الحكومة والمعارضة تترقبان سياسة ترامب السورية

الحكومة والمعارضة تترقبان سياسة ترامب السورية
Spread the love

خاص “شجون عربية” — بقلم: د. هيثم مزاحم* —  أثار انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة ارتياحاً ضمنياً في أوساط الحكومة السورية في مقابل قلق المعارضة من سياسته المرتقبة تجاه الأزمة السورية بعد استلامه منصبه في 20 كانون الثاني – يناير 2017.

ارتياح الحكومة السورية وكذلك قلق المعارضة، مردهما إلى تصريحات ترامب خلال حملته الانتخابية حول الحكمة من دعم المعارضة المسلحة بهدف إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد الذي يحارب تنظيم “داعش” الإرهابي في سوريا، وإعجاب ترامب بالرئيس الروسي فلايمير بوتين ورغبته بالتعاون معه في محاربة الإرهاب المتمثل بتنظيمي “داعش” و”القاعدة”، إضافة إلى أن المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون كانت مؤيدة لإسقاط النظام السوري.

وبرغم من ارتياح النظام وقلق المعارضة المبدئيين، إلا أن كلاهما يبدي حذراً في مواقفه ويتريث ليرى ما إذا كان ترامب سيغيّر سياسة واشنطن بشأن سوريا أم سيواصل سياسة الرئيس باراك أوباما.

وفي أول تعليق له على فوز ترامب، قال الأسد إن الرئيس المنتخب قد أدلى بتعليقات واعدة بشأن الحاجة لقتال الإرهابيين في سوريا متسائلاً إن كان سيتمكن من الوفاء بوعده وتحقيق ذلك. وأضاف: “ليس لدينا الكثير من التوقعات لأن الإدارة الأميركية لا تتعلق بالرئيس وحده بل تتعلق بقوى مختلفة داخل هذه الإدارة… مجموعات الضغط المختلفة التي ستؤثر على الرئيس”، مشيراً إلى ضرورة الانتظار حتى يستلم مهام منصبه لرؤية كيف ستكون سياسته. لكن الرئيس السوري أكد أنه إذا كان ترامب “سيحارب الإرهابيين فإننا سنكون حلفاء طبيعيين له في ذلك الصدد مع الروس والإيرانيين”، معرباً عن استعداده للتعاون مع واشنطن ضد الإرهاب إذا أوقفت دعمها لقوات المعارضة المسلحة.

بدوره، قال وزير الخارجية السوري وليد المعلم الأحد 20 تشرين الثاني – نوفمبر الجاري إن من السابق لأوانه الحكم على السياسة التي سيتبعها ترامب بشأن سوريا، مطالباً الإدارة الأميركية المقبلة بوقف عمل المجموعات الإرهابية وكبح الدول الإقليمية التي تدعمها، في إشارة إلى تركيا والسعودية وقطر. وأضاف “نأمل أن تراجع الإدارة الأميركية الجديدة استراتيجية الإدارة الراحلة تجاه سوريا وهل حققت أي أهداف رغم إنفاقها ملايين الدولارات على تدريب ما تسميه معارضة معتدلة وانتهت هذه الأموال إلى إرهابيي جبهة النصرة.”

في المقابل، اعتبر رئيس “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية”، أنس العبدة، يوم 9 تشرين الثاني – نوفمبر أن انتخاب ترامب قد يعطي قوة دفع جديدة لإنهاء الحرب في سوريا، مشيراً إلى أن “الرئيس الأميركي المنتخب لديه الرغبة وروح القيادة لإعادة تأكيد الدور القيادي الأميركي في المنطقة وفي سوريا”، بخلاف النهج الحالي الذي سمح لروسيا بأن تتحرك مع حصانة من العقاب.

ولاحقاً، طالب العبدة ترمب بسحب الاعتراف بتمثيل نظام الأسد للدولة السورية.

وحول تأكيد ترمب أن أولويته هي مكافحة “داعش” لا الإطاحة بنظام الأسد، قال العبدة إن الرئيس المنتخب استمع إلى وجهة نظر واحدة، هي أقرب إلى الطرح الروسي والإيراني، وعليه الاستماع لطرح المعارضة، حتى يكوّن انطباعاً متوازناً وحقيقياً.

المنسق العام للهيئة العليا للمفاوضات في المعارضة السورية، رياض حجاب، كان أكثر تفاؤلاً وآمل أن يقوم ترامب بإنهاء حكم الأسد والأزمة السورية، ووجّه انتقادات شديدة لإدارة أوباما لأنها لم تقم بما ينبغي لإنهاء هذه الأزمة.

أمين سر مجلس الشعب السوري، النائب خالد العبود، قال لـ”شجون عربية” إنه بعد فشل واشنطن في تمرير مشروعها على مستوى المنطقة، وتغير موازين القوى والنهوض الروسي والإيراني والصيني، هناك جدل داخل المؤسسات الأميركية بشأن جدوى السياسة السابقة في سوريا، وفي حال وجدوا أن التقارب مع الدولة السورية يخدم مصالحهم فسيتجهون إليه.

ورأى العبود “أن كل الذي قيل حول تنحي الرئيس الأسد وإسقاط النظام وتفتيت الدولة أصبح غير موجود لأن دور ترامب سيكون تكتيكاً جديداً في المرحلة المقبلة وسيخلق مساحات تعاون إيجابي مع روسيا على مستوى المنطقة”. وأوضح أن تصريحات ترامب بالعمل على مكافحة داعش لا تعني أنه رجل مختلف عن عقلية المؤسسة الأميركية الحاكمة، بل هي دليل على أن الولايات المتحدة تدرك أنها هزمت في المنطقة.

عضو المجلس الوطني السوري المعارض صالح مبارك قال ل”شجون عربية” إنه متفائل بحذر بشأن سياسة ترامب المرتقبة بشأن سوريا، موضحاً أن روسيا قلقة برغم الكلام الظاهري عن تقارب ترامب – بوتين. وأضاف “أن الحقيقة الواضحة أن الحزب الجمهوري هو الذي فاز بالرئاسة والكونغرس ونعلم أن سياسته تقوم تاريخياً على مواجهة روسيا واحتوائها وتحجيم دورها. لذلك تحاول روسيا الإسراع في عقد صفقة من أجل القضية السورية قبل نهاية إدارة أوباما”.

ورأى مبارك أن روسيا ترى نفسها مقدمة على مأزق مع الإدارة الأميركية الجمهورية الجديدة، التي ستتحالف مع أوروبا لمحاصرة روسيا، مشيراً إلى أن موسكو تدرك ذلك، “ولهذا السبب كثفت حملتها الوحشية لإجبار الثوار على القبول بصفقة قبل رحيل الإدارة الأميركية الحالية”.

لكن المبعوث الأميركي السابق إلى الشرق الأوسط، دينس روس، يعتقد أن ترامب سيدعو إلى “وقف إطلاق نار في سورياوإقامة روابط دبلوماسية، أي تمهيد الطريق بشكل أساسي أمام عودة الأسد إلى السلطة الكاملة في سوريا”.

الباحث السوري عقيل محفوض قال ل”شجون عربية” إن هناك ارتياحاً نسبياً لفوز ترامب لدى الحكومة السورية مبني على مسألتين: أولاً إن خطاب ترامب مختلف عن خطاب هيلاري كلينتون وصقور الإدارة الأميركية، وأن مجرد إزاحة كلينتون كان أمراً جيداً. وثانياً إن هذا الارتياح مبنٍ على ارتياح روسي لترامب.

ولا يستبعد محفوض أن يغيّر ترامب من موقفه، بتأثير البيروقراطية في البنتاغون ووزارة الخارجية، معتبراً أن هناك تطوراً سلبياً وهو تجديد الكونغرس العقوبات على طهران. وأضاف أنه إذا جاء فريق ترامب من الصقور ضد إيران وسوريا، فهذا مصدر تهديد جدي، خاصة وأن ترامب ليس لديه معرفة كبيرة في السياسة وسيكون عرضة لتأثيراتهم.

وعلى الرغم من دور الرئيس الأميركي في اتخاذ القرار، إلا أن صناعة القرار تخضع لتجاذبات داخل الإدارة(البيت الأبيض، البنتاغون، وزارة الخارجية، وكالة الاستخبارات الأميركية)، وكذلك لضغوط جماعات المصالح (لوبي السلاح، لوبي النفط، اللوبي الإسرائيلي، اللوبي الخليجي). وعليه، ستكون سياسة ترامب بشأن سوريا جزءاً من استراتيجية الإدارة المقبلة تجاه أوراسيا ومنطقة الشرق الأوسط. فإذا كانت مصلحتها تقتضي وقف الحرب السورية ومحاربة الإرهاب بالتعاون مع روسيا وحلفائها، فإن ذلك سيعزز شرعية حكم الأسد ويضعف خصومه. أما إذا كان توجّه الإدارة الجديدة هو مواجهة روسيا، فإن ترامب سيدعم المعارضة السورية في محاولة لاستنزاف النظام وحليفيه، إيران وروسيا.

 

*د. هيثم مزاحم رئيس مركز بيروت لدراسات الشرق الأوسط.

Optimized by Optimole