إن لم يقاوموا هُم، أقاوم أنا؟

إن لم يقاوموا هُم، أقاوم أنا؟
Spread the love

بقلم: بكر أبوبكر/

كيف أقاوم أو أجاهد بذاتي بلا أي مشقة أو تكلفة كبيرة؟ كان السؤال الذي طرحناه في أحد حلقات النقاش على الشبيبة، وبعد حوار جميل أفاد المتدخلون على أن المقاومة لا تكون إلا جماعية وفردية، وهذه لاتلغي تلك، فلا يعني عدم صلابة جماعيتها بالمجتمع أنها ليس فردية أيضا.

جماعية ضمن فريق وفردية؟
قالوا أنها من حيث “الجماعية” فإن آليات المقاومة تحتاج لإيمان وقناعة وجهد ثابت متواصل غير منقطع أي طويل النفس، وتحتاج لتغيير بنيوي ثقافي ومجتمعي وسياسي وتربوي واقتصادي، ويطال كافة الشرائح المجتمعية ويبدأ غِراسها في/ أو ضمن المراحل التعليمية كافة، كما داخل الأسرة والتنظيم السياسي والأطر الرسمية.
ما يعني تعاضد المسؤوليات كلها في تشريب أوتلقين أو زرع المفهوم بالجهاد أو النضال أوبالمقاومة التي تقترح بذل الجهد الحقيقي وليس الركون للاسترخاء والتكاسل والخنوع والتواكل.
آخذين بعين الاعتبار حتمًا أن بيننا مَن في مصلحته الارتباط بالإسرائيلي سواء من ناحية الجهل أو اليأس أو الخنوع، أو من ناحية الانبهارأو الخوف والانسحاق، أو من ناحية المصلحة الاقتصادية، وإن استثنينا هذه الفئات من وصايانا فإن مُخرجات الورشة والحوار كانت تأكيدية على تكامل وتضامن وتناسق الأدوار الجماعية (ضمن الفريق)، والفردية لكلّ في ذاته وعمله اليومي.
من حيث الجماعيّة للمقاومة الشعبية أكد العديد من الأخوات والأخوة أن فشل الفصائل الفلسطينية السياسية عامة في غزة وفي الضفة في تأجيج نار المقاومة الشعبية سببه انكفائها الميداني.
ويتمثل الانكفاء الميداني باستبدال الفصائل الذي هو خير بالذي هو أدنى أي بلجوئها الى البهرجة والاستعراض والنفخ الكذّاب، أو اعتيادها حرب التشاتم أوالتصيّد لبعضها البعض بلا طائل جماهيري، وأيضا لسبب الشعارات الطنّانة -سواء تلك المغلّفة باستغلال الدين ببشاعة أوباستغلال الجهة أو الفكرة- بلا قدرة تنفيذية على الواقع ما يعني أن كثيرا منها تبيع الخرافة وتبيع الوهم وتبيع الخيال عبر الشعارات والمهرجانات والخطابات بغرض التحشيد الحزبي المقيت، وليس التجميع الوطني نحو التحرير.

الشروط الخمسة للمقاومة الشعبية
إن أي مقاومة شعبية وطنية ناجزة هي مقاومة جماعية بالأصل، وتتكون من تجمع أفراد منظّمين ضمن سِراطية “استراتيجية” شاملة ومنهج، وتحتاج للتحقيق الانتباه لشروطها الخمسة المعروفة المرتبطة بحالة التوسع أي:
1-توسيع النطاق الجغرافي المكاني للمقاومة الميدانية، فلا تظل منحصرة في مساحات جغرافية أوبؤر مكانية دون غيرها، إلا حين يكون التركيز الجغرافي ضمن سياسة موحدة وسياق خطة وطنية عامة تبرز ولا تهمل، وتركّز ولا تنسى.
2- والتوسع الزماني فلا تنحصر المقاومة الشعبية الميدانية فقط في المناسبات أو في كل يوم جمعة، وخلال ساعة أونحوها.
3- والتوسع الشرائحي/الطبقي فلا تبقى مقتصرة على فئة أو جهة أو جماعة أو تنظيم أوفئات جماهيرية محدودة، وكأنها تخوض فريضة كفاية، وليس فرض عين على كل شخص.
أن الجهاد والنضال والمقاومة بالحقيقة فرض عين كما تقول أدبياتنا الحضارية الاسلامية أي فرض ملزم لكل فرد بشخصه وذاته، ولشخصه وللآخرين- وإن قصر الآخرون لا يهمني- وفرض على الجميع بعناصرهم المنظمّة، وإلا فلم نشأت التنظيمات السياسية الثورية أصلا؟ أليس للعمل الشعبي المنظم لتحرير فلسطين؟!
4-ثم التوسع البرامجي في تنفيذ، وفي تنويع وتطوير وتفعيل الأشكال المتعددة للمقاومة التي تحاصر المحتل ومستعمريه الإرهابيين الذين يعيثون فسادا في فلسطين ولا يهابون! نعم بدعم الجيش الصهيوني وحاخامات العنصرية وفتاوى القتل، ولكن تماديهم جاء لانكماشنا نحن وعدم تقدمنا على الأرض.
5- أما الخامسة فهي أن كل مفهوم التوسيع للمساحات أو النِطاقات لا يمكن أن تؤتي الثمار إلا باستراتيجية وخطة جامعة للكل الوطني الفلسطيني الموحد-في ظل استجلاب دعم الحائط العربي الأساسي، والدعم الاقليمي والعالمي- خطة تلزم وتجبر وتسري من الأسفل للاعلى ولا تستثني أحدا، وقد يقول قائل وهو محق: وهنا مربط الفرس.
هذا ما كان من أمر المقاومة الشعبية الجماعية الذي خاضت فيه الأخوات والاخوة،مع تأكيدهم على تنوع أشكال المقاومة أو الجهاد أو الكفاح في سياق حرب الشعب طويلة الامد بما فيها الكفاح المسلح وفق ظروفه وشرائطه ووقته كحق أصيل للشعوب الواقعة تحت الاستعمار والاحتلال.
ولكن إن لم يتحقق ذلك بمعنى أن وتيرة الانتفاضة أو المقاطعة أو المقاومة الشعبية الميدانية الجماعية بقيت في منطقة الضيق والموسمية والانكفاء والمحدودية فما العمل؟ هل نقف نحن كأفراد، أعضاء، أشخاص مكتوفي الأيدي أم نبقى نتفرج فقط؟
أم نقول كما قال أشقياء قبيلة بني إسرءيل القديمة المنقرضة للنبي موسى (فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24 المائدة))
لا هذا ولا ذاك، فنحن أصحاب رسالة في ذواتنا وفي ديننا وفي وطننا،بل وفي أمتنا العربية والاسلامية ذات الحضارة والأصالة المتميزة، وعليه تم تقديم مجموعة من الأساليب اليومية البسيطة التي لا يحتاج تطبيقها الا لقناعة وإيمان وثبات عليها وتواصل حيث يقول الله تعالى “يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ” (إبراهيم:27)، ومن هذه الوسائل:

من مفردات الجهاد أو المقاومة الفردية
1-أنا أقاوم في فلسطين بالحفاظ على ترتيب ونظام ونظافة قريتي ومخيمي ومدينتي وشارعي، ومحيطي! نعم، ولا عجب في ذلك، فالمظهر الحضاري دلالة الشخصية المنظّمة التي نريد، وهو مظهر مريح للنفس والعين والقلب، ومحفّز على الانطلاق والاستمرار والبذل، وهو أيضا الذي يشدّ الأجانب الداعمين على سبيل المثال ما هو قادرعلى تحقيق الكسب للقضية، فمالي أرى بني قومي يلقون بالقذارات والنفايات من أوراق ومخلفات الشطائر أو المحارم الورقية أوغيرها من السيارة بكل بجاحة وقلة ذوق ومخالفة دينية ووطنية صارخة! ولا يفعلون ذات الأمر في شوارعنا داخل فلسطين 48؟ إن القناعة بأن هذه الأرض لنا يعني حبها واحترامها والحفاظ على نظافتها –نظافتنا- وبهائها اسلاميا ومسيحيا وعربيا وحضاريا فلا نحتاج لإشهار بندقية في وجه المحتل لذلك! أليس كذلك؟ فهذا شأننا نحن، وهذه من أشكال مقاومتنا في ذاتنا وفي مجتمعنا.
2-لماذا أشترى المثلجات (البوظة) الصهيونية ولدي بوظة الأرز وبوظة رُكَب وبوظة بلدنا وغيرها، التي تفوق المنتج الصهيوني لذاذة وصحة كما الحال مع منتجاتنا للألبان ومنتجاتنا الزراعية والصناعية كلها على سبيل المثال؟ إنها الدعاية الخبيثة التي تروّج للمنتج الإسرائيلي وكأنه يمثل الفخامة واللذاذة والزكاوة، وما هو بالحقيقة العلمية المخبرية كذلك.
3-هل لي أن أشتري منتجات المستعمرات/المستوطنات الثابت ضرر كثير منها، ومنها حتى الخبز الاسرائيلي ولدينا من المخابز وأنواع الخبز ما يصلح للتصدير؟ إنها لطامة ثقافية ومجتمعية استهلاكية أن نفعل ذلك؟ فأضر بالاقتصاد الفلسطيني وأضعف من عمل المزارع والخباز والتاجر والمقاول والبنّاء والبائع الفلسطيني الذي هو أبي وأخي وجاري وتاج رأسي.
4-رفع السلاح في وجه العدو أو الانتفاضة الشاملة تحتاج لاستراتيجية وطنية في سياق حرب الشعب طويلة النفس،وتحتاج لتقدير الظروف والمخاطر والتحديات، وتحتاج لتحديد وبناء المعسكرات التي معنا والتي ضدنا، وتتطلب إرادة واحدة وتحتاج لمستلزمات صمود، وما نقاش هذا المطلب في حوارنا الآن، على ضرورته وأهميته، وإنما نقاشنا اليوم هو حول المقاومة الشعبية السلمية الذاتية، أفلا نستطيع أن نتجمع كالقطرات شيئا فشيئا لتتلاقي في يوم أو اكثر في مقابل المستعمرات/المغتصبات لنرفع العلم الفلسطيني الشامخ ونقول ]لا[ للمستعمرين الإرهابيين؟ ونشكل “حالة نضالية” ثم حالات، ولتصبح القطرات سيلاً عارما؟ فنكون قد زرعنا ثقافة الثبات والصمود والمواجهة الشعبية حتى بلا إلقاء حجر؟ فلا تهاون ولا تراجع، وأنا القطرة التي لا يهمها تكاسل الآخرين.
5-أصحو من النوم فابتسم في وجه جاري، وأساعد صديقي ولا أزعج قريبي، وازرع حقلي بمحبة، أو أدعم زميلي في المدرسة أو الجامعة ولو بكلمة طيبة أو إشارة ايجابية عن فلسطين الجغرافيا الكاملة والتاريخ الصحيح والرواية غير التوراتية، واتعامل في تجارتي وعملي أي كان برضاء الله والوطن، ولا أظلم المواطن في وظيفتي الرسمية في وزارات ومؤسسات السلطة، أفلا يكون في ذلك جهادا للنفس (الحرث في حقل الذات، او العودة الى الذات كما يسميها المفكر الكبير د.علي شريعتي) وإظهار للذات الأيجابية الفاعلة ما ينعكس على الجمهور وتكثيف الثقة بين الناس والمؤسسات؟ أليس ذلك أفضل من إهدار الوقت في مناطحة الآخرين بالطروحات السياسية التشتيتية أو العقيمة أو التفريقية وفي ذهني فقط تحقيق الغلَبة على الآخر، وليس مد اليد؟
6- ولماذا أجعل من منبر رسول الله محطّة للحزبية البغيضة فأدعو في مضامين كلامي أوصراحة لهذا الحزب أو ذاك؟ وكأن الاسلام قوقعة سلحفاة لا تتسع إلا لأصحاب هذا الحزب أوذاك! وهو الدين الذي جاب الأرض كلها برحابته، فلم يقبل أن يتم تضييقه في شرنقة حزب أواجتهاد أو رؤية واحدة؟ لماذا وأنا الخطيب أمارس استرجاع الماضي في ترداد ببغائي وكأن في ذلك حثّا وما هو مجلبة ملل وتبرم من المصلين المجبرين على سماع هذا النمط من الخطب الجامدة، وبالمقابل ما يبثّه من ضعف وتيئيس،مادامت الصلة بين الواقع والماضي منقطعة، وحيث يسبح بعض الخطباء في الماء النقي للسلف، ومصوّرين كل مياهنا اليوم ملوثة؟ هل في هذا مقاومة؟ نعم وكيف لا يكون بناء ثقافة الصمود والجهاد والعمل وإعمال العقل ثقافة تُبنى من البيت والمدرسة والمسجد والكنيسة والمصنع والمزرعة….فالمشوار طويل؟
7-في منطق الجهاد الذاتي أو المقاومة الذاتية –ولو قصّر الآخرون-توطيد للنفس على تحمل المشاق، والصبر على الأذى، والصبر على الفرح، والصبر حتى النضج.
وفي منطق المقاومة عدم استباق الأمور والتجهيز قبل الفعل، والتخطيط قبل التنفيذ والالتزام بالتنفيذ وبالخطوات.
وفي المجاهدة والحرث في حقل الذات تناغم بين الخطوات، وعدم تخاذل او تراجع أو انكفاء فكيف بي أقاوم وأنا مشتت الذهن لا أعرف يومي من غدي ولا استبق الأحداث فأصنعها.
إن البدء من الذات وللذات، وللآخرين، وللقضية بداية صحيحة ومطلوبة حيث الالتزام والثبات محور أساس من المحاور.
8- وهل عسى المشكّكين المرضى السوداويين واليائسين والمتخاذلين بيننا إلا أن يكونوا وبالًا على ثقافة وعطاء وبهاء الأمة، الذين رد عليهم الذكر الحكيم قائلا: (فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ). حيث نزلت الآية ردا على المنافقين، والفتح في سياق الآية يحتمل حسب المفسرين القضاء، ويحتمل حسبهم أيضا تحديدا فتح مكة، ولنا أن نتامل السياق، فالفتح يتواصل باذن الله، أو أمر من عنده.
9- في ظل إدمان وسائل التواصل الاجتماعي عند البعض، وسلبياتها الكثيرة وايجابياتها بالمقابل، وهذا ليس مجال الحديث، لكن السؤال: هل لنا أن نمارس الجهاد والمقاومة عبرها؟
قالت الاخوات والأخوة بالقطع نستطيع من خلال: بث الروح المعنوية العالية، وإظهر الوجه المشرق لنا كشعب وجماعات، وفي ممارسة النقد الملتزم، وفي حث نوازع الإبداع والابتكار، وفي إبراز منجزات الوطن، وبالتعريف بقضية فلسطين، وفي الدعوة لدعم بلادنا ومقاومتنا،وفي كشف عدوانية وإرهاب الاحتلال الصهيوني، وفي الحث على الوحدة الوطنية ووحدة الأمة، وفي عدم الانسياق للمشككين والمنحطين والكذابين الذين تمتليء بهم الشابكة، بل كشفهم وتبيان شائعاتهم وخرافاتهم، وفي دعم التخلص من النفس الاستهلاكي الاستعماري، والدعوة للعودة لأصالة الأمة وحضارتها الجامعة وتميزها، وأيضا في تطوير فن الحوار والنقاش والعرض والاختلاف بلا مغالاة أو قصور. ومازال في جعبة الشباب ما يفاجئنا.

حاشية
يقول المفكر د.علي شريعتي في كتابه بناء الذات الثورية ص17 : (إن بناء الذات عبارة عن إعداد الذات ثوريا في صورة أصل وأصالة وهدف، أي أن يوهب الجوهر الوجودي للذات تكامله)، ويضيف أنه لبناء الذات الثورية أن نعترف أن للانسان في الدنيا دور، وأنه يجب أن يكون ثوريا متناسقا، وثالثا هو يستطيع أن يكون-الى عوامل اخرى كثيرة-أن يصنع نفسه أي أن يكون شريكا في بناء ذاته، ويتحدث عن ثلاثية العبادة بمعنى الصلة الحقيقية بين الانسان واتصاله المستمر مع الله، والعمل من حيث أن الاسلام هو العمل الصالح، وثالثا النضالي الاجتماعي ومنه السياسي. ولمراجعة كتابه: النباهة والاستحمار، وكتاب العودة الى الذات.