كوشنر وغرينبلات عادا إلى واشنطن خاليي الوفاض

كوشنر وغرينبلات عادا إلى واشنطن خاليي الوفاض
Spread the love

بقلم تسفي برئيل – محلل الشؤون العربية في صحيفة هآرتس —

•لم تحضر العروس الفلسطينية إلى حفل الزواج، ولا حتى إلى طقس الحنّاء. فقد أعلنت، بمنتهى البساطة، أنها غير معنية بمقابلة حمويْها المستقبليين، ولن تتفاوض على المَهر ولن تدخل إلى سرير الدُخلة الذي ينتظرها فيه الاغتصاب. صحيح أن وقاحة محمود عباس لا تُحتمل. و”ليس من الواضح ما إذا كان مؤهلاً للتوصل إلى اتفاق”، بحسب ما قال جاريد كوشنر، مستشار الرئيس الأميركي وصهره، بغضب، في مقابلة مع صحيفة “القدس” الفلسطينية. وبذا انضمت إدارة دونالد ترامب أيضاً إلى المسلّمة التي أوجدها إيهود باراك بأن لا شريك في الجانب الفلسطيني.

•حظي الخمول السياسي الخطِر الذي يعتمده بنيامين نتنياهو برخصة مجددة، مرة أُخرى. فما دامت واشنطن تقول إنه ليس ثمة شريك، فمن الواضح إذاً أنه لا شريك. وثمة تناقض هنا؛ فلقد عاد مبعوثا المهمة كوشنر وجيسون غرينبلات إلى واشنطن خاليي الوفاض وهما يتركان وراءهما تهديداً فظيعاً: “إذا لم يعد عباس إلى مائدة المفاوضات، فسنُخرج خطتنا إلى العلن”. فهل هناك شريك، إذًا، أم لا؟.

•ضد مَن يوجّه هذان الاثنان تهديدهما في هذه الحالة؟ منذ سنة ونصف السنة ينتظر الفلسطينيون ماذا سيقول ترامب، لكنهم لم يتلقوا سوى صفعة نقل السفارة الأميركية إلى القدس وإسقاط العاصمة من جدول الأبحاث، كما صرح ترامب نفسه. وبينما لا تزال أصداء الصفعة تتردد في آذانهم، ها هم يسمعون أنه سيتعين عليهم الاكتفاء بـ”أبو ديس” عاصمة لهم، وأن السعودية تخطط للانقضاض على الأماكن المقدسة في القدس، وأن مصر ودولة الإمارات المتحدة وإسرائيل تخطط لفصل قطاع غزة عن الضفة الغربية تمهيداً لإنشاء حكم ذاتي منفصل فيه، وأن الجميع ينتظرون بفارغ الصبر رحيل عباس عن هذا العالم. فما الذي يمكن أن يخسروه، إذاً، من نشر “صفقة القرن” وجعلها علنية؟

•إن كان ثمة من يجب أن يثير هذا قلقه، فهو حكومة إسرائيل بالذات: ها هي الإدارة الأكثر إذعاناً من أي إدارة أميركية سابقة في كل ما يتعلق بإسرائيل ستنشر خطة، حتى لو جرى سحبها وإخفاؤها فور خروجها إلى النور، ستنضم إلى سلسلة طويلة من القرارات والخطط والتصريحات ـ مثل مبادرة السلام العربية، وقراري مجلس الأمن 242 و338، وخرائط الطريق المتعددة ـ التي لا روح فيها بحد ذاتها، لكنها أصبحت تشكل معاً المرجعية المقدسة لأي اتفاق مستقبلي.

•لا يجب أن يشكل نشر الخطة تهديداً، بل العكس هو الصحيح. من حق الفلسطينيين ومواطني إسرائيل معرفة ما تفكر فيه الإدارة الأميركية، ومدى قرب وجهة نظرها من وجهتيْ النظر الإسرائيلية والفلسطينية أو مدى بُعدها عنهما. حري بهذه الخطة أن تثير وتستقطب نقاشاً جماهيرياً عاماً واسعاً يوضح لكلا الطرفين ما إذا كان ثمة أفق سياسي يستحق بذل أي جهد أو لا. ليس من شأن النشر وضع هذه الخطة في صدارة النقاش العام ومركزه في إسرائيل وفلسطين فقط، بل من شأنه أيضاً أن يكشف حقيقة أن الحديث لا يدور عن عنيد ورافض فلسطيني في مقابل داعية سلام إسرائيلي، إذ إن عباس ونتنياهو يرقدان في مستنقع الرفض الموحل.

•لكن حين يهدد مستشارا الرئيس بالنشر، فلا مجال لتجنب أحد الاستنتاجين التاليين: إمّا أن الأوراق التي في حيازتهما هزيلة جداً أو غير واقعية، فيغدو الأمر كما في لعبة البوكر ـ مجرد التهديد هو الخطة نفسها؛ وإمّا أن الإدارة الأميركية تعتمد مساراً مريحاً جداً لإسرائيل تجعل الفلسطينيين مضطرين إلى رفض الخطة بغضب واشمئزاز فور نشرها الفعلي، وهو ما سيجعلهم أعداء السلام بصورة رسمية، يتحملون الذنب ومسؤولية رفضهم هذا، حتى قبل اضطرار إسرائيل إلى التطرق إليها.

•إن ما يقوله كوشنر وغرينبلات لعباس هو: إن فرصة تقديم أي استئناف بشأن الصفقة النهائية آخذة في التلاشي والزوال، حتى قبل بدء المفاوضات. وإذا لم يستغل حبل النجاة الرفيع جداً الذي يرمونه له الآن، فسيتم توقيع الصفقة من جانب واحد. هكذا تصرف ترامب في قضية الاتفاق النووي الإيراني، وهذا ما قرره بالنسبة إلى المفاوضات مع كوريا الشمالية، وهكذا حطم رأس اتفاقية التجارة، وهكذا يخطط لتنفيذ “صفقة القرن”، كما يبدو. وبالتالي لا سلام فيها، بل غطرسة فقط.

المصدر: صحيفة هآرتس الإسرائيلية، عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية