الحقيقة حول ترامب

الحقيقة حول ترامب
Spread the love

قراءة: ميرفت السباعي — يقدم لنا المؤلف مايكل دي أنطونيو في هذا الكتاب المعنون “الحقيقة حول ترامب” السيرة الذاتية للرئيس الأميركي دونالد ترامب، مستندة الى مقابلة مكثفة وحصرية مع ترامب نفسه أجراها خلال حملة الانتخابات الرئاسية، بالإضافة الى القصة الكاملة لحياة تلك الشخصية الأيقونية من حياته المبكرة حتى يومنا هذا.

هو احد أنجح رجال الأعمال في العالم – ورجل يكن له العديد من الأميركيين كراهية. فكيف لرجل مكروه أن يصبح مرشحاً جاداً في السباق على أعلى منصب في البلاد وبالتالي ينتخب رئيساً لها؟

كان منتقدو ترامب يعتقدون بأن ترشيحه للرئاسة كان فقط حملة دعائية للعلامة التجارية الخاصة بترامب. أما مؤيديه فيعتقدون بأن باستطاعته أن يجعل من أميركا بلداً عظيماً مجدداً. والأمر الوحيد الذي اتفق عليه الطرفان هو أن شهية ترامب للثروة وجذب الانتباه والسلطة والغزو لا يمكن إشباعها.

يطرح مايكل دي أنطونيو في هذا الكتاب مسألة كيف وصلت أميركا الى حد وجدت نفسها مستعدة للتصويت على ترشح شخصية مثل ترامب، والذي أدرك الجمهوريون أنفسهم، بعد فوات الأوان، بأنه ليس جمهورياً في حقيقة الأمر، وأن أيديولوجية ترامب الوحيدة تدور حول الأنا، إذ أنه كرّس حياته كلها لخدمة تلك الأيديولوجية القائمة على نرجسيته.

ويؤكد دي انطونيو في كتابه بأن ترامب لم يظهر من فراغ وأنه نتاج عصر النهضة الرأسمالية في الولايات المتحدة الأميركية، حيث ساد الجشع بل وأصبح شرعياً وكان يحتفل بالأثرياء الذين غالباً ما يكتسبون ثرواتهم بأساليب مريبة.

ومن صفات ترامب التي ساقها الكاتب في مقدمة الكتاب هو تعجرفه والفوقية التي ينظر منها الى الآخرين، فينقل الكاتب عن ترامب قوله: “عادةً لا تستطيع أن تحترم بعض الناس لأنهم لا يستحقون الاحترام”.

ومن صفات ترامب أنه شخصية لا تتقبل النقد وأنه عادة ما يقاضي الذين يهاجمونه لا بل يقوم بتوجيه التهديدات إليهم. كما أنه أعتبر ذات مرة بأن انتقادات بعض النساء له هي غير ذات أهمية بالإضافة الى تصريحات عنصرية كثيرة ضد النساء وذلك لأنهن “منفّرات” أو “سمينات” أو ذوات “خلقة بشعة”. ويذكر الكاتب حادثة حول هذا الأمر حيث أنه ذات مرة أرسل للصحافية في “نيويورك تايمز”، رسالة إلى غاييل كولينز، قائلاً: “وجهك كوجه الكلاب”.

وحول نرجسية ترامب ينقل الكاتب عنه قوله: “لقد كنت ناجحاً للغاية وبدأ الناس يكتشفون بأنني كنت ناجحاً أكثر مما يمكن أن يعتقدوا هم بأنفسهم. بدأ الناس يكتشفون ذلك بأنفسهم. ناجحاً أكثر بكثير”. إنه ترامب الذي حارب فوربس Forbes عندما استبعدته من قائمة الأغنياء المئة الأكثر ثراء.

ومن بين هؤلاء الذين ساهموا في ظهور ترامب في الحياة العامة الأميركية، كانت صحيفة نيويورك تايمز، والتي اعتبرته في إحدى عواميدها التي تعود الى عام 1979، شبيهاً للممثل الوسيم روبرت فورد Robert Reford.

ويقول المؤلف إن صورة ترامب في الصحف وضعته في إطار الشاب الثري، الخطر، الذي لديه حماسة صبيانية وشغف جنسي كما لو أنه “جيمس بوند” القطاع العقاري على حد وصف الكتاب، حيث أنه كان يواعد نساء رائعات ينتمين الى أفخر النوادي.

أجرى دي انطونيو خمس مقابلات مع ترامب وقد توغل بعمق في طفولته من أجل تسليط الضوء على الرجل الذي يخشاه العديد حول العالم والذي انتهى به المطاف كالرئيس الـ45 للولايات المتحدة الأميركية.

وقد عُرف عن ترامب بأنه كان يمارس البلطجة في مدرسته، مستهدفاً زملاء الدراسة ومدرسيه. أرسله والده الى الأكاديمية الحربية التي كان يديرها ضباط مخضرمون من الحرب العالمية الثانية حيث كانت تلقّن طلابها دروساً حول الهرمية والانضباط من خلال العقاب الجسدي والنفسي، مما عزّز لديه صفتين، كان والده “فريد ترامب” قد زرعهما فيه، وهما التنافس والعنف من أجل النزعة الى الفوز لأن – في رأي والده – “القاتل” هو “الملك”.

ومن الدروس التي تعلّمها ترامب في الأكاديمية الحربية هي أن كل من يلتحق بها يستحق النجاح العظيم، لأن الأكاديمية جعلت من طلابها أفضل من أي أحد آخر. وقد استوعب ترامب هذا الدرس جيداً وعمل به في حياته العملية.

أما على صعيد علاقة ترامب بوالده فقد ذكر المؤلف بأن الأب ورجل الأعمال الطموح سلّط تركيزه على ترامب من ناحية إشراكه في أعماله، حيث رأى فيه صفات تميّزه عن أخيه الأكبر الذي كان مدمناً على الكحول وضعيفاً، وقد توفي في سن الأربعين على أثر أزمة قلبية.

وقد رأى الوالد أن ترامب يتمتع بروح المنافسة والقتال. ومن جهة ترامب فقد كان متأثراً بوالده بشكل كبير حيث كانا يشتركان تقريباً بذات الميول والآراء حول المال والأعمال والسياسة. وتردد أنهما كانا يدعمان سراً الحزب الجمهوري.

ومن ناحية أخرى كان ترامب من أشد المعجبين بآراء وأفكار “نورمان فنست بيل” خاصة فيما يتعلق بأفكاره حول “التفكير الإيجابي” والتي كان يبثّها من خلال مؤلفاته وبواسطة المجلات والنشرات. ومفاد تلك الأفكار أن الإنسان يمكن أن يتخطى جميع الصعاب مهما كانت ومن بينها الفقر. ويحث “بيل” مؤيديه على ترديد جمل بعينها من أجل أن يتم تحفيز العقل على العمل بشكل معيّن. ومن أهم تلك الجمل، التي ينبغي ترديدها لأكثر من ست مرات في اليوم هي: “إن الله أعطاني القوة لكي أصل الى ما أريد”.

يقول الكاتب إن “بيل” قليلاً ما كان يتطرق الى المواضيع التي تحتوي على المفاهيم المسيحية مثل الخطيئة والمعاناة والإفتداء وغيرها من التعاليم، بل كان يفضّل أن يعظ من يتبعونه بالتحرر من عقدة الذنب. وقد جذبت مواعظ القس “بيل” الكثير من رجال الأعمال كونها أضافت حجة معنوية للرأسمالية. وقد أثبت دونالد ترامب أنه طوال مسيرة حياته اعتمد أفكار بيل متحرراً من عقدة الذنب حيث اعتاد على تجاهل إخفاقاته والتقليل من شأنها مركزا ًومسلّطاً الضوء على نجاحاته حتى الصغيرة منها.

بالإضافة الى ذلك، يرى ترامب أن عالم الأعمال ليس مجرد تشييد الأبنية، ولكنه أيضاً عالم من العلاقات المتشعّبة مع شخصيات بارزة في المجتمع والتودد الى السياسيين وحملهم على احترامك وجعلهم يحبونك.

وثق ترامب بقدراته الى درجة أنه لم يكن يحلم أو يتمنى أي شيء، لأنه كان يعلم بأن كل ما يريده سوف يتحقق وإنما المسألة هي مسألة وقت فقط، حيث أنه طوال مسيرته في عالم الأعمال لم يعرف الخوف. كما أنه عُرف بعشقه للنساء الجميلات وملاحقة عارضات الأزياء وتقرّبه من الرجال أصحاب النفوذ الذين قد يساعدونه على التقدم والنجاح. ومن بين هؤلاء يذكر الكتاب “جورج شتاينير” مالك نادي “نيويورك يانكيز” New York Yankees.

كما كان ترامب يتردد على ملهى “لو كلوب” Le Club ، وهو نادٍ ليلي أنيق في مانهاتن يجتمع فيه مشاهير المجتمع، وأبرز هذه الشخصيات المحامي روي كون Roy Cohn ، الذي تابع قضايا آل ترامب، وكانت البداية عندما استلم قضية تتهمهم بانتهاك قانون الإسكان العادل.

وركز ترامب على هذا النادي Le Club لأن الانتماء الى عضوية النادي تسمح له بمقابلة أكثر الرجال نجاحاً والالتقاء بأكثر النساء جمالاً.

ومن رواد هذا الملهى عائلات كيندي، آل باتشينو، ديانا روس وغيرهم من المشاهير. وقد كان دائماً ما يلتقي في “لو كلوب”، بالمحامي روي كون المعروف بميوله الجنسية المثلية. وقد كان محامياً يستغل معارفه ويستخدم الطرق غير الشريفة في معرض دفاعه عن شخصيات ترتكب جرائم منظمة. وحتى حينما يدافع عن نفسه ضد تهم تدور حول مسلكه غير المهني.

ويذكر الكتاب أن ترامب كثيراً ما استفاد من علاقاته بشخصيات ذات نفوذ أو شهرة أمثال المغني الراحل مايكل جاكسون Michael Jackson الذي اشترى شقة فاخرة في إحدى عقارات ترامب، وستيفن سبيلبرغ، وجوني كارسون.

حارب ترامب كل صحافي كان يرى بأنه يقوم بتشويه سمعته وصورته العامة ورفع الدعاوى ضدهم. كما أنه في ذات الوقت استغل الصحافة والإعلام لتلميع صورته على الشكل الذي يريده.

كان والد ترامب جمهورياً ولكنه في ذات الوقت أسس علاقات عميقة مع الشخصيات السياسية في الحزب الديمقراطي الذي كان يسيطر على مدينة نيويورك في ذلك الوقت، وذلك من أجل الحصول على ما يريده لكسب المزيد من الأموال.

ويذكر الكتاب ومضات إنسانية من قبل ترامب وسط كل ذلك الطمع، ومن أمثال ذلك عندما اضطر في برنامجه المعروف بـ”Apprentice” إلى طرد طفل عمره عشر سنوات يعاني من سرطان قاتل وأراد أن يكون في برنامجه. فلم يستطع ترامب أن يقول له أنت غير مقبول، فأعطاه في المقابل شيكاً بآلاف الدولارات قائلاً له: “إذهب وإحظَ بوقت لحياتك”، ولكنه لم يكن ترامب الطبيعي، وفقاً لدي انطونيو.

يوثّق الكتاب كيف أن ترامب كانت له طموحات بالرئاسة من خلال إختلاطه بحزب الإصلاح الذي قام على فرضية أساسها أن بيل كلنتون فاز في انتخابات 1992 و1996 لأن الجمهوريين لم يكونوا مصيبين بالشكل الكافي في سياساتهم.

تخلّى ترامب عن حملته من أجل تسميته في الانتخابات الرئاسية لعام 2000 في شباط فبراير من ذلك العام، وقد همس للمطلعين في حزب الإصلاح باستنتاج بأنه رفض أن يكون طرفاً في العراك فقط، لأنه يريد الترويج لكتاب ألفه في ذلك الوقت تحت عنوان “أميركا التي نستحقها”.

لم يُعرف عن ترامب أبداً انه ألقى أي خطاب في اجتماعات سياسية ولكنه في المقابل تكلم في مناسبات يطلق عليها “ندوات”، حيث عادة يدفع الناس المال في مقابل حضور تلك المناسبات، وترامب نفسه كسب حوالي الـ100000$ في مقابل ظهوره في المناسبات.

في الحملة الانتخابية الأخيرة، لعب ترامب على مسائل مثل خشية الناس من “الإرهاب الإسلامي”، وأخذ الأجانب وظائف الأميركيين ومشاعر انعدام الأمن من قبل الأميركيين البيض تجاه نظرائهم السود، الأميركيين من أصل أفريقي.

الكتاب: الحقيقة حول ترامب The Truth About Trump
الكاتب: مايكل دي أنطونيو Michael D’Antonio
تاريخ النشر: 2016

المصدر: الميادين نت

Optimized by Optimole