الهند ما بعد العام 2020

الهند ما بعد العام 2020
Spread the love

قراءة: د. هيثم مزاحم |

“عندما يلهمك هدف عظيم أو مشروع استثنائي، فإن أفكارك جميعها تكسر قيودها، ويتجاوز عقلك حدوده، ويتسع وعيك في الاتجاهات كلها. وتجد نفسك في عالم جديد وعظيم ومدهش..، فتكتشف أنك شخصية أكبر بكثير مما كنت تحلم بأن تكونها”.

هذه المقولة تنسب إلى المهاريشي باتانجالي أحد الزهاد الهنود قبل 2500 سنة. وبهذه الخلفية عملت الحكومات الهندية المتعاقبة من أجل تنمية الهند ووضعت رؤية مستقبلية للتنمية والتقدم تتحقق في العام 2020. ففي العام 1995 أفاد نحو 5000 خبير ومتخصص في نواحي الحياة المختلفة مجلس التكنولوجيا والمعلومات والتنبؤ والتقييم بأن الهند مستعدة للنهوض باستغلال قوة مواهبها في الموارد البشرية والطبيعية كقوة اقتصادية واستراتيجية عظيمة. وكانت الهند أنذاك لم تدخل العولمة بعد ولم تحرر اقتصادها إلا في عام 1991 وكانت اتصالات الهند العالمية محدودة.

يقدّم كتاب “الهند ما بعد العام 2020” الصادر هذا العام عن مؤسّسة الفكر العربي في بيروت، مسيرة النموّ في الهند في القرن الحادي والعشرين وتحدّياته، والفرص الجديدة والتكنولوجيّات الناشئة، التي تجعل النموّ أكثر سرعة وشمولًا. ويقدّم رؤية مستقبلية للإصلاحات المتوقّعة في الهند في مجال تحسين وضع التعليم، وخلق الوظائف، والتنوّع البيولوجي، وإدارة النفايات، والأمن القومي وغيرها من المجالات والملفّات.

الكتاب من تأليف شخصيّتين رائدتين في تطوّر العلوم في الهند، هما: الرئيس أبو بكر زين العابدين عبد الكلام، وهو من كبار العلماء في الهند، وقد أصبح رئيساً لجمهورية الهند بين عامَي 2002 و2007، ويَاغَناسوَامي سُونْدارا راجان، أحد العلماء والمفكّرين في مجال تطوير التكنولوجيا وإدارة التجارة، ويعمل حالياً بصفته أستاذاً ممتازاً فخرياً في قسم الفضاء لدى المنظّمة الهندية للبحوث الفضائية. تولّى ترجمة الكتاب إلى اللغة العربية أستاذ قسم اللغة العربية وآدابها في الجامعة المِلّية الإسلامية في نيودلهي الدكتور صهيب عالِم، وتمّت مراجعته من قِبَل الأستاذ الدكتور محمد أيوب الندوي، أستاذ الأدب العربي الحديث والترجمة في الجامعة نفسها.

الكتاب الذي يتألّف من خمسة عشر باباً يتضمّن أفكاراً ومقترحات لدفع الهند نحو التقدّم، عن طريق إنجاز الأعمال العِملاقة في مجال الصناعات والخدمات والزراعة، والأبواب هي: الهند في العام 2014، التعلّم من الفرص الضائعة، تسريع النموّ الزراعي، الصناعة: فرص ضخمة، التعدين:إضافة القيمة إلى مواردنا الطبيعية، البنية التحتية: دمّ الاقتصاد وعظامه وعضلاته، التنوّع البيولوجي: التوازن بين الاقتصاد وحماية البيئة، كيمياء الحياة، الشبكات العصبية للاقتصاد المعرفي، من النفايات إلى الثروة، الرعاية الصحية للجميع، الأمن القومي: القوّة والمعرفة واليقظة المستدامة، التعليم لكلّ فردٍ في الهند، التكنولوجيّات الناشئة: اللّحاق بركب التقدّم إلى الأمام، إمكانات الهند: هل يُمكِن للهند أن تفعل ذلك؟

يؤكّد المؤلّفان أنّ حاجة الهند الملحّة لا تكمن في رسم الخطط، بل في اعتماد المنهجيّات الصحيحة لتنفيذ تلك الخطط، وتحديد كيفيّة الوصول إلى الفوائد التي تعود على الأشخاص الذين تستهدفهم. وقد سعيا إلى صياغة إطار شامل للتنمية المستدامة وتوفير المرافق الحضرية في المناطق الريفية في الهند، وتطوير نظامَيْن فريدَيْن هما “هرم مجتمع المستخدمين” و”رادار التنمية الاجتماعية”.

يسلّط الكِتاب الضوء على الإنجاز الكبير الذي حقّقته الهند في القضاء على شلل الأطفال بنجاح، إلّا أنّ الحفاظ على هذا الإنجاز يبقى مهمّة تحمل القدر نفسه من التحدّي. ويوضح المؤلّفان أنّ الحكومات المتعاقبة التزمت على مدى الستّين سنة الماضية بتحقيق الهدف الوطني المتمثّل في التعليم الشامل، وزادت من مخصّصات الميزانية للتعليم بثبات، ومع ذلك، فإنّ 35% من سكّان الهند البالغين لم يتحقّق لهم معرفة القراءة والكتابة ضمن خطّة “التعليم لكلّ فرد في الهند”.

لم يتمتع المواطن الهندي بنمو اقتصادي عالٍ أبداً بسبب البيروقراطية الحكومية الممتدة على مدى أربعة عقود. وكان مستوى المعيشة للطبقة الوسطى والفقراء منخفض جداً. وخلال المناقشات في الرؤية التكنولوجية الهندية لعام 2020، وقعت مناقشات ساخنة، حيث اعتبر معظم الخبراء الاقتصاديين نسبة 5 بالمئة من النمو نمواً أكثر طموحاً. لكن الخبراء خططوا وحددوا، في كتاب أصدروه في العام 1998 بعنوان “الهند 2020: رؤية للألفية الجديدة”، توقعات عمومية للهند تحولت إلى أعلى بكثير في النهاية، لأنه لم تكتشف كامل إمكانات الهند بعد استقلالها لعقود من الزمن، وذلك لأن معظم الذين شاركوا في الرؤية الاقتصادية كانوا قد كبروا خلال عهد الاقتصاد المخطط ذي الخلفية الاشتراكية ولم يفهموا جيداً مدى قوة تحرير الاقتصاد التي كان يمكنها تحرير اقتصاد البلاد لقوى السوق والعولمة، وتسمح لقوى السوق من البلدان الأخرى أن تشارك في الاقتصاد الهندي.

اشتملت العناصر الأساسية للنمو الاقتصادي على التنمية في القوى التكنولوجية في فئات الاقتصاد كافة مثل الزراعة والتعدين والصناعة والبنية التحتية والخدمات، وقام القطاع الاستراتيجي بدور مهم في النمو. لكن كل ما عمله المخططون في ممارسة الرؤية 2020 هو إعطاء الهنود طريقة جديدة للتفكير، حيث بعد قراءة كتابهم عن هذه الرؤية، فإن معظم الهنود بدأوا يؤمنون بأن الهند قد تصبح دولة متقدمة بحلول 2020، حتى بدأ البعض يستخدم تعبير “القوة العظمى” للهند.

في العام 1998 قام الدكتور عبد الكلام والدكتور راجان بنشر كتاب “الهند 2020” الذي يُعدُّ وثيقة رؤية للألفيّة الجديدة لرسم صورة الهند، وكيف يُمكِن لها أن تصبح واحدة من أكبر خمس قوى اقتصادية في العالم بحلول العام 2020. وبعد ستّة عشر عاماً، ومع اقتراب العام 2020، أصدر المؤلِّفان كتاباً آخر هو “الهند ما بعد العام 2020″، وذلك لتقييم ما حقّقته الهند حتى الآن، وتحديد ما عليها تحقيقه حتى الآن.

فهل حققت الهند هذه الرؤية؟

تعتبر الهند اليوم أكبر منتج للحليب في العالم إذ تنتج 105 ملايين طن سنوياً، وهي ثاني أكبر منتج للفواكه والخضراوات (150 مليون طن سنوياً)، وثالث أكبر منتج للحبوب الغذائية (230 مليون طن سنوياً) وثالث أكبر منتج للأسماك (7 ملايين طن سنوياً). يذكر أنه خلال إعداد الرؤية 2020 كانت الهند تحتل الدرجة الثانية في إنتاج الحليب.

لقد نما الإنتاج الزراعي منذ العام 1995 ولا يمكن محو الفقر في الهند إلا إذا نال الفلاحون وعمال المزارع دخلاً جيداً، حينئذ تصبح حياتهم مزدهرة.

كما حققت الهند نمواً في التعدين وإنتاج الفولاذ والألمينيوم لكنها لا تزال متراجعة في انتاج الطاقة الكهربائية نسبة إلى عدد سكانها (1.3 مليار نسمة) ومقارنة بدول أخرى.

وقد أصبحت الهند قبل سنوات قليلة في قائمة الدول العشر الأولى بحسب الناتج المحلي الإجمالي بينما كانت في المرتبة الخامسة عشرة في العام 1996. ويطمح الخبراء الهنود أن تصل إلى المرتبة الخامسة أو الثالثة، لكن بسبب الركود المحلي والمشكلات الداخلية لم تصل بعد إلى هذه الدرجة.

لكن لماذا تمكنت الصين وليس الهند من الوصول إلى المرتبة الثانية عالمياً بحسب الناتج المحلي الإجمالي؟

الإجابة هي أن الصين قد أهلت شعبها للعمل في الصناعة والزراعة والخدمات ذات القيمة المضافة. كما تحتل اليابان درجة عليا في القائمة مع أن عدد سكانها يقدر بنحو عُشر عدد سكان الهند، وهي على الرغم من المشكلات الخطرة الي تعرقل نموها الاقتصادي وبعضها بسبب أن ثلث سكانها من المسنّين، لكن كل ياباني يعمل في سبيل القيمة المضافة للاقتصاد.

إذاً متى ستصل الهند إلى معايير مثل هذا العمل الإنتاجي ذي القيمة المضافة للقوى العاملة الهندية؟

هذا السؤال طرحه العالمان عبد الكلام وراجان.

وعبد الكلام (1931- 2015) وهو من العلماء العباقرة في الهند وكان مسؤولاً عن تطوير أول مركبة إطلاق قمر اصطناعي هندي، وعن تطوير الصواريخ الاستراتيجية وتشغيلها. وهو من الرواد الذين أعدّوا “رؤية الهند 2020”.

أما راجان فهو من العلماء المعروفين في مجال تطوير التكنولوجيا وإدارة التجارة، وهو رئيس هيئة مديري المعهد الوطني للتكنولوجيا.

يقول عبد الكلام إن بلاده لا يعوزها أي نقص في الخطط وإنما يعوزها الوصول إلى الطرق الصحيحة لتنفيذ هذه الخطط واكتشاف سبل إيصال المنافع إلى الشعب الذي تمت لأجله صياغة هذه الخطط. والتحدي القائم اليوم أمام الهند وأمام كل دولة يتمثل بوصول الإصلاحات والمنافع إلى العدد المستهدف من السكان، في إطار نظام تنمية مستدامة على غرار مشروع توفير المرافق الحضرية في المناطق الريفية في الهند.

ويرى الكاتبان أن المطلوب من المشروعات البحثية ومن تطبيقها معرفة كيفية وصول منافع التنمية المستدامة إلى المُستهدفين من السكان في الهند من خلال حل متكامل مبني على التكنولوجيا وتطبيقاتها للتنمية المستدامة. ويجب أن يكون البحث مركزاً على مجالات المياه والطاقة والتلوث والتنقل والتنوع البيئي.

وتعني التنمية المستدامة نهج التنمية البشرية الذي يهدف إلى استخدام الموارد لتلبية الاحتياجات البشرية مع حماية البيئة، بحيث تُلبى هذه الاحتياجات من دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تحقيق أهدافها. وبسبب تقلّص الموارد الطبيعية والنمو السكاني (أكثر من 7 مليارات نسمة في العالم حالياً)، فإن من الضروري اليوم التفكير بتنمية جوانب أساسية في الحياة تنمية مستدامة وفي جميع قطاعات الاقتصاد.

ويرى الكاتبان ضرورة الاستفادة من شبكات المعلومات والاتصالات المختلفة، كالأقمار الاصطناعية للاستشعار عن بعد والاتصالات والمتحسسات الأرضية وجميع البيانات، وتحليل هذه المعلومات وتقديمها إلى الناس في الأرياف الذين يبلغ عددهم نحو 3 مليارات نسمة على مستوى العالم بغية تحسين مستوى معيشتهم. ويجب على المجتمع العلمي والتقني إعادة التركيز على كيفية استخدام التكنولوجيا في أثناء حل المشكلات، وعلينا التفكير بالكيفية التي يمكن من خلالها للتكنولوجيا حل بعض مشكلات سكان الأرياف في العالم، وكيفية مساعدتهم على إطلاق إمكاناتهم من أجل حياة بشرية أفضل، ومن دون إتلاف البيئة من حولنا. وهذا تحدٍ رئيسي وعاجل وعندما يتم إنجازه لا بد أن يقلص الفوارق الطبقية بين الغني والفقير وبين الحضر والريف. فأفقر الناس في العالم يدفع تكلفة عالية لكل مرفق من المرافق الأساسية مثل المياه النظيفة والأطعمة المغذية والرعاية الصحية.

نجح الكاتبان في لفت الانتباه إلى مشكلات عدّة تعوّق تطوّرَ البلاد، مثل عدم كفاية البنية التحتية، والأمّية، والأحوال المُزرية للطرق والسكك الحديدية والموانئ، وما إلى ذلك. كما قدّم الكتاب اقتراحات مفيدة لتحسين أوضاع البلاد. ويؤكّد المؤلّفان أنّ الهند ما زالت قادرة على الوصول إلى قائمة الدول المتقدّمة في غضون عقد من الزمن، لكنّ حدوث هذا التحوّل يتطلّب تنفيذ عدد من الإصلاحات. والشيء المهمّ هو أن يتذكّر الشعب الهنديّ أنّ كلّ واحد منهم يجب أن يؤدّي دوره وهو يتطلّع إلى بناء الهند ما بعد العام 2020.

يؤكّد الكتاب على أنّ القرن الحادي والعشرين سيكون شاهداً على هندٍ جديدة متطوّرة، إذا عمل الناس جميعهم بجدّيّة مع القيام بجهد مستمرّ وسعي متواصل لتحسين أوضاعهم وتحويل الهند إلى بلد أحلامهم، متبنياً خطّة عمل من ثلاث نقاط هي: تأمين المياه لكلّ من المناطق الحضرية والقرى، والعمل من أجل الرخاء الاقتصادي المستدام، وحيازة القيم النبيلة.

المصدر: الميادين نت