بعد وأد المصالحة: الضفة دولة فتح الكرتونية وغزة دولة حماس الوهمية

بعد وأد المصالحة: الضفة دولة فتح الكرتونية وغزة دولة حماس الوهمية
Spread the love

بقلم د. عقل صلاح* —

لقد كتبت في أيلول/سبتمبر2017، لماذا لايمكن إتمام المصالحة، أي قبل أكثر من عشرة أشهر. ومن جديد أعيد الكتابة عن المصالحة، وأتساءل من جديد: هل يمكن إتمام المصالحة الفلسطينية؟، أم هي مجرد محطة من محطات قطار المصالحة المتعطل عن الانطلاق؟ وما كنا نخشاه من أن يكون اتفاق المصالحة السادس- الذي تم التوقيع عليه في تشرين الأول/أكتوبر2017 في القاهرة- كالاتفاقيات الفاشلة منذ سنة 2005، وحتى تاريخ نشر هذه المقالة، والانقسام يتجسد ويتجذر على أرض الواقع بشكل فاضح، خاصة بعد فرض المزيد من العقوبات السلطوية على القطاع ليدخل الصراع مابين حماس وفتح على السلطة لمرحلة كسر العظم، وتدخل لملعب المصارعة السياسية معادلة من ينهزم ومن يصمد، وهل بمقدور حماس الصمود أم لا؟ وهل ستضحي حماس في استراتيجياتها ووجودها ومستقبلها مقابل المصالحة؟ كل هذه الأسئلة والعديد من الأسئلة التي تجول في الذهن سوف نحاول الإجابة عنها في هذه المقالة.
لقد اتخذت حركة حماس قرارها الصعب في الولوج بالتفاهم مع تيار محمد دحلان وهي مدركة أن دحلان بمقدوره تحريك الملف الراكد وهو تخفيف شدة الحصار عن القطاع أو تحفيز الرئيس عباس لقبول المصالحة مع حماس، ومن ثم حدث اللقاء التاريخي بين دحلان والقائد الحمساوي يحيي السنوار المتنفذ في صنع القرار وهو الذي استطاع الاقتراب من العدو اللدود لحماس والتي كانت قيادة حماس لاتتجرأ على الاقتراب منه. وكأن حماس تقول للرئيس عباس إن عدوك هو صديقي، وإذا لم تتراجع عن كل العقوبات بحق القطاع سوف نعقد الصلح مع خصمك اللدود، مما شكل ورقة ضغط على حركة فتح التي وجدت نفسها في الزاوية بعد الدعم والرعاية المصرية للتقارب الحمساوي الدحلاني الذي لم يرتق لمستوى الإعلان عن التحالف الرسمي وتراجع للخلف ليكون الخطة الاحتياطية بعد الضغط الدولي والعربي ليتفرغوا لتمرير مايسمى بصفقة القرن.
فحماس في القطاع التي تحظى بمركز اتخاذ القرار ووجود القوة العسكرية لكتائب القسام التي تقف خلف السنوار فتحت المجال لفرصة جديدة لإلتقاء المصالح مابين حماس والتيار الدحلاني وقيادة جهاز المخابرات المصري الذي يريد تحقيق انجاز في الساحة السيناوية باستخدام قوة حماس لردع السلفية الجهادية في القطاع ومحاصرتها في سيناء. فالتقاء المصالح فرض التقارب، فحماس تبحث عن مخرج للخروج من عنق زجاجة الحصار، ومصر التي تريد توجيه ضربات لداعش من أجل تحجيمها، ودحلان الذي يريد أن يكون له موطئ قدم يوصله إلى التربع على عرش حكم حركة فتح، وإسرائيل التي تريد تهدئة جبهة القطاع لتفرغ لقضم الضفة وبناء العلاقات مع المحيط الخليجي والعربي وتمرير مشاريع ترامب لتصفية قضية اللاجئين والأسرى والقدس وغيرعا.
ولكن قيادة حماس في الخارج التي تعيش في دائرة الولاءات -القطرية الإخوانية التركية- اعترضت على التقارب مع دحلان، وقيادة حماس في الضفة الغربية تقف نفس الموقف. وكانت ردة فعلهم واضحة من خلال اجتماعهم مع الرئيس عباس ورئيس الوزراء رامي الحمد الله في خضم الحرب المعلنة من قبل الرئيس على حماس في القطاع، وهذا ما عطل التقارب الحقيقي مابين التيار الاصلاحي وحماس، بالإضافة إلى التراجع المصري في دعم وتبني مشروع المصالحة الحمساوية الدحلانية. وأعتقد أن الرئيس عباس لعب دورًا كبيرًا على المستوى الداخلي والعربي والدولي بالضغط على كل من حماس ومصر للتوقف عن المضي في إعادة دحلان لدفة القيادة من خلال البوابة المصرية. ومن أهم المعيقات التي وقفت سابقً ومازالت تقف في طريق تحقيق المصالحة مايلي:
المعيق الأول، ويتعلق بسلاح المقاومة، فكما هو معروف أن حماس استمدت شعبيتها وتفوقها على حركة فتح من خلال عملياتها العسكرية، ودورها البارز في مقاومة الاحتلال. ففي حال تخلت حماس عن المقاومة وسلاحها فستصبح شبيهة بحركة فتح وبرنامجها هو نفس برنامج فتح، ومن المستحيل أن تتخلى حماس عن سلاح المقاومة، وهذا ما أكده القائد الحمساوي موسى أبو مرزوق في تصريح له في 22أيلول/سبتمبر 2017 بأن سلاح المقاومة ليس مطروحًا على طاولة الحوار، ومعنى ذلك أن الموقف الأمريكي والإسرائيلي سيكون في هذا الملف حاسم ومعطل. إضافة إلى أن الرئيس عباس ليس الرئيس اللبناني ميشال عون الذي سيدافع عن سلاح المقاومة، وهذا ما أعلن عنه عباس بقوله على حماس أن تسلم كل شيء تحت الأرض وفوق الأرض بإشارة إلى السلاح وغيره.
ويتمثل المعيق الثاني، في الجنود والمعتقلين الإسرائليين لدى كتائب القسام، حيث سيشترط العالم والبعض العربي وإسرائيل بأن يتم تسليم الجنود سواء أحياء أو أمواتًا من أجل إحياء انفراجة في حصار غزة والمصالحة. وهذا الملف بالنسبة لحماس مصيري ولايمكن لها أن تساوم عليه، فهو العامل الأساسي الذي تعول عليه حماس في اطلاق سراح الأسرى، ورفع شعبيتها وزيادة فرصها في التفوق على الخصم والفوز في أي انتخابات قادمة.
وينصرف المعيق الثالث، الذي لايقل أهمية عن سابقيه في الأنفاق التي أوجعت الاحتلال والتي ستؤلمه في أي حرب قادمة، وإسرائيل تخطط ليلًا ونهارًا للخلاص من كابوس الأنفاق فسوف تطالب إسرائيل مدعومة من أمريكا والبعض العربي بأن تسلم حماس خريطة الأنفاق التي تصل المستوطنات الإسرائيلية. وهذا يعني لحماس خيانة للمقاومة وشلالات الدماء التي سالت من أجل صناعة شبكة الأنفاق ، فهي أهم استراتيجية عسكرية في التفوق وحسم نتيجة أي حرب قادمة.
والمعيق الرابع والأخير والذي يتعلق في الجانب الإداري الوظيفي والمالي (الجباية)، فحماس تريد إبقاء تواجدها التنظيمي والسيطرة الخفية على المؤسسات- المالية والمدنية والأمنية- من خلال موظفيها الإداريين والأجهزة الأمنية. فحماس لايمكن لها التنازل عن ملف الموظفين وتسكينهم على الهيكليات الرسمية، وهذا يشكل عائق أمام السلطة في رام الله من الجانب الإداري والمالي والمعنوي وستواجه مشكلة بأنها تخلصت من أبناء فتح من خلال التقاعد الإجباري المبكر ليحل محلهم أبناء حماس وهذا لايمكن أن يستقيم عند حركة فتح.
وكل هذه المعيقات السابقة تم التعبير عنها من قبل السلطة الفلسطينية بكلمة واحدة وهي “التمكين” الذي توضح فيما بعد بموقف السلطة الواضح وهو”يا بتشيلوا يا بنشيل”، والمقصود به أن تكون السلطة مسؤولة عن القطاع “من الباب إلى المحراب” والباب بهذا المفهوم هي الجوانب الإدارية والمالية والوظيفية، والمحراب هو الشق العسكري -المقاومة والسلاح والأنفاق وغيرها. هذا هو مفهوم السلطة للتمكين ولايقصد به المفهوم العلمي الاداري لمصطلح التمكين، وهذا ما أكده مسؤول بارز في فتح لجريدة الحياة في نهاية تموز/يوليو2018 بقوله “لن نقبل بأن نكون صرافاً آلياً في غزة، مسؤولين عن تأمين المال، فيما تتحكم حماس بكل مفاتيح الحياة والأمن”.
كل العوامل سابقة الذكر تقف سدًا منيعًا أمام تحقيق المصالحة، بالإضافة للعديد من العوامل التي يمكن تذليلها أو إحداث اختراق بها، ولكن حتى لو حدثت المصالحة التقاربية الاضطرارية فلن تعمر وسوف تصطدم بكل الملفات المُرحلة وبالمطالب الإسرائيلية والأمريكية والعربية الجديدة التي ستورط الحكومة الفلسطينية في ملفات أمنية خطيرة، مما سيؤدي إلى صدام مرة ثانية مع حركة حماس التي لن تترد في السيطرة على القطاع من جديد. ومن هذه الملفات مخازن الصواريخ والسلاح والتصنيع ومراكز التدريب ومراكز الرباط والتنسيق الأمني وغيرها. ولهذا كله لايمكن اتمام المصالحة. فالمصالحة الشاملة تتطلب وجود قيادة فلسطينية مستقلة القرار، تدافع عن نهج المقاومة وسلاحها وحمايتها، واعتبار تشكيلات المقاومة وفي مقدمتهم كتائب القسام هم جيش احتياط وطني.
وعلى الرغم من ذلك، فإن مصر تفضل عودة السلطة للعمل في القطاع والإشراف مباشرة على كل المشاريع، بما فيها معبر رفح الحدودي، وأبلغت المخابرات المصرية وفد حركة فتح في القاهرة أواخر تموز/يوليو المنفرط أن المصالحة هي بوابة السلطة والواجهة الرسمية لاتفاق الهدنة ولعودتها إلى غزة، وفي حال رفضها –السلطة- السير فيها، فإنه سيتم تخطيها وفك الحصار عن القطاع من دونها،.والعمل في القطاع بالتعاون مع الأمم المتحدة و حماس. وهناك العديد من العوامل التي ساعدت مصر على السعي للمصالحة من جديد، أولها، وجود ضوء أخضر أميركي، والثاني، تطور التنسيق الأمني بين مصر وحماس، والثالث، الفائدة الاقتصادية الكبيرة من مشاريع إعادة إعمار القطاع، ويذكر في هذا الصدد، التوصل إلى تفاهمات بين الحركة والأمم المتحدة وقطر ومصر للعمل على المشاريع الإنسانية، بالتزامن مع هدنة تامة على الحدود، حتى في حال عدم عودة السلطة إلى القطاع.
كل ماسبق سيكون له تداعيات على العلاقات المصرية الفلسطينية حيث ستزداد حدة الخلافات المصرية مع السلطة الفلسطينية، وسوف ينحصر دور السلطة في الوقت الذي يتوسع به الدور الحمساوي في بناء العلاقات السياسية والأمنية مع مصر على حساب السلطة وحركة فتح، وكل ذلك على المستوى الوطني سيكون له أبعادًا كارثية على المدى البعيد حيث يعمق ويجذر ويرسم الانقسام ومن ثم الانفصال الوطني والسياسي وستكون الضفة دولة فتح الكرتونية وغزة دولة حماس الوهمية.

*كاتب وباحث فلسطيني مختص بالحركات الأيديولوجية.

Optimized by Optimole