ماهر منصور: لا أسمي ما يكتب على صفحات التواصل الاجتماعي نقداً

ماهر منصور: لا أسمي ما يكتب على صفحات التواصل الاجتماعي نقداً
Spread the love

مجلة شجون عربيّة-دمشق-حوار: بيان عزالدين/

تحولت العديد من مواقع التواصل الاجتماعيّة إلى منافذ جدليّة ،يعبّر مستخدمينها خلالها عن آرائهم السلبيّة وأفكارهم المخالفة للرسائل التي تبثها الطروح الفنيّة والدراميّة، التي يشاهدونها سواء عبر الشاشات التلفزيونيّة أو حتى على الشبكة العنكبوتيّة ،وسرعان ما تنتشر ردود أفعالهم ويتم مناقشتها وتقييمها من قبل مستخدمي هذه المنصات الذين ينصّبون أنفسهم بموضع النقاد والأكاديميين، ولا يكاد النقاش الكتروني حول بعض الأعمال وصنّاعها يخفت حتى تظهرموجة أخرى تثير الرأي العام من جديد، لكن هل يعتبر هذا النقاش منبراً حقيقي للنقد ، وهل يمكن الاعتماد عليه في تحديد جودة ما يقدم، وهل لوسائل التواصل الاجتماعي أذن مصغية لملاحظات مرتادي هذه المنصات؟؟

حول موجة النقد الفنيّة المنتشرة بكثرة على الموقع الأزرق وأقرانه من التطبيقات الكترونية الأخرى ، مجلة شجون عربية أخذت برأي الناقد الدرامي ماهر منصور الذي لديه الخبرة المهنيّة الواسعة، والمعرفة الكافية لتقييم هكذا ظاهرة عبر الحوار الصحفي التالي :
*المنابر الكترونيّة تدين مهنة النقد *
من المعلوم أن النقد الفني اجمالاً، ليس جديداً على الثقافة العربيّة لكن الجديد ما نراه اليوم من منشورات تدين المهنة الفنيّة والدراميّة بشدة دون النظر لمضامينها الهشة فكرياً ،بدوره الناقد الدرامي ماهر منصور قرأ هذه الحالة موضحاً رأيه حول تأثيرها على الصنعة بالقول : ” مع التطور التكنولوجي لوسائل الاتصال، وما وفرته شبكة الانترنيت من منصات للتعبير وإبداء الرأي، بات متاحاً للجميع إمكانية الكتابة عن العمل الدرامي، وهو الأمر الذي أرى أنه لابد أن يترافق مع تجديد للخطاب النقدي وأغراض النقد.. وجوهر هذا التجديد يكمن في تخلي الناقد عن دور المعلم – الوصي على الجمهور، لصالح دور جديد هو الخبير- المستشار له، بمعنى أنه على الناقد توظيف خبرته المفترضة في خدمة ذائقة الجمهور، بما يمنح هذا الأخير قدرة أكبر على الاختيار والتقييم.” وتابع منصور الذكر منادياً : ” هنا لا أدعو النقاد للكف عن ممارسة عملهم، وإنما مواصلته في مقاربة
العمل الفني، نقداً بالكشف عما يميز الجيد فيه عما هو رديء، وذلك بالاستناد إلى قواعد معيارية، وتحليلاً بتشريح العمل الفني وتفسيره وتأويل رموزه، على أن يسعى النقاد في الحالتين، أي في النقد والتحليل، إلى مساعدة المتلقي في فهم المزيد حول العمل الدرامي وإثارة فضوله للانغماس في التجربة الفنية أكثر…عندها فقط سيمتلك الجمهور المعرفة كواحدة من أسباب ميله لعمل ما أو نفوره منها.. وسيكون حبه/ أو كرهه لهذا العمل الفني أو لأي من نجومه حباً/ كرهاً بعنين مفتوحتين على اتساعهما.. لا حباً/ كرهاً أعمى.”

لكن الأمر الذي لم يعد يخفى على أحد هو زيادة تعاطي العاملين بالحقل الفني والدرامي بشكل جدّي ّمع منصات التواصل الاجتماعية لاسيما “الفيس البوك” سواء كانوا ممثلين، أو كتاب أو مخرجين كل منهم راح يشكي وجعه، وينقد خلل مهنته، ويأخذ بكلام هذه المنشورات وكأنها تصريحات رسمية، عند ما سألنا الناقدماهر منصور عن السبب الذي رجحنا أنه ربما يعود إلى غياب هامش حرية التعبير عبر الوسائل الاعلامية مما جعل من الفيس بوك منابر بديلة عنها؟ فسر لنا مجيباً القول: ” يمكن أن نرد توجه العاملين في صناعة الدراما، والفنون الإبداعية عموماً، إلى منصات التواصل الاجتماعي لنقل أخبارهم وقضايا مهنتهم لأسباب مختلفة، غير أنه مهما كانت تلك الأسباب وتعددت.” وتابع منصور منوهاً : “تبقى تعبيراً عن المأزق الذي تعاني منه وسائل الإعلام، على اختلافها، مع التطور التكنولوجي لوسائل الاتصال، فببساطة ما وفرته شبكة الانترنيت من منصات للتعبير وإبداء الرأي، ألغت دور وسائل الإعلام ، بشكلها التقليدي، كوسيط بين هؤلاء العاملين والناس، لتحل منصات “السوشيل الميديا” اليوم مكانه، ولكن بمفعول أكبر على صعيد سرعة نشر الخبر واتساع رقعة انتشاره وبالتالي قوة تأثيره.”

*مضامين السوشل ميديا أصبحت مصادر مرجعية تأخذ بها الوسائل الإعلامية*
ما يثير العجب هو ليس انتشار محتوى التغريدات الكترونية وحسب، بل اعتماد وسائل الاعلام والصحف هذه البوستات المنشورة كمواد دسمة تقدمها عبر برامجها المطروحة إذاعيّاً وتلفزيونيّاً. بالسياق ذاته تحدث منصور مبرهناً اللغز قائلاً: ” ذلك أكبر دليل على قوة منصات “السوشيل الميديا” اليوم وتأثيرها واتساعها، وأكبر دليل أيضاً على المأزق الذي تعيشه وسائل الإعلام التقليدية، وهو ناقوس خطر أرى أنه لابد أن يستدعي تحرك الإعلام التقليدي لأخذ مكانه المؤثر في زمن الإعلام الجديد والاندماج فيه ليعود إلى دائرة التأثير، وهذه العودة أجدها ضرورة، في ظل حالة الفوضى واللامسؤولية التي يمارسها عدد لابأس به من المدونين.”

*تجربة العمل المتراوحة بين أرض الواقع و الفضاء الافتراضي”
منذ سنوات طويلة واسم ماهر منصور يدور بأروقة هذه المهنة ، لاسيما بالشق الأكثر صعوبة وتأثيراً ألا وهو محور النقد الفني سواء على صعيد الصحف الورقية وأغلفة الكتب ، أو ضمن منصات التواصل الاجتماعية ، لذا أردنا معرفة إن كان هناك ثمة فرق كبير بين المادة النقدية المنشورة ورقياً، والتغريدة النقدية المصاغة للطرح عبر التطبيقات الكترونية ؟ وأيهما الأشد صعوبةً ؟ أجابنا منصور موضحاً القول: ” كتابة الأحكام النقدية السريعة في تعليق محدود الكلمات على “السوشيل ميديا”، لا يتيح لنا إيصال أفكارنا مبررة ومقنعة ومدروسة، وبالتالي هي خطيئة بحق النقد وبحق أنفسنا وبحق العمل وبحق قارئنا.” وعبّر منصور : “ربما من المفيد بعد اليوم، (هذا على الأقل ما أحرص أن أفعله أنا)، ألا نصدر حكماً نقدياً خارج مكانه الطبيعي، أي في مقالة نقدية تستند إلى أسس ومرجعيات نقدية واضحة، في عملية تشريح تعيد تفكيك العمل بهدف إعادة بنائه.
وتابع الحديث: ” في السنوات الأخيرة من عملي النقدي، أقلعت عن فكرة رصد عمل بأكمله في مقالة نقدية واحدة، ففي ذلك ظلم كبير للعملية الفنية التي يشترك فيها مئات الأشخاص والمهارات والخبرات.. فكيف أمارس ما هو أسوأ، فاحصر رأيي النقدي في كلمات معدودة…؟!

نقد الدراما

باختصار لا أسمي ما يكتب على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي من تدوينات سريعة ومختصرة نقداً، حتى إن كان مصدره ناقداً، وإنما هي انطباعات، وملاحظات، وآراء سريعة، فالنقد الفني المسؤول لا بد أن يستند إلى جملة مرجعية من القواعد، ويبرهن على حجته بأمثلة واضحة بعيداً عن التعميم، الأمر الذي يستحيل اختصاره بتدوينة؟ ”
أيضاً أضاف الوصف قائلاً : “تعليل الحكم وشرح حيثياته هو جزء من احترامنا للقارئ، ومن دون ذلك فهو استعراض وكلام إنشائي..لذلك ستظل المقالة النقدية هي الأساس في الممارسة النقدية، لا التدوينات السريعة، ويمكن الاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي عبر نشر رابط المادة النقدية، أو إعادة نسخها على المواقع التي تسمح بذلك مثل «فيس بوك» مثلاً.”
*حملات الكترونيّة تحاول إنقاذ الدراما السوريّة*
شهدنا مؤخراً، انطلاق حملة الكترونيّة إغاثية استعان فيها ثلة من الكتاب الدراميين السوريين بمنصة الموقع الأزرق ،مؤلفين بيان يسمى “ميثاق شرف كتاب الدراما السوريين” ،ناشرين إياه على صفحة فيسبوكية، منادين عبره بأخلاقيات المهنة وحماية حقوق عامليها، حول هذه المبادرة أخبرنا الناقد منصور عن رأيه ، وحسب مكانته المهنيّة وضح لنا تساؤلنا المطروح حول إن كان سبب هذه الظواهر يعود إلى ما وصلنا إليه اليوم من حالة عجز تام في إيجاد الحلول الفعلية ، ولم يبق لدينا سوى الاعتماد على المبادرات الالكترونيّة التي اعتبرت بمثابة خيط الأمل القادر على إيصال أصوات صناع المهنة للجهات المعنية؟
من جانبه منصور أجاب بكل مصداقية قائلاً : باختصار: لا يمكن أن تتطور الدراما السورية ونحن نعالج مشاكلها ومشاكل العاملين فيها، من موقع رد الفعل…استطيع أن أقسّم جل ما ورد في الميثاق بين قضايا قانونية وأخرى أخلاقية، وهذه الأخيرة لا تحتاج إلى ميثاق، أو هكذا يفترض، أما القضايا القانونية فيفترض أن حلها لا يكون بميثاق بين ممن يتعرضون للظلم والتعسف والاعتداء على حقوقهم بالتكاتف على ألا يساند بعضهم المعتدين ضد بعضهم الآخر، وإنما بالتحرك لإيجاد صيغ دفاع قانونية لحفظ حقوقهم، واعتقد أن هذه الصيغ موجودة في العالم وبعملية بحث بسيطة نستطيع أن نجد مكاتب قانونية ينحصر عملها في الدفاع عن حقوق الملكية وصونها.”

وختم ملتمساً الحل : ” ما على كتّاب الميثاق إلا التوحد تحت مظلة إحدى هذه المكاتب وحصر تعاملاتهم مع الجهات الإنتاجية عبرها….كتاب الميثاق أعلنوا أن تلك هي خطوتهم الأولى وسيليها خطوات أخرى، وربما يكون ما تحدثت عنها أعلاه ضمن تحركاتهم.. وبالعموم لا يعني كلامي أنني ضد ما جاء من الميثاق، بل وأجدني أشجع وأحمس على أي تعاون بنّاء على طريق حفظ حق وحل مشكلة من مشكلات درامانا…ولكنني أريد أن ننظر الى الأمام في حل هذه المشكلات.”