وحدة الموقف الديني والخيارات المقدسة

وحدة الموقف الديني والخيارات المقدسة
Spread the love

بقلم: د. فرح موسى*/

اعتاد الباحثون والمؤرخون ،من مسلمين وغير مسلمين،على التعاطي مع الموقف الديني في معالجة قضايا الأمة المقدسة من خلفيات تاريخيةمتعارضة،إن لم تكن متناقضة،لجهة ما قامت عليه هذه الخلفيات من تأسيسات دينية وسياسية كانت في أصل نشوئها مضطربة ومشوشة لحقيقة الموقف الديني!ولهذا نراهم يترحمون على عهد الخلافة الراشدة،اعترافًا منهم بتمايز ذلك العهد عما تحولت إليه الأمة في زمن الملك العضوض،وصراعات القبائل والمذاهب والفرق والأحزاب !فالباحثون،وكذلك علماء الدين،وكل من له اهتمام بالشأن الإسلامي، يرون أن القرآن الكريم قدّس الأمة الإسلامية،وجعلها خير أمة أخرجت للناس بما وفره الإسلام لها من شروط ومواصفات،إن التزمت بها الأمة كانت لها هذه الخيرية،فأهل البحث ،كما سنرى في رؤيتنا النقدية العلمية،تجاذبتهم الصراعات التاريخية ومقولات الفرق في التاريخ الإسلامي فتجاوزواكل الأصول والثوابت الدينية دون أن تكون لهم منهجيات واضحة في البحوث العلمية لاستحضار الموقف القرآني للحكم على الوقائع والأحداث!بل كان لهم مساعٍ حثيثة للاستغراق في قضايا جزئية تتعلق بشؤون السياسة وعلم الكلام والمناظرات الفقهية ،ولهذا تجدهم دائمًا ينطلقون في بحوثهم من مفردات الإمامة والسياسة،ليكون الموقف دائمًا له منحاه الطائفي أو الحزبي باتجاهات مختلفة في الرؤية والهدف!وما يؤسف له ويعجب منه،هو أن الذين تصدّوا للقيام بمهام الأمة المقدسة قد لحقوا بركب السياسة وصراعات المذاهب والفرق،وهذا ما أدى دائمًا إلى أن تكون الأمة منقسمة وتائهة عن قضاياها المقدسة؛ومَن منا لا يقرأ في تاريخنا صراع المروانيين مع الزبيريين،أو صراع المعتزلة مع الأشاعرة؟ألم يحدث الصراع بينهم حول من تكون له قدسية مكة،ومن تكون له قدسية فلسطين!ومن تكون له قيمة السماء ومن تكون له قيمة الأرض!؟إن تاريخًا كهذا،وصراعات جهنم في تاريخنا الإسلامي لا يمكنها أن تقدّم لحاضرنا ما نحتاجه في صراعنا اليوم لأجل تحرير فلسطين،وقد قرأتم وتقرأون كل يوم ما يكتبه أهل الإعلام والفكر والسياسة في الغرب والشرق عن أن وجهة الصراع اليوم باتت مختلفة،وكأنها بنظرهم وافدة إلى حاضرنا من خارج تاريخنا المعهود لديهم وهم إنما يكتبون ذلك لأنهم غُيبّوا تاريخيًا عما تعنيه قدسية الأمة في القرآن الكريم،وما تعنيه المقدسات بالنسبة لها!فأخذوا الإسلام على أنه مجرد صراع على السلطة ،وأنه دين السيف!ودين للعرب دون غيرهم،إلى غير ذلك مما كان الهدف منه تضييق دائرة الدين والإسلام ليكون مجرد دين خاص تتنازعه الفرق والأحزاب لتسويغ الذات،وقهر كل من يلزم لتحقيق ذلك.!!إن ما نريد قوله في رؤيتنا هذه،هو أننا نعيش في أجواء مفارقات عجيبة في الدين والسياسة تصنعها فلسطين المقدسة على نحو لم يسبق له مثيل،وقد عرفنا ورأينا كيف أن أعداء الأمة يبذلون كل جهد للإبقاء على الظلامات الطائفية والحزبيات الدينية لشرذمة العالم الإسلامي ،وقتل كل خياراته الحيوية حتى لا تكون مقدسات الأمة في واجهة الأحداث،فالمستعمر بكل أدواته الطائفية المريضة عمل من أجل تدمير العراق وسوريا وليبيا وحيث استطاع أن تكون له إمكانيات التدمير والتخريب حمايةً للمشروع الصهيوني في فلسطين!؟فالخيار المقدس اليوم لا بد أن يكون آتيًا من خارج التجادبات التاريخية والدينية التي غذّت روح الانقسام،وأخرجت الدين عن أن يكون عامل وحدة،كما هو شأن تشريعاته الهادفة في أصل تشريعها لتحصين وحدة الموقف الديني.وانطلاقًا من ذلك،نرى ضرورة لأن تنصرف هموم البحث العلمي نحو وجهات جديدة في فهم الرؤية الدينية ،وجهات تتجاوز أراء الرجال واجتهادات فقهاء السلطة،وقد يكون من المفيد جدًا إتلاف كل المدونات التي أسست لكل هذا الانقسام التاريخي حول القرآن والسنة!؟ففلسطين اليوم والقدس وكل مقدسات الأمة لم تعد تقرأ على نحو ما كانت عليه في ماضي الأمة بعد أن تجوهرت بلحاظ رؤيتها المقدسة في العالم كله!؟ويبقى السؤال ،ماذا سيفعل الباحثون في الدين والسياسة؟فهل ستتوجه بحوثهم إلى مزيد من الاستغراق في التاريخ للاستمرار في تشويه القضية الفلسطينية،أم نراهم يعمدون إلى تفنيد المواقف وفق الرؤية القرآنيةوالسنة الجامعة غير المفرّقة؟فماذا هم فاعلون وفلسطين تكتب اليوم فصول تاريخها الإسلامي الناصع بعد أن تآمرت عليها أكثرية أقلام وبحوث الدين والدنيا؟فالقدس ،وكل مقدسات المسلمين،لم يحدث لها أبدًا أن كانت موصولة بنصوع تاريخها كما هي عليه اليوم من تحول في الفكر والرؤية السليمة في الدين والسياسة،لأن أهل فلسطين وكل من يقاتل ويجاهد من أجلها،يعلمون أنه لم يكن لها قدسية الدين في ظل تاريخ الفرق والمذاهب والأحزاب،إذ كيف يكون لها ذلك،وهي قد ضاعت في سياق هذا التاريخ بما اشتمل عليه من صراعات أدت إلى أن تكون فلسطين والقدس أسيرةً مقهورةً ومحتلةً من قبل أعداء الدين والإنسانية!ومن هنا،نرى من وجهة نظرنا الفكرية والعلمية،ونحن نحسب أنفسنا على هذا الخط التأسيسي في البحث العلمي،نرى أن العالم اليوم يعيش تحوله الأخير في سياق صراعاته الحضارية وصداماته الدينية،وهو يصارع من أجل البقاء في فلسطين لما تعنيه من تجوهر في الدين والتاريخ والجغرافيا،ولن يوفر جهوده لتكون له أقلام وكتب جديدة في الدين والسياسة لإعادة تسويغ مشروعه في مقابل طوفان الأقصى،وهذا ما ينبغي على أهل البحث والدين والفكر أن يكونوا حذرين منه في أجواء ما نشهده من تحولات عالمية نحو القدس وفلسطين.فالذين يأسفون من أهل البحث على ما آلت إليه الأحداث في ما تجري عليه الأمور من توفر عناصر الدعم والقوة لمواجهة المشروع الصهيوني من خارج سياقات الأحزاب والمذاهب،نقول لهؤلاء :إن سنن التاريخ لابد أن تعمل عملها،ومثلما أن الله يُنقص الأرض من أطرافها دون أن يكون لأحد إرادة أن يزيد منها؛فكذلك هو حال الأمم في تحولاتها لا يسعها إلا أن تعقل معنى تداول الأيام،وبأن القدس ماثلة في أيام الله تعالى!ولن يكون لأحد ،ممن هم منزعجون من تحولات الصراع ،قدرة إحداث الخروق في فجوات الماضي السحيق،لأن أحداث فلسطين خرجت عن كونها مجرد حدث سياسي تتقاذفه أكاذيب الغرب والشرق،لتكون بوصلةًقرآنيةً على امتداد أمة العرب والمسلمين بكل أبعادها الدينية والسياسة.وأنى لمن تستهويه الطوائف والمذاهب وجراحات التاريخ بكل فتنه وتجاربه أن يكون متعقلًا لمعنى وحقيقة أن الفهم الديني السليم هو الذي يحمي الخيارات المقدسة،ويصنع ملاحم النصر على تراب فلسطين رغم أنف الظالمين والحاقدين والمطبّعين،وكما نعلم ويعلمون،أن للنصر رجاله من وحي المؤمنين،وليس ممن أسلم وجهه للطين،واستوى على جرم الخيانة وموت الضمير!!!!والسلام.

Optimized by Optimole