المواطنة والدين في مجتمع متنوع “الهوية والأخلاق السياسية للاعتراف”

المواطنة والدين في مجتمع متنوع “الهوية والأخلاق السياسية للاعتراف”
Spread the love

د. خنجر حمية* —

1- مدخل: في طبيعة الإشكالية وحدودها:
يتضمن العنوان أعلاه ــ بشكل أو بآخر ــ فرضية تقوم على التباس العلاقة بين المواطنة والديني ــ بما هو تعبير عن انتماء خاص وفريد- بغض النظر عن معنى هذا الالتباس وطبيعته، أو عن الأرضية التي يقوم عليها. وهو التباس ينهض بداهة حتى عند أولئك الذين لا يملكون معرفة كافية بالكيفية التي تطور من خلالها مفهوم المواطنة في السياق الفكري ــ السياسي للغرب الحديث.. في خضم نشوء الدولة القومية وترسخها أولاً، ثم في خضم انتصار مفهوم ليبرالي متوسع لمعنى المواطنة استناداً إلى فكرة الفضاء المشترك كوسيط للعلاقة بين الدولة وذوات فاعلة مختلفة، تتشارك اجتماعاً سياسياً موحداً يقوم على الاعتراف(1). وهو يتبدى كذلك عند أولئك الذين لا يملكون المعرفة الكافية بالمضمون القيمي ــ المعرفي الذي قدِّر لمفهوم المواطنة أن يحمله في مسار تشكله واكتمال دلالته وامتلاء مغزاه، منذ بداية نشوء الدولة ــ المدينة، إلى ما بات يعرف بالدولة العصرية ببعديها السياسي والقانوني.
إن إعادة قراءة العلاقة ــ تاريخياً ــ بين السياسي والديني، قد تكشف لنا عن المغزى الأعمق لهذا الالتباس في مجرى الاجتماع السياسي شرقاً وغرباً، وتضع أمامنا من جديد مشكلة الهوية والتباساتها، وتعدد مستوياتها، وتنازع القيم التي تتشكل منها. لكن ذلك فيما أظن يُعيد تعميق هذا الالتباس ويغذيه ويعقده ــ مفهومياً على الأقل ــ أكثر مما يوضحه أو يساعد على حله.. إذ إن الظروف والعوامل التي ولدته هي من التعقيد بمكان يصعب معه الإحاطة بها، وهو يتغذى تاريخياً من حمولات مفهومية جد مركبة ومعقدة ومتداخلة، كمفهوم الأمة؛ وتصورات السلطة والمشروعية؛ والأفكار المتشابكة حول الطبيعة البشرية والمجتمع؛ والآليات التي يعمل بها والقوى التي تحركه وتوجهه.
ولقد تبدى هذا الالتباس في صورته الأشد رسوخاً ــ على اختلاف سياقاته ــ في ارتهان راسخ للسياسي ــ بما هو علاقة حاكم بمحكوم ــ للديني في السياق الوسيط، حيث راحت تتشكل هوية للمجتمع استناداً إلى أولية الديني، أعني إلى وحدة هوية دينية… وقدمت للديني تفسيرات أصبح بموجبها قادراً على استيعاب الفعل السياسي في سياق تغييب شبه جذري ــ شكلي على أقل تقدير ــ للاختلاف عن بؤرة المركز.
إن فهماً لمفهوم المواطنة في صورته الراهنة، وللكيفية التي اكتمل من خلالها وتوسع ليستوعب جملة التنوعات والاختلافات الهوياتية والثقافية وتعارضات المصالح وجملة المرجعيات الخصوصية، القيمية والثقافية، كاف فيما أزعم لتفكيك هذا الالتباس وتبسيطه بما يخدم إعادة توضيح العلاقة بين السياسي والديني في مجتمع متنوع يقوم على المشاركة والاعتراف، من غير حاجة إلى تظهير التجربة التاريخية لهذه العلاقة في مناخات ثقافية وحضارية جد متباعدة، وتقوم بمجملها على رهانات معرفية ووجودية متعارضة، وعلى تصورات ميتافيزيقية متباينة أشد التباين، تغري، ولكنها تعمق المأزق.
ولأن ما يعنيني هو الموقف الإسلامي الراهن من المواطنة في مغزاها ومضمونها، وعلاقتها بالديني، والتبصر الذي يمكن اجتراحه من أجل توضيحها وبيان حقيقتها وما تعنيه ، استناداً إلى رؤى كونية … فسوف أبدأ ــ اختصاراً ــ بفحص المفهوم في سياق إسلامي، واستعراض بعض المواقف منه في مغزاه وطبيعته وفي كيفية استثماره، معطوفاً على خلفية تاريخية في تجربة السلطة، وفي وعيها.
2- المواطنة في الفضاء الثقافي ــ السياسي للإسلام:
جاهر برنار لويس بأن مفهوم المواطنة غريب تماماً عن الثقافة الإسلامية، تلك بنظره حقيقة تاريخية وثقافية لا تقبل الجدل، وهو افترض كذلك أن لا وجود لمفهوم (Citizen)، لا في العربية ولا في الفارسية ولا في التركية، وهي اللغات التي عبر الإسلام بها عن نفسه، وكتبت بها ثقافته، ودوّن تراثه…
ما نجده في هذه الثقافة هون مفردة (وطن) و(واطن) و(توطن) ، وهي تعني السكن مع، وواطن ساكن، والتوطن السكن، ومعناه البسيط الساذج هو الاشتراك في سكن المكان، لكنها تخلو بدرجة كبيرة من أية مضامين أو إيحاءات، كتلك التي تحملها الكلمة الإنكليزية (Citizen)، التي تتحدر من أصول إغريقية ــ لاتينية، وتعني الفرد الذي يشارك في الشؤون المدنية، أو المشاركة في مثل هذه الشؤون.(2)
ولقد ذهب مفكرون عرب إلى نفس الرأي، فاعتبر سمير أمين مثلاً “بأن المساواة القانونية لم تكن سمة من سمات الأنظمة التقليدية العربية”.(3)
ورأى محمد أركون أن مفهوم الجماعة السياسية في الإسلام يخلو من أية محاولة لتطوير سياق المواطنة كشرط ضروري، ليس لنشوء حكم القانون فحسب، بل لظهور المجتمع المدني الذي يستطيع السيطرة على الدولة وتقييدها”.(4)
وقد يبدو أن مثل هذا الرأي يتمتع بالكثير من المصداقية إذا ما استحضرنا عند حديثنا عن الوطن والمواطنة الدلالات التي بات يحملها في سياقات تطور في الثقافة الغربية الراهنة وفي الممارسة.(5)
لكن فكرة المواطن في مجتمع سياسي، الذي عليه واجبات وله حقوق تحتم عليه المشاركة في الحياة العامة، فكرة عرفها الإسلام في أول أمره، ونادى بها، ورسخ مضمونها نظرياً على الأقل(6). ونحن نقع عليها فيما لو حررنا أنفسنا من الوقوع في شراك المقارنة السطحية بين المفاهيم. إن كلمة مواطن في السياق الغربي تقابلها كلمة مسلم في السياق المفهومي للاجتماع السياسي الإسلامي التقليدي(7). سبب ذلك أن مثل هذا الاجتماع قامت هويته على الدين، باعتباره العنصر الجامع لكل من ينتمون إليه، ويعيشون في ظل مبادئه وقوانينه(8). ولقد كان المسلم يتمتع بحكم كونه كذلك بعضوية فورية وكاملة في المجتمع السياسي الذي ينتمي إليه، يدل على ذلك ما رواه البخاري: المسلمون ذمتهم واحدة، ويسعى بهم أدناهم، فمن أحقر مسلماً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين”.
وما ينبغي التركيز عليه بالفعل في سياق الانشغال بمفهوم المواطنة وعلاقته بالديني ليس حضور المفهوم أو غيابه في أدبيات الإسلام التقليدي ولا في الممارسة التراثية، إنما العوامل التي حتَّمت ضرورة إعادة التوسع في مضامينه ودلالاته في سياق تعقد الاجتماع السياسي نفسه… قصد احتواء التعارضات التي راحت تتعاظم شيئاً فشيئاُ مع توسع هذا الاجتماع وتعقده… فقللت في طريق حضورها من متانة اللحمة التي كان الانتماء الديني وحده كفيلاً بتوفيرها ضامناً لوحدة هذا الاجتماع. وهو شيء نتج في الحقيقة من العودة المندفعة للخصوصيات، ومن تشعب الرؤى والمذاهب، وعودة انبثاق الولاءات التقليدية الطبيعية والهويات الخاصة، التي حيدها الإسلام برهة من الزمن عبر الإعلاء من رمزية الوحدة المستندة إلى شعور عميق بالانتماء الديني وبوحدة العقيدة التي تجسده.
ولقد أمكن في الإسلام الأول(9) ــ بفعل الاندفاع العاطفي المتوقد تجاه الدين الجامع ــ تغييب ولاءات طبيعية قبلية أو عرقية أو مصلحية وخصوصيات وتقاليد اجتماعية وأعراف وقيم راسخة ومبادئ، من خلال تغليب مفهوم الأخوة الإيمانية التي تسوي بين المؤمنين في المكانة والمنزلة وفي الحقوق والواجبات. وكان من السهل لاجتماع سياسي تقوم وحدته على دين جامع مهيمن أن يستوعب كذلك التعدد الناشئ من وجود جماعات دينية أقلوية عبر التعاهد أو التعاقد(10)، كما حصل في وثيقة المدينة حينما جعل أهل الكتاب أمة مع المسلمين من دون الناس، بمنحهم حق الانتماء السياسي إلى الجماعة ــ الأمة، التي تكفل لهم الحق في الحياة والأمن والعمل، وممارسة خصوصيتهم الدينية والثقافية ــ نظرياً على الأقل ــ في إطار اعترافهم بشرعية السلطة استناداً إلى مرجعيتها النظرية التي تصدر عنها، والمشتمل العقدي الذي تعبر عنه وتدعو إليه وتدافع عنه وتقوم عليه(11). كان ذلك كافياً في مجتمع يعلي قدر الجماعة وأهدافها، ويغلب ذلك على قدْر الأفراد، ويحتفي بوحدة جامعة هوياتية مثالية وعاطفية في آن تقوم على الدين… في قبال تعدد يدفع إلى مستوى الخاص والثانوي والثاوي، يُعترف به بقدر ما يخدم أهداف الجماعة، ويُمنح الشرعية ما دام لا يشكل في حضوره الخاص خطراً على وحدة الأمة وصفاء هويتها وكلية أهدافها والقيم التي توجهها. لكن مثل هذا التدبير لم يكن كافياً، في ظروف تلت، بغضّ النظر عن الطريقة التي يُقيَّم بها الآن، والموقف الذي يُتَّخذ إزاءه في الظرف الذي ولد فيه، إذ لم يمض وقت طويل حتى عادت الولاءات الطبيعية التقليدية إلى الظهور بفعل خفوت الشعور الديني وتقلص اندفاعته، واستعادت الهويات الشخصية الخاصة، التي حيدت لمصلحة العام الجامع، زخمها، وراحت تطغى على الشعور الديني، الذي بدأ يبهت حضوره شيئاً فشيئاً في توترات المجتمع وتقلبات مصائره، ويتهاوى في سياق تنازع العام والخاص.
ولأن وحدة الهوية نفسها لم تعد مضمونة في سياق تعارض التفسيرات المختلفة لطبيعة هذه الهوية وعناصرها، ولأن القاعدة التي قامت عليها وحدة الاجتماع تفككت عراها في خضم تعدد التأويلات، فلقد تمَّ تعويض ذلك بوحدة قهرية تقوم على السلطان، أعني تمَّ توحيد المجتمع، لا عبر هوية باتت موضع نزاع، بل عبر وحدة تسلطية قاهرة تستمد مشروعيتها من تفسير محدد للدين، يتم فرضته صورياً عبر قوانين وتشريعات وأنظمة مسيِّرة، تكفل، ليس وحدة الشعور والانتماء وحق المشاركة والفعل فحسب، بل وحدة الولاء للسلطان، ولا تُعنى في أهدافها بتقرير نسق منتظم للواجبات والحقوق، بل بفرض واجب الخضوع والطاعة، فتحول المواطن الفرد من مشارك في الحياة العامة إلى مجرد رعية، وتحول المجتمع من وحدة سياسية عضوية يكفلها الديني، إلى وحدة صورية قائمة على الإخضاع، تكفلها رهبة السلطان وقوته، وتغلبه وشدة سطوته.
ولأن وحدة كهذه هي في حقيقتها وحدة هشة إلى أبعد الحدود، تدفع بنفسها عناصر المجتمع إلى إعادة التموضع في الخصوصيات رغبة في البحث عن الأمان أو الكرامة، أو القيمة والمنزلة أو المصلحة والخير، فإن القوة وحدها كانت السبيل الوحيد لقمع التدافع الذي يولده مثل هذا الانكفاء، وتصادم المصالح المتعارضة الذي تقود إليه. فولد ذلك صراعات شتى بين هوية جامعة صورية، تعتمد على وحدة السلطان وتفرض بالقهر، وهويات خاصة أكثر رسوخاً. بين سلطة وأفراد مختلفين. بين خصوصيات متعارضة راحت تغذي تعارضها بالأوهام، متنافرة ومتباعدة وبين وحدة صورية مثالية هشة لا تستند إلى قيمة عامة متسالم عليها. عطفاً على أن سلطة صورية تفتقد إلى قيمة كلية حقيقية جامعة، لا يمكنها أن تمتلك الحد الأدنى من الآليات العقلانية التي تستطيع من خلالها التخفيف من حدة هذه التعارضات، والتقليل من خطر التنازع بين هويات بات يصعب انصهارها في فضاء عام موحد، وتوحدها على أهداف مشتركة وغايات ومصالح متقاربة تلتقي عندها الإرادات وتتفق.
والملفت أن الفكر السياسي الإسلامي برمته في القرون الوسطى، منذ الماوردي(12)… وحتى انتهاء عصر الخلافة، كان اهتمامه ينصب على اقتراح الوسائل التي تكفل للسلطان بسط هيمنته ولو بالتغلب، وترسيخ نفوذه. وعلى التنظير للآليات التي تكفل له إبقاء جماعة متنوعة مختلفة الميول والانتماءات العرقية والمذهبة والدينية متعددة المصالح والرؤى والأهداف، مضمونة الخضوع لسلطانه، منصاعة لإرادته الجامعة المالكة لسلطة التشريع والتقنين والتدبير، وعلى توفير التبرير الديني لقمع لا هوادة فيه لكل اختلاف أو إعلان اختلاف أو تمايز أو معارضة، تخل بهيبته وبالوحدة الكلية الصورية التي يوفرها وجوده.
مع زوال الوحدة الصورية للاجتماع الإسلامي بزوال الخلافة وقيام الدولة القطرية استناداً إلى مكتسبات الدولة الحديثة والفكر السياسي الغربي الديموقراطي أو الاشتراكي- مع ما حمله ذلك من تطور في مفهوم السلطة ومبدأ شرعيتها وحدود صلاحياتها وفي مفهوم المواطنة والمشاركة ومعنى الخير العام والمصلحة المشتركة، وبروز مفهوم المواطن الفرد كوحدة قانونية تملك حرية إرادتها وقرارها وحقها في التعبير عن نفسها وممارسة قناعاتها والإعلان عن خصوصيتها وهويتها وطريقة انتمائها إلى حدود الجماعة التي تحتويها- بدا أن إعادة التفكير في مفهوم المواطنة على ضوء الإسلام بات أمراً ملحاً، كما بات ملحاً كذلك التفكير في شكل التدبير الذي ينبغي اجتراحه في مجتمع إسلامي بدا على غير صورته التي كان عليها فيما مضى.
3- المفكرون الإسلاميون المعاصرون، مثاليون وواقعيون:
لم يمنع تفكك الوحدة السياسية للمسلمين، وانهيار اجتماعهم السياسي الجامع القائم على الخلافة، ولا التعقيدات التي ولدها بروز الدولة بالمعنى الحديث – في خضم إعادة تشكيل الدولة في الأقطار الإسلامية الخارجة من تحت وصاية الاستعمار- من بروز أصوات كانت وما زالت على قناعة تامة بأن الدولة الدينية، على شكل نموذج الخلافة، هي الحل الأمثل لمأزق الاجتماع السياسي الإسلامي، وهي وحدها الصالحة لتحقيق مجتمع العدالة وتأكيد مبادئ الخير العام استناداً إلى مبادئ الشريعة وأحكامها(13). ولأن مثل هذه القناعة تفتقد إلى سند تاريخي يشهد على صحتها، في ظل إخفاقات التجربة على غير صعيد، فلقد كان من الطبيعي أن يتم استحضار تراث النظار السياسيين المسلمين من أجل إعادة تشكيل تصور يأخذ بعين الاعتبار التأصيل الشرعي الفقهي لمفهومي الأمة والجماعة والأحكام المرتبطة بالسلطان، ويأخذ بالاعتبار كذلك واقع المسلمين. وبغض النظر عن الجدل الذي أثارته قناعة كهذه في سياق تحولات جذرية محلية وكونية، فلقد قدِّر لها أن تجد تياراً متصلاً من المنظرين الذين يكادون يتشابهون في الثوابت والقناعات، وإن اختلفوا في طريقة الترويج والإعلان لمشروعهم، وفي اللغة التي يعبرون بها عن قناعاتهم.
وأكثر هؤلاء الدعاة غلواً هو أبو الأعلى المودودي، المفكر الهندي الأكثر أصولية بين أبناء جيله- وهو الذي أثر بشكل لا محيد عنه في سيد قطب(14) فيما بعد وفي تيار السلفية العربية – وهو اعتبر أن المجتمع الإسلامي يقوم على قاعدة ولاء هي الدين.. وأن لا محل في ذلك للحلول الوسط… خالطاً بذلك بين المجتمع كمجال حراك للأفراد والجماعات… وبين السلطة. وهو جادل بضرورة أن يقتصر المجتمع الإسلامي على المسلمين… ولأنه كان على قناعة راسخة بأن هوية المجتمع الإسلامي تقوم على وحدة الانتماء الديني الجامع أو على وحدة الشعور الإيماني أو وحدة القانون الذي تكفله الشريعة، فلقد رفض تأسيس الباكستان استناداً إلى قاعدة قومية… ومنشأ قناعته فيما أعتقد، هو إيمانه بأن الدولة الإسلامية التي تتعارض مع أي مفهوم آخر للدولة، هي مجموعة سياسية يتم إقرارها عقائدياً وتمتلك نظرة عامة لا تعترف بالعرف ولا بالنسب ولا بالقومية كقاعدة المواطنة.
إن مجمل القاعدة الأخلاقية للدولة القومية الحديثة ــ بنظره ــ المستندة إلى مبادئ نفعية وولاءات عرفية ضيقة، هي النقيض تماماً للدولة المسلمة الحقة التي تسمو على الولاءات الضيقة وتتوجه نحو عموم الإنسانية، ولا تعترف بغير سلطة الله.
وهو راح يروج لقناعة راسخة بأن المؤمنين الحقيقيين فقط هم القادرون على إنشاء الدولة الإسلامية الحقة، ناهيك عن العمل لأجلها، والطريقة المثلى لإنشائها تتمثل في البدء بخلق مجتمع إسلامي حقيقي من خلال النضال والمعاناة ليعقب ذلك الدولة كثمرة طبيعية لهذا النوع من الاقتران(15).
ولقد عبر سيد قطب(16) خير تعبير عن مثل هذه الرؤية في كتابه معالم على الطريق. وبقي وفياً لها إلى آخر أيامه. وطبقاً لهذا التصور فلا يوجد مشكلة مواطنة بالنسبة لغير المسلمين في مجتمع إسلامي، لأن الدولة الإسلامية إنما تنشأ من قبل المسلمين ولأجلهم… وعلى غير المسلمين إن أرادوا العيش في الدولة المسلمة أن يخضعوا لقوانينها وأن يعيشوا كأقلية محفوظة الحقوق وفق تشريعاتها، شرط الولاء لطبيعتها التي قامت عليها، وما داموا لا يشكلون لها تهديداً لوحدتها وسلامة انتظامها.
ولقد وجدت هذه الآراء صدى عند مفكرين معاصرين بعد ما يزيد على نصف قرن من الجدل الذي حركته… والصراعات التي ولدتها والظروف الملتبسة التي أحاطت بها. ونحن نجدها مثلاً على صورة تكاد تكون نسخة طبق الأصل في كتابات مصطفى مشهور وعبد السلام فرج ، وعبد السلام ياسين، والقرضاوي،وفتحي يكن، وراشد الغنوشي وآخرين. والأخير مثلاً يجادل بأن المواطنة في الحياة السياسية الإسلامية تعتمد على معيارين، الانتساب الديني والإقامة وهو شىء أظن أنه ولدّه من وثيقة المدينة، شأنه شأن مفكري العصور الوسطى من غير أن يبين لوازمه القانونية ومقتضيات في تدبيره(17).
فالمسلمون غير المقيمين في الدولة، وغير المسلمين المقيمون فيها لا يحق لهم أن يكونوا مواطنين بالكامل، وقد يصبحون مواطنين في حالة قبولهم بشرعية الدولة، لكنهم لا يصبحون مواطنين بالكامل، فلا يحق لهم مثلاً تسلم مناصب رئيسية في الدولة.. مكرراً الموقف التقليدي القاضي بحرمان غير المسلمين في دولة مسلمة من المشاركة في الحكم أو في شؤون التدبير السياسي، أو إشغال المناصب الحساسة كالوزارة والقضاء والعسكر… لكنه يتخفف من كلية هذا الحكم استناداً إلى عدم خوف الخطر… فيجوز ذلك ما دامت هذه المناصب في الدولة الحديثة مقيدة غير مطلقة محدودة التصرف بحدود القانون(18).
لقد بقي تصور هؤلاء النظار للدولة مثالياً، يعبر في العموم عن رغبة بقيت بلا تحقق في سياق تاريخي، وهي بقيت حلماً يراود أولئك الذين ــ استناداً إلى شعور ديني ــ آمنوا بإمكانية تحقيق العدالة في مجتمع إنساني، على قاعدة وحدة الإيمان أو الأخوة الإيمانية… والذين لم تغير التجارب المخفقة من قناعتهم بأن اللحظة التاريخية التي تتحقق فيها ذلك آتية لا محالة. ولأجل ذلك كانت كتاباتهم في الأعم الأغلب جدالية، عاطفية… أعوزها التحليل المنطقي ــ التاريخي لطبيعة المجتمع وقواه، وللهوية وعناصرها، ولتشكل الولاءات وزوالها، ولمعنى السلطة وطبيعة مشروعيتها ووظائفها، ولعلاقة الديني بالسياسي في مجتمع متنوع… ولقد أخفق هؤلاء كذلك في فهم التعقيدات التي ولدها بروز المجتمع الحديث ونشوء قوى فاعلة في صيرورة أهدافه.. غير منظورة في الأعم، ولا تفهم على وجه الدقة الكيفية التي تعبر بواسطتها عن نفسها، والسلطة التي يمكن أن تمارسها في تحديد أو توجيه الرهانات والمصائر. ولقد كان يعيبها كذلك عدم وعيها للعلاقة المعقدة بين هوية دينية وهويات مقارنة تبرز وتختفي حسب الظروف…. ولطبيعة الهوية الدينية نفسها وعناصرها، والجدل الذي يحكم حضورها في سياق تعارضات المصالح الفردية والأهواء. كل ذلك دفع مفكرين أكثر وعياً لمقتضيات الحداثة، ولجدل القيم والتاريخ.. إلى تطوير تصورات أكثر إقناعاً، وأقل جذرية (من أمثال محمد عمارة.. فهمي هويدي، طارق البشري، سليم العوا، أحمد كمال أبو المجد، علال الفاسي وآخرين).
لقد اعترف فهمي هويدي(19) بأن الصيغة الإسلامية التقليدية لمفهوم المواطنة كانت متقدمة في زمانها، لكنها تمَّ تجاوزها من قبل التطورات الحديثة وظهور مفهوم المواطنة المتساوية. وهو دعا إلى العودة إلى مبادئ القرآن والسنة لإعادة البحث عن صيغة تستوعب مثل هذه التقدمات، في إعلان واضح وصريح عن ضرورة تجاوز اجتهادات النظار في العصور الوسطى والحديثة، والتقاليد المتراكمة حول السلطة، والتفسيرات القديمة لهذه المصادر، والتي يبدو أن تحولات الأزمان ألغت قيمتها بنظره وجردتها من فاعليتها ومن قابليتها للحياة.لكن هويدي يقف في نقده للسلطة الدينية عند حدود لا يتجاوزها ، ويلتززم بمضمون إسلامي للدولة ، ولم يكن بمقدوره كذلك أن ينفي انشداد الدولة إلى الإسلام ، وحاجة الإسلام إليها،وهو يردد، كما هو حال عمارة،نفس أفكار القرضاوي وحسن البنا وعبد القادر عودة بمفردات من القاموس السياسي الحديث .
وطور سليم العوا في مجمل كتاباته أطروحة جريئة تعتمد على ما أسماه التضاد بين شرعية الفتح وشرعية التحرير. لقد تعاملت الجماعة السياسية التقليدية ــ بنظره ــ م غير المسلمين كشعوب مقهورة.. لأنها أمكنها في ذروة توسعها أن تحتويهم داخلها على أساس الفتح، ولقد جاءت الدولة الإسلامية الحديثة إلى الوجود نتيجة صراع التحرر الذي ساهم غير المسلمين فيه بصورة متساوية مع المسلمين. فهم لذلك يستحقون حقوقهم كاملة كمواطنين… ولم تعد، والحال هذه، صيغة المواطنة على أساس الفتح قابلة للتطبيق(20).
نظرة كهذه تقدمية لكنها تقوم على مبدأ مقايضة خطير… لا على مفهوم راسخ للاستحقاق الذاتي.. فكأن شراكة المواطنة هنا إنما تقوم على أساس مكتسب، هو المشاركة في صناعة التحرر، لا العضوية النابعة من استحقاق ذاتي لحق المواطنة. وهي رؤية في جوهرها تغفل التنظير للمبادئ الأساسية التي يفترض أن يقوم عليها مبدأ المواطنة في مجتمع ما بعد التحرير، إذا كان الانتماء الديني، لم يعد كافياً ليكون أساساً لذلك، مع إقرار القبول بتعدده في مجتمع سياسي منظم. وفي السياق ذاته من الجدال ناقش طارق البشري ما قرره الغنوشي بإسهاب، وهو ميز، استناداً إلى الماوردي، بين وزير التفويض ووزير التنفيذ، ثم رفض مقتضياته معتبراً أن لا منصب في الدولة الحديثة يملك سلطة مطلقة يمكن أن تخل ممارسته من قبل غير المسلمين بوحدة الدولة وبهويتها، مقترحاً أن تكون جميع المناصب مفتوحة للمواطنين على تعدد هوياتهم الدينية بلا قيود، وهو يقرر وجهة نظر نقدية لحقوق المواطنة في الفكر السياسي الحديث، مفترضاً أن حقوق الإنسان العصرية وثيقة الارتباط جذرياً بحق المواطنة في دولة، وأن حق الإنسان في العيش الكريم والتعبير.. وما إلى ذلك مرتبط أشد الارتباط بالسياسي الذي ترتكز إليه فكرة الهوية والمفهوم الكلي للدولة الحديثة. وهي حقوق، لا تقيم وزناً للتمييز بين أكثرية دينية أو عرقية وأقلية، لجهة حقها بالتمتع بمزاياها على قدم المساواة. ولأن هذه الحقوق ذات طابع فردي، أعني لأنها حقوق فردية فإنها تقتضي كذلك أن يتساوى الأفراد المسلمون في التمتع بها استناداً إلى عضويتهم في المجتمع السياسي، والالتزام بهذه العضوية استناداً إلى اعتبارات سياسية لا دينية. وإذا كان من الطبيعي ــ بنظره ــ تحديد العضوية في المجتمع الإسلامي التقليدي بالمسلمين وحدهم، فإن الضرورات الحديثة تحتم معاملة الأقليات على أسس متساوية، وهذا يعني العضوية الكاملة في المجتمع، وفي حقوق المساواة(21).
ومهما يكن من أمر ما قدمته هذه الجهود من تبصرات، فإن الرؤى الإسلامية الحديثة فيما يخص المواطنة وحدود المشاركة السياسية للمختلفين دينياً في مجتمع إسلامي، لم يكن لها تأثير كبير على مجريات الأحداث، ولا على التجربة السياسية في المجتمع الإسلامي حديث التشكل، لأن أغلب الدول الإسلامية بقيت علمانية، تقوم في الأعم على القومية، ولم يكن الدين فيها أساساً، في بناء خصائصها الثقافية ونظمها الأخلاقية وقيمها السياسية، بالرغم من أن حقوق المواطنة بقيت فيها منتهكة إلى حد بعيد ومنقوصة.
ولقد بقيت التنظيرات تدور في العموم حول إيجاد صيغة توفيقية بين تصور تقليدي إسلامي للحكم مرجعيته الشريعة أو الدين، وبين المواطنة في دلالاتها الراهنة كمكتسب معرفي غربي بامتياز، يقصد منه الحق في المشاركة السياسية والتمتع بالخير العام، والمساواة في الحقوق. لكنها بقيت في عمومها قاصرة عن أن تقدم لنا تفسيراً مقتضباً للكيفية التي يتم بها التوفيق بين الديني والسياسي، بين الاعتماد على خصوصية، وبين مفهوم المشاركة في المواطنة، بين هويات مختلفة (دينية، عرقية، مصلحية)، وهوية سياسية جامعة؛ من غير إخلال بمقتضيات كلتا الهويتين، بين الديني كركيزة لهوية خاصة ولانتماء وبين المواطنة كمشاركة في المجال العام، تكفل المساواة. وبقيت عاجزة كذلك عن أن تمنحنا التصور الكافي للكيفية التي تتولد من خلالها تناقضات الهوية، ولكيفية تفكيكها استناداً إلى تدبير عقلاني يرتكز إلى قيم مشتركة معترف بها.
لقد كان من الضروري أن يتم التركيز على وجه خاص على تفكيك الديني عن السياسي، لا أقصد بذلك تصوراً علمانياً للدولة، بل فرز نطاقات، أعني فرز نطاق الخصوصيات المشكلة للأفراد وللجماعات..- والتي يشكل فضاء المجتمع المدني ميدان حضورها – ونطاق هوية سياسية خالصة، يولدها نقاش عمومي في فضاء مفتوح وحر، يقصد الخير العام ويفضي إلى تحديد واضح لمصلحة الجماعة التي تولده، وتسلم به وترتضي الاحتكام إليه والانتظام في سياق فعل تدبيره، وتكفل عبر تماسكها للخاص أن يعبر عن نفسه، وأن يتعايش في تجربته السياسية مع ما يتشكل (كهم) في قبال نحن، استناداً إلى تدبير عقلاني يقوم على وحدة القانون والدستور مثلاً ووحدة المصلحة التي ينقاد إليها حراك الجماعة، أو وحدة القيم الكلية الأولية التي صدروا عنها، وهو شيء قدِّر للفلسفة السياسية المعاصرة إنجازه، متجاوزة فكرة الدولة الطائفية والقومية إلى الدولة متعددة الهويات.. وهو ما أرغب هنا في استثماره في استثماره في وجهة نظر محددة باختصار.

4- الفضاء العمومي، وفك الاشتباك بين العام والخاص:
لقد أدرك المنظرون السياسيون الغربيون، أن أول ما ينبغي الاعتراف به قبل كل تنظير في السياسي هو أن أحد أكثر إشكال التهوي والاختلاف رسوخاً، هو التهوي الديني، أو الاختلافات الدينية والعقدية، حتى في فضاء مفتوح حرٍّ وليبرالي كما هو حال مجتمع المواطنة الكاملة وأن أية محاولة لتأسيس جماعة سياسية بالمعنى العصري للكلمة على أساس جامع تفترض إعادة التكفير في الديني أولاً، ثم في الآلية التي تقلل فرص التوتر بينه وبين العام، أعني بين الانتماء الذي يولده الوجود في وحدة سياسية جامعة وبين الانتماء إلى هويات متنوعة لجماعات، بين تعدد الانتماء إلى الخاص ووحدة الانتماء إلى إجماع سياسي.
يضعنا استحضار المكون الديني للثقافة أمام تحد فكري (إذن) وأخلاقي، بؤرته تبين الوجه الذي به تحصل الغيرية الدينية. ذلك أنه لما كان الدين عنصر تمايز ثقافي وفرز فإن قيام فضاءٍ عمومي قوامه التدافع العلني لتقرير ما يكون خيراً للحياة العامة للأفراد يتطلب قيام عقلانية خاصة تستطيع تحقيق الاعتراف أولاً بهذا الانتماء على قاعدة العدالة، وثانياً بحمايته من أي انجراح يفضي إلى التعويض عبر الإعلاء من شأن الهوية الخاصة بخلق تهويمات. فكيف يمكن إذاً نشوء فضاء من هذا القبيل يضمن حضور المكون الديني للذات الفردية أو الجمعية في مجتمع مركب متنوع الهويات، وعلى أي نحو يمكن تدبير هذا الفضاء بما يضمن كذلك وجود الذات المواطنة وإعلاء هويتها… وتمتعها بالعدل.
لقد ارتبط نشوء مفهوم الفضاء العمومي بميلاد الدولة الحديثة، وهو يتجسد في كونه المساحة المشتركة للتدافع الفردي الذي عنده يتهاوى الفصل بين العام والخاص الذي رسخته المرحلة القديمة اليونانية ــ الرومانية والإسلامية الوسيطة. إنه عبارة عن مجتمع سياسي مؤلف من أفراد منخرطين في أنشطة ذات مصلحة عامة على أساسه تقوم مطالبهم بالاستقلالية إزاء السلطات المؤسسة، وعلى رأسها الدولة وليدة التعاقد الحر. أو المساحة العمومية المتاح ولوجها لكل المواطنين والتي يمكن لهم فيها الاجتماع لوضع رأي عام وصيانته. ولقد انتهى مثل هذا الفضاء بمناقشة جذرية حول قضايا المصلحة العامة المشتركة لأفراد خواص يعتمدون على عقولهم ويعترف لهم بحق الاتحاد والاجتماع والتعبير عن الرأي والتقدير للأمور(22).
ولما كان مثل هذا الفضاء العمومي يستلزم الذات المواطنة، فإن الواقع الأشمل للمواطنة يستدعي التساؤل عن حيز الدين ضمن المفهوم الشامل المتعلق بالحياة العامة والخاصة للأفراد، ومن ثمَ التساؤل عن نجاعة التدبير العقلاني للاختلاف، من حيث أنه يقوم على الاعتراف بالهوية بما هي آلية تسهم في تكون الذات المواطنة قدر مساهمتها في ضمان حقها في التمتع بالعدل الاجتماعي وتوزيع الخيرات.. إن التسليم باندراج المكون الديني للذوات ضمن الهوية يتطلب إذن معالجة موضوعة حضورها في الفضاء العمومي عبر تدبير سياسي للاعتراف.
5- التدبير السياسي للاعتراف بالهوية:
إن أبرز ما ينبغي التشديد عليه في مقام يدعي السعي لإنجاز تدبير عقلاني للاختلاف، والاعتراف بالهوية، هو الإقرار بالاختلاف نفسه، أو بعبارة (بالحال الاختلافية للهوية) أو بواقع الحالة الاختلافية للهوية، والتي بسببها، يتولد نظر إلى الاختلاف باعتباره، المفهوم الذي بفضله يتعدد الكائن، والذي بفضله يصبح التعدد خاصية الهوية.. ويصبح الانتقال والترحال، سمته الذاتية(23).
وبقدر ما أن الذات الفردية نفسها مدعوة إلى سلوك سياسة خارجية تدبر بواسطتها واقع الاختلاف والتعدد في هويتها فإن ذلك مطلوب أيضاً في الذات الجمعية، ذلك أن الهويات المتعددة تتعدد تضافرياً بنحو سياسي. حتى إذا ما قارنت الهوية السياسية استناداً إلى المقتضى المذكور، المستوى الفردي للأنا، تصبح السياسة نفسها هي ما يميز الهم والنحن.. وإذ تقوم هنا هوية جميعة في قبال أخرى فلنفحص عن وجه التدبير الممكن سياسياً، متى ما استقر سعيه على معالجة الصراعات ضمن جهاز الدولة مراعياَ مطلب الاعتراف والعدل الاجتماعي.
أ- عن تدبير الهوية البينذاتية:
بدا أن تدبيراً سياسياً هو الكفيل بمعالجة واقع العلاقات بين الهم والنحن. علة ذلك أن السياسة تعمل في كل واحد من أفراد الجماعة (النحن) إلى التمييز بين خصوصيات أو هويات، بين ذوات لفحص الكيفية التي يمكن لهذه الذوات من خلال تأويل هوياتها.
في مثل هذا الموقف فإن قوة التمييز تناط بالسياسة والهوية معاً، لجهة أن مكمن التمييز هو كون خطوط التقسيم الهوياتي يعتمد غالباً على حدود الهوية الخاصة (فردياً وجماعياً) في اختلاف مع هويات مغايرة، لكن حين ينظر إلى أن الهويات نفسها هي مفعول للسياسة على جهة التحديد والاختلاف معاً. فإن ذلك هو ما يبرر مساءلة الواقع الثقافي الذي يكثر اعتماده مرجعاً للتمييز.
إن الهوية الأولى هي نتاج قوة سياسية لإسناد قيمة متعلقة بالخصائص المشتركة ومنها الاعتقاد، والتي يتم ترجمتها في شكل تفكير وسلوك وإحساس يخص جماعة بشرية بعينها. وإذ تشي هذه الأطروحة بتصاعد الوعي بالتميز الثقافي ووصله الصميمي بهوية قد تكون موهومة، وتشكل عناصرها معطى لوحدة أفراد لجماعة ثقافية أو دينية فإن من شأن ذلك أن يزيد من الصعوبة التي تعترض السياسة في اضطلاعها بمهمة التدبير العقلاني في مجتمع حديث سمته اللاتجانس الثقافي بعامة والديني منه على وجه خاص.
كتب رينو: “إن اختلاف الهوية من حيث هو كذلك، لا يكون بالقوة الكافية حتى يميز بين الهم والنحن، والذي يفترض تنازعات تكون فيه الجذرية سمته أساسية”(24).
كثيراً ما تصعد السياسة من حدة التمايزات، حينما يكون من مصلحة جماعة ما فعل ذلك. كما ترفع من علو حدود التقسيم بين الهويات، وبما يسهم في تخصيص جماعة بخصوصيات غالباً ما تتغذى من صناعة التأويلات والتهويمات(25). بل إن من شأن السياسة ألا تجد غضاضة في خلق واصطناع ماضي تاريخي يجذر أو يعمق الاختلاف الموهوم وتحويله إلى قناعات تخترق اعتقاد الذات الفردية والجماعية.
وبذلك، فمتى ما اتضح أن للسياسية فاعلية شديدة الخطورة في ترسيم الحدود بين الهويات وتجذير الاختلاف الثقافي إلى حد صنع العدو، فإن من شأن النزاع السياسي الذي يمس أغلب الهويات أن يكون عامل تقريب بينها، عوضاً عن كونه مبرر تبعيد.. وهو الذي يجسد بالنسبة لرينو السعي إلى تحصيل الاعتراف ببعضها البعض، أو يجسد مسعى لتفسير موحد للهويات المختلفة كيف ذلك؟
إن ما يظهر أنه واقع مفارق، يمكن تخطيه عبر التمييز بين هوية أولية ناشئة من التنشئة الاجتماعية الأولية (أسرة ، مدرسة) والهويات الثانوية الناتجة عن تنشئة اجتماعية ثانوية (ثقافية، سياسية ومهنية)، مع ضرورة الاعتراف بأن الهوية الأولى هي الأساس الذي يهب المعنى للهويات الثانوية.
إن أية هوية شخصية في مجتمع تجد موقعها ضمن كيان سياسي مؤسس (سواء قلنا بالتعاقد الاجتماعي أو الذاتي كما هو عند هيغل) إنها بتعبير رينو شرط سياسي. بل إن الاعتراف بها هي نفسها يعد شرطاً سياسياً. لكن ذلك يحصل في سياق تدبير سياسي يهم الهوية الجمعية من خلال كيان الدولة. وإذا كان التصور الهيغلي محكوماً بفهم حركي أنطولوجي للعلاقة بين الأنا والكل، بين الأفراد والدولة. فإن التدبير الأخلاقي ــ السياسي لهذه الهوية البينذاتية يجد مبدأ في الوجود الأمبريقي المعاش، دون أي تعال أنطولوجي. وهو لذلك يراعى الانفعالات والمشاعر. فكان أن حصل اعتماد تلك الأتيقا السياسية على السيكولوجية في بلورة تشخيص الأمراض الاجتماعية، وفي مضمون ما تدعو إليه من عدل متقوم بالاعتراف ومناهض لدواعي الانجراح الأخلاقي.
وهكذا فإن كيان مؤسساتي كلي، الدولة أو الفضاء العمومي المؤسس، يعد شرطاً لتدبير عقلاني للمشترك العمومي، وسواء تحكم بهذا الكل باعتباره ذا مضمون أنطولوجي أو أخلاقي، فإن ها هنا وحدة سياسية يلزم قيامها حتى تحصِّن مجال التقاء الهويات من الاصطدام، بما يشدد على أولوية السياسي والوحدة التي ينشئها، وحدة تتعالى لزوماً على التنوع الثقافي بمضامينه المتنوعة بما فيها الديني.. وحيث أن هذا الشكل من التدبير، هو تدبير لالتقاء الهويات الفردية بحمولاتها الثقافية المتنوعة، فإن ذلك يفترض تدبيراً من ذات الفرد لذاته، ذلك أن الفضاء العمومي الذي يسعى ليكون فضاءً للذات المواطنة، معني بعقلانية تهم الفرد أولاً، فيكون التدبير على مستوى الذات الشرط العميق للتدبير الأوسع الذي يحققه الفضاء المشترك وينجزه.
ب- تدبير التعدد في الهوية الشخصية:
ومتى ما أصبحت الهوية الشخصية موضوعاً سياسياً، فهي أذن تستدعي تدبيراً عقلانياً مؤسساً، يباشر الشأن الشخصي كما يباشر الشأن العمومي، ولأن مثل هذا النوع من التدبير يخص أساساً الأخلاق السياسية ويستند إليها، فإن أهم رهان يتعين كسببه هو السعي إلى تجنيب علاقة الذات بذاتها من مشكلات الانجراح الأخلاقي الناشئ من نكرانها أو عدم الاعتراف بها. ولأجل ذلك فنجاح كل تدبير عقلاني للذات رهين على الدوام بمدى التقدم الذي يحرزه جهد الإعلاء المنوط بالهوية الشخصية. فلا تدبير عقلاني من دون اعتراف صريح بالقيمة الفردية للإنسان، ذاك الذي يجنبه سوء كل تحقير مهما كان واقع انتمائه الثقافي ومضامينه، ومنها الدينية.
والتعدد المعني هنا في مستوى الذات الفردية، إنما يتمثل في الهويات المتغايرة التي من شأنها أن تتعاقب أو تتزامن بالنسبة للفرد الواحد بحكم مسؤولياته وأدواره في المجتمع المعقد التكوين. وهي هويات مفروضة فرضاً… ولا يختلف القسْر الذي تمارسه عن القسْر الناشئ من التنشئة الاجتماعية.. والفرد الذي يحوز مثل هذه الهويات وفق مقتضيات موقعه أو الدور الذي يؤديه في المجتمع، يسعى إلى تحصيل الاعتراف بحقه في أن يعيش على النحو الملائم مع ما يريد أن يكونه، وبالقيم التي تشكل مرجعيته(26).
وكما يسعى الفرد على الدوام إلى توحيد الأوجه المختلفة لهويته الذاتية من خلال تفاعل يسير مع هوية عقدية عميقة، يسعى كذلك لأن تعترف له المؤسسات التي يعمل فيها بأن تسمح له بالعيش على نحو ملائم مع ما يريد أن يكون عليه من خصوصيات حتى لو تطلب ذلك شكلاً من أشكال المقاومة أو المفاوضة.
هناك إذ تفاعل بين الهوية الأصلية والمؤسسة، تفاعل يتخذ شكل مفاوضة يحاول عبرها الأفراد التعبير عن حقهم في ملاءمة تطبيق القواعد التي تفرض عليهم نمطاً خاصاً من القيم أو أشكال التعامل أو السلوك، مع ما يتطلبه انتماؤهم إلى هوية خاصة، من قبيل الحرص على ممارسة الشعائر الدينية والطقوس، من غير أن يؤثر ذلك سلباً على طبيعة الدور الذي يجب عليه الانتهاض به كعاملين منتجين داخل مؤسسة تفرض نمطاً للهوية خاصاً. وضع من هذا القبيل يشي بحال سياسية تحاول تجنيب الفرد ألم العجز عن تدبير تعدد الهوية الشخصية غير استجابة سياسية لمطلب الاعتراف… فأين يقوم إذن مركز هذا المطلب..؟ وكيف يتأتى ترسيخ إتيقا سياسية للاعتراف استناداً إلى تشكل واضح لتدبير عقلاني(27).
7- في الاعتراف وسياسة الهوية:
يألم الإنسان حين يصيبه غبن يخدش تمثله لهويته الخاصة، فتتولد عنده حاجة إلى التعويض، أي إلى مسعى للاعتراف ينهض عندما تصاب الذات بانجراح يتصل بانتمائها الحتمي إلى هوية خاصة أو جماعة أو اعتقاد.
ولأن مسعى الاعتراف هذا لا يمكن إلا أن يكون سياسياً، أعني تعبيراً عن حق في فضاء مشترك متعدد.. فإن الأمر يستدعي إذن النظر في وجه الارتباط بين الهوية والسياسة، من خلال افتراض تمفصلهما ضمن إتيقا خاصة بالاعتراف.. والفلسفة الاجتماعية المعاصرة قام حوارها العميق في القرون الأخيرة على بيان حدود الوصل والفصل بين الهوية والسياسة استناداً إلى مقصدٍ راسخ مفاده أنه كيف يتأتى لأخلاق سياسية أن توجه السجال القائم في المجال السياسي بين مطلب الاعتراف وبين دواعي التوحد في إطار جامع لاجتماع سياسي(28).
5- الهوية والأخلاق السياسية للاعتراف:
إن ما يضع مطلب الاعتراف والصراع الناجم عنه ضمن سياق ما هو أخلاقي وسياسي، هو أن نكرانه يعايش كضرب من الظلم، ويمكن أن تتحول مقاومته إلى حالة تمرد. ولأجل ذلك ما فتئ الأساس الأنتروبولوجي للسياسية يقيم علاقة سياسية بكل هوية خاصة، بمعنى أنه كان يرفض النظر إلى الذوات من جهة أنها مختزلة إلى هوية محددة اجتماعياً، بنحو قبلي… ومعنى هذا أن مثل هذه العلاقة السياسية مع الذات أو الهوية الذاتية تفرض تحولاً يشمل مفهوم السياسة نفسه، إذ صار ينظر إليها بمدلول أنتروبولوجي، ولذلك أصبحت تحدد كمطلب اعتراف، أو كمطلب موجه إلى المؤسسات كيما تسمح للفرد بالعيش متوافقاً مع ما يصنع قيمة وجوده… ولا يعد مطلب الاعتراف هذا الذي يشكل الأساس الأخلاقي لكل أنتروبولوجية سياسية، أو مطلب المواطنة الحقة التي يكون فيها الإنسان محملاً بهوياته المختلفة، سوى واحد من المظاهر الأساسية للسياسة ما دام أن الجزء الأكبر من تمثل قيمة الهويات وكذا توحيد الأوجه المختلفة للهوية الشخصية، إنما يحصل ضمن ما يسمى بالاعتراف السياسي.
لقد بات ينظر إلى أوالية الاعتراف، في سياق التأكيد على الأهمية الكبرى للأخلاق التي تقوم عليها، والتي تكشف عن كون العلاقة بالذات المشروطة بوجود الآخر المتوسط محكومة بشروط سياسية. ذلك فإن تحديد الهوية الشخصية وحدود تمايزها، هو فعل سياسي، هنا نوع من العلاقة الإيجابية مع الذات تغدو معها السياسة نوعاً من العلاقة بالهوية، ذلك أن (النحن) و(الهم) مدينان في تحديدهما وبيان حدودهما للسياسة. وإذا ما ارتسم مطلب الاعتراف، ومن ثمَّ مسعى إشباع رغبته الأنتروبولوجية فذلك بالاستناد إلى الذات الفردية والاجتماعية ضمن وجودها الثقافي، على أساس أن مطلب الاعتراف من حيث إنه مطلب سياسي، يفرض قيام فضاء عمومي مشترك يتحقق فيه، وينجز مفاعيله فيما يحصن الذات أو الجماعة(29).
والواقع أن العلاقة المعنية ، بين الهوية والسياسي، تتوزع إلى مستويات ثلاثة ــ حسب رينو.
– إن الاعتراف بالهوية الشخصية أو مطلب الاعتراف هو ما يفسر المقاومة والتمرد وتعبيراتهما السياسية، مما يحيل حركته إلى صراع اجتماعي متعلق بمسارات التهوي الفردي في المجتمع الحديث حيث تتنازع الشخص أدوار ومواقع تضفي وضعاً تعددياً على الهوية.
إن السياسة (بما هي تفكير فيما يتعين على المجتمع أن يكونه المجتمع) هي وجهة النظر الكونية السانحة للفرد، بأن يحوز علاقة بهوياته، مثلما يتعلق بمعطى هو قيد التنسيب والتوحيد (الانتساب إلى فضاء موحد).
أعني هي وعي العلاقة بالأوجه المختلفة للهوية، وبتدبير توحيدها. إذ متى ما كانت السياسة من صميم الوجود المجتمعي إلى حد يتعذر معه الحديث عن المجتمع في غيبة السياسة، فإنها تتحقق ــ فردياً ــ كعلاقة للفرد مع هوياته بما هي علاقة تقتضي شكلاً من التدبير القيمين الذي يحفظ وحدة الهوية الشخصية ضمن تعددها، ويخفض حدة التناقضات مع واقع مجتمعي قد لا يكون راضياً دوماً عن مسارات التهوي الفردي.
يستند مثل هذا التوحيد إلى مؤسسات وهويات، ليس هو نفياً للهويات بما هي هويات مفروضة، بل تدبير يقوم على إمكانات التغير المتاحة للهوية الشخصية وعلى فهم نسبي للعلاقة مع الهويات، وتدبير تعاقبها على الذات الفردية والتوفيق بينها والعمل على حل الصراع الناجم عن إمكان تصادمها.
هكذا تبرز هذه الأوجه الثلاثة نوعية التعالق بين السياسة والوجود الأنتروبولوجي للذوات، مظهرة عواصة الفصل بينهما ضمن ما هو عملي. إذا يتبين أنه أن مرتكز السياسة في الأنتروبولوجيا هو الحديث عن الهوية الذاتية (فردية وجماعية)، ومرتكز الأنتروبولوجيا في السياسة من حيث هي التعبير العلني عن ضرورة الاعتراف بالهويات والاعتراض على كل نكران لها أو نفي.
وبذلك تصبح السياسة تجسيداُ للكوني المتعالي عن الهويات الخاصة بعرق أو عشيرة أو جماعة دينية إلخ… لكنها لا تنفك تجد رسوخها ضمن ما يتعلق بالهوية الخاصة، وتتماهى معها بحيث تصير في الأعم تعبيراً عن حقها في الوجود وعن حقها في المعارضة والتمرد، وتشريعاً لمطلبها بالاعتراف(30).
وبذا يتبدى، في السياسة، مطلب الاعتراف على أساس كونية الإنسان لا على أساس دعوات الانتماء الضيق.. ويُصبح معها التنوع الذي تمثله هوية معينة تكويناً ثقافياً في مجرى الوجود الإنساني بعامة، ويتعين احترامه على هذا الأساس.
وبالتالي فلا محيد بخصوص توحيد الهويات المتعددة من العودة إلى الوضع الكوني ــ كما سوف يأتي ــ الذي تعبر عنه الهويات المتعددة وتنطوي عليه.
إن محاولة توحيد الهويات في سياق انتماء على أساس كوني هو عملية يدمج عبرها الفرد الأدوار المختلفة الخاصة به مع حرصه على تحصيل الاعتراف بما يحدد هويته أو بما يكونه بمعزل عن تلك الأدوار… إنه تمثل سياسي للذات على تعددها، وتعدد انتماءاتها. ولأشكال التهوي التي تعبر بها عن ذاتها. ومثل هذا التمثل يحصل ضمن إتيقا الاعتراف كما تبلرت في الفكر المعاصر، والتي تقترح تمفصلاً خصوصاً بين الهوية والسياسة يتخطى المفاهيم القديمة للنقاش الذي قام بين أصحاب النزعة الجمهورية والنزعة الإجرائية(31).
وإذا كان يتعين معالجة الاقتران القائم بين الهوية والسياسة ضمن واقع سياسي يعلي من شأن الشرط الفردي لكل أشكال التهوي، عبر الاعتراف به كحق وكقيمة وكواقع، فإن سياسات الاعتراف لا تتحقق بتمامها إلا ضمن محدد أنتروبولوجي، وليس فقط أخلاقي أو قانوني. وبذلك فمتى ما لزم التحيز للعالم المعيش حيث مشاعر العلاقة بالذات تقتضي حاجة ثقافية للاعتراف متعلقة بواقع اجتماعي أنتروبولوجي، ومتى ما كان الدين مكوناً هوياتياً لذوات فردية وجماعية فإن الأخلاق السياسية تصبح آلية مركزية ضرورية وهي لن يكون ممكناً قيامها إلا بوجود فضاء عمومي مشترك، يرتكز إلى قيمة معيارية موجهة. كيف يتأتى لنا تصويره، ويكف يمكن التأسيس للقيمة التي توجهه واستناداً إلى أية معايير؟
7- من الفضاء العمومي إلى الفضاء المشترك:
لم يكن لفكرة الفضاء العمومي أن تشكل الحل النهائي لمعضلة المواطنة في المجتمع الحديث بمجرد افتراض معيارية إتيقية تكون وليدة نقاش عمومي، يتم على أساسها ضمان الحقوق الأساسية للفرد في كيان الدولة. فقد اتضح أن العقلانية التواصيلة… غير ملزمة لمن يرفض بموجب الحق في الفعل والتعبير، القبول بالقواعد المعيارية للديموقراطية لاعتبارات ثقافية أو حسابات سياسية.
وكان لا بد من تطوير اجتهاد موسع في إطار الفلسفة الاجتماعية المعاصرة، يفضي إلى فهم أكثر جذرية للفضاء العمومي يحقق شرط الاعتراف ضمن واقع متعدد مصون بآليات تدبير سياسية ــ أخلاقية تراهن على قيم إنسانية موحدة. ويكون من شأن هذا الفضاء أن يقارن نوعاً مخصوصاً من المواطنة تشترط وجوده ويشرطها… وهي مواطنة التعدد الثقافي… ومن ثمة القبول بواقع سياسي مؤسس لا ينبذ الاختلاف الديني.. بل يستوعبه ويحميه.
ولقد شكل مثل هذا المقترح الولادة الفعلية ــ في الأساس ــ لمفهوم الفضاء العمومي التواصلي… الذي يستند إلى قاعدة كونية تجعل من حقوق الإنسان والمواطن، مبدءاً أساسياً للحقوق الوضعية. وهي قاعدة تتصل اتصالاً وثيقاً بحالة حوار عقلاني خال من أي إكراه لتحديد طبيعة الخير العام المشترك والمبادئ التي تكلفه(32).
يفترض ــ استناداً إلى هذه الرؤية ــ الفضاء العمومي قيام عقلانية تواصلية إذاً مبدؤها الحوار، بيد أن الأفق القاضي بلزوم الاعتراف بالكرامة الإنسانية، يستتبع القبول بقواعد التواصل الكلي، أعني قواعد اللعبة الديموقراطية، وتقدمها على مشاعر الانتماء الجزئي، هذا فضلاً عن تقرير نسبية الخير العام. إذ لما كان من شأن انتماء جزئي أن يحدد الخير بأنه مطلق، وبمضمون قار، فإن هذا ما لا يحتمله الفضاء التداولي الموحد سياسياً (أعني الدولة)، الذي تلتقي فيه شرائح من مشارب ثقافية متغايرة. وما يكون خيراً للذات (فردية كانت أو جماعية) لا يكون كذلك للغير.. فتغدو الحاجة ماسة إلى مفاوضة ومشاورة ومناقشة ديموقراطية لتحديد هذا الخير، الذي يغلب عليه أساساً المضمون السياسي، بمعنى أنه لا يعود مطلوباً فيه سوى تدبير الحاجات الأساسية للحياة في المدينة ــ الدولة، بعيداً عن نوع النظر الفكري أو الأخلاقي إلى الحياة عينها والعالم، من لدن هذه الجماعة أو تلك.
وبهذا المعنى تستدعي المواطنة اتفاقاً يقوم على قواعد التداول والحوار. إلا أن مثل هذا المخرج لا يخلو من تحديات، تعترض في طبيعتها جوهر الفضاء العمومي نفسه، إذ من الممكن افتراض أن الناس جمعيهم قد لا يقبلون النقاش، وتنشأ صعوبة أخرى تتمثل في سوقهم إلى ما لا يرغبون فيه، أو يعتبرونه مجرد خدعة، كما هو حال بعض الجماعات الدينية التي يمكنها رفض اللعبة الديموقراطية، والانخراط في نقاش عام يقوم على أساسها، احتراماً لخصوصيتهم الدينية ولاستقلالهم. ثم إذا استلزم الفضاء العمومي ضرورة قيام اتفاق قبلي حول تصورات معقولة، فإن بعض الناس لا يوافقون على معقولية ما تم الحكم بمعقوليته، من قبيل وجود أشخاص أو جماعات تكون المساواة عندها أمراً معقولاً، بينما يرفض ذلك آخرون(33).
وأمام هذين التحدين أو لنقل أمام صعوبة قيام اتفاقات معقولة تفترضها العقلانية التواصلية، لزم الاقرار بـ “أن لا مكان لوجود قواعد سانحة باتفاق معقول في كل حين وفي كل الأحوال”(34).
إذ تنشأ إكراهات سياسية مجانبة قد تستدعي السير في الاتجاه المعاكس تماماً للمعقولية، أو لقوة الحجة العمومية، وتبعاً لذلك يتم اللجوء كما هو الأغلب في الأعمال السياسية إلى الكذب والمكر، ولا يكون هناك أي تقيد عقلاني بالصيغة الإتيقية والقانونية للفضاء العمومي.
إن ذلك هو ما أسهم فعلاً في تبلور فكرة المجال المشترك الذي يعد فضاءً عمومياً لكن بمقتضيات مغايرة. إنه الفضاء المرتكز على قاعدة مواطنة التعدد الثقافي. ولقد سجل الأمر لتحول محوري في شكل الليبرالية نفسها التي لم يعد يعنيها جداً الطابع الفردي للذوات، بل انصبت عنايتها على الثقافة التي يفترض جمعها وتوحيدها لأفراد جماعة معترف بها، والتي يتمتع فيها هؤلاء بحقوقهم على أساس عضويتهم في هذه الجماعة. يتعلق الأمر إذن بتحقيق حرية الفرد داخل ثقافات حرة، حتى إذا لزم الأمر إجراء رد صوري إلى مرجع أعلى، تمَّ الرد إلى الهوية الكينونية للإنسان نفسه.
وبالفعل فإذا كان الشخص يملك الحق في الاعتراف المتساوي على قاعدة هويته الإنسانية وليس على أساس هوية إثنية أو دينية، فذلك لاعتبار رئيس يقضي بأن هذه هي هويته الأولى والأكثر تجذراً من أية هوية خاصة(35).
ونتيجة لهذه الأولوية، فإن معطى الإنسانية في الأشخاص والجماعات تقلل من مساعي الإعلاء من أشكال التهوي الأخرى الخاصة لصالح مواطنة متعددة الثقافات. فالواقع البشري واقع انقسامات ثقافية وإيديولوجية، تلتقي في النهاية بشكل أصيل عند المشترك الكوني للطبيعة الإنسانية، الذي يعبر عنه تحت التنوع الكبير للأشكال الثقافية(36).
ومن شأن المرجعية الإنسانية في النظر إلى الثقافات أن تؤسس لمعيار مفاضلة بينها يقوم على تقدير القرب أو البعد عن هذا الواقع، ومتى ما استندت السياسة إلى معطى الكرامة حين سعيها لإرساء مواطنة التعدد، فإنها تقوم الثقافات الخاصة نقدياً بحسب الكيفية التي تقدم بها تعبيراً متعيناً متميزاً للقدرات والقيم الكونية الخاصة بالإنسان(37).
بمعنى الوقوف على مقدار تقديرها للإنسان وللإنساني المشترك، وذلك تأسيساً على كونه ذاتاً تستحق الاعتراف بكرامتها وبرشدها وباقتدارها على تحمل المسؤولية إزاء وجودها.
والحاصل أن تقديم الاعتبار الإنساني لا يكون أبدأ على حساب التعبيرات الثقافية كما هي معيشة في الممارسة الدينية والاجتماعية، لأن الثقافة الواجب تحققها في مواطن، بل في دولة، هي احترام التنوع الثقافي للمواطنين والجماعات.
كتب روكفلر: “إن هدف ثقافة الدولة المتعددة الثقافات، هو احترام الهويات الإثنية وتشجيع التقاليد المختلفة على التطوير الكامل لقدرتها، قصد التعبير عن المثل الأساسية للحرية والمساواة، وعن الاحترام الأكيد لكرامة الإنسان”(38).
وهكذا وبقدر ما يقدم هذا الحل البعد الإنساني على كل شكل من أشكال الانتماء الخاص، من قبيل الانتماء الديني والعرقي والإثني، فإنه يرسي بذلك الفضاء السياسي المشترك الذي لا يتعارض مع واقع الهويات الخاصة، بتشديده على نوع مخصوص من المواطنة ينأى عن الشكلانية القانونية، والغموض الأخلاقي، ويعطي للاعتراف بالذوات والجماعات مضموناً واقعياً، ويجنبها كل أصناف التحقير والنكران، تلك التي تجلب الإحساس بالمهانة والذل.
ذلك هو مضمون الأخلاق السياسية للاعتراف بالهوية بمختلف مضامينها، فإن كل مس بالاعتقاد ممارسة وشعيرة من شأنه أن يكون شكلاً متقدماً من أشكال الظلم الاجتماعي الذي ينتقض من المفهوم الموسع للعدل، ومن حق البشر في الشعور بالكرامة والعيش وفقها(39).
فهل يمكن إعادة التأصيل لمواطنة في مجتمع سياسي موحد تحفظ فيه الهويات وتعبر فيه عن نفسها وتجد فيه حمايتها من أي نكران أو نفي أو تحقير استناداً إلى أخلاق سياسية تقوم على احترام الكرامة البشرية وعلى أولية التعارف أو الاعتراف. استناداً إلى قوله تعالى: ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ” ( الحجرات، 13) .
” وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا” (الإسراء ، 70) .

هوامش
1- دومينيك شنابر، كريستيان باشولييه، ما المواطنة؟ ط، القاهرة: المركز القومي للترجمة، 2016م، الفصل الخامس.
2- Bernard Lewis, islam and Liberal Democracy: A Historical Overview, journal of democracy, 7,2,1996, pp,52-63
3- سمير أمين، “منهج تحليل أزمة الديمقراطية في الوطن العربي”، في: أزمة الديمقراطية في الوطن العربي، تحرير سعد الدين إبراهيم، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1984. ص31-33.
4- Mohammed Arkoun, Religion and against the Democracy, A theoretical Approach, A paper presented of the conference on the Religion and Democracy organized by the partiomentary Assembly of the council of Europe, 27 November 1998
5- يراجع حول مفهوم المواطن في الفكر السياسي التقليدي وطبعة الحكم: امحمد جبرون، مفهوم الدولة الإسلامية، ط1، بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2014م. الفصلان الأول والثاني.
6- راجع: طارق البشري ورضوان السيد، “مبدأ المواطنة”. ضمن: الحوار القومي الديني، أوراق عمل ومناقشات الندوة الفكرية التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت: المركز، 1989م. ص139-140. و156.
7- لقد وجد علال الفاسي مرادفاً في الإسلام لمفردة الوطن، وهي المكلف، فالمواطنة هي التكليف، والمراد بالمكلف المسلم الفرد المدعو للقيام بواجباته نحو الله والمجتمع، ونحو نفسه ونحو الإنسانية، “فالتكليف في العرف الإسلامي يقوم مقام المواطنة في العرف الديمقراطي” يلاحظ: مقاصد الشريعة الإسلامية، الدار البيضاء: مكتبة الوحدة العربية، 1963م . ص221.
ويقارن: محمد المبارك، نظام الإسلام، الحكم والدولة، ط4، بيروت: دار الفكر، 1981م. ص100. والقرضاوي، من فقه الدولة في الإسلام، ص33. ومحمد قطب، العلمانيون والإسلام، القاهرة: دار الشروق، 1992م. ص62.
8- علال الفاسي، مقاصد الشريعة الإسلامي، م.س، ص58.
9- حسن البنا، مجموعة رسائل الإمام الشهيد، بيروت: المؤسسة الإسلامية، د.ت، ص69.
10- راشد الغنوشي، حقوق المواطنة، حقوق غير المسلم في المجتمع الإسلامي، تونس: د.ن، 1989م، ص4. يقول: “إن مبدأ المساواة في الدولة ثابت، فلا تختلف حقوق وواجبات غير المسلمين عن المسلمين إلا فيما تقتضيه اختلاف العقائد”، ص58. ويقارن : خالد محمد خالد، الدولة في الإسلام، القاهرة: دار ثابت، 1981م. ص58-59. وحول مفهوم الشورى وعلاقته بالديمقراطية يلاحظ: القرضاوي، الصحوة الإسلامية، القاهرة: دار الصحوة للنشر، 1988م. ص108.
11- الغنوشي، حقوق المواطنة، م.س، ص40. ويراجع حول أن روح الدولة المسلمة وجوهر هويتها هو وحدة الانتماء الديني والشعور الإيماني، وأنه شيء لا يمكن تحققه في نظام ديمقراطي: عبد السلام ياسين ، حوار مع الفضلاء الديمقراطيين، الدار البيضاء، 1993م. ص83-85. والشورى والديمقراطية، الدار البيضاء: الأفق، 1996م. ص46-,47 و23-24. وفتحي يكن، مشكلات الدعوة والداعية، ط3، بيروت: مؤسسة الرسالة، 1974م. ص35 و170.
12- يراجع حول ذلك: أمحمد جبرون، م.س، الفصلان الأول والثاني.
13- Abdessalam Yassine, Islamiser la modernité, Rabat : Al Ofok impressions, 1998. P 309
ويقارن: حسن الترابي، نظرات في الفقه السياسي، الخرطوم: الشركة العالمية، 1988, ص82-86.
ولقد نظر أمثال هؤلاء للتباين الفكري بين الديمقراطية والدولة المسلمة استناداً إلى الأساس الفكري، وبعضهم نظر للتفاوت بينهما في الإطار السياسي استناداً إلى مبدأ الحاكمية.. يلاحظ: .فتحي يكن، مشكلات الدعوة والداعية، ص171. وص173. وعبد الوهاب خلاف، السياسة الشرعية، القاهرة: مط، السلفية، 1931م. ص44 و45.
14- انظر: سيد قطب، معالم في الطريق، ط10، القاهرة: دار الشروق، 1983. والمستقبل لهذا الدين، ط12، القاهرة: دار الشروق، 1992م. ص16. ومعركة الإسلام والرأسمالية، ط3،القاهرة: دار الشروق، 1993م، ص11.
ويقارن: فهمي جدعان، أسس التقدم عند مفكري الإسلام، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1997م. ص139. ولاحظ موقف طارق البشري من قطب وخروجه على ما سنه حسن البنا من تسامح في: طارق البشري، الملامح العامة للفكر السياسي الإسلامي في التاريخ الحاضر، القاهرة: دار الشروق، 1996م. ص33، وص40.
15- المودودي، منهاج الانقلاب الإسلامي، القاهرة: دار الأنصار، 1977م. وط، الدار السعودية، 1988م.
ويلاحظ حول المودودي: محمد عمارة، أبو الأعلى المودودي والصحوة الإسلامية، القاهرة: دار الشروق، 1987م. وسمير عبد الحميد إبراهيم، أبو الأعلى المودودي فكره ودعوته، القاهرة: دار الأنصار 1979م.
ويلاحظ نشوء فكرة الحاكمية والمجتمع الجاهلي عند أبو الحسن الندوي والمودودي وتأثيرها في قطب، في:
– أبو الحسن الندوي، ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟. الكويت: المركز العالمي للكتاب الإسلامي. د.ت، ص258، 259، وص262.
– المودودي، نظرية الإسلام وهديه في السياسة والقانون والدستور، بيروت: مؤسسة الرسالة، 1980م. ص77-78، وص30، وص49.
يقول: “إن الأساس الذي ارتكزت عليه دعامة النظرية السياسية في الإسلام أن تنزع جميع سلطات الأمر والتشريع من أيدي البشر منفردين ومجتمعين، ولا يؤذن لأحد منهم أن ينفذ أمره في بشر مثله فيطيعوه.. فإن ذلك أمر مختص بالله وحده لا يشاركه فيه أحد غيره”، م.ن، ص31، و158. ويلاحظ حول علاقة فكرة المودودي حول الحاكمية بنشوء دولة الباكستان:
علي أومليل، الإصلاحية العربية والدولة الوطنية، الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، 1985م.ص 172-173.وأحمد موصلي، الأصولية الإسلامية، بيروت: الناشر للطباعة، 1993.
16- قارن: سيد قطب، العلمانيون والإسلام، القاهرة: دار الشروق، 1994م، ص64. ومعالم، ص98 و101. ويلاحظ صدى دعوة قطب عند الداعية السوري سعيد حوى في: سعيد حوى، جند الله، ثقافة وأخلاقا، ط2، القاهرة: دار الطباعة الحديثة، 1977م, ص10. و66. و185.
17- طارق البشري، الملامح العامة للفكر الإسلامي، م.س. وكذلك: القرضاوي، السياسة الشرعية، القاهرة: مكتبة وهبة، 1998م. ص18. ولاحظ تأثير معالم في الطريق في محمد عبد السلام فرج من قادة الجهاد، في: سيد أحمد، النبي المسلح، لندن، رياض الريس، 1991م. ج1، ص130-131.
18- العنوشي، حقوق المواطنة، غير المسلم في المجتمع الإسلامي، م.س. ومحمد عمارة، الدولة الإسلامية بين العلمانية والسلطة الدينية، القاهرة: الشروق، 1988م. ويلاحظ دفاع الغنوشي عن الشورى وتحديده لمكانتها في: الحريات العامة في الدولة الإسلامية، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 1993م. ص109. وعند: حسن الترابي، نظرات في الفقه السياسي، م.س، ص73-74. حيث يجعلانها قضية من الأصول لا الفروع الشرعية. ويقارن: عبد السلام ياسين، الشورى والديمقراطية، الدار البيضاء: الأفق، 1996م، ص239. والقرضاوي، في فقه الدولة في الإسلام، م.س، ص35. لكن الملفت أن محمد الغزالي يعترف بأن لا نص مرجعي أو تجربة نموذجية يتقرر بها نظام الشورى، وأن أمرها يؤول إلى الاجتهاد. يلاحظ: محمد الغزالي، السنة النبوية، بيروت: دار الشروق، 1989م، ص135.
19- محمد عمارة، الدولة الإسلامية، م.س، ص14. و80-81 . وص219. والحق يقال “أن محمد عمارة قدم نقداً لمفهوم الحاكمية عند سيد قطب هو أعمق وأجرأ المساهمات النقدية في الفكر الإسلامي المعاصر. يلاحظ: م.ن، ص58. مميزاً بين السياسي والديني في الإسلام معتبراً الأول تدبيراً خالصاً. يقول: “ما اندرج من سنة النبي تحت أمور السياسة جميعها وشئون الدنيا كلها فهو ليس ديناً”، م.ن، ص219. وهو يقع في مدار العقل البشري الذي مقتضاه الرأي والاجتهاد، م،ن. ص16-17. ويلاحظ: فهمي هويدي، الإسلام والديمقراطية، القاهرة: مركز الأهرام، 1993م.ص 174. وص185.
20- سليم العوا، النظام السياسي الإسلامي، القاهرة: الشروق، 1989م.
21- Tarik al bechre, Participation of new Muslim.
22- Collection dictionnaire des notions philosophique, part II, Paris, PUF, 1990. P. 845.
23- Renauld, Emanuelle, Mépris social, Éthique et politique de la reconnaissance, Pari: ed. passant 2000. p. 66.
24- Ibid, p. 66.
25- يلاحظ مناقشة هابرماس لليبرالية السياسية التي ترتكز على الفرد، مفترضاً علاجاً جذرياً لمأزقها من خلال تحويل الاهتمام نحو العلاقات الاجتماعية والتواصل:
Jurgen Habermas, Modernity, An unfinished project, Habermas and the unfinished project Modernity, edited by Maurizio passerin d’entrèves and Seyla Benhabib,, (Cambridge, MIT. Press, 1997. p. 52.
Also: Habermas, “Moral Development and Ego Identity”. Communication and the Evolution of society, edited by Thomas Mc carthy (Boston: Beacon Press, 1979)
26- يلاحظ حول ذلك:
Charles Taylor, “The Politics of Recognition”, Multiculturalism, edited by Amy Gutmann (Princeton, N.J. Princeton University Press, 1994) P.39.
27- Ibid, p. 38, 39, 54-55.
28- Ibid, pp. 55, 61.
29- Renault, Ibid, p. 88.

30- يلاحظ حول ذلك:
Susan Moller Okin, “Introduction” Is multiculturalism bad for women? Edited by Susan Moller Okin (Princeton University Press, 1999) pp. 10 -11
31- Stephen Macedo, Diversity and Distrust: Civic Education in a Multicultural Democracy (Cambridge: Harvard University Press, 2000) P. 239.
ويقارن:
Taylor, “The Politics of Recognition” P. 61.
32- Andrée Tosel “Civilisation, Cultures, Conflits”, Scénarios de la mondialisation, Tome 2, Paris ;ed. Kimé, 2011. P. 203.
ويقارن:
K. Anthony Appiah, “Identity Authenticity, Survival, Multiculturalism” edited by Amy Gutmann (Princeton, N.J. Princeton University Press, 1994) PP. .149-146
33- Tosel, P. 205.
ويقارن:
Ronald Dowrkin, In democracy possible Here?? (Princeton, N.J. Princeton University Press, 2006), P. 1-23.
34- Tesol, P. 205
35-Rockefeller,Steven, “Commentary”,in:Taylor,Charles, Multiculturalisme, Paris: Flammarion, 2005. PP. 166-117
36- Rockefeller, Ibid, p. 205.
37- Ibid, P. 117.
ويقارن:
Michael Sandel, public philosophy, (Cambridge: Harvard University Press, 2005).PP. 156-161.
Also: Amartya Sen, “Chile and Liberty: The Uses and Abuses of Multiculturalism”, the New Republic, February 27,2006. P. 27, 246
38- Rockefeller, Ibid, p. 205
39- Dowrkin, Ibid, p. 149

*أستاذ جامعي وباحث أكاديمي مختص بالفلسفة والإسلاميات.