العلاقات مع تشاد: يجب على نتنياهو الاعتراف بفضل أوسلو

العلاقات مع تشاد: يجب على نتنياهو الاعتراف بفضل أوسلو
Spread the love

بقلم: شمعون شاباس – مدير عام مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلي الراحل يتسحاق رابين —

لا شك في أن مصافحة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو والرئيس التشادي إدريس ديبي كانت صورة رائعة، وأيضاً زيارته السرية إلى عُمان، لكن يجب ألاّ تبهر عدسات الكاميرات الجمهور وألا تقوم بطمس الوقائع. الإنجازات التي ينسبها نتنياهو إلى نفسه لم تحدث اليوم، ولم تحدث أيضاً خلال السنوات العشر التي كان فيها في منصبه، بل هي صدى بارز لعملية تاريخية بدأت في سنة 1993،عملية اسمها اتفاقات أوسلو.
من يتذكر الخريطة السياسية والدبلوماسية والاقتصادية لإسرائيل في تلك السنوات، يستطيع أن يعترف بأن الدولة التي كانت قبل اتفاقات أوسلو ليست هي الدولة التي نعرفها اليوم. نتنياهو يستفيد اليوم بصورة غير مباشرة ومباشرة من شبكة العلاقات التي تراكمت بين إسرائيل والعالم العربي في أعقاب أوسلو.
وسائل الإعلام والجمهور يحتفلان باستئناف العلاقات بتشاد. بعد 47 عاماً من القطيعة، نتنياهو وديبي إدريس يتصافحان. يصف نتنياهو العملية بأنها “انقلاب”، وهو يقطف ثمار الشجرة التي لم يزرعها ولم يعتن بها. ونظراً إلى أنها ليست المرة الأولى التي يتباهى فيها نتنياهو بإنجاز ليس له، من المهم أن نفهم كيف بدأت تتطور العملية. من يعرف؟ ربما أيضاً ننجح في أن نبلور على هذا الأساس استراتيجيا تقود دولة إسرائيل نحو نجاحات مشابهة.
حتى الآن يدور حول اتفاقات أوسلو نقاش عام يتأرجح بين المعارضة الشديدة إلى حد التحريض، وبين فهم الدلالات العميقة والإمكانات البعيدة المدى التي ينطوي عليها. لقد عكست اتفاقات أوسلو الرغبة والاستعداد لإقامة الفصل بين الفلسطينيين وبيننا. صحيح أنها اتفاقات غير كاملة، لكنها رسمت طريقاً ممتازة في وجه خيار الدولة الثنائية القومية، أو بكلام آخر – دولة الأبرتهايد، ودمار الدولة اليهودية الديمقراطية. هؤلاء الذين يريدون لأنفسهم دولة ثنائية القومية يبدو أنهم يزرعون آمالاً كاذبة، ويأملون بحدوث معجزة تؤدي إلى اختفاء الفلسطينيين من أراضي إسرائيل، ونحظى بأكثرية يهودية، ونحتل ونسيطر إلى ما لا نهاية. من الواضح أن هذا الخيال ليس له أي صلة بالواقع.
لقد كان أوسلو اتفاق مبادىء أعطى الفلسطينيين حكماً ذاتياً على المنطقة أ وجزء قليل من المنطقة ب. كان للاتفاق هدفان. الأول نقل صلاحيات جباية الضرائب والإدارة المدنية إلى سلطة فلسطينية، وبهذه الطريقة إزالة العبء عن عاتق دافع الضرائب الإسرائيلي. والهدف الثاني الأساسي كان التنسيق الأمني الذي ما يزال سارياً حتى اليوم – ربما بنجاح أكبر من التسعينيات – ومنع وقوع آلاف الكوارث في إسرائيل.
بعد خمسة أعوام كان من المفترض أن تدخل التسوية مرحلة المفاوضات من أجل التوصل إلى الحل الدائم. لكن هذا لم يحدث. إيهود باراك فشل في إجراء مفاوضات، واختار إريك شارون الانفصال الأحادي الجانب عن غزة، إيهود أولمرت وتسيبي ليفني حققا تقدماً كبيراً لكن هذا توقّف في اللحظة الحاسمة.
بيبي الذي يتولى منصب رئاسة الحكومة منذ عشر سنوات كان شديد الانتقادات لأوسلو لكنه لم يلغِه. وفي الواقع هو يتعايش مع أوسلو، ومتمسك به، يتحدث ضده ويعمل لمصلحته. يحرض لكنه لا يلغي.
البذور التي زرعها أوسلو في بداية اللقاءات مع الفلسطينيين ومع جيراننا الآخرين تنمو وتتطور بطرق متعددة. هناك صعود وهبوط، وهناك أيضاً مجموعة من وجهات النظر والآراء تتأثر بتوقعات ورغبة كل طرف من الطرفين؛ ففي نهاية الأمر ما يجري الحديث عنه هو وضع حساس يفرض مسؤولية متبادلة. مع ذلك، أحدث أوسلو تأثيراً ما يزال صداه مستمراً على مر السنين. وهو يحمل معه حسنات غير قليلة.
الحسنة الأولى، القرار المبدئي والعملي بالانفصال. الاتفاق يقول “نعم” لتقسيم البلد. دولتان لشعبين.
صدى آخر لأوسلو هو اتفاق السلام مع الأردن الموقّع بين يتسحاق رابين والملك حسين في 1994، الذي أدى إلى ترتيب العلاقات والحدود وتقاسم الموارد بين الدولتين.
أيضاً العلاقات بين إسرائيل ومصر كانت عالقة قبل أوسلو، وفقط بعد أن عمل رابين على تسوية الاتفاقات الجديدة تجدد التحالف السياسي والأمني بين الدولتين. بدأ هذا في فترة حكم مبارك وما يزال مستمراً اليوم مع عبد الفتاح السيسي.
في المقابل، بدأت العلاقات بدول أفريقيا الشمالية وأخذت تتعزز، وبصورة خاصة مع المغرب. جرت لقاءات علنية مع الملك، كما حدثت عدة زيارات رسمية، وهناك سياحة إسرائيلية، ومنذ 1994، عُقدت هناك 4 قمم اقتصادية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
مع توقيع اتفاقات أوسلو نجحت إسرائيل في تطوير علاقتها الدبلوماسية مع تونس وموريتانيا حيث أقامت هناك سفارة إسرائيلية، مع الأسف أُغلقت بعد عملية الرصاص المسبوك.
بعد محادثات أوسلو، تجددت الاتصالات الدبلوماسية مع دول أفريقية قطعت علاقاتها بإسرائيل بعد الحروب المختلفة. وبعد ترميم العلاقات أقيمت سفارات جديدة وحصلنا على ممثلية دبلوماسية في قطر. يُضاف إلى مجموعة هذه العلاقات مؤخراً تجدُّد العلاقات بتشاد.
هناك خطوات أُخرى، تجري بعيداً عن الأنظار على شكل لقاءات سرية مكثفة مع دول الخليج. رابين زار عُمان في 1994، ومنذ ذلك الحين جرت زيارات سرية أخرى، مثلاً إلى أبو ظبي. هذه العلاقات هي التي تسمح لإسرائيل بإقامة علاقات استراتيجية والحصول على معلومات استخباراتية من معظم الدول العربية التي ليس لدينا علاقات دبلوماسية معها.
المليارات التي أدخلها أوسلو

الاقتصاد الإسرائيلي أيضاً ازدهر كثيراً بفضل أوسلو. الخطوات الدبلوماسية التي أتيحت بفضل الاتفاقات تؤثر في المصارف العالمية وفي صناديق دولية. في إسرائيل زادت الاستثمارات بعشرات المليارات من الدولارات من أموال أميركية وأوروبية. كل منظومة الهاي تك بُنيت باستثمارات أجنبية، شاركت فيها مجموعة متنوعة من الحكومات.
اتفاقات أوسلو مهما كانت اشكاليتها تلعب دوراً مهماً في تعزيز علاقاتنا الدولية. بفضل هذه الاتفاقات هناك اعتراف بالمشكلات الاستراتيجية والأمنية التي تواجهها إسرائيل. وكما هو معروف استقبل العالم كله رابين كحامل للسلام العالمي وليس الإقليمي فقط، ولذلك نال جائرة نوبل للسلام. وهذا الواقع ما يزال يؤثر في صورتنا على الساحة الدولية حتى اليوم.
في النهاية، لم يقم أي رئيس حكومة منذ أوسلو حتى اليوم بإلغاء الاتفاق. حتى هؤلاء الذين تحدثوا ضده وحرضوا عليه لم يتخلوا عنه قط، والسبب بسيط – كلهم فهموا حسناته الأمنية والسياسية والاقتصادية.
القرار المبدئي الذي اتُخذ في 1993 والذي استمر سنوات من خلال المحادثات أدى إلى تغيير دراماتيكي في العلاقات بين إسرائيل والفلسطينيين، وما يزال يؤثر في علاقاتنا بالدول المجاورة وبالعالم العربي كله. نتيجة أوسلو تطورت علاقات دبلوماسية وأمنية واقتصادية هي في أساس دولتنا كما نحن نعرفها اليوم، ومن دون أوسلو من المحتمل جداً أنها لم تكن ممكنة على الإطلاق.

المصدر: موقع ynet الإسرائيلي، عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية