حصاد السياسة الخارجية التركية في عام 2015

حصاد السياسة الخارجية التركية في عام 2015
Spread the love

rouhani-erdogan

قراءة: جلال سلمي* — يرمي كتاب “السياسة الخارجية التركية خلال عام 2015” الصادر هذا العام عن مركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية “سيتا” في أنقرة، والذي ساهم فيه عدد كبير من الباحثين الأتراك المختصين بالعلاقات الدولية التركية، إلى إبراز أهم النقاط التي سارات عليها السياسة الخارجية التركية خلال عام 2015، طارحا ً تساؤل رئيسي مفاده ما الأجندة الجديدة التي طرأت على السياسة الخارجية التركية خلال عام 2015؟”
وبموازاة ذلك، عمل المؤلفون على الإجابة لعدة أسئلة فرعية أهمها:
ـ كيف أثر “تنظيم الدولة””داعش” على علاقات تركيا الخارجية مع الولايات الأمريكية المتحدة والاتحاد الأوروبي؟
ـ على ماذا استند مسار العلاقات التركية الإيرانية؟
-ما هي الأسس التي اتسمت بها السياسة الخارجية التركية حيال “إسرائيل” والأردن وفلسطين؟
ـ ما هي الأبعاد الأساسية للسياسة الخارجية التركية إزاء أفريقيا؟
يمثل هذا الكتاب النشرة السابعة من نشرات مركز “سيتا” الذي نشر منذ عام 2009 سبع نشرات خاصة باستقراء أبجديات السياسية الخارجية التركية خلال الأعوام الماضية.

العلاقات التركية – الألمانية
يرصد الباحثان عمر يلماز وإسماعيل إيديز في الفصل الأول الحامل لعنوان “العلاقات التركية الألمانية” التغيّر الذي ظهر على الموقف الألماني إزاء حزب العمال الكردستاني “البي كي كي” الذي تصفه تركيا بالمنظمة الإرهابية، حيث يشيران إلى أن ألمانيا أعلنته كمنظمة إرهابية في عام 1993، ولكن برغم ذلك لا تزال تسمح له بتأسيس شبكات واسعة ومتنوعة من الجمعيات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي يروّج من خلالها لأهدافه السياسية.
ووفقاً لما يوضحانه، فقد قامت تركيا أكثر من مرة بتسليم ألمانيا ملفات ضخمة تثبت جرائم “الكردستاني” وتكشف أسماء الجمعيات الفاعلة باسمه في ألمانيا، إلا أن الأخيرة لم تصغِ لتركيا ولم تقم باتخاذ الإجراءات اللازمة، الأمر الذي تعرفه تركيا على أنه دعم ألماني غير مباشر لحزب العمال الكردستاني.
وكشفا الباحثان أن ألمانيا تتعاون في بعض الأحيان مع تركيا وتعمل على التضييق على جمعيات الحزب، ولكن وفقاً لسياسة الرابح زائد الرابح، أي سياسة تكفل لتركيا الربح في بعض المجالات لترغيبها في التعاون مع ألمانيا التي تسعى لتحقيق بعض مصالحها في المنطقة، وقد بدا ذلك جلياً، خلال عام 2015، بعد استجداء ألمانيا بتركيا للتعاون فيما يتعلق بالخطر الإرهابي الذي يشكله تنظيم “داعش” والعبء الاقتصادي الاجتماعي الذي تشكّله موجات اللجوء القادمة من تركيا إلى دول الاتحاد الأوروبي وخاصة ألمانيا.
وإلى جانب الدعم القانوني واللوجستي الذي تقدمه ألمانيا للكردستاني والذي يعمل على تهاوي العلاقات التركية الألمانية، أوضح الكتاب أن ألمانيا تقدم دعماً لذراعه في سوريا والمعروف باسم حزب الاتحاد الديمقراطي “البي ي دي”، بالإضافة إلى أنها تقوم بتوفير تغطية إعلامية ترويجية للعمليات التي يقوم بها الكردستاني والديمقراطي وتصورها على أنها أعمال بطولية في وجه الإرهاب “الداعشي”، مبيناً أن ألمانيا تسعى من خلال دعمها للمنظمات الإرهابية المحاربة لتركيا غرس أسس توازن القوى التي قد تضطر تركيا للرضوخ أمام مطالب ألمانيا بشكل خاص والاتحاد الأوروبي بشكل عام، حيث تكشّر عن أنيابها الداعمة لهذه المنظمات في وجه تركيا التي قد ترى أن قوتها لا توازن هذه القوة فتُرغم على تنفيذ الأجندات الغربية.
وتعليقاً على مسار هذه السياسة التي يعتبرها الباحثان الوجه العام للسياسة الغربية حيال تركيا، أكّدا أن العلاقة بين تركيا والاتحاد الأوروبي لم تعد قائمة على التبعية التركية البحتة، بل باتت قائمة على أساس تكاملي، فتركيا أمست قادرة على توفير العديد من السلع الاقتصادية للاتحاد الأوروبي، إلى جانب أنها أصبحت قادرة على توفير أمنها وسلمها بعيداً عن الدعم الأمني الخارجي. وفي ظل احتدام الأزمات الأمنية والإنسانية التي صارت تدك مضجع دول الاتحاد الأوروبي، بات هناك دور محوري لتركيا بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي الذي سيضطر لتخفيف أو حتى منع الدعم بالكامل عن حزبي العمال الكردستاني والاتحاد الديمقراطي لقاء الاستفادة من الدور المحور لتركيا التي ستزداد أهميتها بالنسبة للاتحاد الأوروبي بعد تمديد خطوط أنابيب الغاز.

العلاقات التركية الإيرانية
وفيما يتعلق بمسار العلاقات التركية الإيرانية، أشار الخبير “كمال إينات”، بروفسور العلاقات الدولية في جامعة سكاريا، إلى أن التوتر الذي أصاب العلاقات التركية الإيرانية نتيجة الأزمة السورية تواصل وبتوتر أكبر حتى خلال عام 2015، موضحاً أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عبّر عن العلاقة التنافسية بين بلاده وإيران من خلال التصريح بأن “إيران تحاول الهيمنة على المنطقة بأكملها، وهذا لا يطمئن تركيا إطلاقاً”.
ووفقاً لإينات، فقد ترجمت تركيا عدم حيادها ووقوفها في القطب الموازي للقطب الإيراني من خلال دعمها للمملكة العربية السعودية في عملية “عاصفة الحزم”، حيث عبّر عن ذلك أردوغان بنفسه، وقد تمادي في مهاجمة إيران لدرجة إلغاء الطرف الإيراني مراسم استقباله في زيارة كانت مزمعة آنذاك، وعُكست الوتيرة العالية للتوتر السياسي بين الطرفين عبر وسائل الإعلام، حيث هاجمت صحف تركية عدة إيران بعناوين إخبارية توحي بوجود حالة “حرب” خفية بين الدولتين. فعلى سبيل المثال كتبت الصحفية التركية “هلال قابلان” مقالها المنشور في جريدة “صباح” بتاريخ 19 أغسطس 2015 تحت عنوان “الاتحاد الإيراني ضد تركيا”. أما صحيفة “ميلييت” فنشرت بتاريخ 17 أغسطس 2015، تقريراً صحفياً بعنوان “خطة إيران المرعبة ضد تركيا”، وافتتحت جريدة “تقويم” صفحتها الأولى في العدد الصادر بتاريخ 25 أغسطس 2015، تحت عنوان “خطة إيران الخبيثة ضد تركيا”. وذهب البعض إلى إرجاع هذا التوتر إلى أدراجه التاريخية، وذلك من خلال كتب الكاتب في جريدة “يني شفق”، إبراهيم كاراغول، مقالاً طويلاً بعنوان “شاه إسماعيل القرن الواحد والعشرين وحرب تركيا وإيران.”
وعلى الجانب الآخر، لم تتوانَ الصحف الإيرانية والمسؤولون الإيرانيون في الرد على الصحف التركية واتهامها لإيران بحياكة المؤامرات ضد تركيا، على حد تصوير الباحث كمال إينات الذي سطر بواعث الخلاف بين الطرفين ببعض النقاط:

ـ الأزمتان السورية والعراقية:
تنظر تركيا إلى الموقف الإيراني إزاء سوريا، وفقاً لإينات، على أنه موقف مذهبي بحت لا يتعاطى مع الأخلاق الإنسانية للمواطنين السوريين الذين يقتلون ويهجرون عن أوطانهم، فضلاً عن أنها تخشى من تثبيت إيران ركائزها في سوريا، حتى لا تكون لها نقطة انطلاق نحو مناطق أخرى، لا سيما الداخل التركي، فيما بعد.
ولعل تسجيل إيران اعتراضها الشديد على عملية “شاه فرات” العسكرية التي قامت بها تركيا يوم 22 فبراير 2015، لنقل رفات “سليمان شاه” من منطقة إلى أخرى، على مستويات رفيعة طالت وزارة الخارجية الإيرانية، حيث صرحّ نائب وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان بأن “التدخل العسكري الذي تقوم به الدول الجارة لسوريا يفاقم من حدة الأزمة”، الأمر الذي ردت عليه تركيا بغضب على لسان رئيس وزرائها آنذاك أحمد داود أوغلو الذي قال لصحيفة تايم إن “إيران تؤجج المشاعر الطائفية في سوريا والعراق، وتأتي لتطلب منا عدم الدخول إلى الأراضي السورية لحماية تاريخنا وكأن سوريا إحدى ولاياتها، الذي يجب أن ينسحب من سوريا والعراق هي إيران التي أشعلت الأزمات الطائفية وتسببت في ظهور داعش “المجرمة” إلى السطح.”
وبحسب إينات، فقد ظهرت بوادر الأزمة عينها في العراق، حيث عملت تركيا في ديسمبر على إرسال 150 جندي برفقة عدد من الدبابات إلى مخيم بعشيقة التدريبي، الذي تدعي تركيا وجودها هناك باتفاق مسبق مع بغداد، “فصدمت” بردة فعل عراقية لاذعة أتت على لسان رئيس الوزراء العراقي “حيدر العبادي” الذي طلب من تركيا الانسحاب خلال 48 ساعة وإلا فسيرفع الأمر إلى مجلس الأمن، واكبه تصريح من وزير الخارجية “إبراهيم الجعفري” الذي هدد تركيا بالحرب إن لم تنسحب.
ودعمت إيران آنذاك الموقف العراقي، مبينةً أنه من حق العراق الدفاع عن سيادته، الأمر الذي بادله الطرف التركي بغضب واتهام لإيران بتحريض الجانب العراق على تركيا، لنقض ما تم الاتفاق عليه مسبقاً.

ـ الدعم الإيراني لحزب العمال الكردستاني وتهديد إيران لبارزاني:
يرى إينات أن إيران تستخدم حزب العمال الكردستاني كأداة ضغط على تركيا لعزلها عن الساحة الإقليمية، مشيراً إلى أن دعمها للحزب زاد عشية نشوب الأزمة التركية الروسية في نوفمبر 2015.
وكشف إينات عن أن تركيا وإيران تتقسمان المصلحة في القضاء على المنظمات الكردية الإرهابية، فكلاهما يحتوي على أقلية كردية، وإن حظيت منظمة كردية إرهابية بحق ما فسيشجع المنظمة الأخرى على إظهار مقاومة أكبر للحصول على نفس الحق، مبيناً أن دعم إيران للكردستاني مؤقت وليس استراتيجياً.
بالرغم من الاختلافات الجمة التي تربط بين الطرفين، إلا أنهما لطالما عملا على فصل العلاقات الاقتصادية عن العلاقات السياسية وحمايتها من التأثر بها، ولكنهما على ما يبدو لم ينجحا في ذلك هذا العام، حيث تضاءل حجم التبادل التجاري بينهما من 14 مليون إلى 10 مليون دولار.

السياسة الخارجية التركية حيال العراق
في القسم الثالث من الكتاب، يحاول الدكتور في العلاقات الدولية “علي بالجي” والباحث “رجب طيب غورلار” والباحثة “زانا بايكال” استقراء السياسة الخارجية التركية حيال العراق، مشيرين إلى أن السياسة الخارجية التركية إزاء العراق كانت مبنية على التوازن بين حكومتي أربيل وبغداد، وقد سجلت نجاحاً باهراً في تحقيق الاتحاد السياسي والاقتصادي المترابط بين الطرفين، ولكن عقب ظهور تنظيم “داعش” تغيرت المعادلة وبات العراق يشكّل نقطة تحوّل إقليمية بالنسبة لتركيا التي أضحت ترى من حقها استهداف مناطق الموصل إلى جانب استهداف مناطق شمال العراق، حيث تقبع قوات حزب العمال الكردستاني.
ويُشير الباحثون إلى أن تحرك تركيا بهذا الشكل أثّر في علاقاتها مع بغداد التي جمعتها معها علاقات متينة منذ احتلال العراق عام 2003 وحتى عام 2014، وحاولت تركيا احتواء احتدام الأزمة من خلال رفع مستوى التعاون مع رئيس الوزراء الجديد حيدر العبادي الذي رأت فيه الاستقلال الأكبر في القرار مقارنة بسلفه نوري المالكي. ولتطوير علاقاتها مع بغداد عملت أنقرة على طرح مشاورات لتجارة النفط وتقديم المساعدة العسكرية والاستخبارية لبغداد فيما يتعلق بمجابهة داعش والقضاء عليها، الأمر الذي أعاد جو التناغم إلى العلاقات الرابطة للطرفين.
ووفقاً للباحثين، فقد استمرت العلاقات الجيدة بين الطرفين حتى ديسمبر 2015، حيث غيّرت تركيا جنودها الموجودين في مخيم بعشيقة مع رفع عددهم إلى 600 وتزويدها للمخيم بـ25 دبابة ومدرعة، مما تسبب بنشوب أزمة دبلوماسية بين البلدين اُطلق عليها اسم “أزمة بعشيقة”.
ظهرت الشواهد الأولى للأزمة من خلال إبلاغ وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري سفير تركيا في بغداد فاروق كايماكجي بقلق العراق البالغ من هذا التحرك الذي وصفه “اعتداء سافراً على السيادة العراقية”، طبقاً لما يورده الباحثون الذين نوّهوا إلى أن الرئيس العراقي فؤاد معصوم ورئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي وصفا هذا التحرك بالخرق الواضح للقانون الدولي، وقد منح العبادي تركيا 48 ساعة للانسحاب من العراق وإلا فإن الحكومة العراقية سترفع القضية إلى مجلس الأمن.
ورداً على هذه التصريحات، صرحت أنقرة بأن هذا التحرك يأتي في إطار تغيير الورديات العسكرية بشكل روتيني، مشددةً، وفقاً للخبراء، على أن تركيا تتحرك بناءً على الاتفاق الذي تم بينها وبين بغداد إبان زيارة العبادي في مارس من عام 2014.
ولقد هدفت الحكومة التركية إلى احتواء الأزمة من خلال إرسال رئيس الاستخبارات القومية هكان فيدان والمستشار الأول في وزارة الخارجية فيريدون سينرلي أوغلو إلى بغداد في العاشر من ديسمبر 2015، وبالرغم من التقائهما بكل من العبادي والجعفري، إلا أنهما عادا إلى أنقرة بخفي حنين، واستمرت بغداد في الإلحاح على سحب تركيا لقواتها.
وفي إطار الأزمة، قدمت الحكومة العراقية طلباً إلى مجلس الأمن للضغط على أنقرة لسحب قواتها من العراق، ورمت تركيا إلى تخفيف حدة الخلاف من خلال التلويح إعلامياً بسحب قواتها إلى أطراف إقليم شمال العراق، ليظهر بعد فترة من الزمن رئيس الوزراء داود أوغلو ويؤكّد أن قواته ما زالت في مكانها ولن تنسحب من هناك ما دامت داعش في الموصل، الأمر الذي أطال بعمر الأزمة حتى يومنا هذا.
وطبقاً للباحثين، فقد حرصت بغداد على عدم انهيار علاقاتها مع تركيا بشكل كامل، حيث صرح العبادي، إبان اختطاف 18 عامل تركي من مكان عملهم في بغداد بتاريخ 1 سبتمبر 2015 على يد ميليشية شيعية أطلقت على نفسها اسم “فرقة الموت”، بأن بغداد تعتبر الخاطفين إرهابيين ولن تتساهل في التعامل معهم.
وإلى جانب ذلك، عبّر بعض رجال الدين، وبالأخص المرجع علي سيستاني” والسيد مقتدى الصدر، عن استنكارهما الشديد لهذه العملية التي وصفاها بـ”أعمال داعشية”، داعين الخاطفين إلى إطلاق سراح العمال بسرعة، وقد ثمن داود أوغلو موقف بغداد من خلال مهاتفة العبادي وشكره على ذلك، وتحت الضغوط التي تعرض لها الخاطفون، تم إطلاق سراح المختطفين، بالرغم من تسطير الخاطفين بعض الشروط المسبقة لإطلاق سراحهم، إلا أن الضغط الحكومي والديني كان له أثره الواضح في إطلاق سراح العمال من دون تنفيذ تركيا تلك الشروط.
وفي ختام هذا القسم، أوضح الباحثون أن أنقرة وبغداد حافظتا على علاقاتهما خلال عام 2015، بالرغم من الأزمات العديدة التي أحاطت بها، ولكن في ظل التنافس الإيراني التركي يبقى احتمال تدهور العلاقات التركية العراقية يلوح دوماً في الأفق.

السياسة الخارجية التركية إزاء سوريا
في القسم الرابع، تناول الباحث “جان أجون” السياسة الخارجية التركية إزاء سوريا، ويسطر أجون أسس السياسة الخارجية التركية حول سوريا في محددات رئيسية على النحو الآتي:
ـ مكافحة داعش:
وفيما يتعلق بهذه النقطة، قال أجون إن أنقرة قبلت في فبراير 2015 بقبول الانضمام “الجزئي” إلى التحالف الدولي، شريطة عدم استخدام الولايات الأميركية المتحدة قاعدة إنجيرليك العسكرية في دعم قوات الحماية الكردية “الي بي كي” ورفع مستوى الدعم اللوجستي والتدريب لقوات “الجيش الحر” السوري المنشق.
ولم يمر على الاتفاق المبرم بين الطرفين سوى ثلاثة شهور حتى أعلنت تركيا عدم القبول به، حيث تذرعت أن أميركا تدعم البي بي كي من خلال قاعدة إنجيرليك، وأن ليس هناك اتفاقاً ملموساً بينها وبين أميركا حول القوات التي سيتم تدريبها والهدف الذي ستتوجه هذه القوات صوبه، على ما يوضحه أجون الذي أضاف أن اختلاف الطرفين أفضى إلى تأسيس “قوات سوريا الديمقراطية” “قسد” بتاريخ 11 أكتوبر 2015.
وتعليقاً على ذلك، بيّن أجون أن تركيا لم تحقق أهدافها حول طريقة مكافحة داعش، وقد زادت صعوبة محاربة داعش مع نشوب الأزمة التركية الروسية التي انبثق عنها تهديد روسي واضح لأي تحرك جوي تركي فوق سوريا.

ـ الحزام الكردي في شمال سوريا:
وفقاً لأجون، فإن عام 2015 استمر في احتضان تشكيل “قوات الحماية الكردية” مصدر قلق يقض مضاجع أنقرة التي تخشى من تمكن هذه القوات على تشكيل حزام كردي على طول شريطها الحدودي مع سوريا، الأمر الذي ينمي الخطر الاستراتيجي عليها من خلال تحفيز ذلك لقوات حزب العمال الكردستاني لتوسيع نطاق عملياتهم انطلاقاً من الحدود السورية التركية التي يبلغ طولها 911 كيلو متراً.
وبانقطاع الفرص أمام تركيا لإجراء أي تحرك مضاد ضد تمدد “قوات الحماية الكردية”، باتت الأرضية مستوية أمام الأخيرة التي وصلت إلى تل الأبيض وعزاز وعفرين وجرابلس، على حد زعم أجون الذي أضاف أن منظمة العفو الدولية وبعض منظمات حقوق الإنسان السورية المحلية اتهمت قوات الحماية الكردية في ارتكاب جرائم حرب وأخرى عنصرية ضد المواطنين العرب هناك، ولكن على الرغم من ذلك إلا أن الدعم الأميركي والغربي والروسي والإيراني لهذه القوات بقي مستمراً، ولعل وصف عام 2015 من أسوء الأعوام على السياسة الخارجية التركية التي عجزت عن التحرك أمام أحد أهم الأخطار المداهمة لها، سيكون فائق الصحة.
ـ التدخل الروسي: يوجز أجون هذه النقطة بالإشارة إلى أن التدخل الروسي أسهم في تقدم قوات النظام وتراجع قوات المعارضة بشكل كبير، الأمر الذي بطبيعة الحال أثّر سلباً على طموح تركيا حيال الحلول المتوقعة في سوريا.
ـ مشكلة عدم وجود ممثل مؤثر للمعارضة السورية: أكّد أجون أن تركيا حاولت الصدح بالقضية السورية في كل منبر إقليمي ودولي، ومن أبرز هذه المنابر منبر قمة العشرين التي عقدت في أنطاليا وخُصصت بشكل كبير لمناقشة قضية اللاجئين السوريين. وأضاف أن القمة أظهرت وجود توافق شبه دولي حول ضرورة حل الأزمة السورية من خلال فترة انتقالية، وتضمن البيان الختامي للقمة النقاط التالية:
ـ إجراء انتخابات عامة خلال 18 شهر.
ـ تأسيس حكومة انتقالية مؤقتة خلال ستة شهور.
ـ إحراز هدنة ميدانية بين النظام وقوات المعارضة يُستثنى منها جبهة النصرة وداعش.
ولكن يمكن القول، كإضافة لتحليل أجون، بأن تدهور العلاقات التركية الروسية، بالإضافة إلى محاولة الولايات المتحدة الأميركية استغلال هذا التدهور لصالح تثبيت دعائمها في سوريا حال دون تحقق هذه الشروط، وفقدت القضية السورية الدور المؤثر لأكبر داعميها.

العلاقات التركية المصرية
في القسم الخامس، يتطرق الخبير إلى العلاقات التركية المصرية خلال عام 2015، موضحاً أنها حافظت على تدهورها، ولم يطرأ على السطح أي شاهد ملموس حيال إمكانية ارجاع العلاقات لما كانت عليه قبل عام 2013.
وعن العلاقات الاقتصادية أوضح الخبير أن ميزان التجارة المتبادلة بين البلدين لم يتأثر كثيراً بارتدادات التوتر السياسي، حيث بلغ حجم الميزان التجاري بين البلدين 4.830 عام 2013، و4.278 عام 2015، الأمر الذي يدل على محدودية تأثير التدهور السياسي على مسار العلاقات الاقتصادية.

العلاقات الخليجية التركية
في القسم السادس، يركز الباحث “أحمد أوج أغاج” على العلاقات الخليجية التركية، منوّهاً إلى أن العلاقات الخليجية التركية يمكن سردها في ثلاث نقاط أساسية:
ـ مسار متناسق شبه تام بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين والكويت إزاء تركيا؛ وبقي هذا المسار، وفقاً لأوج أغاج، على احتدامه حتى استلام الملك سلمان سدة الحكم في الرياض، حيث عادت شواهد التقارب بين الأطراف المذكورة وتركيا تطفو على السطح شيئاً فشيئاً، وعلى الرغم من الاحتقان الشديد بين الأطراف المعنية بشأن مصر، إلا أن التقاء المصالح في سوريا واليمن ولبنان أرغمها على تجاوز الخلاف الإيديولوجي وعقد الخناصر حول سياسات تقاربية تقدر على مواجهة “التمدد الإيراني”، وقد ظهر ذلك في إعلان تركيا دعمها الكامل للسعودية في عملية “عاصفة الحزم”، بالإضافة إلى تنسيق الجهود السياسية والعسكرية من خلال قدوم قوات سعودية جوية إلى قاعدة إنجيرليك التركية لأول مرة في التاريخ.
ورصد أوج أغاج الأسباب التي قاربت بين الطرفين على النحو الآتي:
ـ اتساع رقعة السيطرة الجغرافية السياسية لإيران وظهور حاجة ملحة لتوازن القوى على صعيد قطري.
ـ استمرار الأزمة السورية وتنامي التهديدات الإرهابية المداهمة بخطرها لكافة الأطراف، عوضاً عن الخسائر الاقتصادية التي تكبدها الطرفان.
ـ الفراغ الأمني الإقليمي الذي ظهر عقب إبداء الولايات الأميركية المتحدة رغبتها في التخلي عن حماية دول الخليج العربي.
وبالانتقال إلى مدى تأثير التوتر السياسي الذي خيّم على العلاقات بين تركيا وهذه الأطراف على التبادل التجاري، يكشف أوج أغاج أن الاضطراب السياسي كان له تأثير ملموس على التبادل التجاري، حيث انخفض ميزان التبادل التجاري بين المملكة العربية السعودية وتركيا من 6 مليون و909 ألف دولار خلال عام 2014 إلى 5 مليون و344 ألف دولار خلال عام 2015، وتضاءل التبادل التجاري بين الإمارات العربية المتحدة وتركيا من 7 مليون و891 خلال عام 2014 إلى 5 مليون و779 ألف دولار ما بين يناير وأكتوبر من عام 2015. وقد طال هذا التضاؤل العلاقات الاقتصادية بين تركيا والكويت بشكل طفيف، حيث انخفض حجم التبادل التجاري بينهما من 568 ألف دولار خلال عام 2014 إلى 504 ألف دولار خلال عام 2015، وقد شمل هذا الانخفاض العلاقات الاقتصادية بين تركيا والبحرين أيضاً، حيث تهاوى الميزان التجاري بينهما من 498 ألف دولار خلال عام 2014 إلى 280 ألف دولار خلال عام 2015.

ـ تركيا وقطر:
على النقيض من العلاقات التنافسية التي تجمع تركيا مع بعض دول الخليج، تزخر العلاقات التركية القطرية بتحالف تكاملي نوعي حسبما يوضح أوج أغاج، مبيناً أن الثراء الضخم الذي تتمتع به قطر دفعها للعب دور مستقل عن سياسة السعودية التي ترى من نفسها الحامي الأكبر للخليج، وعن سياسة الإمارات العربية المتحدة التي لطالما نظرت إلى قطر على أنها إحدى إماراتها.
وإضافة إلى الثراء الاقتصادي، يُشير أوج أغاج إلى أن المادة السابعة من الدستور القطري، والتي تقضي بضرورة تبني قطر مبدأ لعب دور الوسيط بين الأطراف المتنازعة، موضحاً أن دعم قطر لثورات الربيع العربي، خاصة جماعة الإخوان المسلمين، رفع من حجم تقاربها مع تركيا التي تتقاسم معها هذا الدور.
وأوضح أوج أغاج أن التقارب السياسي والإيديولوجي لكلا الدولتين رفع من حجم التقارب العسكري الاستراتيجي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي، وقد بدا ذلك جلياً من خلال تأسيس تركيا قاعدة عسكرية في قطر هي الأولى من نوعها منذ استقلال منطقة الخليج عن الدولة العثمانية، إلى جانب ارتفاع وتيرة تأسيس الجمعيات القطرية والتركية في كلا البلدين، ناهيك عن تطور التعاون الاقتصادي الاستراتيجي الذي تُرجم على أرض الواقع بواسطة توقيع الطرفين على اتفاقية تشاور مبدئي لنقل الغاز القطري عبر تركيا نحو أوروبا، وذلك خلال زيارة رسمية أجراها أردوغان في مطلع فبراير.
وعلى صعيد آخر، نوّه أوج أغاج إلى أن التدهور الأمني في العراق وسوريا والتوتر السياسي بين تركيا ودول الخليج الأخرى أثّرا سلباً على التبادل التجاري بين تركيا وقطر، بالرغم من علاقتهما الاستراتيجية، وظهر ذلك عبر تدني التبادل التجاري من مليون و310 آلاف خلال عام 2014 إلى مليون و81 ألف خلال عام 2015.

ـ تركيا وعمان:
عرف أوج أغاج سلطنة عمان على أنها دولة مستقلة بشكل كامل عن السياسات الخليجية، موضحاً أن عُمان تتبع مبدأ تأسيس العلاقات الجيدة مع جميع الأطراف بلا استثناء، وقد شمل هذا المبدأ حتى نظام الرئيس السوري بشار الأسد.
وأرجع أوج أغاج عدم انغماس سلطنة عمان في الخلافات السياسية الإقليمية إلى عدة عوامل:
ـ المذهب الديني(الإباضي) الذي يختلف عن المذهب الساري في دول الخليج الأخرى.
ـ الطموح في الظهور للسطح كميناء تجاري يخدم جميع الدول الراغبة في نقل البضائع من خلالها.
وبحسب أوج أغاج، فإن هذين العاملين أسهما في عدم اتباع السلطنة سياسة عدائية ضد ثورات الربيع العربي وبالتالي ضد تركيا، الأمر الذي لعب دوراً في إبقاء العلاقات السياسة والاقتصادية المتبادلة على حالها.
ووفقاً لأوج أغاج، فإن انخفاض التبادل التجاري بين الدولتين طفا على السطح نتيجة العوامل عينها التي أثرت على التبادل التجاري بين تركيا وقطر، وانخفضت التجارة المتبادلة بين الطرفين من 592 ألف دولار خلال عام 2014 إلى 341 ألف دولار ما بين يناير وأكتوبر خلال عام 2015.

السياسة الخارجية التركية إزاء القضية الفلسطينية
في القسم السابع، يتولى الباحث “رحمان داغ” مهمة رصد أهم مجريات السياسة الخارجية التركية إزاء القضية الفلسطينية، مشيراً إلى أن عام 2015 شهد تقارباً واضحاً مع إسرائيل، ولكن ليس على حساب القضية الفلسطينية على حد وصفه.
وعزا داغ اضطرار تركيا لتحقيق تقارب سياسي واقتصادي مع إسرائيل إلى العوامل التالية:
– حالة الغموض التي طفت على سطح السياسة الداخلية التركية بعد إجراء الانتخابات التشريعية مرتين في نفس العام، الأولى كانت بتاريخ 7 يونيو 2015 والثانية بتاريخ 1 نوفمبر 2015، حيث خشيت الإدارة التركية من تأثير هذا الغموض وانشغالها بالشأن الداخلي في تعزيز انعزالها العالمي، لذا عملت على التقارب مع إسرائيل.
ـ العزلة الإقليمية والدولية التي سقطت تركيا ضحيةً لها إثر دورها المتنامي في العراق وسوريا والبحر الأسود.
ـ مخزون الغاز الطبيعي في حوض شرق البحر الأبيض المتوسط؛ يشترك في هذا المخزون قبرص اليونانية وقبرص التركية ومصر وإسرائيل واليونان، حيث سعت مصر واليونان وإسرائيل في منتصف عام 2014 إلى التنقيب عن المخزون من دون تركيا، مما دفع الأخيرة إلى إصدار قواعد اشتباك تستهدف أي جسم مدني أو عسكري يقترب من هذا المخزون الذي يقع في إطار المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص التركية، ولحل التكتل المضاد كان لا بد لها من التقارب مع إسرائيل واليونان.
وحسب داغ، فقد تم توقيع على اتفاق التطبيع المبدئي بين تركيا وإسرائيل بتاريخ 17 ديسمبر 2015، ولكن ذلك لم يؤثر على الدعم التركي المديد للقضية الفلسطينية، حيث استمرت تركيا بتنديدها “بالجرائم” الإسرائيلية ضد المدنيين واقتحام المستوطنين للمسجد الأقصى ولم تقطع مساعداتها للشعب الفلسطيني.
وبالنظر إلى التبادل التجاري بين البلدين نجد أنه شهد تدهوراً ملحوظاً بين الطرفين، حيث تدنى من 4 مليون و900 ألف دولار خلال عام 2014 إلى 3 مليون و630 ألف دولار خلال عام 2015.

العلاقات التركية الأميركية
يطل علينا الباحث “كيليج بوغرا كانات” في القسم الثامن ليسطر أهم النقاط التي مرت بها العلاقات التركية الأمريكية خلال عام 2015.
وفي إطار ذلك، أشار كانات إلى أن العلاقات الدبلوماسية المتبادلة بين الطرفين اُصيب بزعزعة قوية إبان أزمة “عين العرب” أو “كوباني” التي ظهرت خلال عام 2014، ومع دخول عام 2015 كرّس الطرفان جهودهما لإعادة الثقة المتبادلة وإزاحة الخلافات حول القضية السورية التي تشكل نقطة الخلاف الأساسية في التحرك بين الطرفين.
ولتحقيق ذلك، عمل الطرفان على وضع دعائم قوية فيما يتعلق ببرنامج تدريب قوات المعارضة السورية “المعتدلة” والتحرك المشترك ضد داعش، إلا أن التجاذب الإعلامي حافظ على استمراره باتهام وسائل الإعلام الأميركية الحكومة التركية بالتكاسل في اتخاذ دور فعال في محاربة داعش، مستندةً إلى رفض أنقرة الانضمام إلى التحالف الدولي إلا بشروط، الأمر الذي فسّره الخبراء على أنه شاهد يؤكد دعم تركيا لوجود “داعش” والعمل معها بشكل مشترك.
وأرغم ذلك، وفقاً للباحث كانات، تركيا عن توجيه طاقتها للدفاع عن نفسها، مدعيةً أن الولايات المتحدة تقدم مساعدات وافرة لـ”قوات الحماية الكردية” التي تعتبرها تركيا الذراع العسكري لحزب العمال الكردستاني “الإرهابي” في سوريا، وذلك لا ينم عن نية حقيقية لدى أميركا لتحقيق تعاون مشترك في القضاء على الخطر الإرهابي المتنامي في سوريا بفعل تمدد تنظيم داعش.
واستناداً إلى كانات، فقد أدى طرح قضية “مجزرة الدولة العثمانية بحق الأرمن عام 1915” على طاولة الرئاسة الأميركية وتسليط وسائل الإعلام الضوء عليها طيلة شهر أبريل نيسان 2015، إلى احتدام العلاقات بين الطرفين.
ويؤكد كانات أن إعلان بعض المسؤولين الأتراك عن التوصل إلى اتفاق نهائي مع إحدى الشركات الصينية لتأسيس منظومة أمنية دفاعية متكاملة في تركيا أحدث توتراً شديداً في العلاقات التركية الأميركية، وأعربت أميركا عن قلقها الشديد، مما اضطر الحكومة التركية لإعلان عدم توصلها إلى الاتفاق بشكل نهائي.
وبالرغم من التوتر المتنامي، أعلن وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، في أيار مايو 2015 أن الطرفين اتفقا على إعادة تفعيل اتفاقية تدريب المعارضين، مبيّناً أن برنامج التدريب سيشمل في البداية 300 مقاتل، على حد ما يوضحه كانات الذي بيّن أن العلاقات بين الطرفين تطورت لتشمل الاتفاق على انضمام تركيا إلى التحالف الدولي لمحاربة داعش بشكل جزئي، وذلك من خلال استخدام قوات التحالف لقاعدة إنجيرليك، إلى جانب المشاركة في العمليات الجوية، وبينما تم توقيع الاتفاق بتاريخ 23 يوليو 2015، تحرك الطيران التركي ضد أهداف داعش بتاريخ 24 يوليو 2015.
وفي 3 أغسطس بدأت الولايات المتحدة الأميريكية باستخدام قاعدة إنجيرليك ضد داعش في سوريا، وقد اشترط الجانب التركي عليها عدم استخدام القاعدة إطلاقاً في دعم قوات الحماية الكردية.
وعلى هامش قمة العشرين المنعقدة في أنطاليا التركية، توصل الطرفان إلى توقيع اتفاقية لتدريب ألفين معارض سوري، وبدأ عام 2015 بتوتر جسيم بين الطرفين، إلا أنه انتصف وانتهى بتقارب مشهود.

مسار العلاقات التركية الأوروبية
يصحبنا كل من الباحثة في العلاقات الدولية فيليز جيجي أوغلو والخبيرة في شؤون الاتحاد الأوروبي فخرية كيسكين كاراغول في القسم التاسع للحديث عن مسار العلاقات التركية الأوروبية خلال عام 2015.
ولقد اتسم عام 2015 بتقارب ملحوظ بين أنقرة وبروكسل، واُرجع ذلك التقارب إلى موجة اللاجئين العارمة التي ضربت أعماق الاتحاد الأوروبي وهددته بالتفكك، وشرع الطرفان في التشاور حول الحلول التعاونية في 5 أكتوبر حيث زار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بروكسل والتقى هناك برئيس مجلس الاتحاد الأوروبي دونالد توسك ورئيس البرلمان الأوروبي مارتن شولتز، وعرض الاتحاد الأوروبي في الزيارة المذكورة مليار يورو على تركيا في مقابل كبح عمليات تهريب اللاجئين نحو دول الاتحاد الأوروبي، وأكدت الهيئة التركية حينذاك بعدم موافقة تركيا على هذا العرض مباشرة وطلبت من الاتحاد الأوروبي منحه مهلة قصيرة للتشاور.
وركوناً إلى ما تورده الباحثتان، فقد أرغمت وتيرة أزمة اللاجئين المتواترة الاتحاد الأوروبي على قبول شروط تركيا القاضية بمنحها 3 مليارات يورو، مع فتح فصول تفاوض جديدة، بالإضافة إلى رفع تأشيرة شينغين عن المواطنين الأتراك، ورداً على تلك الخطة صرّح توسك أن الاتحاد الأوروبي يقبل بها بشكل مبدئي.
وانتهت الباحثتان إلى أن الطرفان استمرا في التفاوض والتباحث في عدة قمم خاصة عقدت بتاريخ 18 أكتوبر و12 نوفمبر وعلى هامش قمة العشرين الاقتصادية في أنطاليا، ولكن لم يتم التوصل إلى اتفاق نهائي خلال عام 2015.
وإكمالاً لذلك، أوردت وسائل الإعلام أن الطرفين لم يتمكنا من التوصل إلى اتفاق نهائي، حيث أمهلت تركيا الاتحاد الأوروبي رفع التأشيرة عن المواطنين الأتراك حتى آخر يونيو، ولكن البرلمان الأوروبي رفض رفع التأشيرة، الأمر الذي أدى إلى تقويض الاتفاق بين الطرفين.
وعلى صعيد آخر، أوضحت الباحثتان أنه على الرغم من أن أزمة اللاجئين نشّطت اجتماعات الطرفين، إلا أن قبول بعض دول الاتحاد الأوروبي، مثل قبرص اليونانية والنمسا وبلجيكا، وحتى البرلمان الأوروبي، أحداث 1915 على أنها “مجزرة” عثمانية بحق المواطنين الأرمن، وذلك خلال عام 2015، وهذا ما أدى إلى رفع وتيرة التراشق الإعلامي بين الطرفين بالرغم من محاولتهما التقارب لحل أزمة اللاجئين.
وكشفت الباحثتان أن نشر اللجنة الأوروبية تقرير “التقدم” الخاص بتركيا بتاريخ 10 نوفمبر 2015، والذي رأى أن الاقتصاد التركي لاي زال ضعيفاً وغير منسجم مع المعايير الأوروبية، كما أن التدهور الداخلي في الاقتصاد التركي في زيادة، وهذا لا يتناسب مع قواعد الاتحاد الأوروبي، وألمح التقرير إلى أن تركيا لا تزال تقمع الحريات الشخصية والاجتماعية، زاد العلاقات المستعرة بين الطرفين لهيباً.

السياسة الخارجية التركية حيال منطقة القوقاز ووسط آسيا
وتطلعنا الباحثة أوزجور توفيكجي، في القسم العاشر، على السياسة الخارجية التركية حيال منطقة القوقاز ووسط آسيا، مشيرةً إلى أن تركيا حاولت إبان استقلال دول وسط آسيا، فرض نفسها على المنطقة كدولة رائدة من خلال مؤتمر “الدول الناطقة باللغة التركية” الذي عقد أول مرة عام 1992 وظل ينعقد حتى يومنا هذا. ولكن نظراً للمنافسة الروسية الشديدة، إلى جانب ضعف القدرات لدى تركيا، فإنها لم تستطع إحراز النفوذ الدبلوماسي المرجو، فخططت حكومة حزب العدالة والتنمية سياستها حيال هاتين المنطقتين في إطار التقارب الاقتصادي والثقافي الناعم فقط من دون إشعار دولها بالرغبة في إحراز أي سيطرة دبلوماسية عليا. لذا وانطلاقاً من ذلك المبدأ سعت تركيا خلال عام 2015 للتقارب من اتحاد أوراسيا الاقتصادي الذي أصبح اتحاداً فعلياً يضم كل من روسيا وبيلاروسيا وأرمينيا وقيرغيزستان بتاريخ 1 يناير 2015.
ووفقاً للباحثة، فإن تقارب تركيا الإيجابي شكّل نقطة محورية على الساحة الدولية التي رأت أن هذا الاتحاد يأتي في إطار سعي روسيا لإعادة إحياء الاتحاد السوفييتي، إلا أن أنقرة أبدت رغبتها في التقارب إلى الاتحاد الذي رأته اقتصادياً بحتاً، وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قد عبّر أثناء زيارته لتركيا بتاريخ 1 ديسمبر 2015، عن رغبته في حصول تركيا على دور فعال داخل الاتحاد، ولكن لم يتم قطع أي شوط ملموس في التقارب بين تركيا والاتحاد، ولعل مرد ذلك إلى تدهور العلاقات التركية الروسية إبان أزمة إسقاط الطائرة الروسية التي دفعت تركيا لمنافسة روسيا بالتقارب إلى أوكرانيا سياسياً وعسكرياً واقتصادياً وتضييق الخناق على روسيا في البحر الأسود، وكما أدت إلى إعلان بعض دول رابطة الدول المستقلة، ككازخستان وقيرغيزستان، دعمهما لروسيا ضد تركيا في الأزمة، مدعيين أن تركيا انجرت وراء طموحها في إعلاء نفوذها الدبلوماسي والتأثيري على حساب علاقاتها الاستراتيجية مع روسيا.
وقد شهد عام 2015 تقارباً دبلوماسياً ملحوظاً بين تركيا وباكستان، وتُرجع توفيكجي ذلك إلى الصراع المذهبي في المنطقة، مشيرةً إلى أن باكستان تحتضن عدداً لا بأس به من الشيعة، وتخشى محاولة إيران تحريك المواطنين الشيعة ضد الحكومة، لذا تحرص على التقارب إلى السعودية وتركيا اللتين تريان فيها سنداً قوياً للحفاظ على محيط إيران السني من عبور الهلال الشيعي على حد وصفها.

السياسة الخارجية التركية حيال منطقة البلقان
ويتطرق الباحثان محمد أوغور إيكينجي ونديم أمين، في القسم الحادي عشر، إلى السياسة الخارجية التركية حيال منطقة البلقان، مؤكدين أن تركيا خلال عام 2015 استمرت في ممارسة السياسة الناعمة المرتكزة على التداخل الثقافي والاجتماعي والتقارب الاقتصادي بينها وبين دول البلقان كافة دون استثناء.
وعلى العكس من الأعوام السابقة، شهدت العلاقات بين تركيا وصربيا تقارباً اقتصادياً ليس له صنو في الماضي، حيث حصل بنك خلق الحكومي على ما نسبته 76.76% من حصة بنك كاكانسكا الصربي، إلى جانب ذلك، تم عقد عدد من الاجتماعات الاقتصادية التشاورية بين البلدين شملت التقاء أكثر من 400 رجل أعمال تركي وصربي على حد ما يوضحه الباحثان.
وفي إطار متصل، يشير الباحثان إلى أن تركيا عملت على إحداث توافق بين الشعبين البوسني والصربي من خلال السياسة الاقتصادية الناعمة المستندة على تأسيس منتدى اقتصادي ثلاثي يناط به عدة مهام مثل تنظيم الاجتماعات الاقتصادية والثقافية الثلاثية بشكل دوري، وإعداد الاتفاقيات الاقتصادية بين الدول الثلاث، إلى جانب رفع وتيرة لقاءات المسؤولين رفيعي المستوى.
وبحسب الباحثين، فإنه على الرغم من التقارب الملحوظ بين تركيا ودول البلقان إلا أن ميزان التبادل التجاري أشار إلى انخفاض حجم التجارة بنسبة 21% في عام 2015، حيث تدنى الميزان التجاري من 19 مليار و144 مليون و335 ألف دولار إلى 15 مليار و121 مليون و967 ألف دولار، ويرد الباحثان ذلك إلى أزمة انخفاض سعر النفط التي أدت إلى انهيار عدد من الدول المستهلكة وبالتالي أثرت على الدول الصناعية سلباً، الأمر الذي أدى إلى تخفيض الاستهلاك والإنتاج معاً وأصبح هناك ما يسمى بالانكماش الاقتصادي العالمي.

السياسة الخارجية التركية حيال أفريقيا
حول السياسة الخارجية التركية حيال أفريقيا، يصفها الباحث رمضان أرداغ، في القسم الثاني عشر، بأنها سياسة انفتاحية شمولية، موضحاً أن التدهور الأمني في منطقة الشرق الأوسط اضطرت تركيا لاتباع سياسة الانفتاح على جميع الأصعدة، فشملت تلك السياسة أفريقيا ووسط آسيا وحتى أميركا الجنوبية.
ووفقاً لأرداغ، فإن السياسة التركية للانفتاح باتجاه أفريقيا بدأت عام 2005 من خلال ما عُرف باسم “خطة أفريقيا”، ومع دخولها لعام 2015 زادت وتيرة هذه السياسة، حيث زار أردوغان أفريقيا 10 مرات خلال الثمانية عشر الشهور الأخيرة، الأمر الذي دفع تركيا لتعلن عام 2015 “عام أفريقيا”.
وأشار أرداغ إلى أن تركيا ركنت في انفتاحها على أفريقيا إلى السياسة الناعمة التي تمثلت في توسيع الخطوط الجوية التركية رحلاتها إلى عدد كبير من الدول الأفريقية ذهاباً وإياباً، وإرسال وكالة التنسيق والتعاون لإنشاء وترميم المدارس والمستشفيات والطرق، وزيادة عدد المنح المقدمة للطلاب الأفارقة الراغبين في القدوم إلى تركيا، فضلاً عن الدور الفعال الذي لعبت وكالة الأناضول في تقديم أخبارها باللغة الفرنسية.
وأكّد أرداغ أن الانفتاح التركي على أفريقيا له الكثير من النتائج الإيجابية على المصالح الاقتصادية لتركيا، حيث أصبح الكثير من الدول الأفريقية تستهلك البضائع التركية، فارتفع التبادل التجاري بين تركيا وأفريقيا من 2.5 مليار لعام 2005 إلى أكثر من 25.5 مليار لعام 2015، ناهيك عن الاستثمارات التركية المباشرة هناك، والتي بلغت ما يقارب 6 مليار دولار.
وأخيراً حسب أرداغ، فإن أفريقيا فيها الخير الكثير على تركيا، لا سيما أنها القارة الوحيدة التي لم يطرأ على ميزانها التجاري انخفاض بحلول عام 2015، ولكن تواجه تركيا عدة تحديات في الانفتاح نحوها:
ـ افتقار تركيا للكادر المؤهل للاستثمار في أفريقيا واستقطاب الحكومات الأفريقية نحو تركيا لاستجدائها في التعاون الأمني والمشاريع الاقتصادية التعاونية، كما أن قلة الخبرة التركية في الأعراف والقوانين وطرق التجارة الفاعلة في أفريقيا تتسبب في عزوف رجال الأعمال الأتراك عن الاستثمار في أفريقيا، لعدم توفير حكومتهم الخدمة الاستشارية الكافية.
ـ انعدام الأمن والاستقرار السياسي اللذين يعتبران أساس كل عملية استثمارية.
ـ انعدام المقومات الخدماتية، كشركات التأمين والنقل والاتصال والبنوك، في عدد من الدول الأفريقية.
وفي الخاتمة يشير الكتاب إلى أن عام 2015 هو من أسوء الأعوام التي مرت على السياسة الخارجية التركية، راداً ذلك إلى التوتر الشديد الذي ساد على علاقات تركيا الدبلوماسية مع دول عدة جارة وغير جارة، بالإضافة إلى التدني الملحوظ في المؤشرات الاقتصادية.

*جلال سلمي باحث فلسطيني مقيم في أنقرة.

اسم الكتاب: السياسة الخارجية التركية خلال عام 2015
المحرران: كمال إينات، برهان الدين دوران
تأليف: عدد من الباحثين
دار النشر: مركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية “سيتا” – 2016

المصدر: الميادين نت