Ynet: دروس عملية “الحزام الأسود”

Ynet: دروس عملية “الحزام الأسود”
Spread the love

رون بن يشاي – محلل عسكري اسرائيلي/

انتهت جولة القتال في غزة بانتصار عسكري، وبإنجاز على صعيد الوعي لدولة إسرائيل. الجيش والشاباك حققا كل الأهداف التي حُددت مسبقاً لخطة “الحزام الأسود” خلال 50 ساعة، الجبهة الداخلية أظهرت مستوى مرتفعاً من الانضباط والمناعة، السياسيون إجمالاً نجحوا في التغلب على أنانيتهم، ولم يطلقوا تصريحات غير مسؤولة وقاسية – باستثناء واحد أو اثنين.
مع ذلك، يجب وضع الأمور في حجمها فوراً. العدو الذي دخلنا في مواجهة معه هو تنظيم إرهابي فلسطيني صغير نسبياً، لا يمكن مقارنة قدراته العسكرية والإرهابية بتلك الموجودة لدى “حماس” وحزب الله اللذين يُعتبران “جيوشاً إرهابية مختلطة” فعلياً (كتلك التي تجمع بين أدوات وأساليب قتال الجيوش النظامية وبين أدوات وأساليب تنظيم إرهابي). بالإضافة إلى ذلك، يجب أن نضيف أن الجهاد الإسلامي الفلسطيني أظهر خلال الجولة الحالية قدرة قتالية أقل مما قدّر الجيش الإسرائيلي . نعلم بالتأكيد أن في مخازن التنظيم بقيت بضعة عشرات من الصواريخ البعيدة المدى، القادرة على الوصول إلى منطقة غوش دان، وحتى إلى الشمال منها. نعلم أن في مخازنه صواريخ مضادة للدبابات، وراجمات ثقيلة ومسيّرات، وفقط جزء قليل من ذلك استُخدم. السؤال لماذا؟
تفسير محتمل أول، هو أن اغتيال أبو العطا في بداية العملية عرقل بصورة كبيرة تسلسل القيادة والتحكم للتنظيم، وأضر بالمعنويات وبحوافز أعضائه. نحن نعلم الآن أن أبو العطا كان عملياً قائداً لكتائب “القدس”، القوة العسكرية للجهاد في القطاع، لكنه رسمياً كان فقط واحداً من ثلاثة قادة للكتائب الذين أداروا عمليات الذراع العسكرية.
تفسير آخر هو أن عمليات منظومة “مظلة النار” في فرقة غزة نجحت في القضاء على شبكة إطلاق الصواريخ للجهاد الإسلامي، ومنعت خلايا الإطلاق من الوصول إلى مواقع ومخازن الصواريخ. هذا الموضوع سيُبحث في العمق في الجيش الإسرائيلي، لأنه من المعقول الافتراض أن ما جرى هو مسألة تحدث مرة واحدة فقط ومحلياً، وإذا اضطر الجيش إلى العمل ضد “حماس” وحزب الله، فإن اصطياد خلايا الإطلاق لن يكون ناجحاً إلى هذا الحد، ومتعدد الإنجازات كما كان في عملية “الحزام الأسود”.
تفسير ثالث للقدرات الضئيلة نسبياً التي أظهرها الجهاد الإسلامي، يعود إلى أن صغر التنظيم يجعله يفتقر إلى الأشخاص، وإلى بنى تحتية تحت الأرض تسمح له بإطلاق متواصل للصواريخ وقذائف الراجمات. حقيقة عدم مشاركة “حماس” مع الجهاد الإسلامي كان حاسماً أيضاً من ناحية لوجستية، ومن ناحية معنوية. لقد كان أداء الجهاد الإسلامي رديئاً إلى درجة اضطر زعيمه زياد النخالة إلى أن يطلب بنفسه وقف إطلاق النار، وقدم شروطاً لم تكن قط شروطاً لوقف إطلاق النار. لم يكن هناك مشكلة لدى مصر في الاستجابة إيجابياً لمطالبه، حتى قبل أن تتشاور مع إسرائيل.

الجهاد ضُرب، “حماس” ظلت خارج الصورة

يبرز الإنجاز العسكري الذي حققه الجيش الإسرائيلي والشاباك من خلال أربع ظواهر برزت على الأرض خلال القتال:
-النجاح في منع تدخّل “حماس” في القتال، على الرغم من الضغوط الهائلة التي مورست على الحركة من داخل القطاع وخارجه. وهذا الإنجاز يستطيع الشاباك والجيش بالتأكيد أن يقولا أنهما هما من حققاه بسبب استخدام سياسة النار الانتقائية التي ركزت فقط على القوة القتالية للجهاد الإسلامي، وعلى بناه التحتية. وامتنعت، بحرص كبير، من إلحاق الأذى بالمدنيين الذين لا علاقة لهم.
إنجاز آخر هو المدة الزمنية القصيرة التي نجح خلالها الجيش والشاباك في دفع زياد النخالة زعيم الجهاد الإسلامي الفلسطيني “إلى الاستجابة” للاقتراح المصري بوقف إطلاق النار. عملية “الحزام الأسود” استمرت 50 ساعة، وهذا إنجاز مهم منع وقوع إصابات وخسائر اقتصادية في إسرائيل كان يمكن أن تكون أكبر بكثير. وهذا الإنجاز يمكن نسبه إلى الجبهة الداخلية المدنية التي سجلت انضباطاً عملانياً يستحق التقدير، وبذلك لم تسمح للجهاد الإسلامي بتحقيق أي إنجاز. “حماس” لم تنضم إلى القتال، والجهاد أدرك أنه سيواصل تكبُّد الخسائر من دون تحقيق ولو إنجاز صغير واحد.
في عملية “الحزام الأسود” ثبت أن منظومة الدفاع الجوية تتحسن من دون توقف. الدليل على ذلك معدلات النجاح في اعتراض الصواريخ الذي وصل إلى 93% في العملية الأخيرة. صحيح أن “القبة الحديدية” وحدها استُخدمت، ولم يكن هناك حاجة إلى استخدام منظومات أكثر ثقلاً مثل “مقلاع داود”، و”حيتس 2” و”حيتس 3″، لكن من المهم الإشارة إلى أن المنظومة استخلصت دروساً وتحسنت خلال العملية، وأثبتت بصورة مقنعة أنها تستحق فعلاً توظيف موارد إضافية فيها وبسرعة- في الأساس في وسائل الكشف وانتشار أكثر كثافة لها في شتى أنحاء إسرائيل.
إنجاز آخر هو إحباط شبه كامل لخلايا إطلاق الصواريخ، والصواريخ المضادة للدبابات والقناصة في الجهاد الإسلامي، بفضل منظومة “مظلة النار” التي نُصبت من جديد وأُدخل عليها مكون مكثف قائم على دمج عدة أنظمة استخباراتية تسمح بمعرفة دقيقة ماذا يفعل أي ناشط من ناشطي “حماس” ومقاتليها ومتى، والوصول إليه وضربه. مما لا شك فيه أن الذي ساهم في تحقيق هذا الإنجاز هو قائد المنطقة الجنوبية شخصياً هرتسي هليفي الذي كان قبل وقت غير طويل رئيساً للاستخبارات العسكرية ويعرف كيف يعزز هذا المكون الاستخباراتي التكتيكي في القوة التي يرأسها. كذلك رئيس منظومة “مظلة النار”، العميد ج الذي كان في الماضي رئيساً لمنظومة الطائرات من دون طيار في سلاح المدفعية، والذي كانت له مساهمة كبيرة من خلال إعادة تنظيم المنظومة التي تسمح عملياً باصطياد خلايا الإطلاق من الجو بفعالية، بالاستناد إلى معلومات استخباراتية تسمح لها بإغلاق دوائر عملانية والهجوم بسرعة. الدمج الدقيق بين عمل سلاح الجو وبين الشاباك وبين الاستخبارات العسكرية وشعبة العمليات أثمر نتيجة مختلفة عمّا كانت عليه حتى الآن.

رئيس الأركان يقود تغييراً

حتى هنا الدروس العسكرية التكتيكية. من المهم الإشارة إلى أن هذه الإنجازات نجمت في الأساس عن تخطيط دقيق وإدارة حربية منظمة يقودها رئيس الأركان اللواء أفيف كوخافي ورئيس الشاباك نداف أرغمان. من دون المعلومات الاستخباراتية الدقيقة والنوعية التي قدمها الشاباك لما كان الجيش قادراً على إظهار هذا الأداء العملاني في الجبهة، وأيضاً في الدفاع عن الجبهة الداخلية. لكن في الجولة الأخيرة يبدو لي أن عملية التغيير التي يقودها كوخافي في الجيش قد أعطت ثماراً عملية. يمكن التقدير، بحسب ما شاهدنا في عملية “الحزام الأسود”، أن قيادة الأركان العامة برئاسة اللواء أفيف كوخافي ستثمر تغييراً جوهرياً في كيفية استعداد الجيش وكيف سيقاتل في المستقبل.
ولو وما دمنا في إطار المديح، هناك بالتأكيد فضل لوزير الدفاع بنيامين نتنياهو والمجلس الوزاري المصغر اللذين اتخذا قرارات صحيحة، وتقريباً من دون تسريب معلومات. هناك من لا يزال يتساءل عن وجود دوافع سياسية-انتخابية في تحديد توقيت عملية اغتيال أبو العطا. بحسب معلوماتي، إن المبادرة إلى العملية والإلحاح في تنفيذها جاء من المستويين العسكري والاستخباراتي. هذا المستوى، أي رئيس الأركان ورئيس الشاباك ورئيس الاستخبارات العسكرية، منعوا تنفيذ العملية خلال فترة المعركة الانتخابية السابقة، حينما كان نتنياهو يخطب في أشدود وحاول أبو العطا منعه، وعندما كان الخطر الشمالي من إيران شديداً- وهما اللذن ألحّا على التنفيذ في النقطة الزمنية الحالية عندما أصبح الخطر الإيراني أقل مباشرة، وعندما استُكملت عملية جمع المعلومات الاستخباراتية لعملية الاغتيال وسمحت بتنفيذ دقيق من دون ضرر اعتباطي.
الأهم من الإنجازات التكتيكية هي الدروس الاستراتيجية التي يمكن استخلاصها من الجولة الأخيرة في غزة. الدرس الأهم، هو أنه في كل مرة تبادر إسرائيل وتخطط وتستعد، ليس فقط لعملية استباقية قوية، بل أيضاً لمواصلة القتال وبلورة ساحته، نحقق انتصاراً عسكرياً يتجلى في الأساس في تقصير مدة القتال وتقليص ثمن الخسائر في الأرواح والثمن الاقتصادي الذي ندفعه. يجب ألّا نشعر بالبلبلة، عملية “الحزام الأسود” هي فقط نموذج، لكنها تؤكد قاعدة مفادها أنه في كل مرة تبادر إسرائيل إلى الهجوم وإلى بدء القتال، وتخطط كما يجب للمراحل القادمة والسيناريوهات التالية، تحقق نجاحاً كبيراً.
نتيجة ذلك، يمكن التقدير بمعقولية كبيرة أن إسرائيل رممت الردع الذي خسرته، ليس فقط إزاء عناصر الإرهاب في قطاع غزة، بل أيضاً في مواجهة الإيرانيين وحزب الله. من الواضح أن زعيم الجهاد الإسلامي زياد النخالة والناطقون بلسانه سيحاولون تصوير الجولة الخيرة كإنجاز، لأنهم نجحوا في شل دولة إسرائيل مدة يومين. ومن الواضح أيضاً أن أطرافاً مؤثرة في العالم الإسلامي وفي الشرق الأوسط لا يصدقون هذا الطرح الدعائي ويعرفون الحقيقة.

المصدر: موقع Ynet الاسرائيلي – عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية