البعد الإنساني في قضية اللاجئين

البعد الإنساني في قضية اللاجئين
Spread the love

بقلم: د. هيثم مزاحم* — حلف الفضول، وهم جماعة من المطيبين، وقد شارك فيه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهو في سن العشرين، وكان من أمر هذه الهيئة أن تداعت قبائل من قريش إلى حلف فاجتمعوا له في دار عبد الله بن جدعان، لشرفه وسنه، فكان حلفهم عنده، فتعاقدوا وتعاهدوا على أن لا يجدوا بمكة مظلومًا دخلها من سائر الناس، إلا قاموا معه وكانوا على من ظلمه حتى ترد عليه مظلمته فسمت قريش ذلك الحلف حلف الفضول [ انظر : ابن هشام : 1/134،135].

قال ابن كثير: وكان حلف الفضول أكرم حلف سُمع به وأشرفه في العرب، وكان أول من تكلم به ودعا إليه الزبير بن عبد المطلب.

هذا هو الموقف الإسلامي  والعربي من نصرة المظلومين وإغاثة المنكوبين ..

الإمام علي بن أبي طالب يقول: الفقر في الوطن غربة والغنى في الغربة وطن

فكيف يمكن وصف وضع اللاجئ التارك لوطنه قسراً فهو يعيش الغربة والفقر معاً.

خلال دراستي في فرنسا، ذهبت ليلاً إلى زيارة أصدقاء في منطقة بعيدة عن منزلي بنية النوم في منزلهم. ولم تكن في تلك الفترة قد اخترع الهاتف الخلوي النقال، فلم أدهم في المنزل، فانتظرتهم خارجاً علّهم يأتون قريباً. وصارت الساعة بعد منتصف الليل ولم يعد هناك باصات كي أعود إلى منزلي تلك الليلة ولم يرجع صديقاي إلى منزلهما بل باتا عند أصدقاء لهما. وكان علي النوم على مدخل شقتهما حتى الصباح للعودة إلى منزلي. في تلك الليلة وكان عمري 18 سنة عرفت أهمية المنزل والوطن وضرورتهما، وصعوبة فقدان المنزل والوطن والتشرّد كنازح أو لاجئ أو فقير.

 

حقوق اللاجئين

اعتُمدت اتفاقية اللاجئين لعام 1951 بعد الحرب العالمية الثانية، عندما هُجّر مئات الآلاف من اللاجئين في جميع أنحاء أوروبا.

عرّفت المعاهدة من هو اللاجئ –وهو الشخص الذي يريد اللجوء إلى بلد هرباً من الاضطهاد. كما أن هذه المعاهدة تعطي اللاجئين حقاً مهماً جداً– وهو حقهم في عدم إعادتهم إلى أوطانهم، إلا في الظروف القصوى.

وتقول وكالة الأمم المتحدة للاجئين: “بحكم التعريف، لا يتمتع اللاجئون بالحماية من قبل حكوماتهم، لذلك يجب أن يتحرك المجتمع الدولي للعمل على ضمان أمنهم وحمايتهم.”

وتم تعديل المعاهدة في عام 1967، لتشمل اللاجئين من جميع أنحاء العالم.

وقالت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين: “يستحق اللاجئون على الأقل، نفس معايير المعاملة التي يتمتع بها غيرهم من المواطنين الأجانب في بلد معيّن، وفي كثير من الحالات نفس المعاملة التي يتلقاها مواطنو هذا البلد.”

وعلى مدى عقود، أعيد توطين أكثر من 50 مليون لاجئ.

من وقع هذه المعاهدة؟

وقعّت 142 دولة على كل من اتفاقية اللاجئين لعام 1951 وبروتوكول عام 1967. بعضها انضم إلى المعاهدة منذ عقود عدة، والبعض الآخر انضم منذ بضع سنوات. المجر أو هنغاريا هي واحدة من الموقعين. ولكنها تعرضت لانتقادات المهاجرين والنشطاء الذين يقولون إنها تترك اللاجئين في ظروف صعبة بينما ينتظرون نقلهم إلى آخر محطاتهم. وتقيم الدولة الآن سياجاً على الحدود الصربية ليساعدها في السيطرة على تدفق المهاجرين.

يطرق مئات الآلاف من المهاجرين على أبواب أوروبا، متسخين ومنهكين ومصرين على الهروب من المذابح اليومية في أوطانهم. ولكن وصولهم يضغط على موارد الدول الأوروبية. حيث توقعت ألمانيا العام 2015 أن تستقبل 800 ألف لاجئ، وأنها ستنفق ستة مليار يورو على الأقل أو ما يعادل 6.7 مليار دولار لاستيعابهم.

وأعلنت وكالة الأمم المتحدة للاجئين أن 366 ألف لاجئ عبروا البحر الأبيض المتوسط دخولاً إلى أوروبا في العام 2015.

وتأتي الأغلبية العظمى من اللاجئين من ثلاثة بلدان هي: العراق، حيث هاجر الشعب فرارا من وحشية داعش، وأفغانستان، التي دمرتها الحرب، وسوريا، حيث يتعرض المدنيون لهجمات من داعش وهجمات عشوائية ناجمة عن الحرب الأهلية في البلاد.

وتعرضت العديد من الدول العربية الغنية بالنفط والتي هي أقرب إلى مناطق الصراع لانتقادات لاذعة لأنها لم تستقبل اللاجئين. فقد أعطت المملكة العربية السعودية والكويت والبحرين وقطر وسلطنة عمان ودولة الإمارات العربية المتحدة لمنظمة الأمم المتحدة ملايين الدولارات لمساعدة اللاجئين السوريين. ولكن وفقاً لمنظمة العفو الدولية، لم تسمح أي من هذه الدول بدخول اللاجئين إلى أراضيها.

وأضاف المفوض السامي لشؤون اللاجئين للأمم المتحدة: “طالبنا بفتح الحدود، ليس فقط في هذه المنطقة ولكن في جميع دول العالم المتقدم.”

 

ما هي حقوق اللاجئين؟

بالإضافة إلى عدم إعادتهم الى بلدانهم، يتمتع اللاجئون بالعديد من الحقوق الأخرى، بما في ذلك:

– الحماية القانونية من الملاحقة بتهمة الدخول غير القانوني للدول المشتركة في المعاهدة

– الحق في السكن

– الحق في العمل

– الحصول على التعليم

– الحصول على المساعدات العامة

– الوصول إلى المحاكم

– الحق في الحصول على وثائق الهوية والسفر

 

اللاجئون الفلسطينيون

وفقاً للتعريف العملي للأونروا، فإن اللاجئين الفلسطينيين هم أولئك الأشخاص الذين كانوا يقيمون في فلسطين خلال الفترة ما بين حزيران 1946 وحتى أيار 1948، والذينفقدوا بيوتهم ومورد رزقهم نتيجة حرب 1948.

وتعد الخدمات التي تقدمها الأونروا متاحة لجميع أولئك اللاجئين الذين يقيمون في مناطق عملياتها والذين ينطبق عليهم هذا التعريف والذين هم مسجلون لدى الوكالة وبحاجة إلى المساعدة. كما أن ذرية أولئك اللاجئين الفلسطينيين الأصليين يستحقون أن يتم تسجيلهم في سجلات الوكالة. وعندما بدأت الوكالة عملها في عام 1950، كانت تعمل على الاستجابة لاحتياجات ما يقارب من 750,000 لاجئ فلسطيني. واليوم، فإن ما يقارب من خمسة ملايين لاجئ فلسطيني يستحقون التمتع بخدمات الأونروا.

يعيش ثلث اللاجئين الفلسطينيين المسجلين لدى الأونروا، أو ما يزيد عن 1,4 مليون لاجئ، في 59 مخيماً معترفاً به للاجئين في كل من الأردن ولبنان وسوريا وقطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية. ويعيش الثلثان الباقيان في المدن والبلدات في الدول المستضيفة وفي الضفة الغربية وقطاع غزة.

ووفقاً لتعريف الأونروا، فإن المخيم هو عبارة عن قطعة من الأرض تم وضعها تحت تصرف الوكالة من قبل الحكومة المضيفة بهدف إسكان اللاجئين الفلسطينيين وبناء المنشآت للاعتناء بحاجاتهم. أما المناطق التي لم يتم تخصيصها لتلك الغاية فلا تعتبر مخيمات. ومع ذلك، فإن للأونروا مدارس وعيادات صحية ومراكز توزيع خارج المخيمات حيث يوجد تواجد كبير للاجئين الفلسطينيين، كمنطقة اليرموك بالقرب من دمشق في سورية.

إن قطع الأراضي التي أنشأت المخيمات فوقها هي أراضٍ حكومية أو أنها، في معظم الحالات، أراضٍ استأجرتها الحكومة المضيفة من أصحابها الأصليين. وهذا يعني أن اللاجئين في المخيمات لا “يملكون” الأرض التي بنيت عليها مساكنهم، إلا أن لديهم حق “الانتفاع” بالأرض للغايات السكنية.

وتمتاز الأوضاع الاجتماعية الاقتصادية في المخيمات عموماً بالفقر وبالكثافة السكانية وبظروف الحياة المكبلة وبنية تحتية غير ملائمة كالشوارع والصرف الصحي.

 

مسؤولية الأونروا في المخيمات

تقتصر مسؤولية الأونروا في المخيمات على توفير الخدمات وعلى إدارة منشآتها. والوكالة لا تمتلك أو تدير أو تعمل على حفظ الأمن في المخيمات حيث أن هذه الأمور تقع على عاتق السلطات المضيفة.

وتقوم الأونروا بإدارة مكتب للخدمات في كل مخيم يقوم سكان المخيم بالرجوع إليه لغايات تحديث بياناتهم أو لغايات طرح القضايا التي تخص خدمات الوكالة مع مدير ذلك المكتب الذي يقوم بدوره بإحالة القضايا التي تهم اللاجئين وإحالة التماساتهم إلى إدارة الوكالة في المنطقة التي يقع ذلك المخيم فيها.

وقد تم تأسيس عشرة مخيمات في أعقاب حرب حزيران عام 1967 واحتلال إسرائيل للضفة الغربية وقطاع غزة وذلك بهدف إيواء موجة جديدة من النازحين من اللاجئين وغير اللاجئين.

 

معاناة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان

تأسست “وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى” (“الأونروا”) بموجب قرار من الأمم المتحدة في كانون الأول/ديسمبر 1949. وتنصب مهمتها اليوم في “تقديم المساعدات والحماية والدعم لنحو خمسة ملايين لاجئ فلسطيني مسجل في الأردن ولبنان وسوريا والأراضي الفلسطينية المحتلة، إلى حين التوصل إلى حل لمحنتهم”.

إن وضع الفلسطينيين في لبنان بائس ولهذا تُوفر “الأونروا” – التي كانت ميزانيتها ما يقرب من 75 مليون دولار في عام 2011 – الكثير من المساعدات عن طريق تقديم الخدمات إلى هؤلاء اللاجئين. على سبيل المثال، تتولى “الأونروا” تشغيل تسعة وعشرين مركزاً للرعاية الصحية الأولية وواحداً وعشرين عيادة أسنان داخل معسكرات اللاجئين الاثني عشر التي تعمل فيها، حيث تقدم خدماتها إلى 95% من اللاجئين الذين يعتمدون على المنظمة للحصول على الخدمات الصحية. واعتباراً من 2006، كانت “الأونروا” أكبر مُشغِّل للعمالة الفلسطينية القانونية والماهرة في لبنان. كما تُساعد المُنظمة بشكل واسع في تشييد البنية التحتية وبناء مراكز التأهيل، لا سيما في مخيم “نهر البارد” الذي دمر بشكل كبير في عام 2007 في معركة ضارة بين منظمة “فتح الإسلام” التي تدور في فلك تنظيم «القاعدة» والمدعومة من قبل سوريا، وبين القوات المسلحة اللبنانية.

وفي حين أصدرت “الأونروا” تقارير عن أوضاع مخيمات اللاجئين، إلا أن تدخل المنظمة مع الحكومة اللبنانية – إلى الدرجة التي حدث فيها هذا التدخل – لم يحقق العديد من حقوق الإنسان الجوهرية للاجئين. والأهم من ذلك، أنه حتى عام 2006 تم فرض قيود كبيرة على قدرة الفلسطينيين على العمل في لبنان، مع أن هذه الفعالية هي من “الحقوق” التي يضمنها ميثاق الأمم المتحدة من خلال “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان”.

وقد كانت تبعات هذا الفشل كارثية ومدمرة. فوفقاً لإحصائيات “الأونروا” اليوم، لم يتم توظيف سوى نحو 53,000 من قوة العمل الفلسطينية البالغ قوامها 120,000 فلسطيني. وفي الجنوب (في صيدا وصور)، يعيش 81% من جميع اللاجئين في “فقر مُدقع”.

وإلى جانب الانتقادات الدولية، كانت “الأونروا” أيضاً هدفاً للكثير من السخط المحلي. وقد انتقدت حركة «حماس» الفلسطينية الوكالة، متهمة إياها بالفساد المالي والإداري ومطالبة بفصل مديرها في في لبنان سالفاتوري لومباردو. فوفقاً لـ «حماس» تُنفق 60% من ميزانية “الأونروا” في لبنان على رواتب الطاقم المحلي والإيجارات والأمن والتكاليف الإدارية، بينما الـ 40% الباقية من التمويل تصل فعلياً إلى اللاجئين.

 

الإطار القانوني اللبناني

تعود مشكلة اللاجئين الفلسطينيين إلى إنشاء كيان “إسرائيل” فهو السبب الرئيس وراء محنتهم المؤسفة لكن بعض معاناتهم يرجع بصفة أساسية إلى النظام القانوني اللبناني الذي يقوض بشكل منهجي من قدرتهم على إعالة أنفسهم وتحسين أوضاعهم. وعلى العكس من سوريا والأردن، على سبيل المثال، يشار إلى أن هناك حساسيات ديموغرافية دينية في لبنان.

وعلى الرغم من أن العمال الفلسطينيين يقيمون في لبنان منذ فترة طويلة، إلا أنه يجري معاملتهم كأجانب. ففي عام 1964 على سبيل المثال، وضعت وزارة العمل – بموجب المرسوم الوزاري رقم 17561 – سياسة تُقصِر المهن في لبنان على المواطنين اللبنانيين. وقد حرمت تلك اللائحة الفلسطينيين من العمل في نحو سبعين فئة وظيفية.

وفي غضون ذلك، هناك مهن أخرى – المحاماة والطب والهندسة – التي استبعدت الفلسطينيين من خلال نظمها النقابية الأساسية. والأسوأ من ذلك كان يُطالَب من الفلسطينيين لسنوات عديدة الحصول على تصاريح عمل، مثل غيرهم من العمال الأجانب، تصل كلفتها إلى 1200 دولار؛ وكان صاحب العمل يدفع 75% من تلك الرسوم، مما خلق عقبة أخرى. وحتى لو تمكن الفلسطينيون من الحصول على تصاريح عمل وقدموا إسهامات لنظام الضمان الاجتماعي اللبناني، فإنهم كانوا غير مؤهلين، بموجب القانون، للحصول على أي استحقاقات. وفي الواقع يشكل هذا الشرط الأخير انتهاكاً لاتفاقيات الأمم المتحدة: فوفقاً لـ “اللجنة الاقتصادية والاجتماعية التابعة للامم المتحدة”، عندما يسهم غير المواطنين “في نظام الضمان الاجتماعي، فينبغي أن يكونوا قادرين على الاستفادة من ذلك الإسهام”.

وهذه اللوائح الأخيرة تستهدف الفلسطينيين على وجه الخصوص. ففي عام 2001 حظر البرلمان اللبناني على “أي شخص ليس مواطناً لدولة معترف بها أو أي شخص تكون ملكيته للعقارات تتعارض مع أحكام الدستور فيما يتعلق بالتوطين، الحصول على عقارات من أي نوع”. كما لم يعد بوسع اللاجئين شراء أراضي أو نقل ممتلكات أو الوصي بعقاراتهم إلى أحد الأقارب.

وقد تغيرت هذه اللوائح في عام 2005 بعد أن شكل رئيس الوزراء آنذاك فؤاد السنيورة “لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني” التي عُهدت إليها مهمة مناقشة وتنسيق سياسات الحكومة المتعلقة بالسكان الفلسطينيين. وقد أصدر وزير العمل في ذلك العام مذكرة تتيح للفلسطينيين مزاولة نحو سبعين فئة وظيفية، بما في ذلك مجموعة واسعة من الوظائف الإدارية والميكانيكية والتجارية وتلك ذات الصلة بالوظائف التعليمية. وفي عام 2010، أقرت الحكومة اللبنانية مرسوماً خفف إلى حد ما من متطلبات تصريحات العمل وجعل الفلسطينيين مؤهلين لاستحقاقات الضمان الاجتماعي.

ووفقاً لتقرير صدر عن منظمة “هيومان رايتس ووتش” عام 2012  فإن: اللاجئين الفلسطينيين في لبنان يعيشون في أوضاع اجتماعية واقتصادية مزرية. ولم يشهد عام 2011 أي تحسن في إمكانية وصولهم إلى سوق العمل، رغم التعديلات التي أُدخلت على قانون العمل في عام 2010 والتي كان من المُقرر أن تخفف من ذلك الوصول. وقد كان السبب الرئيسي هو عجز الحكومة عن تطبيق التعديلات. فلا تزال القوانين والمراسيم اللبنانية تمنع الفلسطينيين من العمل في 25 مهنة على الأقل التي تتطلب عضوية نقابية، بما في ذلك المحاماة والطب والهندسة. كما لا يزال اللاجئين الفلسطينيين عرضة لقانون تمييزي تم العمل به في عام 2001 والذي يمنعهم من تسجيل ممتلكاتهم.

 

اللاجئون السوريون

أصدرت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة لمنظمة الأمم المتحدة بياناً تحذر فيه من خطورة الظروف التي يعيشها ملايين اللاجئين السوريين، خاصة مع تزايد احتياجاتهم الإنسانية وتراجع الدعم الدولي.

وأشار البيان إلى أن أكثر من نصف اللاجئين السوريين في لبنان يعيشون في مساكن غير آمنة، مؤكدا أن واقع البؤس الذي يعيشونه يستنفد مدخراتهم، مما يدفعهم إلى التسول وعمالة الأطفال وأعمال أخرى مهينة بما تمثله من مخاطر اجتماعية أخرى.

وأكدت المفوضية أن هناك 12 مليون سوري بحاجة إلى المساعدة للبقاء على قيد الحياة، كما أن ملايين الأطفال يعانون من صدمات نفسية ومشاكل صحية، وأن نصف الأطفال لا يتمتعون في بلدان اللجوء بالتعليم، وأن 2.4 مليون طفل لا يحصلون على التعليم داخل البلاد.

وقال المفوض السامي أنطونيو غوتيريس إنه “كان يجب أن تحرك هذه الأزمة الإنسانية -وهي الأسوأ في عصرنا- موجة كبيرة من الدعم، إلا أن المساعدات تتضاءل، وليس هناك ما يكفي منها لتلبية الاحتياجات الواسعة”.

وكانت الأمم المتحدة قد أطلقت نداء للحصول على تمويل بقيمة ثمانية مليارات دولار لتغطية الاحتياجات الأساسية للاجئين مع مساعدة البلدان المضيفة بدعم خدماتها والبنى التحتية فيها.

وأكد تقرير لمنظمات إغاثية دولية الأسبوع الماضي أن عمليات التمويل للأغراض الإنسانية تناقصت، إذ تم توفير 71% من الأموال اللازمة لدعم المدنيين داخل سوريا واللاجئين في الدول المجاورة عام 2013، لكن النسبة تراجعت عام 2014 إلى 57% فقط.

وأفادت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين بأن نصف اللاجئين السوريين في دول الجوار لم تلبَّ احتياجاتهم الأساسية بسبب تراجع الموارد، وطالبت في نداء أطلقته في ألمانيا بتوفير 8.4 مليارات دولار من أجل مساعدة قرابة 18 مليون شخص في سوريا والمنطقة كلها خلال العام 2015.

يذكر أن ما لا يقل عن 3.7 ملايين شخص نزحوا من سوريا جراء الصراع القائم منذ نحو أربعة أعوام، وهم مسجلون رسميا كلاجئين، ويوجد منهم في الأردن 622 ألفا، وفي لبنان 1.16 مليون، إضافة إلى 1.6 مليون في تركيا، و233 ألفا في العراق

 

تأثير النّزوح السوريّ على اللاّجئين الفلسطينيّين في لبنان

ليس سرّاً معاناة اللاّجئين الفلسطينيّين في لبنان من سوء أوضاعهم الاقتصاديّة والاجتماعيّة، نتيجة تراجع مساعدات وكالة الأمم المتّحدة لغوث وتشغيل اللاّجئين الفلسطينيّين – “الأونروا” من جهة، وبسبب القوانين اللبنانيّة التي تمنع هؤلاء اللاّجئين من العمل في 73 مهنة، لكن الجديد هو تزايد هذه المعاناة، نتيجة نزوح أكثر من مليون سوريّ إلى لبنان، ومعهم نحو 60 ألف لاجئ فلسطينيّ مقيم في سوريا، إذ يقيم الكثير من هؤلاء في المخيّمات الفلسطينيّة وينافسون سكّانها الأصليّين على المسكن والعمل النّادرين داخل المخيّمات.

وفي هذا السياق، قال الباحث الفلسطينيّ وسكريتر التحرير في مجلّة الدراسات الفلسطينية أنيس محسن لـ”المونيتور”: إنّ بعض النّازحين السوريّين والفلسطينيّين – السوريّين القادرين على دفع الإيجارات استأجروا منازل داخل المخيّمات في لبنان، وهو ما رفع أسعار الإيجارات داخل المخيّمات المكتظّة أصلاً بالسكّان، وأحدث فوضى في مجال البناء، كون الكثير من سكّان المخيّمات باتوا يعمدون إلى إنشاء طوابق عليا في شكل غير قانونيّ لتأجيرها، الأمر الذي قد يشكّل خطراً مستقبليّاً لجهة احتمال حدوث انهيارات في المباني.

وأوضح محسن أنّ عمّال البناء داخل المخيّمات وباعة الشوارع يتأثّرون بمنافسة الفلسطينيّين – السوريّين لهم، لكن خارج المخيّمات فإنّ الفلسطينيّين – السوريّين لا يعملون، وبالتّالي لا يشكّلون منافسة للفلسطينيّين – اللبنانيّين.

أمّا خارج المخيّمات فارتفعت إيجارات المنازل في شكل فلكيّ، منذ بداية عام 2012 بعد النّزوح الكثيف للسوريّين والفلسطينيّين – السوريّين إلى لبنان، فالمنزل الذي كان إيجاره 100 دولار، أصبح إيجاره اليوم 350 دولاراً كحدّ أدنى بحسب خبراء في مجال العقارات.

وأشار الباحث الفلسطينيّ السوريّ نبيل السهلي لـ”المونيتور” إلى أنّ نزوح عدد كبير من السوريّين ونحو 42 ألف فلسطينيّ إلى لبنان، ضغط كثيراً على الاقتصاد اللبنانيّ وموارده المحدودة أصلاً.

وأكّد أنّ تأثير النّازحين الفلسطينيّين كان في كلّ المعايير أقلّ، لأنّ هناك قوانين تسمح للمواطن السوريّ بالعمل في لبنان، في حين كانت مفاتيح الاقتصاد اللبنانيّ موصدة أمام النّازح الفلسطينيّ من سوريا.

وأوضح السهلي، وهو نفسه نازح فلسطينيّ من سوريا ويعمل في لجنة متابعة المهجرين الفلسطينيين القادمين من مخيمات سوريا، أنّ هناك آثاراً سلبيّة للنّزوح الفلسطينيّ – السوريّ إلى المخيّمات، إذ استطاعت أعداد قليلة من النّازحين العمل في المهن الحرّة داخل المخيّمات، وبأجور منخفضة، مقارنة مع أقرانهم من قوّة العمل الفلسطينيّة في المخيّمات.

وقالت النّاشطة والإعلاميّة الفلسطينيّة حنان لـ”المونيتور”: إنّ العديد من سكّان المخيّمات يشكون من تراجع المساعدات المقدّمة إليهم من جمعيّات مختلفة، بعد موجات النّزوح من سوريا إلى لبنان، وخصوصاً إلى المخيمات، إضافة إلى تراجع مساعدات “الأونروا”، ممّا يجعل الوضع صعباً للغاية بالنّسبة إلى النّازحين السوريّين والفلسطينيّين معاً.

وأشارت إلى نشوء نوع من الحساسيّة بين بعض اللاّجئين الفلسطينيّين من النّازحين السوريّين والفلسطينيّين – السوريّين، بسبب منافستهم لهم على المسكن والعمل. وقالت: إنّ بعض الفلسطينيّين يعملون في لبنان بأجرة منخفضة جدّاً تقلّ عن عشرة دولارات يوميّاً أحياناً فقط من أجل تأمين قوت يومهم.

ومن جهته، لام السهلي الحكومة اللبنانيّة لأنّها لم تضع خططاً للإغاثة أو لم تنسّق في شكل عمليّ مع المنظّمات الدوليّة ذات الصلة في شأن إغاثة النّازحين من سوريا، الأمر الذي زاد من عمليّة عدم إيصال المساعدات في شكل دقيق ومدروس وشفّاف إليهم.

وأوضح أنّ مجموع النّازحين الفسطينيّين من سوريا إلى لبنان بلغ نحو 60 ألف نازح فلسطينيّ في بداية عام 2013. وتركّزت النّسبة الكبرى منهم في المخيّمات الفلسطينيّة: عين الحلوة والميّة وميّة في صيدا، وبرج الشمالي والرشيديّة في صور، فضلاً عن مخيّمات نهر البارد والبداوي في مدينة طرابلس بشمال لبنان، فيما توزّعت أعداد قليلة على مخيّمات بيروت، وفي شكل خاص على مخيمي شاتيلا وبرج البراجنة.

وأشار السهلي إلى عوامل عدّة دفعت عدداً لا بأس به من النّازحين الفلسطينيّين من سوريا للسكن في المخيّمات، في مقدّمها القرابة أو الانحدار من القرية نفسها في فلسطين، إذ أنّ معظمهم من القرى الفلسطينيّة التي هجّر أهلها عام 1948. كما لفت إلى أنّ نسبة من هؤلاء النّازحين استقرّت في بلدات لبنانيّة، وخصوصاً في البقاع وصيدا وإقليم الخروب.

وذكر أنّ في بداية النّزوح الفلسطينيّ من سوريا، وزّعت جمعيّات خيريّة عدّة في لبنان مساعدات غذائيّة على النّازحين، لكنّها تلاشت تدريجيّاً. كما انحصر دور بعض اللجان والجمعيّات الفلسطينية بتوزيع المعونات الغذائيّة الدوريّة كلّ ثلاثة أشهر، كوسيط، حيث تتمّ عمليّات التّمويل من دول مثل الدنمارك وألمانيا والمملكة العربيّة السعوديّة وقطر والإمارات العربيّة المتّحدة والكويت وغيرها.

وحمّل السهلي منظّمة “الأونروا” مسؤوليّة تأمين الخدمات الصحيّة والتعليميّة للنّازحين الفلسطينيّين من سوريا إلى لبنان، مشيراً إلى أنّ المساعدات الماليّة للعائلات كانت غير دوريّة وغير محدّدة في البداية. ومع بداية عام 2014، استصدرت “الأونروا” بطاقة إلى كلّ عائلة فلسطينيّة نازحة من سوريا إلى لبنان، وخصّصت لها 100 دولار كبدل إيجار سكن شهريّ، فضلاً عن 30 دولاراً لكلّ فرد من العائلة للأغذية، لكن النّازحين فوجئوا بقرار “الأونروا” في أيلول/سبتمبر الماضي بتعليق المساعدات النقديّة مع بداية تشرين الأوّل/أكتوبر 2014، في حجّة ضمان استمرار الدّعم لفئات أكثر حاجة. وبحسب السهلي، ستتضرّر من القرار 1100 عائلة فلسطينيّة نازحة من سوريا. وبالتّالي، ستتفاقم معاناة نحو 6000 نازح فلسطينيّ، يشكّل الأطفال دون الخامسة عشرة من العمر أكثر من 45 في المئة منهم، ممّا سيؤدي إلى عودة مئات العائلات إلى سوريا حيث الموت المجاني هناك.

وأكّد السهلي أنّ عدد النّازحين الفلسطينيّين من سوريا لا يتجاوز اليوم 35 ألف نازح بعد أن عاد كثيرون إلى سوريا بسبب زيادة المعاناة والإجراءات اللبنانيّة القاسية على الحدود تجاه تنقّل الفلسطينيّين، في حين هاجر نازحون آخرون إلى أوروبا عبر “رحلات الموت” البحريّة.

ورأى أنّ “منظّمة التّحرير الفلسطينيّة” تتحمّل المسؤوليّة عن تفاقم معاناة النّازحين الفلسطينيّين، إذ لم تضع خطّة طوارىء بالتّفاهم مع “الأونروا” للحدّ من معاناتهم. كما أنّ الفصائل الفلسطينيّة لم تتعاط جديّاً مع الحكومة اللبنانيّة، بغية المساواة بين السوريّ والفلسطينيّ عند دخول المعابر من سوريا إلى لبنان أو بالعكس، وفي تجديد الإقامات المكلفة للنّازحين.

 

*د. هيثم مزاحم رئيس مركز بيروت لدراسات الشرق الأوسط

**الدراسة ورقة قدمت إلى مؤتمر حول اللاجئين في مدينة العيون في الصحراء الغربية في ديسمبر 2015.