دروس عملية “الجرف الصامد” بعد مرور 5 سنوات على شنها

دروس عملية “الجرف الصامد” بعد مرور 5 سنوات على شنها
Spread the love

غيورا أيلاند – لواء احتياط والرئيس السابق لمجلس

ثمة أربعة دروس يمكن استخلاصها من عملية “الجرف الصامد” العسكرية التي قام الجيش الإسرائيلي بشنها في قطاع غزة قبل خمس سنوات، بدءاً بالمستوى الاستراتيجي، مروراً بالمفهوم العملي، وانتهاء بالانشغال بمسألة عينية مثل استعادة جثث الجنديين والمفقودين الإسرائيليين.
ولا بد من القول إن السياسة الإسرائيلية حيال قطاع غزة لم تتغير في السنوات الثماني التي سبقت عملية “الجرف الصامد”، ولا في السنوات الخمس التي مضت منذ تلك العملية. ويمكن لنا أن نسمي هذا ببساطة “استمرار الوضع القائم”. وهذا يعني إطلاق طائرات ورقية حارقة والقيام بأعمال استفزاز على طول السياج الأمني بصورة شبه يومية، و”جولة عنيفة” كل بضعة أشهر من خلال إطلاق مئات الصواريخ تقابلها هجمات لسلاح الجو، وعملية عسكرية كبرى مرة كل بضع سنوات. ويُعرض هذا الوضع في الغالب بوصفه شراً لا بد منه، لكن توجد له برأيي أربعة بدائل على الأقل: احتلال قطاع غزة في عملية كبرى تهدف إلى تدمير كل البنى التحتية لـ “الإرهاب” وربما أيضاً التسبب بإسقاط حكم “حماس”؛ استئناف المفاوضات السياسية مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس على أمل بأن يؤدي الأمر إلى إعادة السلطة الفلسطينية إلى سدة الحكم في غزة أيضاً؛ محاولة دق إسفين بين السكان في غزة وبين حكم “حماس”؛ الاعتراف بأن غزة هي دولة مستقلة بحكم الأمر الواقع، ووفقاً لذلك التوصل إلى تفاهمات مع الحكم هناك يكون في صلبها وقف إطلاق النار بشكل كامل في مقابل الاعتراف بل ودعم تأهيل البنى التحتية مع حكومة “حماس” وليس من وراء ظهرها.
بتقديري أي عملية عسكرية كبرى لن تكون مجدية، كما أن إمكان استئناف المفاوضات السياسية أو دق إسفين بين السكان في غزة وحكم “حماس” غير ممكن. ما يتبقى إذاً هو الحسم بين استمرار الوضع القائم أو الاعتراف بغزة كدولة مستقلة. وحان الوقت بعد مرور 5 سنوات على “الجرف الصامد” لإجراء بحث بشأن الاستراتيجيا الصحيحة الواجب إتباعها.
بالإضافة إلى ذلك وعقب العمليات العسكرية الثلاث الكبرى التي تم شنها في غزة، يمكن تصنيف هذه العمليات ضمن نوعين: الأول، عمليات غايتها التحسين الدراماتيكي للوضع؛ الثاني، عمليات تكون غايتها القصوى إعادة الوضع – أي الهدوء النسبي – إلى سابق عهده. ولا شك في أن الجمهور العريض في إسرائيل معني، سواء بالنسبة إلى لبنان أو بالنسبة إلى غزة، بإنجاز الغاية الأولى، أي تحقيق انتصار ساحق على العدو، لكنه مستعد لأن يدفع ثمن الغاية الثانية فقط. وللأسف فإن الدمج بين الغايتين غير ممكن ويجدر بنا أن نسلم بذلك.
ثمة درس آخر يتعلق بفرضية مغلوط فيها تجذرت فحواها أن أي عملية عسكرية برية ناجعة في غزة تستلزم احتلال القطاع كله. ومن ناحية عملية يبدو أن بين الإمكانيتين المتطرفتين القتال عن بُعد أو الاحتلال الكامل للقطاع توجد أيضاً إمكانات عسكرية أُخرى تسمح بحشد جهد بري ضد مراكز قوة العدو من دون أن تكون هناك حاجة إلى الدخول إلى كل حي وزقاق.
الدرس الأخير يتعلق بموضوع استعادة جثتي الجنديين أورون شاؤول وهدار غولدين. على مدى عشرات السنوات كررت إسرائيل الخطأ ووافقت على أن موضوع تبادل الأسرى أو السجناء يتم على نحو منفصل عن باقي مواضيع التسوية. هذا خطأ لكون هذا الموضوع يشكّل في أيدي أعدائنا سواء كانوا حزب الله أو “حماس” بمثابة رافعة كبرى وبالتالي يجب أن يربط بمواضيع أُخرى. هكذا مثلاً كان من السليم لدى انتهاء عملية “الرصاص المسبوك” سنة 2009 الاستجابة إلى الضغط الدولي لفتح المعابر لخدمة أغراض إنسانية فقط كجزء من اتفاق إنساني كامل يتضمن أيضاً إعادة الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط الذي كان محتجزاً لدى “حماس” في مقابل عدد معقول من “المخربين” الفلسطينيين. لكن ما العمل إذا ما كان العُرف المتبع في إسرائيل الآن هو عقد اجتماع للمجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية- الأمنية لإجراء بحث عاجل فقط في الوقت الذي يبدأ التصعيد حول غزة بدلاً من بحث هذه المواضيع المبدئية واتخاذ قرارات سياسية ليس تحت وطأة إطلاق النار.
المصدر : صحيفة “يديعوت أحرونوت” الاسرائيلية – عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية