ماذا ينتظر نتنياهو في جبهتي الشمال والجنوب قبل “التضحية”؟

ماذا ينتظر نتنياهو في جبهتي الشمال والجنوب قبل “التضحية”؟
Spread the love

بقلم رون بن يشاي – محلل عسكري إسرائيلي —

الخطاب الذي ألقاه نتنياهو هذا الأسبوع، وأقوال سياسيين ومقالات معلقين أدخلوا الجمهور هذا الأسبوع في جو حرب غير صحيح فعلاً. لكن على الرغم من ذلك، يشهد الشمال والجنوب تطورات أمنية تتطلب انتباهاً وجهوزية، في الأساس من الجيش، وأيضاً من الجمهور والمجلس الوزاري المصغر.
لنبدأ بالجبهة الشمالية. لقد تقلصت حرية النشاط الجوي لإسرائيل في سورية في أعقاب حادثة إسقاط السوريين طائرة الاستخبارات الروسية. هذا هو السبب الأساسي لتحوّل العلاقة الروسية معنا عن قصد أو بصورة متعمدة إلى علاقة باردة وأحياناً فجة. صحيح أن نتنياهو وبوتين يتحدثان بتهذيب، لكن الضباط الروس في غرفة التنسيق العسكري في مطار حميميم في سورية غيروا لهجتهم.
في الأحاديث التنسيقية معهم يطالبون بشدة بمعلومات أكثر دقة مما الجيش الإسرائيلي مستعد لتقديمها لهم بشأن نشاطاته، ليس فقط في أجواء سورية بل أيضاً في الدول المحيطة. يتجلى ذلك أيضاً بإغلاق الرادارات واستخدام وسائل قتالية إلكترونية عندما تكون طائراتنا في الأجواء المحيطة. طواقم روسية تركّب وتستعد لاستخدام بطاريات صواريخ مضادة للطائرات من طراز S-300 عقاباً على إسقاط الطائرة الروسية، وحالياً هم يعدّون السوريين لاستخدامها.
توجد هذه البطاريات في مطار مصياف الواقع في وسط غرب سورية، وهي حالياً ليست عملانية، لكنها ستصبح كذلك في وقت قريب. والمشغلون لهذه البطاريات سيكونون، في أغلبيتهم، من السوريين، لكن السيطرة ستكون في يد الروس. هذه هي الأخبار السيئة في السياق الروسي. الأخبار الجيدة هي أن الروس يبذلون جهدهم حالياً لفرض قيود ليس على حرية نشاطنا فقط، بل يقيدون ويضعون العراقيل في وجه محاولات إيران التمركز في سورية. فهم لا يرغبون في الإيرانيين كمنافسين اقتصاديين لهم في إعادة إعمار سورية، وأيضاً كعامل يزعزع الاستقرار في مواجهة إسرائيل.
من المؤشرات إلى ذلك التقارير التي نشرتها وسائل إعلام إسرائيلية (قناة الأخبار العاشرة) وعربية، والتي تحدثت عن اقتراح الروس صفقة على الإيرانيين: أخرجوا الصواريخ الموجهة في اتجاه إسرائيل والقوة العسكرية الكبيرة التابعة لكم من سورية وبذلك تتنازلون عن التمركز فيها، في مقابل أن تُخرج واشنطن من سورية مستشاريها وقواتها الخاصة التي تقاتل جنباً إلى جنب مع الأكراد ضد داعش في شمال شرق سورية.
يقترح الروس أيضاً أن يفكك الأميركيون القاعدة التي أقاموها في التنف، بالقرب من الحدود بين سورية والأردن والعراق. هذه القاعدة تستخدمها القوات الجوية والقوات الخاصة الأميركية والبريطانية التي تنشط في شرق سورية، وعلى الحدود مع العراق، وهي التي تمنع الإيرانيين من إقامة ممر بري من طهران إلى سهل البقاع في لبنان مروراً بالعراق وسورية.
ويقترح الروس أيضاً، لإغراء الإيرانيين، أن يرفع الأميركيون العقوبات الاقتصادية في مقابل التخفيف من وجودهم في سورية، وما هو غير واضح حتى الآن كيف سيردّ الأميركيون على هذه الاقتراحات. لكن محاولات الروس كبح الإيرانيين وفرض قيود على وجودهم، وفي الأساس على نشاطهم العسكري في سورية، هو أمر إيجابي من وجهة النظر الإسرائيلية.
الساحة التي قصدها نتنياهو عندما تحدث عن “تضحية ضرورية” هي على ما يبدو لبنان. يدرك قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، أن إسرائيل ستجعل من الصعب عليه إقامة قاعدة إيرانية في سورية كما كان يريد، لذلك طلب من حزب الله أن يقيم بشكل سري جبهة معادية لإسرائيل في هضبة الجولان.
لحزب الله علاقات جيدة مع سكان هضبة الجولان، بمن فيهم الدروز. وهو يعرف كيف يتصرف بشكل سري لإقامة جبهة إضافية ضد إسرائيل، بالإضافة إلى الجبهة العلنية في لبنان. هذه الجهود ما تزال في بدايتها، وليست هي المشكلة. المشكلة هي القرار الذي، على ما يبدو، اتُخذ في إيران لإقامة مجموعة مصانع لتطوير الصواريخ والقذائف الصاروخية على الأراضي اللبنانية. لقد حاول الإيرانيون في البداية تحسين دقة إصابة الصواريخ الموجودة لدى حزب الله بواسطة شحنات صواريخ دقيقة نقلوها جواً من إيران إلى سورية، ومن هناك عن طريق البر إلى لبنان. هذه المحاولة لم تنجح لأن إسرائيل أحبطت الشحنة تلو الأُخرى.
بعدها حاول الإيرانيون إقامة مصانع للصواريخ الدقيقة في سورية، مستخدمين منشآت عسكرية في سورية. كذلك أحبطت إسرائيل هذا المسعى إلى حد بعيد. لذلك قرر سليماني، كما يبدو، إقامة مصانع في لبنان نفسه، على افتراض أن إسرائيل لن تتجرأ على مهاجمة منشآت تابعة لحزب الله في لبنان خوفاً من أن يؤدي رد حزب الله إلى حرب.
هذا التقدير لإيران وعناصر حزب الله يوجد له أساس. هناك ردع متبادل بين إسرائيل وحزب الله في لبنان ولقد امتنعت إسرائيل من قصف أهداف في الأراضي اللبنانية خوفاً من أن يؤدي ذلك إلى حرب شاملة، ومن مصلحة إسرائيل حالياً منع وقوعها. لكن من الواضح في إسرائيل أنه إذا بدأت مصانع الصواريخ الدقيقة التي يقيمها الإيرانيون حالياً في لبنان تعمل بإنتاجية كاملة، وأنتجت صواريخ دقيقة لتحسين نوعية ترسانة حزب الله، فإن ذلك يمكن أن يشكل تهديداً وجودياً لإسرائيل.
الصواريخ الدقيقة بكميات كبيرة ستشكل تحدياً كبيراً لبطاريات القبة الحديدية ومقلاع داود وفي نهاية الأمر يمكن أن يؤدي ذلك إلى دمار وخسائر كبيرة في الجبهة الداخلية. لذلك، وفي ضوء إقامة مصانع الصواريخ الإيرانية الدقيقة في الأراضي اللبنانية، تقف إسرائيل في مواجهة معضلة: تهاجم أو لا تهاجم. فإذا هاجم سلاح الجو مصانع الصواريخ الدقيقة بحسب معلومات الجيش الإسرائيلي الاستخباراتية، فإنه بالتـأكيد يخاطر بحرب واسعة في الأراضي اللبنانية، بما فيها مناورة برية، بينما سيحصل حزب الله على المساعدة من الإيرانيين ومن الجيش السوري، وربما أيضاً من الروس الذين سيقيدون حرية نشاطنا الجوي. هذا ما لمّح إليه نتنياهو في كلامه عن “المعركة” التي نحن في خضمها.
يجب التشديد على أنه بخلاف ما فُهم من خطاب نتنياهو ليس المقصود مسألة فورية. كبار المسؤولين الأمنيين في إسرائيل، أي نتنياهو، ورئيس الأركان، والمجلس الوزاري المصغر، سيضطرون إلى اتخاذ قرار مصيري في المستقبل. يجب أن نتذكر أنه في مقابل التهديدات المتزايدة في الساحة الشمالية تعمل أيضاً أطراف دولية كابحة في هذه الجبهة: في الأساس الروس الذين لا يرغبون في حرب تزعجهم في إعادة إعمار سورية، وكذلك الأميركيون المعنيون بالاستقرار في المنطقة.

ضبط نفس بدون ردع

في الجنوب الوضع مشابه. لقد انتهت الجولة الأخيرة بصورة غير جيدة من وجهة النظر الإسرائيلية. الردع التكتي للجيش الإسرائيلي على الجبهة الغزاوية انهار بشدة عندما ضبطت إسرائيل نفسها ولم ترد على إطلاق الصاروخ المضاد للدبابات، والهجوم الصاروخي الكثيف الذي جاء في أعقاب ذلك. حالياً، يبدو أن عدد الصواريخ التي أطلقتها “حماس” على إسرائيل كان أقل مما اعتقد في البداية. “فقط” 360 صاروخاً وقذيفة مدفعية وليس 500 كما تحدثت التقارير في البداية. لكن ما يجعل هذه الجولة المصغرة خطيرة الدلالة هو حقيقة أن “حماس” فضلت الرد بقصف تعمدت فيه قتل مدنيين منذ البداية، على خوض مواجهة بين مقاتلين من الذراع العسكرية للحركة ووحدة من الجيش الإسرائيلي تسللت سراً إلى أراضي القطاع في مهمة جمع معلومات استخباراتية.
لقد كانت المواجهة بين جهة عسكرية غزاوية وبين جهة عسكرية إسرائيلية وهكذا كان يجب أن تنتهي، لكن “حماس” وحركة الجهاد الإسلامي الفلسطيني أدخلتا على المعادلة قتل مدنيين إسرائيليين بواسطة صليات صواريخ أطلقتاها على بلدات جنوب إسرائيل. لم يكن على إسرائيل أن تضبط نفسها في ردّها على ذلك. عدم الرد الإسرائيلي أكد لـ”حماس” والجهاد الإسلامي بأنه ليس هناك من داعٍ للخوف من عملية عسكرية كبيرة للجيش الإسرائيلي في المستقبل القريب، وأن في إمكان “حماس” أن تسجل لنفسها انتصاراً دعائياً وسط أهل غزة وفلسطينيي الضفة.
من نتائج التآكل في الردع والانتصار الدعائي أن الجهاد الإسلامي الفلسطيني و”حماس” لن يترددا في البدء بجولة جديدة في وقت قريب. وستقصر المسافة بين الجولات وسيتآكل الشعور بالأمن لدى الإسرائيليين من سكان الجنوب أكثر. أيضاً في الشمال تكوّن انطباع لدى الإيرانيين وحزب الله أن المسؤولين في إسرائيل لا يرغبون في حرب ولذلك ستزداد جرأتهم. صحيح أنهم حالياً مشغولون في سورية، وفي إدلب، لكن الميليشيات الشيعية والوسائل الأُخرى التي حملها الإيرانيون إلى سورية لن تخرج من هناك عندما يكون الردع الإسرائيلي في حالة هبوط. الأمر الذي يزيد طبعاً من احتمال حدوث مواجهة كبرى.
السؤال المطروح، لماذا أيّد نتنياهو، ورئيس الأركان، وألوية الجيش، ولماذا أيّد وزراء المجلس الوزاري المصغر ضبط النفس؟ من المعقول الافتراض أن رئيس الأركان أيزنكوت فضّل ضبط النفس لأنه راضٍ عن الهجمات على غزة التي تسببت بضرر كبير لـ”حماس”، ولأنه يريد التركيز على الجهوزية والخطط لاحتمال القيام بعملية في لبنان ضد مصانع تحسين الصواريخ، قد تتطور إلى حرب شاملة.
من الممكن الافتراض أيضاً أن أيزنكوت فضّل التهدئة حالياً من خلال الوساطة المصرية والمال القطري، وعدم الدخول في جولة كبيرة بادرت إليها “حماس” وفقدت فيها إسرائيل عنصر المفاجأة. الهدوء سيخفف من الضائقة الإنسانية للمواطنين الغزاويين، وهذا يمكن فيما بعد أن يؤدي إلى تسوية مستقرة وبعيدة الأمد. إذا لم يحدث هذا وواصلت “حماس” تحدياتها، حينها سيكون الجيش الإسرائيلي مستعداً لمفاجأة “حماس” وحركة الجهاد الإسلامي، وسيسعى إلى ألاّ تنتهي الجولة المقبلة إلى الوضع عينه الذي انتهت إليه الجولات الماضية، ومن جهة أُخرى ألاّ تؤدي إلى فوضى شاملة تحول غزة إلى صومال جديدة.
الأخبار الجيدة في هذا الشأن أن قائد لواء الجنوب، هرتسي هليفي، يقود حالياً عملية فكرية وعملانية مهمة تهدف إلى تغيير أساليب قتال الجيش في القطاع، وجعلها أكثر فعالية وعملية في مواجهة “حماس” وحركة الجهاد الإسلامي. سواء على الصعيد الدعائي أو على صعيد عملية برية. ولا نستطيع الحديث عن تفاصيل أكثر لأسباب مفهومة.
بالنسبة إلى نتنياهو فإن أسباب التهدئة في الأسبوع الماضي كانت واضحة هي أيضاً. فهو لا يريد في سنة انتخابات حرباً من الصعب التنبؤ بنتائجها؛ وهو أيضاً يفضل التركيز على الشمال وإبقاء غزة والوصمة المرتبطة بها لليبرمان. يدرك نتنياهو أيضاً عندما قرر ضبط النفس أن الأميركيين يضغطون للتوصل إلى تسوية أن عملية في غزة يمكن أن تسرع في تقديم “صفقة القرن” لترامب لإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وهذه خطة ستتطلب من نتنياهو وأحزاب اليمين في إسرائيل تقديم تنازلات هما ليسا مستعدين للقيام بها.
بالإضافة إلى ذلك، استخدم نتنياهو الخطاب الذي ألقاه ضد تقديم موعد الانتخابات كأنه موجّه إلى أسماع الجمهور الإسرائيلي، لكن عملياً هو موجّه أيضاً إلى حزب الله في الشمال، وأيضاً إلى الإيرانيين، و”حماس” والجهاد الإسلامي، ومفاده بأن إسرائيل تستعد لمواجهة ولن ترتدع عنها إذا لم يوقف حزب الله والإيرانيون تطوير الصواريخ، وإذا واصلت “حماس” استفزازاتها على طول السياج، وبواسطة القذائف والصواريخ.
لقد أرسل نتنياهو من خلال توجهه إلى الجمهور في إسرائيل رسائل واضحة أيضاً إلى الروس والأميركيين، بأنه من الأفضل لهم كبح زبائنهم في الشرق الأوسط وإلاّ فإن رب المنزل في إسرائيل سيتصرف بجنون

المصدر: موقع ynet الإسرائيلي، عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية