مباط عال: حزب الله والتظاهرات في لبنان – كفاح الحزب للمحافظة على مكانته

مباط عال: حزب الله والتظاهرات في لبنان – كفاح الحزب للمحافظة على مكانته
Spread the love

أورنا مزراحي ويورام شفايتسر – باحثان في معهد دراسات الأمن القومي/

الاحتجاجات الواسعة التي انطلقت عفوياً في لبنان، في 17 تشرين الأول/أكتوبر، تواصل مطالبتها باتخاذ خطوات بعيدة المدى لتغيير النظام السياسي القائم، وتحسين وضع المواطنين الاقتصادي. جوهر غضب المتظاهرين الذين ينتمون إلى كل الطوائف في الدولة مُوجّه نحو النخبة القديمة والفاسدة، من دون تمييز بين زعماء الطوائف المتعددة: “كلن يعني كلن”. يطالب المتظاهرون بتغيير الزعامات الحالية فوراً، وتعيين حكومة جديدة مؤلفة من تكنوقراط بدلاً منها، من دون تدخل السياسيين الفاسدين المعروفين. هم يطالبون بمحاكمة هذه النخبة التي نهبت الاقتصاد اللبناني طوال سنوات، ولم تهتم بتحسين شروط حياة المواطنين الذين يعانون جرّاء بنى تحتية متداعية وخسارة المداخيل. في أعقاب التظاهرات، توقفت المنظومة الحكومية، والمصارف والمؤسسات التعليمية لم تعد تعمل بصورة منتظمة، وأصبح الاقتصاد على شفير الانهيار. بعد استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري (29 تشرين الأول/أكتوبر)، تدور اتصالات لتأليف حكومة جديدة، لكن من دون أن تحقق نجاحاً حتى الآن، نتيجة عدم تنازل الذين يمسكون بزمام السلطة عن مكانتهم، وكذلك بسبب اختلاف الآراء بشأن تركيبتها.
من المحتمل أن يتضرر حزب الله من أي تغيير للوضع القائم في لبنان، الذي يسمح له بالتأثير في المنظومة السياسية من جهة، ومن جهة أُخرى، الاستمرار في تطوير مكانته الخاصة كحزب لديه أيضاً ميليشيات عسكرية. لقد تمكن الحزب من المحافظة على استقلاله، وبالأساس على قوته العسكرية، بمساعدة راعيه الإيراني، وبتنسيق مصالحه مع مصالح إيران. كما يدير حزب الله منظومة اقتصادية – اجتماعية تعمل من أجل مصلحة السكان الشيعة المؤيدين له، بصورة مستقلة، منفصلة عن المنظومة الحكومية القائمة.
في الانتخابات البرلمانية اللبنانية التي جرت في أيار/مايو 2018، حظي المعسكر المتماهي مع حزب الله بالأكثرية. وهذا إنجاز مهم بالنسبة إلى الحزب، والاحتجاج يهدد بزعزعة الاستقرار السياسي والمسّ به.
يتوجه غضب المتظاهرين نحو رئيس الحكومة السني، ورئيس الجمهورية المسيحي، ورئيس مجلس النواب الشيعي، وكذلك إلى وزراء، جزء منهم ينتمي إلى حزب الله ويتماهى مع معسكره. هذا الأمر مريح بالنسبة إلى نصر الله، الذي هو ليس منتخباً من الجمهور، ولذلك ليس هناك مطالبة مباشرة باستبداله، على الرغم من أن اسمه يرد أحياناً من المتظاهرين بصفته أحد المسؤولين عن الوضع. وعلى الرغم من أن المتظاهرين لا يميلون إلى تحميل حزب الله المسؤولية عن الوضع الصعب في لبنان، باستثناء بعض المطالبات المتفرقة ضد الحزب وزعيمه، فإن الحزب يتخوف من انعكاسات الاحتجاج على وضع هيمنته على الدولة. التطلع إلى إنهاء التظاهرات والمحافظة على الوضع القائم واضح جيداً في الخطابات الأربعة التي ألقاها نصر الله منذ بدء الاحتجاج.
يدّعي حزب الله أن هناك أطرافاً أجنبية متورطة في تأجيج الاحتجاج، وخصوصاً السعودية وإسرائيل، وفي الأساس الولايات المتحدة. في 24 تشرين الثاني/نوفمبر، جرت تظاهرة عنيفة قام بها أنصار حزب الله في مقابل السفارة الأميركية في بيروت، وادّعى عضو في البرلمان من حزب الله حسن فضل الله، في 25 تشرين الثاني/نوفمبر، أن الولايات المتحدة تحرّض على الاحتجاج، وتحاول أن تفرض أجندتها على لبنان، التي تهدف إلى إضعاف الحزب.
حزب الله ليس معنياً بتصعيد الاحتجاج، وعلى الرغم من تخوفه منه، امتنع حتى الآن من استخدام القوة واتخاذ خطوات عنيفة واسعة النطاق لوقف التظاهرات. صحيح أنه سُجلت في عدد من المرات مواجهات بين مؤيدي حزب الله الذين استخدموا العنف ضد المتظاهرين (29 تشرين الأول/أكتوبر و24 تشرين الثاني/نوفمبر)، وتدخّل جنود من الجيش اللبناني للفصل بين الجهتين للمحافظة على النظام، لكن الحزب تبنى سياسة “تقيّة” سياسية (موقف تقليدي انتهجته الطائفة الشيعية التي كانت مضطَهدة من الأغلبية السنية على مر التاريخ).
في هذه الأثناء، يتدخل ممثلو الحزب من وراء الكواليس في كل التحركات السياسية في إطار المحاولات للاستجابة إلى مطالب المتظاهرين، ويبذلون جهدهم لمنع تغييرات جوهرية كي لا تهدد مكانة الحزب. لقد حاول حزب الله منع استقالة الحريري، خصمه السياسي القديم، الذي التقى نصر الله قبل إعلان استقالته. كما يتدخل الحزب في الاتصالات لتأليف حكومة جديدة، مع أصدقائه في المعسكر، وخصوصاً مع الحزب المسيحي للرئيس ميشال عون الذي يعارض مطلب المتظاهرين الذي يؤيده الحريري، أي تشكيل حكومة تكنوقراط.

دلالات بالنسبة إلى إسرائيل

لا مصلحة لإسرائيل في التدخل في شؤون لبنان الداخلية، لكن يتعين عليها المتابعة، عن قرب، لمسار الأحداث واحتمالات انزلاق العنف إلى خارج حدود الدولة. كلما استمر الاحتجاج في لبنان، تزداد ضائقة حزب الله الذي يعاني جرّاء صعوبات اقتصادية ويتعرض لضغط متزايد في الساحة الدولية، ويضطر إلى الاهتمام بالتطورات الداخلية في لبنان. من جهة أُخرى، من المحتمل في هذه الظروف أن يختار الحزب تحويل النار في اتجاه أطراف خارجية، على سبيل المثال، اتهامه الولايات المتحدة بالتدخل في الاحتجاج في لبنان، وثمة احتمال، مع أن معقوليته ضئيلة بسبب كلفة التصعيد، بأن يبادر حزب الله إلى القيام بخطوات عسكرية، وربما محدودة ضد إسرائيل، لتحويل انتباه الرأي العام في لبنان ضدها، وتهدئة الاحتجاج الداخلي. ويمكن تفسير إطلاق النار الذي قام به الحزب ضد طائرة من دون طيار في الجنوب اللبناني، كنموذج لمثل هذه الخطوة، لذلك، المطلوب الاستعداد لإمكان وقوع أحداث مشابهة، وربما أكثر خطورة.

كذلك، برز خلال الأحداث الدور الذي يقوم به الجيش اللبناني للتهدئة والاستقرار والمحافظة على حدود الاحتجاج والتوتر بين المواطنين من كل الطوائف في مواجهة الدولة، من خلال استخدام وسائل غير عنفية (حتى الآن قُتل فقط شخص واحد بنيران رجل أمن). يفاقم سلوك الجيش هذا مجدداً المعضلة الإسرائيلية بشأن المساعدة الخارجية التي يحصل عليها لبنان من الولايات المتحدة، في الوقت الحالي تحديداً، في ضوء المناقشات الجارية في الإدارة الأميركية بشأن السماح بإعطاء المساعدة المخصصة للجيش اللبناني، والبالغة 105 مليون دولار، والتي أُوقفت في أعقاب الاحتجاج. من جهة، من المهم تعزيز الجيش اللبناني، القوة اللبنانية الوحيدة القادرة على أن تشكل ثقلاً مضاداً ضد القوة العسكرية لحزب الله. لكن من ناحية أُخرى، لا يزال التخوف قائماً من أن الجيش اللبناني كله، أو أن جزءاً منه، سيقاتل ضد إسرائيل إلى جانب حزب الله، عندما تنشب مواجهة واسعة.

المصدر: مجلة مباط عال الاسرائيلية – عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية