أحداث سوريا في السياق الإقليمي والدولي والنووي

Spread the love

بقلم: آساف أوريون – باحث في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي – عاموس يادلين – مدير معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي —

•في 7 نيسان/أبريل، هاجم النظام السوري بالسلاح الكيميائي معاقل المتمردين في دوما، في ضواحي دمشق، وفي إثر ذلك تحدثت تقارير عن سقوط عشرات القتلى والمصابين، بينهم أطفال. وفي اليوم التالي غرد الرئيس الأميركي ودان بشدة المسؤولين، وبينهم ” الحيوان الأسد”، وإيران وروسيا بسبب تأييدهما له، وقال إنه سيكون لذلك “ثمن باهظ”، وفي ليل 9 نيسان/أبريل هاجمت إسرائيل، بحسب التقارير، المطار العسكري “T 4” في عمق سورية. قُتل في الهجوم 14 شخصاً على الأقل، بينهم 7 إيرانيين، واعترفت إيران علناً بأن 4 منهم هم أعضاء في الحرس الثوري، بينهم ضابط كبير. كما أعلنت أن إسرائيل هاجمت قواتها، وتوعدت بالرد. وأعلنت روسيا أيضاً أن إسرائيل هي التي قامت بالهجوم من دون تبليغ موسكو، وفي هذه الأثناء امتنعت إسرائيل من التطرق مباشرة إلى ذلك. روسيا حذرت من “التطورات الخطرة” واستدعت سفير إسرائيل في موسكو للاستيضاح، وانتقدت استخدام إسرائيل القوة ضد المدنيين في غزة. وفي10نيسان/أبريل استخدمت روسيا الفيتو في تصويت مجلس الأمن في الأمم المتحدة على موضوع استخدام السلام الكيماوي. وتنبىء تصريحات الإدارة الأميركية في الأيام الأخيرة بهجوم مرتقب من جهتها في وقت قريب، من الممكن أن يكون أيضاً بمشاركة حلفاء من الغرب ومن المنطقة. وقد جرى ربط تأجيل زيارة الرئيس ترامب إلى أميركا اللاتينية بالرد المرتقب، وتشكل التقارير التي تحدثت عن تحرك الأسطول والجيش الأميركي الى الشرق الأوسط مؤشرات تدل على ما سيحدث.

•على المستوى العملاني تنتظر الجبهة حدوث الخطوتين القادمتين، اللتين على ما يبدو، تجريان بصورة منفصلة وعلى مسارين منفصلين: رد إيران على هجوم إسرائيل على قواتها في “T 4”، والرد الأميركي على هجوم النظام [السوري] بالسلاح الكيميائي في دوما. ومن المحتمل أن يكون رد إيران هجوماً ليس مباشراً بالضرورة، لكنه هذه المرة يحمل توقيعاً إيرانياً واضحاً، أو هجوماً بواسطة فرع لها، وهو أسلوب عمل تفضله إيران أكثر. ومن المعقول ألاّ تكون العملية من أرض إيران بل من سورية، أو من ساحات أُخرى، مثل اليمن (القريب من طرق الملاحة في البحر الأحمر)، أو حتى من لبنان، لكن هذا الأمر ينطوي على خطر تصعيد واسع. لا يمكن أيضاً أن نستبعد ضرب أرصدة إسرائيلية ويهودية في أنحاء العالم، كما جرى في الماضي.

•الاحتمالات العملانية المعقولة أكثر لهجوم انتقامي من جانب الولايات المتحدة هي هجوم بالنيران الجوية والصاروخية على نطاق محدود، مثل الهجوم على مطار الشعيرات قبل عام، ومن المعقول أكثر أن يكون الهجوم أوسع من ذلك. ويمكن أن تشمل الأهداف مواقع لها علاقة بالسلاح الكيميائي؛ قواعد ومنظومات سلاح جوية تُستخدم لإطلاقه؛ أهداف دفاعية جوية تقدم شعوراً معيناً بالأمن للنظام [السوري]؛ ومستويات أعلى تشكل دعائم أمنية وعسكرية للنظام، وصولاً إلى أهداف تابعة للنظام بحد ذاته.

•على المستوى الاستراتيجي، وعلى الرغم من أن الأحداث ناجمة عن اتجاهات متعددة، فإن تجمُعها في وقت وحيز محددين، هو حدث دراماتيكي ينطوي على احتمال مهم جداً فيما يتعلق بالبيئة الأمنية لإسرائيل.

•الهجوم على “T 4”جاء في إطار الخط الأحمر الأخير الذي وضعته إسرائيل، وترفض فيه تمركز إيران في سورية. وهو يشكل مرحلة إضافية من الصدام المتسارع بين تصميم إيران على التمركز في الجبهة الشمالية وتصميم إسرائيل المعلن على منع ذلك. والحدث البارز السابق في هذا السياق كان “يوم المعركة” في 10 شباط/فبراير، حين جرى إسقاط طائرة استطلاع إيرانية وطائرة حربية إسرائيلية. وفي “T 4” هوجمت أهداف إيرانية وقُتل جنود إيرانيون وجرى تدمير منظومات دفاعية سورية. في الفترة الأخيرة حظي التمركز الإيراني المتسارع، مع تراكم إنجازات النظام [السوري] وحلفائه، باعتراف وتأييد في القمة الروسية -الإيرانية – التركية التي عُقدت في أنقره، كما تلقى دفعاً إضافياً بعد تصريح ترامب بنيته إنهاء وجود القوات الأميركية في سورية. في الهجوم الأخير ألحقت إسرائيل ضرراً مباشراً بقدرات إيرانية في سورية تشكل تهديداً لإسرائيل، وكبدت إيران ثمناً لوضعها هذه القدرات على الساحة. وبصورة غير مباشرة يجسد الهجوم مدى قوة تصميم إسرائيل على فرض الخط الأحمر الذي وضعته لردع إيران عن مواصلة تمركزها في سورية، من خلال إظهار استعداد إسرائيل للمخاطر بالتعرض لرد، وحتى المخاطرة بحدوث تصعيد. وفي الوقت عينه، كان الهجوم بمثابة رسالة إلى روسيا لها علاقة بانعكاسات استمرار سياستها التي تسمح بتمركز إيران في سورية.

•عبّر الهجوم الكيميائي في دوما عن ثقة النظام السوري الكبيرة بنفسه في هذا الوقت. وبعد أن تأكد من استمرار حكمه، ومن أن الولايات المتحدة فقدت اهتمامها بما يجري في سورية، باستثناء تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، سمح لنفسه بأن يقوم بهجمات كيميائية وبأن يتحدى الإدارة الأميركية.

•أوجد تزامن الأحداث ترابطاً بين محور مواجهة إسرائيلية – إيرانية تتعلق بسورية، وبين القضية غير المنتهية للاستخدام المتكرر للسلاح الكيميائي من جانب نظام الأسد، وفرض أحكام منع انتشار أسلحة الدمار الشامل من جانب الولايات المتحدة. وبذلك تضافر فرض الخط الأحمر لإسرائيل مع فرض الخط الأحمر للولايات المتحدة، بينما تجد روسيا نفسها تسارع إلى تهدئة الطرفين خوفاً من عملية إضافية تقوّض إنجازاتها في سورية، ومكانتها كدولة عظمى مهيمنة في المنطقة. وهكذا برز ترابط عملاني وربما أيضاً استراتيجي بين جهود إسرائيل وجهود الولايات المتحدة في الساحة السورية: أولاً، في الحوار الذي يزداد حدة مع روسيا، ومن الأفضل ألاّ تكون إسرائيل وحدها. ثانياً، في عودة الولايات المتحدة إلى الاهتمام بما يجري في سورية بالإضافة إلى الاهتمام بتنظيم الدولة الإسلامية، وفي القدرة على الربط بين موضوعات السلاح الكيميائي ومستقبل النظام السوري، وبين تمركز إيران في سورية.

•لكن، الترابط الاستراتيجي لا يقتصر على حدود سورية، وهو يحدث على خلفية الأزمة الناشئة بشأن مطالبة حكم ترامب بتحسين الصفقة النووية، أو المخاطرة بتجدد فرض العقوبات، أو الخروج من الاتفاق في 12 أيار/مايو، ويمكن الذهاب إلى أبعد من ذلك، مع تقدم الاستعدادت للقاء ترامب مع رئيس كوريا الشمالية، بشأن الموضوع النووي. ومن هنا فإن الصدام بين إسرائيل وإيران في سورية عشية نقاش الصفقة النووية ينطوي على إمكان تغيير طريقة المعالجة المنفصلة لقضايا متعددة (النووي في إيران، والنووي في كوريا الشمالية، وإيران في سورية، وخصوصاً تأثيرها الإقليمي) إلى إطار أوسع يتضمن ارتباطاً متبادلاً بين القضايا والمسارات. وهكذا يتوسع نقاش الصفقة النووية نحو قضايا إضافية كالسياسة الإيرانية الخطرة، بينما مزيد من الضغط العسكري على إيران وعلى نظام الأسد يمكن أن يشكل أيضاً رافعة من أجل الدفع قدماً بإنجازات في المجال النووي، وربما دفع روسيا إلى القيام بدور إيجابي أكبر، وإعطاء أهمية أكبر لحاجات إسرائيل.

•بالنسبة إلى إسرائيل، هناك احتمال كبير للتصعيد في الساحة الشمالية وللتوتر مع روسيا، سواء على خلفية الهجوم الأميركي المتوقع في ضوء المعارضة الروسية، أو في ضوء رد إيران في الساحة الشمالية أو خارجها، أو في ظل ردود إسرائيل على الرد، الذي يمكن أن يشمل أهدافاً إيرانية كثيرة في سورية. ويُظهر تبادل الرسائل والتحذيرات الحادة بين الدول العظمى جيداً التوتر بينها، بشأن ما يحدث. وفي ضوء هذا يتعين على إسرائيل أن تستعد لمواجهة ما سيأتي: على المستوى العسكري المطلوب تعبئة استخباراتية ودفاعية وهجومية قوية بدأ الجيش الإسرائيلي في تنفيذها؛ في مواجهة التطورات يجب على إسرائيل الاستعداد لهجوم واسع على أهداف إيرانية في سورية، وعلى منظومات دفاعية جوية، وتوجيه النيران الجوية إلى النظام وإمكان تصعيد واسع. على الصعيد العسكري-السياسي، كما علمنا من نقاشات المجلس الوزاري المصغر مؤخراً، المطلوب حوار استراتيجي معمق بشأن الأهداف السياسية لإسرائيل في السياق الحالي، ودور العمليات العسكرية في تحقيق هذه الأهداف، والسيناريوهات المحتملة، وخيارات استراتيجية وعملانية، والتنسيق ومنع الاحتكاك في ساحة العمليات مع الولايات المتحدة ومع روسيا. في جميع هذه المسائل يجب على إسرائيل أن تجد نقطة توازن صحيحة بين كبح خطوات إيران وبين مخاطر اندلاع حرب، وبين التمسك بمصالحها الأمنية وبين الحاجة المهمة إلى الحوؤل دون حدوث احتكاك مع روسيا.

•في ضوء الخطر الكبير للتصعيد العسكري، فإن مركز الثقل الأساسي للتحرك الإسرائيلي هو في المجال السياسي، إذ يجب أن يدور حوار استراتيجي سريع ومكثف مع الولايات المتحدة بشأن الصورة الشاملة، وبشأن القضايا الكبيرة المطروحة (الصفقة النووية، إيران في سورية، حزب الله، نشر إيران وكوريا الشمالية وسائل قتالية وأسلحة غير تقليدية)، والترابط بينها؛ ويجب على إسرائيل أن تنسق مع الولايات المتحدة خطواتها السياسية، وخصوصاً تصرفها حيال سورية، وأن تقيم قناة اتصال مفتوحة مع روسيا من أجل تقليص الاحتكاك والتوتر معها، وبقدر الممكن تشجيعها على أداء دور إيجابي في تقييد تمركز إيران في سورية. ويتعين على إسرائيل أن تبلور مع الولايات المتحدة وسائل من أجل الدفع قدماً بأهدافهما المشتركة والمنفصلة من خلال تقليص المخاطر والتصعيد، وكما في حالات أُخرى، فإن استخداماً مراقباً للقوة العسكرية، وسيطرة على التصعيد وتواصلاً فعالاً مع أعداء وشركاء، كلها أمور ستكون ضرورية لإدارة التحدي.

المصدر: صحيفة “مباط عال” الإسرائيلية، عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية