إردوغان يشن حملة قاسية في الداخل وسياسة خارجية جامحة

إردوغان يشن حملة قاسية في الداخل وسياسة خارجية جامحة
Spread the love

من حميرة باموق ونيك تاترسال لرويترز – اسطنبول — “شجون عربية” – في ثلاثة أشهر ونصف منذ محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة أقالت تركيا أو أوقفت عن العمل أكثر من 110 آلاف موظف وتوغلت عسكريا في سوريا وهددت مرارا بتوغل مماثل في العراق.

وأمام هتافات المؤيدين تعهد الرئيس التركي طيب إردوغان- مستلهما أمجاد الماضي العثماني- بالقضاء على أعداء تركيا في الداخل والخارج من أتباع رجل الدين المقيم في الولايات المتحدة فتح الله كولن الذي تتهمه أنقرة بتدبير الانقلاب إلى المتشددين الأكراد وتنظيم الدولة الإسلامية – داعش.

وأثارت الحملة التي لم يسبق لها مثيل في الداخل وموقفه التصادمي على الساحة الدولية قلق الغرب وبعض الحلفاء الإقليميين الذين يخشون تحول تركيا عضو حلف شمال الأطلسي والمرشحة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي إلى شريك لا يمكن التنبؤ بتصرفاته ويتراجع تأثيرهم عليه.

وفي أحدث عملية تطهير ألقت الشرطة التركية يوم الاثنين القبض على رئيس التحرير وموظفين كبار بصحيفة جمهوريت- وهي واحدة من منافذ إعلامية قليلة لا تزال تنتقد إردوغان- للاشتباه في تأييدهم للانقلاب الفاشل.

ووصف سياسي كبير في الاتحاد الأوروبي ذلك بأنه تجاوز للخط الأحمر فيما يتعلق بحرية التعبير بينما عبرت الخارجية الأمريكية عن قلقها العميق.

ويركب إردوغان موجة وطنية في ظل سعي حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي شارك في تأسيسه إلى إجراء تغييرات دستورية تنقل تركيا إلى نظام رئاسي كامل يمنح الرئيس سلطات تنفيذية أكبر.

وقال سنان أولجن الدبلوماسي التركي السابق والمحلل في معهد كارنيجي أوروبا “ما يحدث داخليا وفي السياسة الخارجية التركية تكتيك سياسي للحفاظ على التحالف بين قاعدة حزب العدالة والتنمية وبين القوميين.”

وقال لرويترز “هذا التحالف مولع بانتهاج سياسات قاسية في القضية الكردية ويبدو مؤيدا لإعادة تطبيق عقوبة الإعدام ولا يمكن أن نقول حقا إنهم يعلون من شأن الحفاظ على حرية التعبير والإعلام.”

ولا توجد مؤشرات على أي تخفيف في السياسة الداخلية أو الخارجية لتركيا بالنظر إلى الحاجة لضمان دعم القوميين للتغييرات الدستورية التي يرغب إردوغان والحزب الحاكم في طرحها في استفتاء يرى مسؤولو الحزب أنه قد ينظم في الربيع المقبل.

ولمح حزب الحركة القومية المعارض الذين يؤيد الكثير من أعضائه موقف إردوغان منذ الانقلاب الفاشل إلى أنه قد يدعم حزب العدالة والتنمية في البرلمان مع سعيه لحشد الدعم للاستفتاء على النظام الرئاسي.

*حافل بالأخطار

لكن بينما يتوقع استمرار حملات التطهير في الداخل- إذ جاءت اعتقالات موظفي جمهوريت بعد يوم من تسريح أكثر من عشرة آلاف موظف حكومي آخرين وإغلاق 15 وسيلة إعلام إلا أن نغمة الصوت العالي في السياسة الخارجية قد لا تترجم بسهولة إلى أفعال.

وحذر إردوغان في وقت سابق من الشهر الجاري من أن بلاده لن تنتظر قدوم أعدائها إليها ملمحا إلى احتمال التوغل في العراق إذا تسبب الهجوم الذي تدعمه الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية في الموصل في نزاع طائفي يهدد حدود بلاده.

وبدافع شعورها بالإحباط من عدم إشراكها بقوة في عملية الموصل تقول أنقرة إن عليها مسؤولية حماية التركمان والعرب السنة في المنطقة التي كانت جزءا من الإمبراطورية العثمانية. وتخشى تركيا أن تتسبب الفصائل الشيعية المسلحة- التي انضمت يوم السبت إلى عملية الموصل- في إشعال أعمال قتل عرقية.

لكن إطلاق عملية برية تركية أمر محفوف بالمخاطر ويهدد بإقحام الجيش في جبهة ثالثة بجانب هجومها على الدولة الإسلامية في سوريا والمتشددين الأكراد في جنوب شرق تركيا.

وقال أيدن شيلجن الدبلوماسي المتقاعد الذي كان القنصل العام الأول لتركيا في أربيل عاصمة إقليم كردستان شبه المستقل بشمال العراق “تركيا لاعب مؤثر في المنطقة لكن ينبغي لها تقدير وزنها بالشكل الصحيح.”

وأضاف لرويترز “التاريخ سوق كبيرة تجد فيها ما تريد. تستطيع أن تختار مشهدا تاريخيا لحشد الجماهير. لكن لا تستطيع أن تبني على ذلك سياسة خارجية أو استراتيجية عسكرية” ملمحا إلى الإشارات المتعلقة بالامبراطورية العثمانية في أحاديث إردوغان.

*خط أحمر آخر

شكك أولجن الباحث في معهد كارنيجي في أن تشرع السلطات التركية في إجراءات مثل هجوم بري في العراق ووصف الحديث بشأنه بأنه مجرد خطاب موجه للجمهور المحلي. لكنه حذر من أن مثل هذا النوع من الخطاب يهدد بتقويض مصداقية تركيا وله تداعيات غير مقصودة على السياسة الخارجية.

وقال “تجد تركيا نفسها الآن في مواجهة معارضة أشد في الخارج وتفقد قدرتها على تكوين تحالفات ليس فقط مع شركائها التقليديين ولكن مع اللاعبين الإقليميين أيضا.”

ويرى خبراء أن الحملة في الداخل لا تساعد كثيرا.

وكتب رئيس البرلمان الأوروبي مارتن شولتز على حسابه بموقع تويتر يقول إن الاعتقالات في صحيفة جمهوريت تمثل اجتياز “خط أحمر آخر” ضد حرية التعبير. وقال “التطهير واسع النطاق الحالي يبدو مدفوعا باعتبارات سياسية وليس لأسباب قانونية وأمنية.”

وقال مكتب مدعي اسطنبول إن السلطات تشتبه في ارتكاب موظفي صحيفة جمهوريت جرائم نيابة عن المتشددين الأكراد وشبكة فتح الله كولن.

ورفض متحدث باسم الحكومة التعليق على الإجراء القانوني ضد جمهوريت.

لكن مسؤولين يقولون إن مثل هذه الإجراءات يبررها التهديد الناجم عن محاولة الانقلاب الفاشلة.

وقالت رابطة الصحافيين الأتراك في بيان للاحتجاج على الاعتقالات إنه منذ محاولة الانقلاب الفاشلة أغلقت السلطات 170 صحيفة ومجلة ومحطة تلفزيونية ووكالة أنباء مما ترك نحو 2500 صحفي دون عمل.

وتقول جماعات المعارضة إن عمليات التطهير تستخدم لإسكات كل المعارضين.

وقال صلاح الدين دمرداش رئيس حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد في تصريح للصحافيين “نواجه مرحلة جديدة من القمع المنسق الذي تديره مقرات حزب العدالة والتنمية لضمان عدم بقاء أي معارضة.”

المصدر: رويترز