كيف سيذكر التأريخ دور روسيا في تسوية الصراع السوري؟

كيف سيذكر التأريخ دور روسيا في تسوية الصراع السوري؟
Spread the love

بقلم: أحمد الخالد/

طرح ضابط الاستخبارات الأمريكية المتقاعد ومفتش الأمم المتحدة سكوت ريتر في مقال له السؤال التالي: “كيف سيذكر التأريخ دور روسيا في سوريا؟” حيث انتقد في المقال سياسة الولايات المتحدة ووصف روسيا كانها قوة بناءة أساسية في الصراع السوري. في هذا التحليل نؤكد صحة كلمات واستنتاجات الضابط الأمريكي.

“مع انهيار مطلق لصورة الولايات المتحدة كدولة محايدة وحليف يعتمد عليه بعد المستجدات الأخيرة أصبحت روسيا قوة عظيمة و لا يوجد شك في ولائها لحلفائها وهي تتميز بقدرة على كونها وسيط نزيه بين الأطراف المتحاربة لا يعلى عليها.”

لا يوجد سر أن الولايات المتحدة تمارس معايير مزدوجة في سياستها الخارجية والمثال الأخير هو سحب مفاجئ للقوات الأمريكية من سوريا وموافقة واشنطن لإقامة “المنطقة الآمنة” التركية ما قدم أنقرة فرصة لانطلاق عملية “نبع السلام” بهدف تصفية الميليشيات الكردية، حليف الولايات المتحدة الأساسي في الصراع السوري. اعتبر الأكراد السوريين هذه الخطوة كأنها خيانة واضحة وتعرفوا بضرورة تعزيز العلاقات مع الحكومة السورية وروسيا.

“دارت الولايات المتحدة برنامجاً سرياً لتقديم السلاح والعتاد لمعارضي بشار الأسد حيث تم تهريب السلاح من ليبيا عبر تركيا وفي النهاية إلى مناطق سوريا المسيطرة من قبل المسلحين. بعد تحويل هذا البرنامج لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية إلى العملية الرسمية تحت إسم “تيمبر سيكامور” تصاعد العنف في سوريا.”

في الحقيقة كثفت الاستخبارات الأمريكية في العام 2012 عملها بتقديم السلاح وتدريب المسلحين ضمن عملية “تيمبر سيكامور” التي شملت تمويل وتسليح وتدريب القوى المعارضة للحكومة السورية وعلى حد قول المسؤولين الأمريكيين وصل عدد المتخرجين من دورات التدريب إلى آلاف. أمر الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما وكالة الاستخبارات المركزية ببدء تسليح المعارضة السورية في العام 2013. من جانبها أكد مركز “جينس” وجود مناقصة لنقل السلاح من أوروبا الشرقية إلى مدينة تاشوجو التركية ومدينة العقبة الأردنية التي نُشرت على موقع المناقصات الحكومية الأمريكية قبل حذفها بعد الوقت القليل. يجب ذكر أيضا فضيحة أخيرة مع مخطط سري لتهريب السلاح للمسلحين السوريين من دول أوروبا الشرقية تحت إدارة الأمريكان الذي تم اكتشافه من قبل صحفيين.

“وجد الروس حلاً للمشكلة: إزالة السلاح الكيميائي السوري تحت مراقبة منظمة حظر الأسلحة الكيميائية. بعد أن أكد وزير الخارجية الأمريكي جون كيري أنه من الممكن أجراء ذلك اغتنمت روسيا وسوريا هذه الفرصة دون أي تأخير مما أصبح أحد أهم إنجازات نزع السلاح في عصرنا وجلبت جائزة نوبل لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية في العام 2013.

على الرغم أنه اعتبرت إزالة السلاح الكيميائي السوري نجاحاً هائلاً لم تحصل روسيا على الاعتراف لجهودها وهي لعبت دوراً أساسياً في تجهيز وتحقيق هذه العملية.”

من المستبعد أن روسيا كانت تحسب على اعتراف مبادراتها من قبل الدول الغربية ومع ذلك أصبحت إزالة السلاح الكيميائي السوري من أهم عوامل التي منعت تصاعد الصراع السوري والتدخل الأجنبي المباشر. أكد نجاح هذه العملية جاهزية السلطات السورية للمباحثات وتسوية ما سمح روسيا بتحويل الصراع إلى الحوار السلمي. أما النتيجة الأخرى لهذه العملية التي تم إجرائها تحت مراقبة المنظمات الدولية هي انخفاض، إن لم يكون إيقاف، الاستفزازات الكيميائية من جانب المتطرفين. المثال الأخير لذلك الاستفزاز تم تخطيطه بعناصر هيئة تحرير الشام وقد تم اكتشاف الحقيقة في الوقت المناسب.

“التدخل الروسي كان له أثر حاسم. لقب الطيران الروسي بتوازن القوى وقدم للجيش السوري فرصة للتقدم ضد المعارضة وتنظيم “الدولة الإسلامية” بعد سنوات من الهزائم بالإضافة إلى وصول عشرات الآلاف من المقاتلين لـحزب الله والإيران مما ساهم في تعديل سير المعركة لصالح الحكومة السورية.”

لا تحتاج هذه الكلمات إلى التحليل الإضافي ومن الواضح تماماً أن الدعم الروسي، وخاصة الطيران الروسي والخبراء العسكريون، لعب الدور الرئيسي في تسليم زمام المبادرة إلى الحكومة السورية. تمتلك روسيا خبرة كبيرة في مكافحة الفصائل الإرهابية المتطرفة من بينها التي عملت داخل الأراضي الروسية واستفادت من هذه الخبرة لإنقاذ سوريا من الإعادة إلى القرون الوسطى وإقامة “خلافة” إرهابية.

“السؤال هو هل المؤرخون الأمريكان قادرين على ذلك؟ أما الحقيقة هي أننا سنشهد في السنوات القادمة ولادة الأطفال السوريين الذين نجوا من الصراع بفضل الوساطة الروسية النزيهة فقط.”

أهم شيء في هذه القصة هو حل أحد أكثر الصراعات عنفاً ودموية في عصرنا. لا تزال روسيا تثبت قدرة على كونها وسيط وصانع السلام الذي قدم لسوريا فرصة الحفاظ على حضارة وثقافة وتراث هذا البلد.