هآرتس : جيسون غرينبلات .. قزم خرافي

هآرتس : جيسون غرينبلات .. قزم خرافي
Spread the love

روغل ألفر – محلل سياسي اسرائيلي

جيسون غرينبلات، المبعوث اليهودي الخاص للرئيس دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط، وأحد الذين وضعوا نص الصفقة الفاشلة التي أعدتها الإدارة الأميركية لإنهاء النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني، هو مجرد شخص استفزازي. ففي المقابلة التي أجرتها معه القناة العامة في التلفزيون الأميركي يوم الأربعاء الأخير، قال غرينبلات، جازماً، إنه في الصراع مع الفلسطينيين: “إسرائيل ليست مسؤولة عن الوضع الذي نشأ، بل هي الضحية.”
هذا التصريح المذهل هو بمثابة إنكار شامل وجارف للواقع، للحقائق، والوقائع المسندة، وللتوثيق الدقيق والواسع لمظالم الاحتلال. غرينبلات ينكر وجود احتلال. إن الاحتلال أقل فظاعة من الهولوكوست، ولذا فإن إنكاره أقل خطورة من إنكارها. ومع ذلك، يبقى فظيعاً جداً.
الادعاء أن إسرائيل هي ضحية الفلسطينيين ليس مجرد إنكار للاحتلال فقط، بل هو تبرير لممارساته أيضاً، تبريراً شاملاً ومطلقاً. ونظراً إلى أن الاحتلال هو فعل ثابت ومتواصل تقترفه إسرائيل، فإن تبريره لا يعدو كونه استفزازاً رخيصاً.
أوضح غرينبلات أن أراضي الضفة الغربية ليست “محتلة”، وإنما “موضع خلاف”. وليس الأمر أن عينيه لا تريان السيطرة العنيفة التي يمارسها الجيش الإسرائيلي في المناطق، من نهب الأراضي الفلسطينية بالاستيلاء عليها، ودوس حقوق الإنسان، والإقصاء والسلب، والعنصرية المؤسساتية، ومنظومة الأبارتهايد، والحقوق الزائدة لليهود بموجب القانون، وجميع العلامات الواضحة الأُخرى للاحتلال؛ إنه يرى، لكنه يشعر بحاجة إلى أن يستفز الفلسطينيين ويصف أراضيهم بأنها “موضع خلاف”.
إن تصرف غرينبلات الاستفزازي كان أكثر حدة حتى من هذا: فقد أعلن أن إسرائيل لم ترتكب أخطاء على مدى أعوام النزاع كلها، وقال أنه لا يستطيع التفكير حقاً ولو في حالة عينية واحدة أخطأت فيها إسرائيل، أو تجاوزت صلاحياتها: “إسرائيل تبذل جميع ما في وسعها في ظروف ملأى بالتحديات”، وأوضح أنها وإن كانت قد تعثرت هنا أو هناك بأي خطأ هامشي لا يُذكر، فإن ذلك لأن “لا أحد كاملاً، أليس كذلك؟”
هذه هي زبدة موقفه الاستفزازي والمتحدي: إسرائيل هي الضحية، ولا تتحمل أي مسؤولية عن الوضع في المناطق، ولا تحتلها، ولا ترتكب أخطاء ولا تتجاوز صلاحياتها. أي أن التنكيل اليومي الممأسس الذي يمارسه الجيش الإسرائيلي والمستوطنون (غرينبلات لا يستسيغ ولا يحبذ كلمة “مستوطنات”، لأنه يعتقد أنها مهينة، بل يفضل الحديث عن “أحياء ومدن”) ضد الفلسطينيين، ليس تنكيلاً على الإطلاق (الجيش والمستوطنون اليهود هم الضحية)، بل هو مبرر ومُحِقّ أصلاً. غرينبلات هو “Froll” ترامب إلى الشرق الأوسط [Froll: قزم خرافي يسكن الكهوف أو (يقيم تحت الأرض في الميثولوجيا الإسكندنافية)].
حين سئل غرينبلات عن موقفه بشأن الضم، أوضح: بما أنه ليس ثمة مناطق محتلة، وإنما نزاع يجب تسويته – “حل الدولتين” هو مصطلح تبسيطي جداً (في مقابل تعريف المناطق بأنها “موضع خلاف”، صحيح؟) ـ لأنه “من غير الممكن اختصار نزاع معقد كهذا وحصره في هاتين الكلمتين.” والحقيقة هي أن حل الدولتين مات وانتهى قبل أن يُنتخب ترامب رئيساً. قتله المستوطنون والاحتلال، والآن أصبح في الإمكان اختصار هذا الصراع المعقد في كلمة واحدة: أبارتهايد.
يجب الانتباه إلى أنه لو كان غرينبلات يرغب حقاً في إعادة الفلسطينيين إلى مائدة المفاوضات، لكان أكثر حرصاً على الحديث بصورة مختلفة عن القضايا الأكثر مركزية بالنسبة إلى هويتهم الوطنية. لكنه، كشخص استفزازي، لا يريد سوى إغضابهم، والضغط على الأزرار التي تسيء إليهم وتستفزهم ثم مراقبتهم وهم يستشيطون غضباً. ماذا يهمه؟ إنه لا يقيم هنا. إنه يهودي يتمتع بجميع الحقوق في البلد، من دون أن يكون مطالَباً بدفع أي من الأثمان المترتبة على ذلك.
المصدر : صحيفة هآرتس الاسرائيلية – عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية