المُسلمون في الهند على هامش المجتمع

المُسلمون في الهند على هامش المجتمع
Spread the love

ترجمة: د. رفيف رضا صيداوي _ مؤسّسة الفكر العربي/

“المسلمون على هامش المجتمع”، مقالة نشرتها المُراسلة الصحافيّة السياسيّة الهنديّة “تافلين سينغ” Tavleen Singht في صحيفة “ذا إينديان إكسبرس” The Indian Express الهنديّة في 8 كانون الأوّل (ديسمبر) 2019، تستنكر فيها مشروع القانون الذي يمنح الجنسيّة للمُهاجرين الذين دخلوا البلاد من باكستان وبنغلاديش وأفغانستان، لكن مع استثناء المُسلمين بين صفوفهم. وكان مشروع القانون هذا، الذي أقرّه البرلمان الهنديّ يوم الأربعاء في 11 كانون الأوّل (ديسمبر) 2019 بموافقة 125 صوتاً مقابل رفض 105 أعضاء، قد أثار الكثير من الجدل قبل إقراره. كما نقلت وكالات الأنباء العالَميّة خبر مقتل مُتظاهرَين اثنَين الخميس 12 كانون الأوّل(ديسمبر)، في ولاية أسام (شمال شرق الهند) أثناء مُظاهرة مُستنكِرة، فضلاً عن اعتقال عشرات الأشخاص من بين آلاف احتجّوا على مشروع القانون الذي أقرّه البرلمان، والذي اعتبر المُعارضون أنّه يميّز ضدّ المُسلمين ويَنتهك الدستور العلمانيّ الهنديّ.

في ما يلي نصّ مقالة لتافلين سينغ، كانت قد شرحت فيها خلفيّة هذا القانون قبل إقراره، ونُشرت في دوريّة “كورييه أنترناسيونال” الفرنسيّة، في عددها (العدد1519) الصادر بتاريخ 12-18 كانون الأوّل (ديسمبر) 2019.

ينطوي مشروع القانون الهندي حول المُواطَنة على شيء مقلِق للغاية؛ تماماً مثل الطريقة التي اعتاد من خلالها وزير الداخليّة أميت شاه التكرار، ومن دون مُوارَبة، أنّه يستهدف المُسلمين. فلطالما أكّد الوزير أنّه سيَطرد المُسلمين أو “النمل الأبيض” ويعمل على نَفيِهم، بما لا يسمح بالشكّ للحظة بالهدف الحقيقي لتعديل قانون المُواطَنة الذي تحاول حكومته تمريره.

راهول غاندي Rahul Gandhi (النائب عن حزب المؤتمر الوطني الهندي، المُعارض الأوّل والأساسي لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي Narendra Modi ) وكوماري ماياواتي (رئيسة حزب باهوجان ساماج المُدافع عن حقوق المنبوذين) كانا على حقّ في مُعارضتهما العلنيّة لقانونٍ يَعهد إلى صغار الموظّفين سلطة تحديد الشخص المخوَّل اكتساب الحقّ في أن يكون هنديّاً.

إنّ غالبيّة “النمل الأبيض” الذين يحتقرهم أميت شاه، هُم أناس فقراء جدّاً، ليس لديهم وثائق تُثبت أنّهم هنود. إنّهم من الآن فصاعداً أناسٌ يجدون نفسهم تحت رحمة ممثّلي السلطة، الذين قد يلجأون في كثيرٍ من الأحيان إلى استخدام هذا القانون كوسيلة جديدة وقاسية للابتزاز.

هذا القانون الجديد ليس في نظر الأغلبيّة، سوى طريقة بشعة لإطلاع المُسلمين الهنود على أنّهم في “الهند الجديدة” مواطنون أقلّ أهمّيّة من الهندوس والسيخ والبوذيّين والجانتيّين والمسيحيّين، وأنّه لمَن الأفضل لهم أن يتكيّفوا مع ذلك.

امتياز

رئيس الوزراء يلتزم الصمت إزاء هذا الموضوع، لكنّ وزير الداخليّة، المقرَّب كثيراً منه، لا يدخّر جهوده لتذكيرنا، وبشكلٍ شبه يومي، بأنّ حقّ المواطنة الهنديّة لم يعُد بالنسبة إلى أيّ كان مقروناً بالولادة. ستغدو المُواطَنة مُستقبلاً كامتياز، ولاسيّما بالنسبة إلى المُسلمين. فإذا لم يُحسنوا إثبات أنّهم هنود، سينتهون بأن يكونوا منفيّين أو في وضعيّة المُنغلِق داخل مُعسكرات الاعتقال.

والحال أنّه ليس بوسعنا القول إنّ “النمل الأبيض” هُم من الملايين الذين ينتظرون التسلّل إلينا عبر الحدود، وهو الأمر الذي يجعل قانون المُواطنة هذا قانوناً غير مُجدٍ بالمرّة. فلو كنّا في وضعيّة تُشبه تلك التي تجري في جنوب الولايات المتّحدة الأميركيّة أو تلك التي تُشبه ما كان يجري في أوروبا، حين أدّت الحرب في سوريا إلى هجرة جماعيّة إليها، ربّما كان لهذا التعديل القانوني من معنى ما، حتّى بشكله التمييزي الحالي. لكنّنا لسنا في معرض مُواجَهة وضعيّة شبيهة.

كان هناك وقت شهدنا فيه البنغلاديشيّين يتدفّقون بأعدادٍ كبيرة كاسِرين حدودنا الشرقيّة، بحثاً عن عمل وعن حياة أفضل. غير أنّ عدد الذين يريدون ذلك، والحقّ يُقال، لم يعُد بالكثرة نفسها، إذ يُظهر عددٌ من المؤشّرات الاجتماعيّة والاقتصاديّة اليوم أنّ بنغلادش تتقدّم من الآن فصاعداً على الهند في بعض القطاعات.

من الشمال، وفد إلينا بعض الأفغان الآتين إلى دلهي هرباً من الحرب في أفغانستان، وكان علينا استقبالهم بأذرعٍ مفتوحة، لأنّهم يهربون من الجهاديّين المُنتمين إلى أسوأ جنس. وإذا كان هناك من باكستانيّين يتسلّلون بطريقة غير شرعيّة إلى الهند، فذلك إنّما يتمّ في أغلب الأحيان بوصفهم جهاديّين وليس بوصفهم مُهاجرين.

رُعب

الهندوس والسيخ الذين لجأوا إلينا في بلادنا هُم في مطلق الأحوال مَوضع ترحيب. لم يقُم أحدٌ يوماً بالتهديد بطردهم، وبالتالي، ما هو حقّاً هدف هذا التعديل القانوني؟ هل يُمكن ألّا يكون له دَورٌ آخر سوى رفع منسوب الخوف الذي يعيش فيه مُسلمو الهند، وذلك منذ تولّي ناريندرا مودي رئاسة الوزراء؟ فهذا الأخير يعشق الترداد، من وقت إلى آخر، بأنّ لديه إيماناً بـ”التنمية للجميع”، لكنّه، على ما أعتقد، لم يشجب أبداً، وبشكل رسميّ، عمليّات القتل التي تجعل المُسلمين يعيشون الرعب، وتشوِّه الصورة الديمقراطيّة اللّيبراليّة والعلمانيّة للهند. ناهيك بأنّه لم يشرح نظرته حول ضرورة هذا التعديل القانوني وأثره الإيجابي على المُواطنة.

إنّ أبرز ما يقلقني، في ما يتعلّق بهذا القانون، هو أنّه قد يكون مُنبئاً بأوقاتٍ مُظلمة حقّاً، على الرّغم من أنّ بلادنا هي مَوطنٌ لثاني أكبر عدد من السكّان المُسلمين في العالَم (وفي الواقع الثالثة بعد أندونيسيا والباكستان)، غير أنّنا لم نُصدِّر، على الصعيد العالَمي، إلّا عدداً محدوداً من الجهاديّين، لكنْ كم من الوقت قد يدوم ذلك؟

تافلين سينغ Tavleen Singht