مقاهي «شامبليون» في القاهرة تحتضن باحثين عن الشهرة

مقاهي «شامبليون» في القاهرة تحتضن باحثين عن الشهرة
Spread the love

cairo-theatres

بقلم: رحاب عليوة — بات شارع شامبليون وسط القاهرة، الرابط بين ميدان التحرير من جهة وشارع 26 يوليو من جهة أخرى، ملجأً دائماً لهواة المسرح من الشباب الذين لم ينالوا أي قسط من الشهرة، يتبادلون فيه الخبرات، ويشكلون فرقاً جديدة تتولى مهمة الإعداد لعروض مسرحية منذ كتابة الفكرة إلى الإخراج، بجهودهم الذاتية.
ثلاثة مقاهٍ متتابعة على جانب شارع شامبليون، هي «الكلح» و»رومسا» و»صالح»، تستقبل كل ليلة الذين وقفوا على خشبة المسرح للمرة الأولى خلال الدراسة الجامعية، أو من سبقوهم إلى ذلك فتماسوا بداية مع مسرح المدرســة، أو من لم يسوقه حظه إلى هذا أو ذاك كمحمد مصطفى، خريج جامعة الأزهر التي لم تعترف بعد بالمسرح كنشاط يمكن أن يمارسه طلابها، فلجأ إلى المبادرات الشبابية وورش وزارة الثقافة كي يشبع هوايته التمثيلية.
يقول المخرج المسرحي الشاب أحمد طارق: «يجتمع هواة المسرح منذ أكثر من 15 سنة حول تلك المقاهي، جيل يسلم جيلاً»، مشيراً إلى أن موقع الشارع في قلب القاهرة منحه ميزة كأقرب نقطة تجمع للقاطنين في أطراف القاهرة، إضافة إلى إحاطته بالمسارح الحكومية والخاصة، وقربه من مكاتب اختبار الممثلين (الكاستينغ) لتقديمهم إلى أدوار صغيرة في أعمال سينمائية أو تلفزيونية.
ويضيف أن الجلسات اليومية غالباً ما تتخللها حلقات نقاش حول قضية معينة تخص المسرح وتاريخه. وكان «دور الرئيس الراحل جمال عبدالناصر في تدهور المسرح خلال فترة الخمسينات عبر مسرح التلفزيون» القضية التي يناقشها المخرج الشاب وزملاؤه.
يشرح محمد سعيد، ممثل شارع شامبليون، الفكرة فيقول: «أنشا عبدالناصر، فرقاً مسرحية تابعة للدولة تُصور عروضها أسبوعياً وتبث على التلفزيون، وهو ما جعل الجمهور يعزف عن الذهاب إلى المسارح بعدما باتت تأتي إلى البيوت نهاية كل أسبوع، فأثر ذلك في الفرق الخاصة كفرقة نجيب الريحاني وفرقة إسماعيل ياسين وعرّضهما للإفلاس، فبهت المسرح وفقد كثيراً من معانيه».
ويقول العم تربي، أحد عمال مقهى «الكلح»، إن مقهاهم يجذب كثيرين من محبي المسرح، لكنه لم يقف ليسأل نفسه عن السبب يوماً، «المهم أنهم يأتون، وهو ما يعني زيادة في الرزق الذي لم يعد كما كان، فقد أوقفت الحملات الأمنية المستمرة على الشارع القريب من ميدان التحرير النشاط».
وفي مقهى «رومسا» تداول عدد من الشباب في عرض سيقدمونه على خشبة مسرح وزارة الشباب في حي المهندسين ضمن مبادرة «بلدنا»، إحدى المبادرات الشبابية المجانية برعاية وزارتي الشباب والرياضة.
ويقول محمد خالد، أحد ممثلي العرض إنه «يهدف إلى تصحيح رؤية المجتمع لكثير من الأمور، والتخلص من الحكم على الأشياء عبر مصدر واحد، فالإعلام قادر على تصوير مشهد لشاب يسير خلف فتاة انحنى قليلاً إلى الأرض على أنه يتحرش بها، في حين أن ذلك الشاب ربما انحنى ليلتقط شيئاً وقع منه. لذلك نحن نبعث برسالة مفادها وجوب النظر إلى أي موضوع من زواياه المختلفة للاقتراب من الحقيقة».
ويعمل جون أحد الشباب المشاركين في العرض، في المسرح منذ عشر سنوات، إذ بدأ في المسرح الكنسي في محافظة أسيوط، ثم شارك في مسرح كلية التجارة التي التحق بها. وبعد إنهاء دراسته الجامعية أتى إلى القاهرة باحثاً عن طريق إلى الشهرة، كعدد من ممثلي فرقة «مسرح مصر» الذين شقوا طريقهم انطلاقاً من تلك المقاهي.
شارك جون في كثير من الأعمال المسرحية منها «يوتيوبا» و»2 على شماعة» و»صح النوم»، ويشارك حالياً في فرقة هشام السمباطي، مؤسس اتحاد آفاق مسرحية لفناني المسرح الحر ومدير مهرجان «آفاق»، عبر مسرحية عن أوبريت «الليلة الكبيرة».
يختلط الجد بالهزل لدى أعضاء فريق «بلدنا» كغالبية الفرق المسرحية التي تجلس في تلك المقاهي. يتقمصون دائماً العديد من الأدوار ويختلقون قصصاً ليمثلوها ويتسلوا، فيتحدثون عن جوائز لم يحصلوا عليها، ومسارح لم تطأها أقدامهم، وأدوار لم يؤدوها وكأنهم فعلوا.
دفع ذلك تقى غريب عضو الفرقة إلى القول «لا تصدقوا ممثلاً، فلا ممثل يضحك أو يحكي أو يحزن بصدق. نحن دائماً ما نمثل على بعضنا لأن ذلك يشبع موهبتنا التي لم تنل الشهرة بعد».
في الجهة المقابلة للمقاهي الثلاثة قصر مهجور كان لحفيد محمد علي باشا، وتحول في مرحلة لاحقة إلى مدرسة للتعليم الثانوي، تلقى فيها الفنان حسين فهمي تعليمه. المتراصون في تلك المقاهي يعلمون ذلك، وكلما نظروا إليه تساءلوا هل ينالهم نصيب فهمي من الشهرة، أم يلقون المصير المهمل ذاته للقصر؟

المصدر: صحيفة الحياة