Ynet: الأسد يريد السيطرة على إدلب، وأردوغان لا يتنازل

Ynet: الأسد يريد السيطرة على إدلب، وأردوغان لا يتنازل
Spread the love

رون بن يشاي – محلل عسكري اسرائيلي/
محافظة إدلب الواقعة شمال غرب سورية هي المعقل السني الأخير الذي لم تسيطر عليه بعد قوات الرئيس العلوي بشار الأسد. هناك أيضاً منطقة أُخرى تشكل ربع مساحة سورية تقريباً لم يسيطر عليها الأسد بعد، تقع شرقي نهر الفرات، وهي الحدود مع العراق. لكن هذه المنطقة صحراوية، في أغلبيتها، والقوات المسيطرة هناك هي ائتلاف من الأكراد والعرب الذين يعملون بقيادة مقاتلين ومستشارين أميركيين.
إدلب هي المشكلة المركزية بالنسبة إلى النظام السوري لثلاثة أسباب. الأول، هو أن هذه المحافظة هي على حدود الجيب العلوي – الشيعي، وتبعد بضعة كيلومترات عن العاصمة العلوية- مدينة اللاذقية. وتشرف مدينة خان شيخون التي تقع جنوب -غرب إدلب على الطريق الرئيسية التي تربط اللاذقية بطرطوس ودمشق، وتُعتبر العمود الفقري للمواصلات في الجيب العلوي المؤيد للأسد.
السبب الثاني لأهمية الجيب، كونه “محافظة لجوء” للمتمردين السنة الذين أُخرجوا من كل أنحاء سورية وتحصنوا في هذه المحافظة. وما دام نظام الأسد لم يسيطر على هذه المحافظة فإنه قد يجد نفسه مضطراً إلى الدفاع عن بقائه من جديد. يوجد في إدلب عشرات الآلاف من المتمردين من تنظيمات إسلامية متدرجة في تطرفها، بينها جبهة النصرة، الفرع السوري لتنظيم القاعدة. هذه التنظيمات أنشأت عدة تحالفات، أكبرها والأقوى بينها هي هيئة تحرير الشام.
السبب الثالث الذي من أجله يسعى نظام الأسد للسيطرة على إدلب هو أن هذه المحافظة تقع على حدود تركيا التي سيطرت عليها فعلياً، في الأساس على أطراف المنطقة. تخوض تركيا داخل المحافظة حرباً ضد الأكراد، من خلال الطموح للسيطرة على الأكراد في شمال إدلب وضم هذه المنطقة إلى تركيا كنوع من منطقة أمنية، شبيهة بالحزام الأمني الذي أقامته إسرائيل في الجنوب اللبناني.
لقد قدّم النظام السوري في الماضي عدة مرات احتجاجات حادة إلى الأمم المتحدة على ما سمّاه “الغزو التركي لأراضي الدولة السورية ذات السيادة”. ولدى تركيا حجج تبرر وجود الجيش التركي وميليشيات سورية سنية تعمل تحت رعايتها في المحافظة. تدّعي تركيا أن الأكراد في شمال إدلب يساعدون حزب الـPKK الإرهابي الكردي – التركي (حزب العمال الكردستاني). لذلك غزا الأتراك المنطقة ومدينة عفرين الواقعة في وسط الجيب الكردي في شمال سورية وعلى أطراف محافظة إدلب ويخوضون معارك هناك.
ثمة حجة أُخرى لتركيا، هي أنه إذا احتل الأسد محافظة إدلب، سيهرب سكان المحافظة كلهم- نحو ثلاثة ملايين من السّنة، أغلبيتهم الساحقة من المتمردين- ويلجأون إليها. حالياً يوجد في تركيا، بعد ثماني سنوات من الحرب الأهلية في سورية، نحو 3 ملايين لاجىء سوري تجد تركيا صعوبة في تأمين حاجاتهم على الرغم من المساعدة الدولية التي تحصل عليها.
هؤلاء اللاجئون الذين تدفع أوروبا جزءاً من كلفة وجودهم هناك ينافسون القوة العاملة التركية ويخلقون للرئيس رجب طيب أردوغان مشكلة ليست صغيرة. من هنا فإن التخوف التركي من احتلال نظام الأسد العلوي – الشيعي إدلب هو تخوف حقيقي من وصول موجة ضخمة من اللاجئين إلى الأراضي التركية.
لكن السبب الأهم هو أن أردوغان مثله مثل أغلبية أبناء بلده الذين هم من السنة، يريد الدفاع عن المتمردين السنة الذين وجدوا ملاذاً في إدلب ضد العلويين- الشيعة التابعين للأسد. يشكل العلويون حالياً خمس سكان سورية، وهم أقلية، لكن بواسطة عائلة الأسد وبمساعدة الروس والإيرانيين يسيطرون على 70% من أراضي سورية. وذلك على الرغم من أن سكان سورية الذين بقوا فيها أو نزحوا عنها هم، في أغلبيتهم، من المسلمين السنة الذين ترى تركيا نفسها ملزمة بالدفاع عنهم وعن مصالحهم.
قبل عام، وعندما اتضح أن الأسد بدأ يسيطر على معظم الأراضي السورية كان واضحاً للروس، وأيضاً لكبار المسؤولين في نظام الأسد أن المتمردين السنة الذين تحصنوا في المنطقة لن يستسلموا من دون قتال، وأن الحرب هناك يمكن أن تكون طويلة ودموية، وقد يتحول ملايين السوريين من السنة إلى لاجئين، وستفر أغلبيتهم إلى تركيا.
لمنع حدوث ذلك، عقد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤتمراً بمشاركة أردوغان وكبار مسؤولي النظام السوري. وذلك بعد فشل محاولة وساطة أميركية. لكن في آب/أغسطس العام الماضي حصل الروس على موافقة من النظام السوري على أن يحاول الأتراك التوصل إلى وقف إطلاق النار، وأن يشكلوا منطقة فصل بين قوات النظام وبين المتمردين السنة في إدلب.
خلال هذه الأشهر كان يتعين على تركيا التوسط من أجل التوصل إلى اتفاق على وقف إطلاق نار ثابت يسمح بتسوية وضع محافظة إدلب كجزء من سورية من دون سفك دماء. في سياق هذا الاتفاق دخلت قوات من الجيش التركي، ومعها ميليشيات سورية موالية لتركيا، إلى داخل الجيب وأقامت مواقع مراقبة على حدود محافظة إدلب تسمح بمراقبة وقف إطلاق النار.
لكن بعد مرور بضعة أشهر تبين أن أردوغان لم ينجح في التوصل إلى تسوية مع المتمردين الإسلاميين السنة في إدلب، وأن هؤلاء يواصلون التحصن وقصف قوات النظام السوري وطريق المواصلات الرئيسية بين اللاذقية ودمشق. أكثر من ذلك، تبين أن الأتراك استغلوا تفاهمات الوساطة مع الروس للسيطرة على جيب إدلب، ويدّعي النظام السوري كل الوقت أن تركيا تحاول فعلاً ضم الجيب إلى أراضيها.
في الشهرين الأخيرين انهار فعلياً وقف إطلاق النار في إدلب تماماً. وقرر جيش الأسد مهاجمة المتمردين في الجيب وعدم الإصغاء إلى تحذيرات الأتراك. تساعده في ذلك طائرات سلاح الجو الروسي، لكن قبل ذلك، وتقريباً قبل بضعة أشهر، بدأ النظام السوري بمهاجمة مدينة خان شيخون، كونها قريبة من شريان الحياة الرئيسي الذي يشكل منطقة حيوية بالنسبة إلى نظام الأسد والطائفة العلوية.
في إطار الهجمات على خان شيخون استخدم نظام الأسد سلاحاً كيميائياً، في الأساس غاز الكلور، وعشرات المدنيين قُتلوا. ونتيجة الاحتجاج الدولي امتنع السوريون من استخدام هذا السلاح، لكنهم واصلوا الهجمات على خان شيخون وضواحيها بمساعدة سلاح الجو الروسي. لم يبق المتمردون ملتزمين بوقف النار وهاجموا بواسطة طائرات من دون طيار أيضاً مدينة اللاذقية والمطار الروسي المجاور، حميميم.
في هذه الهجمات قُتل بضعة عناصر من الجيش الروسي، ودمّرت بضع طائرات وطوافات روسية كانت موجودة في المطار. هذا هو السبب الذي من أجله بدأ الروس بالتشويش على إرسال أجهزة الـGPS الغربية التي وجّه بواسطتها المتمردون الطائرات من دون طيار والصواريخ التي أطلقوها على معقل النظام والمطار الروسي. هذا التشويش هو الذي عرقل أيضاً مجيء الطائرات القادمة إلى إسرائيل. في الفترة الأخيرة توقف التشويش.
قبل عدة أيام نجحت قوات نظام الأسد في السيطرة على جزء من مدينة خان شيخون بعد معارك ضارية مع المتمردين وقصف عنيف لسلاحي الجو السوري والروسي. في الأسبوع الماضي نجح المتمردون في إسقاط طائرة سوخوي 23 تابعة لسلاح الجو السوري واحتفلوا بالنصر. بالأمس نجح الجيش السوري في الدخول إلى خان شيخون.
لم يقف أردوغان موقفاُ لامبالياً، ورأى أن سيطرته على جيب إدلب توشك على أن تفلت من يديه، لذلك أرسل بالأمس قافلة دبابات ومدرعات، ظاهرياً للتوصل إلى وقف إطلاق النار في شيخون. لكن عملياً، حاول أردوغان من خلال إرسال القافلة التركية من بلاده إلى المدينة المحاصرة ترسيم المنطقة، وأن يوضح للجيش السوري أن شيخون واقعة تحت حماية تركيا، وأن القوات السورية التي سيطرت على مداخلها لا تستطيع الدخول إلى أهم أراضي المدينة.
رأت سورية في ذلك خرقاً واضحاً لسيادتها وعملاً حربياً من تركيا ضدها، ويجب القول إنها محقة. لذلك قصف سلاح الجو السوري بالقرب من القافلة كي يلمّح إلى القوات التركية أنها لا تستطيع التقدم. وقد قتل عدة مدنيين سوريين، لكن القافلة توقفت وأرسلت قوة صغيرة أقامت موقع مراقبة على أطراف شيخون، وبذلك رسم الطرفان مجدداً حدود المنطقة التي يسيطران عليها.
المواجهة التي حدثت بالأمس هي الأخطر منذ بدء الحرب الأهلية بين القوات التركية وقوات نظام الأسد. لقد جرت الاستعانة بالروس الذين يحاولون الآن التوسط بين تركيا وسورية حليفتي موسكو.
يمكن الافتراض أنه سيجري التوصل إلى تسوية محلية سيجري خرقها كما خرقت مرة تلو الأُخرى التفاهمات الأساسية التي كان من المفترض أن تؤدي إلى وقف إطلاق النار في إدلب. الأسد لن يتنازل، على الأقل إلى أن يستعيد السيطرة على خان شيخون والمناطق المتاخمة لها، ويبعد الخطر عن الطريق رقم واحد التي تصل بين اللاذقية ودمشق شريان الحياة بالنسبة إلى الجيب العلوي، وقاعدة نظامه.
المصدر: موقع Ynetالاسرائيلي – عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية