وعاد في كفن

وعاد في كفن
Spread the love

darwish3

بقلم: محمود درويش * —

يحكون في بلادنا

يحكون في شجن

عن صاحبي الذي مضى

و عاد في كفن

*

كان اسمه.. .

لا تذكروا اسمه!

خلوه في قلوبنا…

لا تدعوا الكلمة

تضيع في الهواء، كالرماد…

خلوه جرحا راعفا… لا يعرف الضماد

طريقه إليه. ..

أخاف يا أحبتي… أخاف يا أيتام …

أخاف أن ننساه بين زحمة الأسماء

أخاف أن يذوب في زوابع الشتاء!

أخاف أن تنام في قلوبنا

جراح نا …

أخاف أن تنام !!

-2-

العمر… عمر برعم لا يذكر المطر…

لم يبك تحت شرفة القمر

لم يوقف الساعات بالسهر…

و ما تداعت عند حائط يداه …

و لم تسافر خلف خيط شهوة …عيناه!

و لم يقبل حلوة…

لم يعرف الغزل

غير أغاني مطرب ضيعه الأمل

و لم يقل : لحلوة الله !

إلا مرتين

لت تلتفت إليه … ما أعطته إلا طرف عين

كان الفتى صغيرا …

فغاب عن طريقها

و لم يفكر بالهوى كثيرا …!

-3-

يحكون في بلادنا

يحكون في شجن

عن صاحبي الذي مضى

و عاد في كفن

ما قال حين زغردت خطاه خلف الباب

لأمه : الوداع !

ما قال للأحباب… للأصحاب :

موعدنا غدا !

و لم يضع رسالة …كعادة المسافرين

تقول إني عائد… و تسكت الظنون

و لم يخط كلمة…

تضيء ليل أمه التي…

تخاطب السماء و الأشياء ،

تقول : يا وسادة السرير!

يا حقيبة الثياب!

يا ليل ! يا نجوم ! يا إله! يا سحاب ! :

أما رأيتم شاردا… عيناه نجمتان ؟

يداه سلتان من ريحان

و صدره و سادة النجوم و القمر

و شعره أرجوحة للريح و الزهر !

أما رأيتم شاردا

مسافرا لا يحسن السفر!

راح بلا زوادة ، من يطعم الفتى

إن جاع في طريقه ؟

من يرحم الغريب ؟

قلبي عليه من غوائل الدروب !

قلبي عليك يا فتى… يا ولداه!

قولوا لها ، يا ليل ! يا نجوم !

يا دروب ! يا سحاب !

قولوا لها : لن تحملي الجواب

فالجرح فوق الدمع …فوق الحزن و العذاب !لن تحملي… لن تصبري كثيرا

لأنه …

لأنه مات ، و لم يزل صغيرا !

-4-

يا أمه!

لا تقلعي الدموع من جذورها !

للدمع يا والدتي جذور ،

تخاطب المساء كل يوم…

تقول : يا قافلة المساء !

من أين تعبرين ؟

غضت دروب الموت… حين سدها المسافرون

سدت دروب الحزن… لو وقفت لحظتين

لحظتين !

لتمسحي الجبين و العينين

و تحملي من دمعنا تذكار

لمن قضوا من قبلنا … أحبابنا المهاجرين

يا أمه !

لا تقلعي الدموع من جذورها

خلي ببئر القلب دمعتين !

فقد يموت في غد أبوه… أو أخوه

أو صديقه أنا

خلي لنا …

للميتين في غد لو دمعتين… دمعتين !

-5-

يحكون في بلادنا عن صاحبي الكثيرا

حرائق الرصاص في وجناته

وصدره… ووجهه…

لا تشرحوا الأمور!

أنا رأيتا جرحه

حدقّت في أبعاده كثيرا…

” قلبي على أطفالنا ”

و كل أم تحضن السريرا !

يا أصدقاء الراحل البعيد

لا تسألوا : متى يعود

لا تسألوا كثيرا

بل اسألوا : متى يستيقظ الرجال

*شاعر فلسطيني راحل