيضاً لفرضية أنه إذا انتُخب مرشح ديمقراطي للرئاسة، ستحاول إيران استغلال الأشهر التي تسبق أداءه القسم، للدفع قدماً بخطوات متشددة بهدف تعزيز أوراق المقايضة التي لديها.
بلورة السياسة الأميركية (والإسرائيلية) بعد الانتخابات في الولايات المتحدة يجب أن تعتمد على الافتراضات التالية:
على الرغم من سياسة “أقصى الضغوط” إن إيران تتقدم في مشروعها النووي والخطوات التي تقوم بها تدفع بها قدماً نحو تقصير فترة الاختراق المحتمل إلى القنبلة.

لا تكفي أزمة اقتصادية حادة لدفع إيران إلى المجيء إلى طاولة النقاشات من دون مقابل. لقد خابت آمال الذين توقعوا أن تؤدي الأزمة الاقتصادية إلى تحريك عمليات لتغيير النظام في إيران، ويجب الاستعداد لإمكان إن تواصل إيران سياستها الحالية بمساعدة الصين وروسيا.

إصرار وقدرة الولايات المتحدة على فرض عقوبات اقتصادية فعالة أيضاً من دون تأييد دولي، ثبتا في أيام إدارة ترامب، وهذه ورقة مقايضة مهمة، وأي إدارة أميركية ستُنتخب ستلجأ إلى استغلالها ما دامت إيران غير مستعدة لإجراء مفاوضات تؤدي إلى اتفاق محسّن وبعيد الأمد.
في المقابل، من أجل الدفع قدماً بمفاوضات من الأجدى العثور على وسائل لمساعدة إيران، من دون خسارة رافعة العقوبات. من المحتمل أن يُعرَض على الزعامة الإيرانية، التي تفضل حلاً دبلوماسياً، سلماً للنزول عن الشجرة. وسيسهل ذلك على الولايات المتحدة تجنيد التعاون من شركائها الأوروبيين.
في جميع الأحوال، يتعين على الإدارة الأميركية المقبلة، جمهورية كانت أو ديمقراطية، أن توضح لإيران أنها ستكون مستعدة لاستخدام قدراتها العسكرية إذا، أو متى، قررت إيران “تخطي كل القواعد” والتقدم بصورة كبيرة نحو قدرة نووية عسكرية.

يظهر من تحليل الاعتبارات الأميركية والإيرانية أن الطرفين يفضلان التوصل إلى حوار. لكن في النقطة الزمنية الحالية، مواقف الطرفين الاستهلالية للمفاوضات لا تزال بعيدة عن بعضها البعض، وتعكس في الأساس عدم الثقة المتبادل، المزمن بالنسبة إلى إيران، بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق. على الإدارة الديمقراطية إذا انتُخبت أن تمتنع بقدر الإمكان من إغراء أن تثبت أنها أكثر نجاحاً من سابقتها. أي إدارة ستحتاج إلى استخدام الأدوات الموجودة من أجل تحقيق أكبر تحسين ممكن في شروط الاتفاق النووي، وخصوصاً مدته، التي تبعد القدرة على الاختراق نحو السلاح النووي، والرقابة. البديل من استئناف المفاوضات في المعطيات القائمة هو استمرار تقدم إيران في مشروعها النووي في ظروف تحذر فيها واشنطن – بغض النظر عن هوية الذي يجلس في البيت الأبيض- من اللجوء إلى القوة.

المصدر: مجلة مباط عال الاسرائيلية _ عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية