“فورين أفيرز”: واشنطن وبكين ستقرران مصير فنزويلا

“فورين أفيرز”: واشنطن وبكين ستقرران مصير فنزويلا
Spread the love

نشرت مجلة “فورين أفيرز” الأميركية مقالة للكاتب أوليفر ستونكيل تناول أسباب تخلي دول أميركا الجنوبية، وخصوصاً البرازيل والأرجنتين، عن دورها في فنزويلا، مشيراً إلى أن القوى الخارجية وبخاصة الولايات المتحدة الأميركية والصين وروسيا وكوبا هي من ستقرر مصير هذا البلد ذي أعلى احتياطي نفط في العالم.

والتالي ترجمة نص المقالة:

في الأسبوع الماضي، أعلن زعيم المعارضة الفنزويلي الشاب خوان جوايدو نفسه رئيسا مؤقتا ، مدعيا أن الرئيس الحالي للبلاد نيكولاس مادورو، قد خسر حقه في الحكم بسبب تزوير الانتخابات في أيار – مايو 2018. بعد ذلك بقليل، الولايات المتحدة والبرازيل ومعظم حكومات أميركا الجنوبية (باستثناء بوليفيا وغيانا وسورينام وأوروغواي) قد اعترفت بغوايدو كرئيس فنزويلا الشرعي.

وقد رحب الكثيرون بقرار غالبية حكومات أميركا الجنوبية دعم غوايدو كخطوة حاسمة إلى الأمام في مواجهة استبداد مادورو. لكن في الواقع، لم تعد أميركا الجنوبية تلعب أي دور مهم في الأزمة الفنزويلية. يدرك مادورو ومنافسه الشاب أنه على الرغم من أن القوات المسلحة ستكون اللاعب المحلي الحاسم، إلا أن اللاعبين الخارجيين الوحيدين الذين يهمون فعلاً هم الولايات المتحدة والصين، وإلى حد أقل كوبا وروسيا.

وهذا تحوّل مهين للأحداث بالنسبة لحكومات أميركا الجنوبية، التي منذ تحول المنطقة إلى الديمقراطية في الثمانينات من القرن الماضي قد جعلت من تقليص التدخل الخارجي هدفاً سياسياً بارزاً. بالنسبة للبرازيل على وجه الخصوص، فإن مثل هذا الضعف في مواجهة أزمة جيوسياسية عند حدودها يرمز إلى الفشل الذريع لعقود من السياسة الخارجية البرازيلية، حيث سعت برازيليا إلى جعل نفسها زعيمة سياسية ودبلوماسية للمنطقة. كما تظهر الأزمة في فنزويلا، فإن أميركا الجنوبية هي مجدداً ملعب القوى الأجنبية.

كيف وصلنا إلى هنا

لدى أمريكا الجنوبية تاريخ طويل ومضطرب مع التدخل الأجنبي – طوال القرن العشرين، من قوى خارجية مثل الانقلابات المدعومة من الولايات المتحدة والدكتاتوريات العسكرية في جميع أنحاء القارة سعياً وراء مصالحها السياسية الخارجية. منذ انتقال المنطقة إلى الديمقراطية في ثمانينيات القرن الماضي، سعت الحكومات إلى حماية سيادتها وديمقراطيتها من خلال تطوير آليات إقليمية لمعالجة أحد التحديات التاريخية الرئيسية في أميركا الجنوبية وهو التراجع الديمقراطي والأزمات السياسية التي نتجت منه في كثير من الأحيان.

وقد شملت هذه الآليات ما يسمى بشروط الديمقراطية – وهي التزامات مشتركة بمعاقبة الحكومات التي تنتهك المعايير الديمقراطية – مثل الميثاق الديمقراطي للدول الأميركية التابع لمنظمة الدول الأميركية أو بروتوكول السوق المشتركة للجنوب المشترك “ميركوسور” (Mercosur) في أوشوايا.

كما تضمنت استخدام تدابير ملموسة، مثل تعليق المنظمات الإقليمية مثل “ميركوسور” رداً على التمزقات الديمقراطية. لقد فشلت الحكومات في المنطقة في منع حدوث حالات انتكاسة ديمقراطية معينة، فقد تم عزل رئيس هندوراس مانويل زيلايا، على سبيل المثال، في انقلاب في عام 2009، وتم إقصاء رئيس الباراغواي فيرناندو لوغو في اتهام مثير للجدل في عام 2012. وفي كلتا الحالتين، عانى هذان البلدان من العزلة الدبلوماسية المؤقتة رداً على ما اعتبره القادة الإقليميون انقطاعًا عن الممارسة الدستورية المعتادة.

لعبت البرازيل دوراً أساسياً في وضع هذه القواعد وتطبيقها، كجزء من محاولة واعية من جانب حكام البلاد الديمقراطيين لتعيين البرازيل باعتبارها اللاعب الدبلوماسي الرئيسي في أميركا الجنوبية والانخراط بنشاط في لحظات الأزمة الإقليمية. وفي عام 1996، ساعدت البرازيل في إقناع الجنرال المتعطش للسلطة في الباراغواي، لينو أوفيدو، بعدم القيام بانقلاب ضد الرئيس خوان كارلوس واسموسي، أول مدني منتخب ديمقراطياً في البلاد منذ عقود.

بعد ثلاث سنوات، ساعدت البرازيل مرة أخرى في حل أزمة سياسية في الباراغواي، هذه المرة من خلال منح اللجوء (والتنظيم للمغادرة السريعة) الرئيس الراحل راؤول كوباس غراو. وفي أعقاب الانقلاب الفاشل ضد الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز عام 2002، نظمت البرازيل مجموعة “أصدقاء فنزويلا”، التي ضمّت الولايات المتحدة الأميركية والبرتغال وإسبانيا إلى جانب حكومات أميركا اللاتينية، للتوسط بين الرئيس المحاصر والمعارضة.

لكن هذه الجهود لحماية الديمقراطية في القارة، أثبتت أنها غير مطابقة لشافيز. لقد أدرك الرئيس الفنزويلي السابق بشدة أن الآليات التي تم تأسيسها على مدى العقود الماضية كانت تهدف إلى منع التمزقات السياسية العلنية، مثل الانقلابات، بدلاً من منع حكومة منتخبة من اتخاذ خطوات تدريجية لتقويض الديمقراطية. ساعد شافيز قضيته بتوقيع صفقات نفطية غامضة مع العديد من الحكومات، بما فيها الأرجنتين وبوليفيا والعديد من البلدان في أميركا الوسطى والكاريبي، ومنح عقود بنية تحتية مربحة ولكنها غامضة بالمثل إلى شركات برازيلية.

كانت لدى الحكومات اليسارية في بيونس أيريس وبرازيليا درجة من التعاطف الإيديولوجي مع شافيز، ولكن كانت في المقام الأول دبلوماسية النفط الفنزويلية النفطية والمعاملة الحميدة للشركات البرازيلية التي أبقته على علاقة حسنة مع الحكومات الأخرى. في الواقع، أصبحت الأرجنتين والبرازيل من العوامل المساعدة لشافيز خلال العقد الأول من هذا القرن، وحمتاه من الضغوط الدولية حيث أخبرتا دبلوماسيين من الولايات المتحدة وأماكن أخرى أنهم كانتا قادرتين على السيطرة على الأحداث في كاراكاس.

وبالنسبة للبرازيل، على وجه الخصوص، أدت الأزمات السياسية والاقتصادية الداخلية الأخيرة إلى زيادة تأثيرها في فنزويلا. فمنذ عام 2013، وهو العام الذي تولى فيه مادورو الرئاسة الفنزويلية بعد وفاة شوغو شافيز بسبب السرطان، تمكنت الحكومات البرازيلية المتعاقبة، التي استنزفها الركود الاقتصادي ثم حدوث فساد كبير في البلاد، من تقليص أثر السياسة الخارجية لبرازيليا، تاركة المنطقة من دون دفة قيادة إلى حد كبير والسماح للأزمة في فنزويلا لتتفاقم.

في غضون ذلك، اعترف دبلوماسيون رفيعو المستوى في جميع أنحاء أميركا الجنوبية للكاتب بشكل خاص بأن فنزويلا ستنهار حتمًا وأن الوضع السياسي هناك قد تدهور إلى درجة أن أي وساطة لن تكون أكثر من مجرد تجميل مؤقت للمظهر. على الرغم من أنهما محقتين في أن أي إجراء تم اتخاذه بعد عام 2013 من المحتمل أن يكون قد صار متأخراً، فقد كان بوسع كل من الأرجنتين والبرازيل فعل المزيد خلال سنوات شافيز للضغط على الرئيس الفنزويلي لاحترام المعايير الديمقراطية الأساسية. على سبيل المثال، من خلال جعل انضمام فنزويلا عام 2012 إلى “ميركوسور” مشروطاً باحترام الديمقراطية.

التعقيدات الأجنبية

اليوم، تدفع أميركا الجنوبية ثمن فشلها المريع في العمل في فنزويلا. فبعد عقدين حاولت فيهما حكومات القارة تقليص نفوذ اللاعبين الخارجيين، أصبحت الدول الأربع الأكثر تأثيراً في فنزويلا الآن، بالترتيب، هي: الولايات المتحدة الأميركية والصين وروسيا وكوبا. ولا تملك دول أخرى في المنطقة سوى قدرة محدودة على تشكيل الأحداث في كاراكاس. هذا هو مصدر قلق خاص كون الهجرة من فنزويلا تضع بالفعل عبئاً على جاراتها مثل البرازيل وكولومبيا. إن استمرار أو تكثيف الأزمة سيكون له تأثيرات غير مباشرة لسنوات مقبلة.

على الرغم من التغيّرات السياسية الأخيرة – التي تجلّت بانتخاب الرئيس يائير بولسونارو في البرازيل – وتصميم متجدد في معظم أنحاء المنطقة لمعالجة الأزمة الفنزويلية، فإن حكومات أميركا الجنوبية لن يكون لها رأي كبير في حلّ هذه الأزمة.

قد توافق كولومبيا على استضافة القوات الأميركية، ولكن لا توجد دول في المنطقة مستعدة للقبول بتدخل مباشر. على سبيل المثال، يبدو أن بولسونارو حريص على دعم الولايات المتحدة خطابياً، لكن هذا من غير المرجح أن يرقى إلى مستوى المساعدة العملية. لن يوافق الجيش البرازيلي على وضع قواته على الأرض في فنزويلا، حتى تلك القوات الموالية للولايات المتحدة في المنطقة، سوف ترى ذلك سابقة خطيرة. في الواقع، من غير المرجح أن تتجاوز الحكومات الإجراءات الدبلوماسية، مثل الاعتراف بخان غوايدو، وهو أمر قد اعتمدته بالفعل.

وحتى إذا انهارت حكومة مادورو، فإن الأحداث اللاحقة في كاراكاس ستتشكل في واشنطن وبكين، وذلك بفضل الأهمية الاقتصادية الأخيرة لفنزويلا. أما علاقات موسكو وهافانا مع فنزويلا فهي سياسية إلى حد كبير وتتقلص إذا ترك مادورو منصبه. وسيحتاج خلف مادورو إلى توقيع صفقات ضخمة مع كل من بنوك التنمية الغربية والصينية للبدء في إعادة بناء البلاد – وهي عملية مؤلمة من المحتمل أن تستغرق عقودًا. والواقع أن العديد من مشكلات فنزويلا، بما في ذلك غياب المساوة الاجتماعية بشكل كبير والاعتماد على عائدات النفط، تسبق صعود شافيز، ولن تتمكن أي حكومة مقبلة من حلّها بسهولة. ومن المرجح أن يستغرق التعافي لأي شيء يشبه مستويات ما قبل الأزمة سنوات عدة، الأمر الذي يتطلب اهتمامًا مستمرًا من جانب القادة الأميركيين والصينيين ومساعدتهم.

ثالثاً، يجب على دول أميركا الجنوبية تقديم العفو واللجوء إلى شخصيات بارزة في حكومة مادورو. وعلى الرغم من مثل هذه الخطوة محبطة للغاية، فإنها ستقطع شوطاً طويلاً نحو إقناع قادة فنزويلا الحاليين بأنهم لا يحتاجون إلى خوض معركة دامية للبقاء في السلطة لتجنّب مصير صدام حسين في العراق أو معمر القذافي في ليبيا – القائدين السلطويين اللذين أعدما بعد تخليّهما عن السلطة.

وأخيراً ، ينبغي على الأرجنتين والبرازيل وشيلي وغيرها من الدول في المنطقة استخدام انهيار نظام مادورو كفرصة لتعميق التعاون بين قواتها المسلحة. ويمكن أن يعمل ذلك من خلال المؤسسات القائمة مثل مجلس دفاع أميركا الجنوبية، ويجب أن يتضمن ذلك، من بين مبادرات أخرى، تدريبات عسكرية مشتركة، وبعثات مشتركة للتعامل مع الكوارث الطبيعية، والمشاركة المشتركة في عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام. يجب أن يكون الهدف هو زيادة ضغط الأنداد على الجيش الفنزويلي – الذي سيخسر من الانتقال إلى الديمقراطية، بالنظر إلى الامتيازات التي راكمها تحت حكم مادورو – للبقاء داخل ثكناته في ظل حكم أي قائد في المستقبل. على الرغم من أن هذا التعاون لن يكون له سوى تأثير محدود وغير مباشر على الجيش الفنزويلي، إلا أنه في الأزمات المستقبلية من هذا النوع، سيعرض على الدول المجاورة قناة إضافية للحوار والتنسيق – وهي ضرورة إذا ما أرادت حكومات أميركا الجنوبية التأثير على ما يحدث في الفناء الخلفي الخاص بها.

ترجمة: الميادين نت

Optimized by Optimole