جبهة واحدة ضد كتلة الأبرتهايد

جبهة واحدة ضد كتلة الأبرتهايد
Spread the love

بقلم: أورٍن يفتحيل – أستاذ الجغرافيا السياسية والتخطيط المدني في جامعة بن – غوروين، ومن رؤساء حركة “بلاد للجميع” —

تبدو الحملة الانتخابية كهروب كبير من القضية المركزية لمستقبل إسرائيل، وهي الأبرتهايد الآخذ في التكون بين اليهود والفلسطينيين. إن التعامي والصمت الحاليين يفاقمان المشكلة فقط. ردُّ المعسكر الديمقراطي يجب أن يكون بلورة جبهة واسعة ضد نية “كتلة الأبرتهايد” (اليمين) إقامة نظام كولونيالي بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط.
الانتخابات القريبة أسقطت بضعة شهداء في الساحة السياسية، هم في الأساس من مؤيدي عملية السلام وعلى رأسهم تسيبي ليفني. حتى الأقلية العربية تُظهر ميلاً نحو تأييد مرشحين “براغماتيين”، لا يربطون وضعهم البائس في الدولة بالمسألة الفلسطينية. يبدو أن حملة التشهير ضد المعارضين للاحتلال والنزعة الكولونيالية قد أعطت ثمارها. أربع سنوات من الإهانات والتهجم والتحريض دفعت كثيرين إلى البحث عن شعارات أُخرى كالمساواة الاجتماعية، والدفاع عن البيئة وحقوق النساء وغيرها. من الأفضل إخفاء معارضة قمع الفلسطينيين في عمق الثلاجة.
هكذا نشأ “عمى جغرافي” غير موجود في أي معركة انتخابية أُخرى في العالم. من جهة، تجد ملايين الفلسطينيين يخضعون لسلطة إسرائيلية (مباشرة أو غير مباشرة، لكن يومية) غير محسوبين، وليس لديهم صوت في اختيار الحكومة التي تصوغ حياتهم. ومن جهة ثانية، مئات آلاف المستوطنين يسكنون في المناطق التي يعيش فيها هؤلاء الفلسطينيون، يُدمجون “بصورة طبيعية” في عداد الناخبين الإسرائيليين.
تذكير بالبديهيات: المناطق والفلسطينيون لن يذهبوا إلى أي مكان آخر. إسرائيل لا تواصل فقط استيطان المناطق من خلال عملية كولونيالية شاملة، بل تواصل أيضاً السيطرة على الفلسطينيين بيد من حديد، على الرغم من مظاهر حكم فلسطيني مستقل في جيوب صغيرة. وقف الأموال التي تدين بها إسرائيل للسلطة في رام الله، الدخول المتكرر للجيش الإسرائيلي إلى مناطق أ في الضفة الغربية، والرقابة الإسرائيلية الدقيقة على توزيع أموال قطر في قطاع غزة، أثبتت في الأسابيع الأخيرة عمق سيطرة إسرائيل على الفلسطينيين.
يدل العمى الجغرافي- أي السياسة التي “ترى” يهوداً لكنها لا ترى فلسطينيين- على مسار أعمق كثيراً، يمكن تسميته “أبرتهايد زاحف”. تحت هذا النظام، الناشىء بعد 70 عاماً من تهويد الدولة، و50 عاماً من الاستيطان في المناطق، نشأت تحت حكم إسرائيل وتمأسست عدة أنواع من المواطنة.
اليهود هم أصحاب مواطنة كاملة في كل مكان في البلد، بينما ينقسم العرب والفلسطينيون إلى فئات أدنى: مواطنون (من الدرجة الثانية) في إسرائيل، سكان القدس الشرقية، رعايا في الضفة وفي غزة. ومقارنة بالوضع الذي كان سائداً في الماضي في جنوب أفريقيا، اليهود هم “البيض”، والعرب من مواطني إسرائيل هم”الملونون”، بينما الفلسطينيون في المناطق هم “السود”. مئات المستوطنات ربطت بصورة مدنية المناطق بإسرائيل وحولت الاحتلال إلى أبرتهايد. هذا الوضع عززه قانون القومية وقانون شرعنة البؤر الاستيطانية غير القانونية اللذان يرسخان السيطرة الإسرائيلية القانونية بين نهر الأردن والبحر، وسياسة اقتصادية توجّه معظم موارد البلد إلى اليهود.
هذا الواقع الذي يزداد وضوحاً يتطلب إعادة صوغ خطوط النضال السياسي. لم يعد هناك وهم بأن الصراع هو صراع بين يمين ويسار، كما في دولة عادية يوجد فيها معسكر محافظين، ديني، قومي ، رأسمالي (اليمين) في مواجهة معسكر ديمقراطي، علماني، متعدد الثقافات وأكثر مساواة (اليسار). في هذه الدول الصراع بين يمين ويسار له حدود جغرافية وسياسية ديموغرافية واضحة. لا يحاول أي معسكر خرق هذه الحدود إلى مناطق جديدة وفرض سلطته على سكان ليسوا مواطنين على الرغم من إرادتهم.
في مقابل ذلك، في إسرائيل يتطلع معسكر اليمين علناً إلى ضم مناطق إلى دولة دون أن تمنح هذه الدولة المواطَنة للفلسطينيين. أي مواصلة السيطرة على شعب كامل من دون إعطائه حقوقاً سياسية، الأمر الذي يتعارض بصورة مطلقة مع القانون الدولي والأخلاق الإنسانية. صحيح هناك مساهمة للفلسطينيين في هذا المسار، وخصوصاً بعد عقود من الرفض واستخدام الإرهاب، لكن القوة السياسية لصوغ المستقبل كانت كلها في يد اليهود.
انضمام حزب قوة يهودية إلى الأحزاب التي تدور في فلك الليكود، وخطاب الغضب الذي ألقاه بنيامين نتنياهو بعد ظهور حزب أزرق أبيض، أزالا بقايا الأقنعة. الهدف هو محاربة حقوق الفلسطينيين على طرفي الخط الأخضر، وفي العالم كله.
إذا أزلنا الغبار عن الخطاب التاريخي والديني أو العسكري المحق، يظهر أن جميع أحزاب اليمين تعلن تأييدها ضم المستوطنات واستمرار قمع الفلسطينيين. وتنضم الأحزاب الحريدية عملياً إلى هذه العملية. لذلك يجب البدء بتسمية معسكر اليمين في هذه الانتخابات “كتلة الأبرتهايد”. وفوزه المحتمل في الانتخابات سيرسم استمرار هذا المسار في السنوات المقبلة: أنواع مواطَنة غير متساوية ستستمر وتتمأسس تحت هذا الحكم الذي سيعمق نظام الأبرتهايد بين نهر الأردن والبحر.
ما هو الرد الملائم؟ يجب على أنصار الديمقراطية من اليمين ومن اليسار إنشاء جبهة ضد الأبرتهايد في هذه الانتخابات. وعلى الرغم من الفروق الكبيرة بينهم في مجالات أخرى، فإن هذا يشكل قاسماً مشتركاً يمكن أن يوحد قوى ومنظمات من اتجاهات متعددة- من حزب كلنا، وغيشر، وأزرق أبيض، وصولاً إلى الأحزاب العربية. فلسطينيون ويهود، شرقيون وأشكناز، أغنياء وفقراء. جبهة ضد الأبرتهايد ترفع هذا الحوار إلى وسط المنصة، وتستطيع أيضاً أن تجذب أصواتاً من مؤيدي اليمين الذين لديهم أجندة ديمقراطية.
لقد أفلس الحديث عن “احتلال” هناك و”ديمقراطية” هنا، وعن “يمين في مواجهة يسار” لأنه فقد علاقته بالواقع. يجب استبدال المصطلحات التي تحرك النضال. مصطلح “أبرتهايد” يُعتبر لدى كثير من الجماهير شتيمة، لكن يجب النظر إليه كوصف لواقع سياسي وحشي يُعتبر جريمة خطِرة في القانون الدولي.
“الاحتلال” غير قانوني، وفي إمكان إسرائيل الاستمرار فيه سنوات طويلة. يتعين على أحزاب اليسار والوسط رفع شعار معارضة الأبرتهايد كمحور مركزي. هكذا يستطيعون كسر العلاقة بين الكتل، وتجنيد دعم دولي ضد النظام الناشىء وخلق حلف بين مؤيدي الديمقراطية والسلام من جهتي المتراس الوطني.
كما أظهرت نزاعات مشابهة في إيرلندا والبوسنة وجنوب أفريقيا، هناك عدة حلول محتملة للأبرتهايد، تشمل التقسيم إلى دولتين، دولة فدرالية، كونفدارلية أو دولة ديمقراطية واحدة بين الأردن والبحر. لا يمكن طرح أي حل من هذه الحلول كخيار واقعي من دون نضال صارم ضد نظام التمييز الناشىء في دولة إسرائيل/فلسطين.
إن تغيير الخطاب هو عملية تستمر سنوات ولا يبدو أنها ستحدث في هذه الحملة الانتخابية. لكن كل صوت يهتم بذلك سيساهم في اختراق العمى الجغرافي والسياسي. يبدو أن الحرب على الأبرتهايد هي المعركة الكبرى في السنوات المقبلة في إسرائيل/فلسطين. وليس هناك وقت ملائم أكثر للبدء بها من الآن.

المصدر: صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية