عيد الحب والحاجة إلى الإسلام الروحي

عيد الحب والحاجة إلى الإسلام الروحي
Spread the love

بقلم: د. هيثم مزاحم — قبل أسبوع، وبمناسبة عيد الحب، اعتبر رجل دين سعودي بارز هو الشيخ أحمد قاسم الغامدي، مدير عام سابق لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في منطقة مكة المكرمة، أن الاحتفال بعيد الحب هو مناسبة اجتماعية إيجابية لا ترتبط بالدين، خلافاً لفتاوى سلفية سعودية سابقاً كانت تحرّم الاحتفال بهذا العيد وبأعياد اجتماعية حديثة غير الأعياد الدينية الإسلامية المعروفة كعيدي الفطر والأضحى.

هذه الفتوى تشير إلى الانفتاح التدريجي الجاري في السعودية من جهة، وإلى تعطش المسلمين إلى الحب والفرح والأمن والسلام بعد نحو عقدين من التطرف والإرهاب والحروب والدمار، وفتاوى رجال الدين المتطرفين والسلفيين الجهاديين التي ترفض الحب والتسامح وقبول الآخر، والاندماج في العالم، وتحاسب الناس وتكّفرهم وتقتلهم على أي كلمة يساء تفسيرها، في فهم سطحي للدين وتأويل ظاهري لآيات القرآن الكريم وأحاديث النبي الكريم محمد(ص).

لكن ذلك لا يعني أن الإسلام يرفض الحب والفرح والاحتفال. فهذا الله تعالى يقول في القرآن الكريم: “وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً”(سورة الروم، الآية 21).

تعني هذه الآية أن الله خلق للرجل الزوجة كي تسكن معه ويكون بينهما حب ومودة ورحمة.

ومن أحاديث النبي محمد “لا يُؤمِنُ أحدُكُمْ حتَّى يُحِبَّ لأخيه ما يُحِبُّ لنفسه”، و”من أحبَّ للَّه، وأبْغَضَ لله، وأعطَى لله، ومنع للهِ، فقد استكمل الإيمانَ”.

فهذا أحد أئمة المسلمين، الإمام محمد بن علي الباقر (57 – 114 هـ) (677 – 733مـ) يقول: “وهل الدين إلا الحب؟”.

فالعودة إلى القرآن الكريم وتفسيره الصحيح وإلى الأحاديث النبوية الصحيحة والمسندة وإلى سيرة النبي محمد نجد عشرات الآيات والأحاديث والأمثلة على الدعوة إلى الحب والتسامح والرحمة وصلة الرحم مع الأقارب والمودة مع الجيران وعيادة المرضى. حتى أن رسول الله قد استفقد جاره اليهودي الذي كان يؤذيه دوماً، فقالوا له إنه مريض فذهب النبي إلى زيارته والاطمئنان عليه.

لكن ينبغي الاعتراف بأن تاريخ الإسلام وأدبياتهم الدينية والسياسية قد عرف الكثير من التشوهات والفهم المتطرف للدين والتفسير الظاهري للقرآن والحديث، ما جعل الكثير من المسلمين يجنح في كثير من مواقفه الدينية والسياسية إلى التطرف والعنف والإرهاب، والابتعاد عن التسامح والحب والاحتفال، وتعقيد الحياة على المسلمين، بحيث تم أحياناً تحريم أمور أحلّها الله أو لم يأتِ الشرع على ذكرها، أو هي أمور مستحدثة لا تتعارض مع الدين والالتزام به.

حتى أن الله قد نهى رسولها عن تحريم ما أحلّ الله له مرضاة الناس، ولو كانت زوجاته. وفي ذلك يقول الله في القرآن: “يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ”(سورة التحريم الآية 1).

وفي آية أخرى يقول الله تعالى “يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ”(سورة البقرة، الآية 185).

أي أن الله يريد تسهيل أمور الناس وليس تعقيدها. فالأصل هو الإباحة وليس التحريم، وكل ما ليس فيه نص أو دليل على حرمته فهو مباح وحلال.

وليس مفاجئاً توجه الكثير من المسلمين وغير المسلمين اليوم إلى الإسلام الصوفي للغرف من معينه الروحي، في مواجهة الفهم المتطرف للإسلام الذي يرفض التسامح ولا يقبل الاختلاف ويكفّر كل مخالف ولو كان مسلماً من مذهب آخر أو حزب آخر.

وقد شهدنا في العقد الأخير انتعاش كتابة الروايات والكتب والترجمة عن التصوف وأعلام الصوفية، وبخاصة أعمال جلال الدين الرومي، وترجمتها من الفارسية إلى العربية والتركية ولغات أخرى.

وقد جاءت رواية “قواعد العشق الأربعون” للكاتبة التركية إليف شفق لتنال اهتماماً واسعاً لدى القراء الغربيين والأتراك والعرب إذ تُرجِمت إلى أكثر من ثلاثين لغة، بل إن الرواية قد أثارت انتباه القراء والكتاب والمثقفين إلى أهمية التصوف وجماله، ودفعت الكثيرين إلى العودة لاكتشاف أعمال جلال الدين الرومي ومتصوفة آخرين، بل إن دور النشر قد اهتمت بالكتب القديمة والحديثة المتعلقة بالرومي وصديقه شمس التبريزي، لما عرفته هذه الكتب من رواج وطلب شديدين. ويعود ذلك إلى كون رواية “قواعد العشق الأربعون” قد لامست حاجة الإنسان الروحية، حاجته للحب والعشق، حب الله وحب نفسه، وزوجته وأهله وأخيه الإنسان، خصوصاً في هذه الحياة المادية ذات الإيقاع السريع، بحيث لم يعد للإنسان وقت للقاء أهله وأصدقائه أو حتى للاختلاء بنفسه والتفكير والتأمل، نتيجة ضغوط العمل والحياة ومشكلاتها.

كما يعود الاهتمام بالجانب الروحي والصوفي في الإسلام إلى النفور من التطرف الإسلامي والحركات السلفية الجهادية والتكفيرية ووحشيتها وجرائمها، ما جعل المسلمين يتوقون إلى الوجه الآخر للإسلام المتمثل في العشق الإلهي والحب الصوفي والرؤية التعددية للمتصوفة وتسامحهم مع الديانات الأخرى وعدم احتكارهم للدين وحب الله ومعرفته، عملاً بالقول الصوفي الشهير: “إن عدد الطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق”.

لا شك أن ثمة حاجة إلى هذا الجانب الروحي في الإسلام الذي يمثله التصوف والعرفان لموازنة الجانب الفقهي التشريعي والكلامي والفلسفي العقلي، لكن يجب ترشيد هذا الجانب، بحيث لا تطغى عليه الخرافات والمبالغات والشطحات وقضايا السحر والدجل من جهة، ما يخرجه عن الدين والتوحيد والاستقامة.

Optimized by Optimole