ترامب وإيران: مواجهة أم تسوية؟

ترامب وإيران: مواجهة أم تسوية؟
Spread the love

بقلم: حسن صعب* | ليس من شك في أن الإجراءات الأميركية المتصاعدة ضد إيران وحلفائها في المنطقة (سوريا / حزب الله في لبنان)، تهدف إلى إضعاف إيران وحلفائها بشكل خطير، وبما يدفع هذا الحلف المعادي للولايات المتحدة و«إسرائيل» لمراجعة حساباته والموافقة على إجراء حوار «تحت الضغط الأقصى» مع الإدارة الأميركية، التي يحتاج رئيسها دونالد ترامب إلى جرعة دعم طارئة لتأمين فوزه (غير المرجّح) في الانتخابات الرئاسية التي ستجري في الثالث من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.
وتتناقض التقديرات أو التوقعات بشأن مصير المواجهة السياسية (والعسكرية إلى حدٍ ما) بين إيران والولايات المتحدة قبيل انطلاق السباق الرئاسي الأميركي، ما بين حصول تسوية مفاجئة وحرب شاملة (أو محدودة) تتبعها تسوية معيّنة بين طرفي الصراع.
لكن قراءة فاحصة لمجمل تطورات هذا الصراع خلال الأشهر الأخيرة، واستناداً إلى فهم دقيق لخلفيات وأسس الصراع بين الولايات المتحدة وإيران، والتي لا تنحصر في الجوانب السياسية والأمنية والاقتصادية التقليدية فحسب، تنبئ بأن مسار المواجهة المتصاعد قد لا يفضي إلى حرب وشيكة بين إيران والولايات المتحدة، سواء كانت شاملة أم محدودة؛ ولا إلى إبرام تسوية معيّنة بينهما قبيل الانتخابات الرئاسية الأميركية؛ والمرجّح هو استمرار الخطوات والمواقف التصعيدية المتبادلة، في ظل تسليم أميركي (ضمني) بأن إيران لن تخضع وتذهب للتفاوض تحت الضغط مهما بلغ مستواه، ورؤية إيرانية متماسكة، ومتوافق عليها داخلياً، بأن الصمود أفضل من التفاوض مع إدارة دونالد ترامب، والذي تضاءلت فرص فوزه بولاية ثانية بسبب سوء أدائه، داخلياً (فيما يخص مواجهته لوباء كورونا والتعامل الفظ مع الأقلية من أصل إفريقي ومسائل أخرى)، وخارجياً (بسبب نقضه للاتفاق النووي الدولي مع إيران وتدهور علاقات إدارته مع الصين وروسيا، ومع الاتحاد الأوروبي إلى حدٍ ما).
وحتى مع توقّع وزير خارجية إيران جواد ظريف فوز ترامب في الانتخابات المقبلة، فإن القيادة الإيرانية تقدّر بأن الصمود أو «الصبر الاستراتيجي» كفيل بدفع الأمور لغير صالح إدارة ترامب، من دون التورّط في مواجهة شاملة أو محدودة معها، على قاعدة استثمار إيران (وحلفائها) للإنجازات العسكرية الكبرى التي تحققت خلال الأعوام الأخيرة (في سوريا والعراق واليمن ولبنان) سياسياً ضد الإدارة الأميركية (وحلفائها في المنطقة)؛ وذلك بموازاة تكثيف مجالات وأطر التعاون بين أطراف حلف الممانعة والمقاومة للحدّ من الانعكاسات السلبية للعقوبات الأميركية ضد أطراف هذا الحلف، والتي لن يكون آخرها «قانون قيصر» ضدّ سوريا، والقرار الذي اتخذته بالأمس الوكالة الدولية للطاقة الذريّة ضد إيران، بضغط واضح من الإدارة الأميركية؛ ناهيك عن الإجراءات والقرارات الأميركية التي تتالت خلال الأشهر الماضية بفرض عقوبات على كيانات وشخصيات إيرانية وسورية ولبنانية وعراقية، متّهمة بأنها تعمل ضد مصالح الولايات المتحدة في المنطقة، وتعزّز من قوة وقدرات النظامين الإيراني والسوري تحديداً.
في المقابل، ترى إدارة ترامب أن استراتيجية محاصرة أو خنق إيران اقتصادياً (نفطياً) ومالياً قد أثمرت زعزعة لاستقرار النظام الإيراني، كما لقدرات حلفائه (سوريا / حزب الله) التي باتت تهدّد أمن ووجود الحليف الأول للولايات المتحدة في المنطقة، أي الكيان الإسرائيلي.
كما يدّعي المسؤولون الأميركيون أن إيران بدأت تخسر نفوذها السياسي والعسكري بعد اغتيال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، في مطلع العام الحالي في بغداد، وانطلاق الاحتجاجات الشعبية الواسعة ضد هذا النفوذ في العراق ولبنان، وحتى في إيران نفسها. وبالتالي، فإنه لا داعي لاستعجال أي صفقة مع القادة «المتطرفين» في إيران، ولا مع حلفائهم المحاصرين بالأزمات المتصاعدة؛ بل إن تطوّر الأوضاع يؤكد على ضرورة تشديد العقوبات وتصعيد المواجهة السياسية مع إيران (وحلفائها) لإجبارها على الجلوس إلى طاولة التفاوض من موقع الضعف، لكن من دون التورّط في مواجهة عسكرية غير مأمونة العواقب معها، على الأقل في المرحلة الفاصلة قبل تسلّم إدارة أميركية جديدة لمقاليد الحكم في مطلع العام المقبل.
وفي الواقع، فإن طرفي المواجهة الدائرة في الإقليم، أي إيران والولايات المتحدة، سيستمران في تصعيد مواقفهما العدائية المتبادلة، في ظل ضيق خيارات المواجهة المكلفة وغير المضمونة لدى كليهما، مع محاولة كل طرف الحد من الخسائر أو التبعات المترتبة على هذه المواجهة، بموازاة محاولات «إشغال» غير خطرة، على المستوى الأمني – العسكري تحديداً، كما يحصل في العراق مثلاً، بانتظار التحوّل الآتي من واشنطن، والذي قد يُترجم بوصول الديمقراطي جو بايدن إلى سدّة الرئاسة؛ وهو الذي جاهر مراراً برفضه لقرار انسحاب ترامب من الاتفاق النووي مع إيران، وصولاً إلى تحفّظه على خطة الكيان الإسرائيلي بضم نحو 30 بالمئة من أراضي الضفة الغربية المحتلة إلى الكيان في الشهر المقبل.
وبلحاظ المواقف الأوروبية والروسية والصينية السلبية إجمالاً من سياسات الرئيس الأميركي حيال إيران (وملفها النووي بالخصوص)، وبموازاة «تفلّت» إيران ،الناجح نسبياً حتى اليوم، من طوق العقوبات المفروض عليها منذ عقود، وإنجازاتها العسكرية والسياسية في «دول المحور» خلال السنوات الأخيرة، مقابل تدهور شعبية ترامب في الداخل الأميركي، فإنه يمكن الاستنتاج بأن سياسة «عضّ الأصابع» بين إيران وإدارة ترامب ستستمر خلال الأشهر الآتية، من دون توقّع أن يصرخ أحد الطرفين، أو أن يقلب الطاولة بوجه الطرف الآخر بشكل دراماتيكي، رهاناً من كلا الطرفين على “اختفاء” الطرف الآخر من ساحة المواجهة في القادم من الأيام، حتى ُيبنى على الشيء مقتضاه!

*باحث لبناني.