عاطف منصور ينجز موسوعة للنقود الإسلامية

Spread the love

بقلم: خالد عزب — «النقود الإسلامية وأهميتها في دراسة التاريخ والآثار والحضارة»؛ عنوان موسوعة صدرت أخيراً في القاهرة، وتعد الأولى من نوعها باللغة العربية، أنجزها الدكتور عاطف منصور؛ عميد كلية الآثار في جامعة الفيوم، وهو خبير دولي في هذا الحقل العلمي. المؤلف انطلق من عنوان الموسوعة وبالتالي تخطى فكرة عرض النقد الذهبي والفضي وغيره، إلى توظيف هذا النقد في فهم سياقات التاريخ العربي الإسلامي.
ويرى المؤلف أننا نستطيع التعرف إلى الجهاز الإداري للدولة من خلال دراسة الأسماء التي سجلت على النقود، والتي تخص الوزراء وحكام الأقاليم وكبار القواد العسكريين وعمال الخراج وأصحاب الشرطة والمشرفين على دار السك والعاملين فيها، والمشرفين على الأسواق والمحتسبين وغيرهم. وتعكس النقود الإسلامية – في كثير من الأحيان – الأحداث السياسية والعسكرية التي تشهدها البلاد، بما تحمله من كتابات وزخارف تعبر عن الانتصارات العسكرية، واحتلال الدول وخضوع حاكم لآخر، والاعتراف بسيادة دولة على دولة أخرى. كما لعبت النقود الإسلامية دوراً مهماً في عقد التحالفات السياسية والعسكرية بين حكام الدول المختلفة، بوصفها وثيقة رسمية لها احترامها وشرعيتها بين الدول، والاعتراف بها يلزم كل الأطراف بما يُسجل عليها من كتابات تُعد بمثابة بنود لهذا التحالف. كذلك يمكن من خلال دراسة مدن ضرب النقود معرفة الحدود الجغرافية لكل دولة، وتحديد الأقاليم التابعة لها والأقاليم التي انفصلت عنها، والمدن والبلاد الجديدة التي بسط عليها الحكام سلطانهم طوعاً أو كرهاً.
ويمكن أيضاً تحديد الموقع الجغرافي لبعض المدن التي اختلف الجغرافيون في شأنها، بخاصة إذا حملت أكثر من مدينة الاسم ذاته. وحفظت النقود الإسلامية أسماء الكثير من المدن التي اندثرت، وهي كذلك تـساعد في التعرف إلى المدن الرئـيــسة ذات النشاط السياسي والاقتصادي الكبير.
وتُعد النقود الإسلامية المعيار الحقيقي للنظام الاقتصادي للدولة، فهي تعبر بصورة واضحة عما يصيب هذا النظام من قوة وضعف، فالدول التي تمتلك نظاماً اقتصادياً قوياً وثابتاً تضرب نقوداً جيدة العيار وعلى وزن شرعي، وتلقى نقودها رواجاً تجارياً كبيراً في أسواق التداول النقدي والتجاري، وتصبح نقوداً دولية معترفاً بها في الأسواق العالمية، وتتجاوز كل الحدود السياسية والدينية والجغرافية بين الدول. أما الدول ذات النظام الاقتصادي المضطرب، فإن نقودها تعكس هذا الاضطراب من خلال نقص عيارها، واضطراب وزنها، وانخفاضه عن الوزن الشرعي، وتفقد هذه النقود قبولها التجاري ويرفض الناس تداولها، ما يفسح المجال أمام العملات الأجنبية القوية لغزو الأسواق المحلية، وهو ما يتشابه إلى حد كبير مع النظام النقدي المعاصر.
وكان التدهور الذي يصيب النظام الاقتصادي لبعض البلاد سبباً قوياً دفع العديد من الحكام إلى محاولة ضبط هذا النظام، وإيقاف تدهوره، فوضعوا النظم الاقتصادية والنقدية الجديدة، وكانت النظم النقدية الجديدة تحقق النجاح، وتلقى نقودها رواجاً تجارياً كبيراً في بعض الأحيان، وفي أحيان أخرى كانت هذه النظم لا تتوافق مع رغبات المتعاملين بالنقود، مما يؤدي إلى فشلها وإلغاء العمل بها. وكان الغش والتزييف يلحق بالنقود في بعض الفترات، ومن أهم طرق الغش والتزييف في النقود الإسلامية طريقة القرض، وهي قرض الدنانير والدراهم من أطرافها فينقص ذلك من وزنها ثم يتعامل بها القراضة بعد ذلك أو تعاد إلى دار الضرب لإعادة سكها نقوداً جديدة. وكانت الدنانير تضرب أحياناً من الفضة والنحاس وتطلى بالذهب، أو أن تضرب الدراهم من النحاس وتطلى بالفضة وغير ذلك. وكانت الحكومة تتدخل لإيقاف غش العملة وتزويرها والذي من شأنه إفساد نظامها النقدي وإلحاق الضرر بمصالح المتعاملين بهذه النقود.
وذكر عاطف منصور أن الفقهاء حرموا كسر (قرض) الدنانير والدراهم واعتبروه من الفساد في الأرض، ووضعوا حداً لإقامة الحد على من يقرض الدنانير والدراهم، فإذا قرض شخص الدينار أو الدرهم من خارج هذه دائرة معينة فإنه لا يقام عليه الحد، أما إذا قرض إلى داخلها فيعاقب. وكانت الحكومة تلجأ إلى استخدام النقود – باعتبارها الجهاز الإعلامي للدولة – في تحذير الناس من الغش والتزييف مثل: «أمر الله بالوفاء والعدل»؛ و «هذا الدرهم ملعون من يُغيره». ولم يكن غش النقود أمراً خاصاً بالأفراد فقط، بل إن الدول كانت تقوم به في بعض الأحيان. والنقود الإسلامية استخدمت كجهاز إعلامي للإعلان عن المناسبات الاجتماعية المهمة التي تشهدها الدولة مثل الانتصارات العسكرية، والزواج والمصاهرة، والمبايعة بولاية العهد، وميلاد أبناء الخلفاء وختانهم، والمرض والوفاة، والأعياد والمناسبات الدينية المختلفة. والنقود التذكارية التي تسك تخليداً لهذه المناسبات يطلق عليها نقود الصلة، لأنها توزع على الفقراء والمساكين، وأولي الأرحام، وكبار القواد والأمراء وغيرهم، وتختلف – في كثير من الأحيان – من حيث الشكل والوزن والكتابات عن النقود المخصصة للتداول.
واستخدمت الحكومات الإسلامية النقود لحث الناس على التكافل الاجتماعي وأداء الزكاة والإنفاق في سبيل الله، لذلك سُجِل عليها بعض الكتابات التي تحث الناس على هذا؛ مثل: «نفقة في سبيل الله». كما سُجلت كتابات تحذر الناس من البخل مثل الاقتباس القرآني: «والله الغني وأنتم الفقراء»، «والله يرزق من يشاء بغير حساب». ويتجلى دور النقود كوسيلة إعلام من خلال استخدامها في الوعظ والإرشاد ونشر المبادئ الأخلاقية بين الناس. ومن هذه المبادئ ما يخص الفرد مثل: «بركة العمر حسن العمل»، «الدنيا ساعة فاجعلها طاعة»، «طول العمر مع الطاعة من خلع الأنبياء»، «عز من قنع وذل من طمع»، «ضمن الله رزق كل أحد». ومن هذه القيم ما يخص الحاكم وأعوانه؛ مثل: «ثبات الملك بالعدل»، «بركة الملك في إدامة العدل»، «العدل أساس الملك».
ونقشت عبارات على بعض النقود الإسلامية من لغات غير العربية، واستخدمت مثل الأرقام البهلوية، واللاتينية، والأبقطية، والهندية، والغبارية. وتعتبر النقــود الإسلاميــة مــدرسة فــنيــة تحمل في زخارفها ملامح كثيرة تتوافق مع الأسلوب الفني المعاصر لها، ويتجلى ذلك من خلال دراسة الصــور الآدمية والحيوانية، ورسوم الطيور والأسماك، والزخارف النباتية والهندسية، والرسوم المعمارية، والأبراج الفلكية. وكانت هذه الرسوم والتصميمات والزخارف ترتبط – في كثير من الأحيان – بالأحداث الدينية والسياسية المعاصرة لها.

المصدر: الحياة

Optimized by Optimole