جون كيري: ترامب وضعنا على طريق الصراع مع إيران

جون كيري: ترامب وضعنا على طريق الصراع مع إيران
Spread the love

عندما تقاطعت المصالح الأميركية والإيرانية، كما حصل في محاربة “داعش”، كنا المستفيدين من علاقات الجنرال سليماني وقدراته، كما استفاد العراقيون منها كذلك.

ترجمة: د.هيثم مزاحم/

كتب وزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري مقالة في صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية انتقد فيها سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تجاه إيران. والآتي ترجمة نص المقالة بتصرف:

يقول الرئيس ترامب إنه خلال عهده لن يسمح لإيران أبداً بامتلاك سلاح نووي. ولكن إذا أراد أن يفي بهذا الوعد، ما كان ينبغي أن ينسحب من اتفاق إيران النووي لعام 2015 الذي كان ساري المفعول. وبدلاً من ذلك، أخرج ترامب الولايات المتحدة من الاتفاق واتبع سياسة خارجية طائشة وضعتنا على طريق الصراع المسلح مع إيران.

فبعد أن أذن السيد ترامب باغتيال اللواء قاسم سليماني الأسبوع الماضي، أعلنت إيران أنها لم تعد ملزمة باتباع الاتفاق، الذي كبح طموحاتها النووية، وأطلقت صواريخ باليستية على قاعدتين عراقيتين تقيم فيهما قوات أميركية، دون تأثير كبير. وإضافة إلى الاضطرابات، وافق البرلمان العراقي على قرار رمزي إلى حد كبير بطرد القوات الأميركية التي تقاتل “داعش” (من العراق).

وعلى الرغم من أن السيد ترامب قد تراجع منذ ذلك الحين عن حافة الحرب، إلا أنه لا يمكنني أن أشرح الفوضى التي وسمت رئاسته التي تنتقل من أزمة إلى أخرى، حقيقية كانت أو مصطنعة. قال الرئيس إنه “لا يقوم باستراتيجيات الخروج”. من الواضح أنه لا يقوم باستراتيجيات، هذه الفترة.

ورأى كيري أن هذه اللحظة كانت متوقعة منذ تخلى السيد ترامب عن اتفاق 2015، الذي كان يعمل، واختار بدلاً من ذلك عزلنا عن حلفائنا، وتضييق خياراتنا في المنطقة، وإغلاق الباب أمام معالجة القضايا الإضافية مع إيران من خلال دبلوماسية بناءة.

والآن، فإن الغارة الجوية بطائرة مسيّرة التي صفّت الجنرال سليماني قد أغلقت هذا الباب بكل تأكيد. كان للرئيس ترامب الحق في التخلي عن اتفاق لم يعجبه. لكننا نشهد عواقب هذا الفعل الشجاع في منطقة أصبحت اليوم أكثر تقلباً بشكل ملحوظ مما كانت عليه عندما بدأت إدارته مهامها في عام 2017. للاستراتيجيات عواقب وكذلك الحال بالنسبة لغياب الاستراتيجية.

وقال كيري إن الجنرال سليماني كان عدواً مصمماً للولايات المتحدة أشرف على “استراتيجية إيران الطويلة لتوسيع نفوذ بلاده من خلال الوكلاء الطائفيين في المنطقة”. لن ينعاه أو يفتقده أحد في الغرب. في بعض الأحيان، عندما تقاطعت المصالح الأميركية والإيرانية، كما جرى في محاربة داعش، كنا المستفيدين من علاقاته وقدراته، كما استفاد العراقيون منها. ولكن هذا كان استثناء نادراً.

وذلك يؤكد المفارقة المأساوية لقرار السيد ترامب بإلغاء الاتفاق النووي: لقد لعب هذا الإلغاء دوره في استراتيجية الجنرال سليماني المتشددة بإضعاف أصوات الدبلوماسية في نظام طهران. من هو الدبلوماسي الإيراني الذي سيتم تفويضه من قبل المرشد الأعلى المتشكك لاستكشاف التصعيد مع دولة انتهكت كلمتها بشأن اتفاق تاريخي، وبعد ذلك، اغتالت ثاني أقوى شخصية لإيران؟

يتخذ الرؤساء قرارات فريدة وصعبة حول استخدام القوة لحماية مصالحنا – عادة مع عزاء معرفة أنه على الأقل الدبلوماسية فشلت. مأساة محنتنا الحالية هي أن الدبلوماسية كانت تنجح قبل أن يتم التخلي عنها.

في عام 2013، جلست مع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف لحضور أول اجتماع بين كبار دبلوماسيي بلدينا منذ ثورة 1979 وأزمة الرهائن. كان لدى إيران في ذلك الوقت ما يكفي من المواد المخصبة كافية لإنتاج ما بين 8 و10 قنابل نووية، وكانت تحتاج لفترة تتراوح بين شهرين وثلاثة أشهر للقدرة على صنع قنبلة نووية.

بعد عامين، وبعد مفاوضات مكثفة، توصلنا إلى اتفاق وقّعت عليه سبع دول وأقره مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. لقد حققت الدبلوماسية ما لم تفعله العقوبات بمفردها: لا يمكن لإيران امتلاك سلاح نووي خلال فترة سريان الاتفاقية؛ وإذا غشّت، فقد عقد العالم العزم على وقفها.

ماذا جرى بعدما انتقلنا إلى عهد الرئيس المنتخب ترامب في عام 2017؟ كانت إيران تمتثل للاتفاق النووي. كان حلفاؤنا متحدين مع الولايات المتحدة. لم تكن هناك هجمات صاروخية على منشآت الولايات المتحدة. لم يتم احتجاز أي سفن أو تخريبها في الخليج الفارسي. لم يكن هناك متظاهرون ينتهكون حرمة سفارتنا في بغداد. رحب العراق بوجودنا لقتال “داعش”. وإيران لن تكون قادرة على التحرك نحو سلاح نووي دون علمنا بذلك من خلال عمليات التفتيش التي سمح بها الاتفاق.

لم يعتقد أي من حلفائنا أن العمل قد انتهى بعد إبرام الاتفاق. لكننا أرسينا أسس الدبلوماسية التي يمكن من خلالها معالجة قضايا أخرى. في عام 2016، قمنا بنزع فتيل الخلافات العميقة مع إيران بشأن السجناء وتجنبنا الصراع عندما دخل البحارة الأميركيون عن غير قصد إلى المياه الإيرانية واحتجزتهم القوات الإيرانية. كنا نعمل مع الحلفاء على تعميق العقوبات المفروضة على إيران بسبب تورطها في اليمن، ونقل الأسلحة إلى حزب الله وأفعالها في سوريا، وانتهاكاتها لحقوق الإنسان، وتهديداتها ضد “إسرائيل” وبرنامجها للصواريخ الباليستية.

كان يمكن تبرير الاتفاق النووي إذا لم يفعل أكثر من منع إيران من صنع قنبلة نووية. لكنه خلقت أيضاً فرصاً للولايات المتحدة للضغط على إيران بشأن قضايا أخرى. كان بوسع الرئيس ترامب أن يبني على ذلك، مع ترفه بمعرفة أن التهديد النووي الفوري والعاجل قد أعيد إلى الزجاجة.

نحن نعرف ما فعله السيد ترامب بدلاً من ذلك. لقد ازدرى كل ما قامت به الإدارة السابقة خلافاً لواجبه في الحفاظ على أمن البلد. لقد عزل حلفاءنا، وهرع بتهور إلى الأمام من دون أي استراتيجية. لقد تُركنا مع سياسة غير المتماسكة بشأن إيران والعراق جعلت المنطقة أكثر خطورة وعرضت الأميركيين لخطر أكبر.

وبعد أن تجاهل الرئيس توصيات ريكس تيلرسون وجيمس ماتيس، أول وزيرين للخارجية والدفاع، الذين حاججا بأنه ينبغي لنا البقاء ضمن الاتفاق، وجد وزير خارجية جديد، هو مايك بومبيو، الذي غرّد على تويتر بفيديو للعراقيين الذين يحتفلون بمقتل الجنرال سليماني. تذكرنا بشكل مخيف عام 2003، عندما شوهد عراقيون يحتفلون بالإطاحة بصدام حسين. لقد كان ذلك وهماً ومن الوهم الآن أن نصدق أن هذا جيد لعلاقاتنا مع العراق، كما يؤكد تصويت البرلمان على انسحاب القوات الأميركية.

لقد تُركنا للتفكير في مفارقة أخرى: للتأكيد للحلفاء أن قراره لم يكن متسرعاً، سيتعين على السيد ترامب أن يستدعي معلومات قوية من مجتمع الاستخبارات نفسه الذي هاجمه باستهزاء لمدة ثلاث سنوات.

تتطلب السياسة الخارجية للسيد ترامب نظاماً غير موثوق به في طهران يتصرف بشكل معقول من أجل إنقاذ السيد ترامب من نفسه. هذا هو الفشل المأساوي للتخلي عن الدبلوماسية.

لقد نسينا في كثير من الأحيان أنه يجب على الولايات المتحدة ألا تخوض الحرب بسبب مزحة أو كذبة أو خطأ. لقد رأينا أيضاً الانقسامات حول فيتنام والعراق تمزق نسيج الحياة في بلادنا. ومع ذلك، فإن الشباب الأميركيين قلقون مرة أخرى من أنهم قد يضطرون إلى الموت لأن قادتهم السياسيين لم يستنفدوا أو حتى يستكشفوا إمكانات الدبلوماسية، بل تخلوا عنها.

لا ينبغي أن تحدد دبلوماسيتنا بالتبجح والتهديدات وسياسة حافة الهاوية، أو التغريدات أو نوبات الغضب، ولكن من خلال رؤية للسلام والأمن التي تتصدى للمصالح المتعددة للمنطقة.

المصدر: الميادين نت