إسرائيل تراقب تطور قدرات «حزب الله»: هل أصبحت الحرب قريبة؟

إسرائيل تراقب تطور قدرات «حزب الله»: هل أصبحت الحرب قريبة؟
Spread the love

بقلم: محمد صالح الفتيح — لا شك في أن إسرائيل راقبت باهتمام استعراض المدرعات الذي نفذه «حزب الله» في منطقة القصير السورية، إلا أن المرجح هو أن إسرائيل أكثر قلقاً إزاء تطورات من نوع آخر في قدرات «حزب الله». عند دراسة تطور قدرات «حزب الله» خلال السنوات العشر الماضية، منذ حرب تموز 2006، يمكن تمييز مرحلتين مهمتين الفاصل بينهما هو مشاركة «حزب الله» في الحرب السورية. يمكن القول إن مرحلة ما قبل المشاركة في الحرب السورية قد اتسمت اتساماً رئيسياً بأنها مرحلة مراكمة كمية، أي مراكمة المزيد من الصواريخ والذخائر وتدريب المزيد من الكوادر؛ في تلك الفترة كانت تقارير مراكز الأبحاث الإسرائيلية تركز على محاولة تقديم إحصاءات تقريبية حول عدد الصواريخ التي يملكها الحزب وتعداد عناصره المتفرغين منهم والاحتياط. بينما اتسمت المرحلة الثانية، بعد المشاركة في الحرب السورية، بأنها مرحلةُ تطورٍ نوعي غير مسبوق؛ والغالب أن التطورات النوعية في قدرات الجناح العسكري للحزب ما كانت لتحصل في الظروف الطبيعية. ما تحاول مراكز الأبحاث الإسرائيلية التركيز عليه الآن هو فهم هذا التغير النوعي: ما هي طبيعة الخبرات التي اكتسبها الحزب وكيف ستؤثر على المواجهة المقبلة؟

تطور قدرات القيادة والتحكم والاتصالات
برغم أن «حزب الله» قد نفذ في الماضي العديد من العمليات الخاصة الشديدة التعقيد، بما فيها عملية أسر الجنديين الإسرائيليين، يوم 12 تموز 2006، إلا أن المشترك بين كل تلك العمليات هو أنها كانت عمليات خاطفة تعتمد على خلايا صغيرة العدد من المنفذين الذين تدربوا عليها مطولاً، بإشراف مباشر من بعض أعلى القيادات العسكرية في الحزب، حتى حفظوا التفاصيل عن ظهر قلب، بما في ذلك المفاجآت المحتملة، قبل أن يمضوا إلى التنفيذ. وحتى خلال حرب تموز نفسها، التزم مقاتلو الحزب بتنفيذ نوع رئيسي واحد من العمليات تدربوا عليه طويلاً: الاستمرار بالقتال الدفاعي والتشبث بمواقعهم التي خزنوا فيها كل ما يحتاجون إليه للصمود لأسابيع أو أشهر.
هذا النمط من العمليات لم يكن يحتاج لإشراف مباشر، أو لحظي، من القيادات الأعلى. وهذا ما يميز عموماً تكتيكات حرب العصابات والأنصار، خاصةً ضد خصم متقدم تقنياً وقادر على التنصت على الاتصالات أو التشويش عليها تماماً. اعتمد «حزب الله» خلال حرب تموز على شبكة اتصالات سلكية تربط مقارّ القيادة بالنقاط التي كان المقاتلون يدافعون عنها. أثبتت تلك الشبكة فعاليتها يومها، ولكن سقف الفعالية بقي محدوداً نوعاً ما. كان سقف المفاجأة هو أن «حزب الله» تمكن من إبلاغ المئات من عناصره بالالتزام بقرار وقف إطلاق النار لمدة 48 ساعة خلال الحرب (هذا ما أشار إليه تحديداً الأمين العام لـ «حزب الله» في كلمته يوم 7 أيار 2008).
لا يمكن أن تقارن تلك العمليات الدفاعية، التي كانت تجري في بيئة حاضنة للحزب، بعمليات هجومية واسعة، على جبهات متعددة، يتواصل القتال فيها على مدار الساعة، ضمن بيئة معادية تماماً وغير معروفة. ففي ذلك النمط من العمليات الهجومية الواسعة المتواصلة، لا بد للقيادة من امتلاك قدرات سيطرة وتحكم واتصالات أكبر بكثير، والشبكة السلكية تصبح بلا أي فائدة. تشمل قدرات السيطرة والتحكم والاتصالات المتقدمة القدرة على تلقي المعلومات من مختلف الخلايا على امتداد ساحة المعركة، وكذلك من وسائل الاستطلاع المختلفة، بما فيها الطيران غير المأهول وأنظمة الرصد الكهرو- بصرية والرادارات المحمولة من قبل الأفراد، وإيصالها محميةً من التشويش والتنصت، إلى مراكز القيادة التي ستحلل المعطيات لحظياً وتزود المقاتلين بتعليمات فورية تناسب تطور مسار القتال. هذا النوع من القدرات والخبرات هو ما اكتسبه «حزب الله» في سوريا، بحسب التقديرات الإسرائيلية.
قدرت مجلة Jane’s للشؤون الدفاعية عدد مقاتلي «حزب الله»، في أيار 2015، بحوالي 20000، تلقى 5000 منهم التدريب في إيران. ولكن يمكن القول إن ميدان المعارك السوري بات مصدر الخبرات الأهم بالنسبة للقسم الأكبر من مقاتلي الحزب. فبحسب ما يتوفر من معلومات، من تقارير مراكز الأبحاث وكذلك من التقارير القادمة من الميدان، فقد تدرب مقاتلو الحزب على استخدام أجهزة اتصال لاسلكية محمولة تعتمد على تقنية «قفز الموجات الراديوية» (تغيير تردد موجة الاتصال مرات عدة خلال الثانية الواحدة) وتمتلك كذلك قدرات تشفير، وكذلك على استخدام أجهزة تحديد المدى بالليزر وأجهزة الرصد الكهرو- بصرية. القدرات اللوجستية تطورت أيضاً تطورا ملحوظا. فعلى عكس القتال الدفاعي الذي ذكرناه أعلاه، يتطلب القتال الهجومي، ولا سيما عند الانتشار في ميدان واسع، تزويد المقاتلين بما يحتاجونه من ذخائر ووقود وغذاء وأدوية، على مدار الساعة، وعبر خطوط إمداد طويلة، قد لا تكون آمنة دائماً. هذه الأنواع من القدرات المختلفة لا يمكن اكتسابه عبر الدراسة النظرية، أو عبر التدريب في مجموعات صغيرة، كما كان يحصل في السابق؛ يمكن اكتساب هذه الخبرات بالتجربة الحية المباشرة، بما تكلفه من أعباء ودماء.

الاستفادة من الوجود الروسي
منذ أن بدأت العمليات العسكرية الروسية في سوريا، والخبراء العسكريون الإسرائيليون يحذرون من الفوائد التي قد يجنيها «حزب الله» من هذا الوجود، ولا سيما لناحية اكتساب الخبرات. أحدث الدراسات الإسرائيلية التي أعدها البروفيسور دميتري أدامسكي، من «معهد هرتسيليا»، لمصلحة وحدة الدراسات التابعة لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي، فصلت المجالات التي يُقدر أن «حزب الله» قد استفادها من الوجود الروسي. برغم أن الطرفين، «حزب الله» وروسيا، لم يعلنا رسمياً عن تنسيق عمليات مشتركة، إلا أن «حزب الله» كان حاضراً في العديد من مواقع عمليات القوات الروسية، ويُقدر الإسرائيليون أن الحزب قد اكتسب خبرات مهمة، سواء عن طريق الاحتكاك المباشر أو المراقبة عن كثب.
على رأس قائمة ما يمكن أن يكون اكتسبه «حزب الله»، بحسب الدراسة الإسرائيلية، التي ستنشر قريباً، يبرز تطور «الفن العملياتي»، أي القدرة على تخطيط وتصميم العمليات العسكرية، وتعديلها خلال التنفيذ بما يتناسب مع المستجدات. إدراك هذه المستجدات لحظياً يمر بالضرورة بتطوير القدرات الإلكترونية للجناح العسكري، سواء في ما يتعلق بشبكة الاتصالات أو تقنيات الحرب الإلكترونية وعمليات القوات الخاصة. يشير أدامسكي تحديداً إلى ما بات جزءاً رئيسياً من العقيدة القتالية الروسية وهو استخدام الحرب الإلكترونية للتشويش على قدرات العدو وتعطيل قدرات اتخاذ القرار، خلال الدفاع والهجوم. ما يحذر منه أدامسكي تحديداً هو أن التطبيق العملي المحتمل لهذه القدرات، من قبل «حزب الله»، قد يكون إضعاف قدرات الرصد الإسرائيلي لعميات إطلاق الصواريخ والذي بات جزءاً مما يُطلق عليه قدرات «من المستشعر إلى المطلق» ويقصد بها تحويل عمليات استهداف منصات إطلاق الصواريخ إلى عملية أوتوماتيكية عبر نقل المعطيات لحظياً من المستشعر (جهاز الرصد مثلاً) إلى المطلق (الذي قد يكون طائرة مقاتلة أو وحدة مدفعية). يشير أدامسكي أيضاً إلى أن الحزب قد يكون استفاد من تطور تجربة القوات الخاصة الروسية، التي باتت تعتمد على القيادة المشتركة وعلى استخدام وسائل الحرب الإلكترونية أيضاً، وأن وحدة «الرضوان» قد تنتقل من مجرد وحدة مشاة متقدمة إلى قوة عمليات خاصة نوعية حقيقية.

هل الحرب قريبة؟
منذ أن انتهت حرب تموز 2006، والسؤال الملح هو: متى تبدأ الجولة التالية من الصراع؟ تدرك إسرائيل أن خيار توجيه ضربة استباقية واحدة تقضي على قدرات «حزب الله» بات خياراً شبه مستحيل، والخيار البديل، إذا ما قررت إسرائيل شن الحرب، هو خيار الحرب الشاملة. وهذا الخيار هو أيضاً خيارٌ معقدٌ، خصوصاً لأن الجيش الإسرائيلي لا يزال يعمل على تطوير قدراته استجابةً لدروس حرب تموز ومواجهات غزة. من المجالات التي نعلم أن الجيش الإسرائيلي يعمل على تطوير قدراته هي: قدرات الدفاع الجوي، وقدرات رصد عمليات إطلاق الصواريخ لاستهداف منصات الإطلاق فوراً، تطوير قدرات عمليات القوات الخاصة، تطوير قدرات سلاح المدرعات الإسرائيلي، ولا سيما للتعامل مع الصواريخ المضادة للدبابات، تطوير المزيد من قدرات الطيران غير المأهول والعربات البرية القتالية غير المأهولة، وكذلك الزوارق الحربية غير المأهولة، تطوير ذخائر ذات مدى أبعد، لسلاح الطيران ولسلاح المدفعية. الاستعدادات الإسرائيلية لا تشمل التقنيات والعتاد فحسب، بل تشمل تحديداً العقيدة القتالية للجيش الإسرائيلي.
يدرك الإسرائيليون أن زمن الحروب الخاطفة قد ولى، وقد شرح الإسرائيليون هذا في الوثيقة التي نشروها في آب 2015، والتي حملت عنوان «استراتيجية قوات الدفاع الإسرائيلية»، وهي المرة الأولى التي ينشر فيها الجيش الإسرائيلي مثل هذه الوثيقة. السؤال الآن بالطبع هو: متى سيتمكن الإسرائيليون من إنجاز كل هذه الاستعدادات؟ مع بداية هذا العام، بدأت الخطة الخمسية الجديدة للجيش الإسرائيلي، «الخطة جدعون»، وهي الأولى منذ أن انتهت الخطة السابقة في العام 2011. تشمل الخطة جدعون تغييرات مهمة في هيكلية الجيش الإسرائيلي، والغالب أن العمل على تنفيذ هذه الخطة سيؤجل احتمالات المواجهة، ولا سيما أن إسرائيل تعتبر أن «حزب الله» منشغل بالكامل في الحرب السورية، وأن خطر «حزب الله»، وإن كان متعاظماً إلا أنه ليس محدقاً. وبالتالي يمكن القول إن الحرب قريبة ولكنها ليست وشيكة.

المصدر: صحيفة السفير اللبنانية