لماذا تعد أزمة السعودية مؤشراً على تغيّر السياسة الخارجية الأميركية؟

لماذا تعد أزمة السعودية مؤشراً على تغيّر السياسة الخارجية الأميركية؟
Spread the love

ترجمة: د. هيثم مزاحم – رأى الباحثان الإسرائيليان إلداد شافيت وآري هايشتاين في مقالة مشتركة لهما في موقع “ذا ناشيونال انترست” أن رد الولايات المتحدة الضعيف على الضربات الإيرانية ضد منشآت أرامكو السعودية يسلط الضوء على ما أصبح اتجاها متزايد الأهمية في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وهو تراجع رغبة واشنطن في استثمار الموارد العسكرية والاقتصادية دفاعاً عن أمن حلفائها.

وقال الكاتبان إنه في الوقت الذي قدم فيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب هذا التحول بإيديولوجية وشعار، لكنه لم يصدر عنه، بل جاء مع موقف الرئيس السابق باراك أوباما من “ركاب الباص بالمجان”. كما أن العديد من الحزبين الجمهوري والديمقراطي في واشنطن يشتركون اليومفي أشكال مختلفة من هذا النهج الهادف إلى تقليل مسؤولية الولايات المتحدة تجاه الحلفاء، ويمكن أن تكون هناك تداعيات مهمة لنظام التحالف العالمي.

ويفسر الكاتبان ذلك بأنه أولاً، لا يمكن للمرء أن يناقش رغبة الولايات المتحدة في تجنب التشابك الأجنبي من دون الإشارة إلى التزاماتها الطويلة والمكلفة وعديمة الشكر في أفغانستان والعراق. فقد أصبح من الصعب على الأميركيين مناقشة أي عمل عسكري محتمل، باستثناء ربما الضربات بطيارات بدون طيار ضد الجماعات الإرهابية المعزولة، من دون الإشارة إلى احتمال أن تطور المهمة أو التصعيد سيجرها إلى مستنقع آخر. ويبدو أن الخيار بين حرب واسعة النطاق وعدم اتخاذ أي إجراء على الإطلاق قد تبخرت إلى حد كبير من الخطاب الأميركي، حيث أن الجمهور وصناع القرار لا يثقون في القدرة على احتواء العمليات. هذا يقيّد أيدي صانعي القرار في الولايات المتحدة ويمنع الاستخدام الحكيم للقوة العسكرية، حيث إن أي شيء يستدعي اتخاذ إجراء ما في مكان ما بين الحرب الكلية وعدم الرد لا يمكن التعامل معه بشكل مناسب. في المقابل، على الرغم من خطاب التهديد، فإن المصداقية المتدنية لتلك التهديدات والعتبة الأميركية العالية لما يبرر الرد قد أعطت الجهات الفاعلة السيئة مجالاً أكبر بكثير للعمل.

ثانياً، عندما يتعلق الأمر بالحلفاء، لا يركز ترامب على القضية المجردة للنظام العالمي، بل على السؤال العملي قصير المدى: ما هو الأمر بالنسبة لنا؟ لهذا السبب، فضل البيت الأبيض مبيعات الأسلحة للحلفاء المعرضين للتهديد بدلاً من نشر قوات أميركية على أراضيهم، وهم يتصرفون على افتراض أن بيع أنظمة الأسلحة باهظة الثمن لهذه الدول سيجعلهم قادرين على الدفاع عن أنفسهم بأنفسهم (مع استفادة الاقتصاد الأميركي ومساعدة ترامب على احتمالات إعادة الانتخاب في انتخابات 2020). ولكن كما اتضح من تدخل المملكة العربية السعودية في اليمن، فحتى أنظمة الأسلحة الأغلى والأكثر تكلفة ليست قادرة على مواجهة التهديدات الاستراتيجية إذا لم يتم تشغيلها من قبل قوات مختصة في سياق استراتيجية متماسكة.

ثالثًا، الاعتقاد السائد بأن الولايات المتحدة أصبحت الآن “مستقلة في مجال الطاقة” ليست دقيقاً تماماً، لكنه مع ذلك مهم في تشكيل السياسة الخارجية الأميركية لأن الرئيس يصدق هذا الاعتقاد. من المؤكد أن أسواق النفط لا تزال عالمية وبالتالي فإن السعر في الولايات المتحدة ليس معزولًا عن العرض والطلب في جميع أنحاء العالم. ومع ذلك، فإن حقيقة أن العديد من أكبر موردي الطاقة في العالم – بمن في ذلك الولايات المتحدة وروسيا، واللتين تجاوزتا المملكة العربية السعودية من حيث الإنتاج – ليسوا موجودين في الشرق الأوسط فإن ذلك يقلل بالتأكيد من الأهمية النسبية للمنطقة في سوق النفط.

كل هذا يقودنا إلى الحد الأدنى من الرد الأميركي في أعقاب الهجوم الإيراني المدمر على منشآت النفط السعودية في بقيق وخريص. فعلى الرغم من انسحاب ترامب من الاتفاق النووي (مجموعة العمل المشتركة) وفرضه “أقصى قدر من الضغط” على إيران، يظل من غير المحتمل أن تستسلم إيران لمطالب الولايات المتحدة وعلى الأرجح أنها ستستمر في الضغط من أجل المساومة على رافعة للعقوبات أو لردع ضغوط إضافية. لقد فعلت طهران ذلك بحذر في البداية، ولكن بعد ذلك ازدادت الوقاحة عندما اكتشفت أن البيت الأبيض سيفعل كل ما هو ضروري لتجنب المواجهة. في الواقع، يبدو أن هجمات إيران على شحنات النفط في الخليج وعلى طائرة استخبارات بدون طيار متقدمة زادت من رغبة ترامب في مقابلة الرئيس الإيراني حسن روحاني لحل المأزق بين بلديهما.

من هم حلفاء الولايات المتحدة الآخرون الذين يجب أن يتعلموا من هذا الرد المريع على الهجوم على حليف للولايات المتحدة؟ درس الوجبات الجاهزة هو أنه يجب أن يكونوا مستعدين لمواجهة تحدياتهم الأمنية وحدها.

من المؤكد أن الحالة السعودية فريدة من نوعها في مسألة تجعل الولايات المتحدة تندفع نحو الدفاع عنها أقل احتمالاً. فالمملكة لا تحظى بشعبية كبيرة في أمريكا بعد جريمة قتل الصحافي جمال خاشقجي، والحرب في اليمن، ودورها المتوقع في هجمات 11 أيلول / سبتمبر. إضافة إلى ذلك، فإن سياسات ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الخاطئة والتي تسبب الهزيمة إلى حد كبير، فضلاً عن الأداء الضعيف للجيش السعودي، قد دفعت على الأرجح مناصري السعودية الأقوى في واشنطن إلى التوقف وإعادة النظر في العلاقات الثنائية.

لكن هذا المثال الأخير، الذي يسلّط الضوء على اتجاه أكبر بكثير في السياسة الخارجية للولايات المتحدة ، لا بد أن يكون له آثار خارج السعودية. قد تجد “إسرائيل” أن الحقائق الجديدة للسياسة الخارجية للولايات المتحدة، والتي لم تعد تسمح بافتراض أن الولايات المتحدة ستدافع عن الحلفاء الذين يواجهون تهديدات استراتيجية، تتطلب إعادة تقييم عام لخطط الطوارئ وقد تؤدي إلى تآكل القدرة على ردع الهجمات التي تستجر تنفيذها. نظرًا لأن افتراضات الأمس حول مدى التزام الولايات المتحدة بحلفائها موضع شك، فأعداء اليوم قد يتجرأأوأون.

*ألداد شافيت باحث أول في معهد دراسات الأمن القومي، وعمل سابقاً في مناصب عليا في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية ومكتب رئيس الوزراء. آري هيستين هو مدير مكتب مدير معهد دراسات الأمن القومي وزميل أبحاث في السياسة الخارجية للولايات المتحدة في المعهد.

المصدر : ذا ناشيونال انترست – عن الميادين نت